عام 2024: انتهاكاتٌ مستمرة وإعداماتٌ تتصاعد
محمد آل عبد الجبار، شابٌ سعودي في العقد الثالث من العمر وآخر من أعدمته السّلطات السّعودية منذ أيام. عشرُ سنواتٍ قضاها عبد الجبار في معتقلات آل سعود هُدد فيها بالإعدام مراراً وتعرّض لأبشع أنواع الانتهاكات والتّعذيب الوحشي. ابن مدينة العوامية في القطيف لم يرتكب أي جرمٍ سوى المشاركة في حراكٍ سلمي مطلبي عام 2014، مشاركةُ كلّفته سنوات طوالٍ من عمره قبل أن تكلّفه حياته بعد أن قررت السّلطات تنفيذ تهديدها له بالإعدام.
محمد لم يُقتل وحده، سلسلةٌ من الإعدامات تنفذها السّعودية منذ بداية عام 2024 وصل عدد ضحاياها إلى أكثر من مئة معتقل من بينهم ثمانية من معتقلي الرأي. يشترك ضحايا آل سعود بنمط الحياة قبل وبعد الاعتقال، يُسجنون تعسفياً دون تهمٍ واضحة، يتعرضون للتعذيب ويحاكمون محاكماتٍ غير عادلة يخرجون منها بأحكامٍ قاسيةٍ وظالمة، ثم إما يُتركون للموت مرضاً داخل السّجن أو يعدمون بالسيف. أحداثٌ تشكّل انتهاكاتٍ اعتادت السّعودية على ممارساتها ضد كل من يقبع في سجونها أو يخالف آراءها خارجها.
الاحتجاز التّعسفي سمة ملاصقة للنظام السّعودية، تعتقل السّلطات كل من تُقرّ وفقاً لمعاييرها أنهم مشتبهين وإن لم يكن هناك تهمٌ واضحةٌ أو مثبتة، اعتادت على اعتقال الكثير من الناشطين والحقوقيين دون أي سندٍ قانوني أو مبررات للاحتجاز، تهمهم تتمحور حول إبدائهم لآرائهم المعارضة أو غير المؤيدة للسلطات أو المُطالبة بحقوقٍ بديهيةٍ وإنسانية.
انتهاكات السعودية لا تتوقف عند الاعتقال فحسب، إذ يأتي بعدها انتهاك الحق في محاكمة عادلة عبر اختراق إجراءات التقاضي السليمة. تثبّت السّلطات التهمة على معتقلي الرأي قبل المحاكمة فيغيب افتراض براءتهم، تفرض القيود على مشاورة الدّفاع وحتى على استدعاء شهودٍ للدفاع، المتهم يُدان حتى في حالة تصريح القضاة بالشّك في ذنبه أو تهمته.
ولا تكتفي السّلطات بهذا الحد من التّجاوزات أثناء المحاكمة،إذ تلجأ إلى المحاكمات السّرية كأداة لتصفية معتقلي الرأي داخل السّجون. لا تسمح للمحتجزين بتوكيل محامٍ أو بحضور لجنة دولية تراقب المحاكمة ويمنع ذوي المعتقل من الحضور أو حتى المعرفة بموعد المحاكمة، كما تركز المحكمة على التّهم الملفقة غالباً أو تلك التي تنتزع تحت التعذيب.
بغرض استخلاص الاعترافات واستخدامها كأدلةٍ في المحاكم دون مراجعتها، يتعرض معتقلو الرأي للتعذيب والمعاملة السّيئة لتنتهك السّلطات حقهم في المعاملة الحسنة.
منذ عدة سنوات، سُرّبت تقارير طبية حول الأوضاع الصّحية لمعتقلي الرأي في السّعودية والتي أظهرت تعرضهم لسوء المعاملة والإهمال الطبي والتعذيب الشديد. التقارير التي أجريت على نحو 60 معتقلاً، خلُصت إلى أنهم يعانون من كدمات وحروق وجروح بعضها قديم لم يلتئم بسبب الإهمال الطبي، بعضهم لا يستطيع الحركة على الإطلاق بسبب الجروح في أرجلهم وآخرون يعانون من هزالٍ شديد ونقصٍ حادٍ في الوزن نتيجة سوء التغذية ونقص السوائل في أجسامهم.
لطالما تعرضت السّعودية لانتقادات حادّة من منظمات حقوق الإنسان بسبب معدلات الإعدام المرتفعة، وكلما ارتفعت الصّيحات ضدها ترتفع معها نسبة الإعدام في السّعودية. عام 2020، وصل عدد الإعدامات إلى 27 حالةً ليرتفع في السنوات الأخيرة حتى بلغ 170 إعداماً عام 2023 فيما وصل إلى أكثر من 100 إعدامٍ منتصفَ هذا العام.
موجة الإعدامات في السّعودية تتصاعد سنة بعد سنة، وما ذكرناه يشكّل انتهاكاتٍ صارخة تقوم بها السّلطات ومبدأٌ تنتهجه ضد شعبها منذ زمن بعيد، وهي تعبر عن جزءٍ بسيطٍ مما يُمارس ضد كل من يتفرد برأيه أو يلجأ للتغيير والإصلاح داخلها. تستهدف السّعودية بعقوباتها كلَ مؤثرٍ وتنتهك بأفعالها كل مبادئ العدالة الدولية، ومن هنا على المجتمع الدّولي اتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف هذه الانتهاكات والحد من الإعدامات التي باتت تفتك بالشباب السّعودي.
ارسال التعليق