امريكا تهرب من البحر الأحمر وتسلم "بن سلمان" ملفه، لماذا؟!
[جمال حسن]
* جمال حسن
كشفت مصادر استخباراتية غربية وعربية، عن دور رئيسي ومحوري لليمن في معركة برية مرتقبة ضد الاحتلال الاسرائيلي؛ يقال أنه عبر نقل عشرات الآلاف من المقاتلين اليمنيين لسوريا ولبنان تمهيدا للقيام بعملية برية واسعة ضد الكيان الاسرائيلي، وهو ما لم تؤكده صنعاء.
تزامن ذلك مع اعلان أمريكا تسليمها ملف البحر الأحمر الى السعودية والتي بدأت بتحرك مكثف وغير مسبوق تحت شعار "خفض التصعيد"، بدأ باستدعاء وساطة روسية؛ برز خلال التصريحات والبيانات التي أعقبت لقاء وزير الخارجية الروسي بأمين عام التعاون الخليجي وولي العهد السعودي.
ما دفع بالرياض الاعلان بانها قد وضعت ما أسمته "السلام" في اليمن منوطاً بخفض التصعيد في البحر الأحمر، وهو شرطا لم يكن في قاموس الحراك السعودي السابق في ملف المفاوضات مع صنعاء التي تقودها الوساطة العمانية..
لم تقتصر فرحة المعتوه "بن سلمان" بتكليفه ملف البحر الأحمر من قبل سيده العم سام بدفعه الرشى لروسيا لتضمين بيان وزارة خارجيتها تحذيرا من عودة نشطة للمواجهات المسلحة هناك، بل امتد لضم بنود تتعلق بوقف العمليات اليمنية الى بيان الاجتماع الوزاري لمجلس التعاون الخليجي والذي أعاد الازمة في اليمن إلى نقطة الصفر.
ويقول مراقبون أن التحركات السعودية المشبوهة بخصوص البحر الأحمر في هذا التوقيت دليل قاطع على فشل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين في احتوائهم العمليات اليمنية الداعمة للمقاومة الفلسطينية وأهل غزة بفرض حصار بحري على كيان الاحتلال الصهيوني.
وكانت وكالة أسوشيتد برس قد نقلت عن قادة في البحرية الأميركية وخبراء تأكيدهم ( إن الحملة التي تقودها واشنطن ضد الحوثين الذين يشنون على هجمات ردا على العدوان الإسرائيلي على غزة، تحولت الى المعركة البحرية الأكثر كثافة منذ الحرب العالمية الثانية)
وشددت الوكالة في تقرير لها قبل أيام "إن البحرية الأميركية استعدت لعقود من الزمن لمحاربة الاتحاد السوفياتي، ثم روسيا والصين لاحقا، على الممرات المائية في العالم. لكن بدلا من تحولها الى قوة عالمية، تجد نفسها في قتال مع جماعة غامضة في اليمن، مدعومة من إيران".
وهذا ما يفسر منح واشنطن محمد بن سلمان ملف البحر الأحمر في هذه الظروف العصيبة بعد الفشل الذريع الذي منيت به في الدفاع عن وليدها غير الشرعي الكيان الاسرائيلي، وكان لابد لها من تقديم بقرتها الحلوب قربانا خاصة وان البقرة تنحر قرابين في الأعياد والأحزان فلا فرق لراعيها في ذلك.
وقد هاجم الحوثيون منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أي بعد أكثر من شهر على تفجر الحرب في غزة يوم السابع من أكتوبر، أكثر من 160 سفينة في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، ما تسبب في انخفاض حجم الشحن البحري عبر الممر الحيوي في البحر الأحمر المؤدي نحو قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط.
وقال إريك بلومبرغ من السفينة "يو إس إس لابون" الأمريكية الحربية في البحر الأحمر، "لا أعتقد أن الناس يفهمون حقا مدى خطورة ما نقوم به وحجم التهديد الذي يواجه السفن"؛ فيما قال ديفيد ورو العميد البحري المشرف على مدمرات الصواريخ الموجهة إن "السفن الحربية تتعامل مع تهديدات مستمرة على مدار اليوم ومنذ أشهر".
هذا ويرى بريان كلارك، وهو غواص سابق في البحرية وزميل كبير في معهد هدسون أن الموجهات الحالية بين الحوثيين والامريكان في البحر الأحمر"هي الأكبر بالنسبة للبحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية.. حيث يتمكن الحوثيون من شن هجمات لا تستطيع الولايات المتحدة إيقافها في كل مرة"، وهذا ما يفسر إقدام الولايات المتحدة على القرار الأخير دفعاً منها لتوريط الرياض في مستنقع جديد لكسف أموالها ببيعها اسلحة خردة.
ويشدد مراقبون للشأن السعودي أن قرار واشنطن تسليم ملف البحر الأحمر للسعودية او على الأقل إلقاء الكرة بملعب الرياض التي رفضت خلال الأشهر الماضية الانخراط بأية تحالفات عسكرية لحماية الاحتلال الصهيوني خشية ردة الفعل اليمنية التي سبق لها وان اكتوت بنيرانه على مدى نحو 9 سنوات من الحرب والحصار.
ثم لايمكن للرياض كتمان مخاوفها المتنامية من تجربة اخرى مع أبناء اليمن الشقيق، بعد أن كادت هجمات انصار الله تطال احدى سفنها، في الوقت الذي تتعرض لضغوط امريكية غربية بشان انتشال سفينة "سونيون" التي لا تزال تشتعل في البحر الأحمر منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، رغم رغبة "بن سلمان" الطائش خوض حرب ثانية مع الحوثي لمكاسب دبلوماسية أو عسكرية وفق ظنه المتعفن.
وخلال الأشهر الأخيرة قامت واشنطن وبريطانيا بتغييرات في تموضع ما اسموه "تحالف حماية الازدهار" في البحر الأحمر بتقليص قواتهما هناك خوفاً من استهداف الحوثي لها، منها حاملة الطائرات "يو اس اس ايزنهاور" بذريعة إجراء صيانة ضرورية، لكن الأمر كان بسبب تعرضها لثلاث عمليات هجومية نفذتها القوات المشتركة البحرية والصاروخية اليمنية واستهدفت ايزنهاور مباشرة والحقت بها اضرار .
ثم بعد ذلك بوقت قصير، سحبت الولايات المتحدة الأمريكية حاملة طائراتها الاخرى "روزفلت" من منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي لا يزال يثير نقاشا وتحليلا واسعا لدى المراقبين والمعنيين بالشان الاقليمي، الذين أكدوا صحة رواية قائد الحركة الثورية في اليمن السيد عبد الملك الحوثي في خطابات متعددة أن "ضغطا عسكريا خلف قرار سحب ايزنهاور من أن تفرض نفسها".
ونشر موقع ” اكسيوس ” الأمريكي خارطة تكشف خلو البحر الأحمر من أي قطعة بحرية أمريكية وهي منطقة "مصنفة" كمنطقة نفوذ أمريكية “سهلة” الوصول، ويحدث ذلك لأول مرة منذ العام 2001 والدلالة التي نقلتها الخارطة توضح انحسار النفوذ الامريكي في واحدة من أهم الممرات البحرية وهو مؤشر له دلالات كثيرة، خاصة وان جميع الدول المطلة عليه حليفة لها، ما يعكس مخاوف واشنطن من أي تصعيد مع انصار الله وهي تعيش مرحلة الانتخابات الرئاسية.
واشنطن كانت ولا زالت على يقين أن لصنعاء القدرة الطافية في استهداف حاملة طائراتها "لا فرق أكانت ايزنهاور أو روزفلت" وتعريضها لأضرار "جسيمة ومحرجة" وهو احتمال مرتفع جدا، إن وقع ذلك سيكون بمثابة ضربة قاسية لسمعة الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم نفسها "كأكبر قوة بحرية في العالم"، وهو ما نقله موقع Ward Carroll عن قائد حاملة الطائرات ايزنهاور كريستوفر تشوداه هيل.
وهذا ما يؤكد فشل التحالف الذي تقوده امريكا لحماية الملاحة الإسرائيلية أو المرتبطة بها عبر باب المندب والبحر الأحمر من الهجمات اليمنية المساندة لغزة، مثلما فشلت الهجمات الجوية الثنائية المشتركة الأمريكية البريطانية لضرب قدرات اليمن العسكرية بغية الحد من العمليات اليمنية البحرية والجوية، وبالتالي فقد التحالف القدرة على الردع مثلما كان المخطط .
يقول مراقبون أن عمليات اليمن في البحر الأحمر والعربي وحظر الملاحة من والى كيان العدو الإسرائيلي ستنتهي بتوقف العدوان والحصار على غزة، لكن ثمة أمر مهم لا يمكن لواشنطن تجاهله وهو أن "انصار الله" المناهضة لسياستها باتت تملك قابلية كبيرة برهنتها عسكريا وسياسيا بالانتقال السريع نحو التصرف كقوة إقليمية مؤثرة على التمدد الجيوسياسي اقتصادي لامريكا بما في ذلك على البحرين الأحمر والعربي خاصة خليج عدن وباب المندب وان ذلك غير قابل أيضا للاحتواء .
تجنب واشنطن الدخول في مغامرة مع صنعاء من أجل وليدها غير الشرعي هو إقرار منها بوجود تهديد حتمي لمستقبل نفوذها في هذه المنطقة البحرية الهامة، ما سيثير الكثير من المخاوف ويمتد الضرر ليشمل دول أوروبية وآسيوية، واخرى اقليمية منها الامارات والسعودية ومصر وقبل ذلك "اسرائيل" إذ ان النفوذ يرتبط بحماية حلفاء واشنطن أكثر من أمريكا نفسها .
ارسال التعليق