ما سر الرفض الأممي ومنظمات الإغاثة لتصنيف أنصار الله "إرهابيين"؟
التغيير
تشعر المنظمات الدولية والأمم المتحدة بأن قرار الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيف أنصار الله "إرهابيين" سيقوض الجهود الإنسانية في اليمن، وقد يزيد من تدهور الوضع الإنساني، وارتفاع نسبة المجاعة في البلاد.
وبينما تضغط الأمم المتحدة ومنظمات دولية على الإدارة الأمريكية للتراجع عن القرار الذي يدخل حيز التنفيذ في 19 يناير 2021، جددت واشنطن تأكيدها أنها لن تتراجع عن القرار رغم الضغوطات التي تتعرض لها.
في المقابل تعتقد الحكومتان اليمنية وحكومة المملكة، وبعض الدول المؤيدة للحرب ضد أنصار الله، أن القرار سيسهم في تسريع الحل في اليمن، وإجبار الحركة على وقف انتهاكاتهم ضد المدنيين، ووقف استهداف المملكة.
ضغط أممي
مع إعلان واشنطن، في الـ10 من يناير 2021، تصنيف أنصار الله "منظمة إرهابية"، وفرض عقوبات على زعيمها عبد الملك الحوثي والقياديين فيها؛ عبد الخالق الحوثي وعبد الله يحيى الحكيم، سارع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، للتحذير من تداعيات هذا الإعلان.
وفي إفادة خلال جلسة مجلس الأمن الدولي حول الحالة في اليمن، منتصف يناير، أعرب غريفيث عن "القلق الشديد من قرار واشنطن اعتزام تصنيف حركة أنصار الله منظمة إرهابية"، معتبراً أن القرار "سيسهم في حدوث مجاعة باليمن، وسيؤدي إلى تثبيط الجهود المبذولة لجمع الأطراف معاً".
من جانبه أكد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، أن على الولايات المتحدة "أن تلغي" قرارها بتصنيف أنصار الله جماعة "إرهابية"، مضيفاً: إن "الأولوية الأكثر إلحاحاً هي تجنب مجاعة واسعة النطاق"، لافتاً إلى أن "التوقعات للعام 2021 تظهر أن 16 مليون شخص سيعانون الجوع".
أما ديفيد بيزلي، المدير التنفيدي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فقد دعا في الاجتماع ذاته الولايات المتحدة إلى التراجع عن قرارها، داعياً دول الخليج إلى تحمل المسؤولية المالية من أجل توفير احتياجات اليمن.
وضغوطات منظمات دولية
لم يتوقف الأمر عند الأمم المتحدة، فالمنظمات الدولية، وفي مقدمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عبرت عن مخاوفها من أن يؤدي هذا التصنيف إلى "تأثير سلبي" على توصيل المساعدات الحيوية للمدنيين الذين يعانون الجوع والمرض.
وقال دومينيك شتيلهارت، مدير العمليات باللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن اللجنة تحث الدول التي تفرض مثل هذه الإجراءات على النظر في "الاستثناءات الإنسانية" للتخفيف من أي تأثير سلبي على السكان وعلى المساعدات المحايدة.
من جانبه اعتبر مسؤول السياسات الإنسانية لدى منظمة أوكسفام الأمريكية، سكوت باول، القرار الأمريكي بـ"أنه سياسة خطرة وغير مُجدية".
وتابع: "ستعرض حياة الأبرياء للخطر؛ ولن يساعد هذا التصنيف في حل النزاع القائم، ولا في تحقيق العدالة بخصوص الانتهاكات والتجاوزات التي ارتكبت، ولكن في تصعيد المعاناة بالنسبة لملايين اليمنيين الذين يصارعون من أجل النجاة".
أما منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية فقد رأت أن ذلك "يهدد المساعدات الإنسانية التي يعتمد عليها ملايين اليمنيين للعيش"، مضيفة أن "أكثر من 20 مليون شخص في اليمن، أي نحو ثلثي السكان، يحتاجون إلى مساعدات غذائية".
تناقض واضح
ووصف التناقض في تصريحات مسؤولي المنظمات الدولية بـ"الفاضح"، مستغرباً في الوقت ذاته تجاهل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث من حديث المبعوث الدولي السابق إسماعيل ولد الشيخ، من أن أنصار الله هم من أحبط اتفاق السلام في اليمن، قائلاً: إنها "الحقيقة التي يعرفها مارتن غريفيث".
وأضاف: "إذا كان أنصار الله هم أهم عائق أمام عملية السلام، فكيف يمكن تصور أن يكون تصنيفهم إرهابيين إعاقة للحل السلمي؟!".
وتساءل قائلاً: "لو كان اليمن كله بمنافذه كلها تحت سيطرة أنصار الله لقلنا إن قرار تصنيف أنصار الله جماعة إرهابية سيضر بالمواطنين".
قبل أن يستدرك موضحاً: "لكن أغلب المنافذ البرية والبحرية لا تسيطر عليها أنصار الله، ومن ثم فلا معنى للقول بتضرر تدفق المعونات الإنسانية والسلع التجارية والتحويلات المالية للبلاد بسبب التصنيف".
لا تراجع
الولايات المتحدة رغم تلك البيانات والضغوط جددت رفضها التراجع عن تصنيف أنصار الله "منظمة إرهابية"، وقال ريتشارد ميلز، نائب السفير الأمريكي في الأمم المتحدة: "نعتقد أن تلك الخطوة هي الخطوة الصحيحة للمضي قدماً ولإرسال الإشارات الصحيحة إذا أردنا أن يحدث تقدم في العملية السياسية".
وأكد "ميلز" اتخاذ واشنطن إجراءات إنسانية كافية في اليمن عقب تصنيف أنصار الله منظمة إرهابية؛ "لضمان عدم حصول كارثة إنسانية حذّر منها بعض المسؤولين الأمميين ومنظمات الإغاثة".
وكانت الحكومة اليمنية قالت مجدداً إنها ترحب بالقرار الذي اتخذته الإدارة الأمريكية، والذي ينسجم مع مطالب الحكومة وإجماع الشعب اليمني".
وقال وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك، أمام مجلس الأمن: إن حكومة بلاده "حريصة على تسهيل أعمال كافة الهيئات الدولية والمنظمات الإنسانية والمؤسسات التجارية والمصرفية لضمان سهولة تدفق المساعدات والسلع لكل اليمنيين دون انتقاص".
دوافع متعددة
يعتقد سيف الحدي، الناشط اليمني في مجال الحكم الرشيد وبناء السلام، أن تحرك المنظمات بهذا الاتجاه "له عدة دوافع، وكل دافع له تأثير على منظمة معينة دون الأخرى".
وتلك الدوافع وفقاً لـ"الحدي" في حديثه لـ"التغيير"، مشيراً إلى أنها "ستعمل على التأثير في قرار هذه المنظمات لمحاولة رفع التصنيف، أو على الأقل لدق ناقوس الخطر ومنع باقي الدول من التأثر بالقرار الأمريكي والسير خلفهم في تصنيف أنصار الله جماعة إرهابية".
أما الدافع الثاني فهو "القرار الأمريكي الذي سيمنع دخول التمويلات والمساعدات الأمريكية إلى مناطق أنصار الله، والمنظمات تحتاج للعمل في اليمن، وبعضها بدوافع إنسانية والبعض الآخر بدوافع سياسية، ولكن منعها من استخدام الأموال الأمريكية في مناطق أنصار الله سيحد من قدرتها على التوسع والوصول إلى المحافظات الأخرى، خاصة أن الولايات المتحدة تعتبر من أكبر الممولين لخطة الاستجابة الإنسانية التي أعلنتها الأمم المتحدة".
فيما يتلخص الدافع الثالث بـ"تخوف المنظمات الدولية من توحش أنصار الله بعد هذا القرار، وأن تقوم باتخاذ قرارات قاسية وتعسفية جديدة ضد المنظمات وتحركاتها، حتى تلك التحركات غير الممولة من الولايات المتحدة".
ويرى أن أمريكا "ستستخدم هذه العقوبات وهذا التصنيف في أي محادثات قادمة مع إيران والدول المتعاطفة معها، وخاصةً في دول غرب أوروبا، وأيضاً لكون قراراتها تساند صورة أمريكا كدولة تفي بالوعود ولا تخذل حلفاءها، حيث إن هذا التصنيف يصب في مصلحة عدد من الدول العربية وإسرائيل".
ويرى أن تراجع واشنطن عن القرار "أمر وارد، ولكن بعد قياس مدى المنافع والمصالح المكتسبة من ذلك على الصعيد الدولي والإقليمي".
ارسال التعليق