حدث وتحليل
"استراتيجية العزم"؛ عين على الامارات وأخرى على العرش
[ادارة الموقع]
تتجه العلاقة بين الإمارات والسعودية نحو المزيد من التفاعل والانسجام في ظل الظروف المتسارعة التي تمر بها المنطقة والتي كان لهاتين الدولتين يد كبير في حدوثها، ولكون ما فعله كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد لم يكن مجديا في كثير من الملفات الشائكة في المنطقة، كان لابد من البحث عن استراتيجية جديدة لحفظ ماء الوجه، ومن هنا يمكن اعتبار "استراتيجية العزم" نتيجة طبيعية للمرحلة السابقة وسياسات كلا البلدين.
الاستراتيجية الجديدة والتي تم الاتفاق على بنودها قبل عدة ايام تم التوقيع بموجبها على 60 اتفاقا لإقامَة 44 مَشروعا استراتيجيا مُشتركا للبُنى التحتيّة في مَجالات الأمن والصناعات العَسكريّة والنفط والغاز والاستثمارات الداخلية والخارجية لتَحقيق التَكامُل بين البلدين، وسيتم ترجمة هذه الاستراتجية من خلال مجموعة من المشاريع النوعية ضمن المجالات ذات الأولوية لكلا البلدين، حيث استغرقت الخلوة 12 شهرا من التنسيق، وستستغرق 60 شهرا للتنفيذ.
التنسيق الجديد بين البلدين يوحي بعدة مسائل نلخصها بالتالي:
أولاً: لا نعتقد بأنه من المصادفة ان يتزامن موعد انعقاد هذا الاجتماع بين الطرفين السعودي والاماراتي مع الذكرى السنوية للأزمة الخليجية التي تم بموجبها محاصرة قطر من قبل جيرانها الخليجيين، ومن سوء حظ السعودية ان الحصار لم يأتي أوكله، بل على العكس زاد انفتاح قطر على العالم، وهي اليوم تسعى للحصول على منظومة "أس 400" الدفاعية من روسيا، وربما قد يكون التنسيق الجديد هدفه احباط هذه الصفقة وايجاد سبل جديدة للحصار بعد ان فشلت كل التجارب السابقة في هذا الإطار.
ثانياً: التنسيق الجديد يعلن محاصرته لنفسه من خلال شل مجلس التعاون الخليجي، وإضعاف دوره الاقليمي، وبرز هذا الكلام جليا من خلال ابعاد الدول التي وقفت على الحياد من الأزمة القطرية وحرب اليمن عن هذا التنسيق ونذكر منها "الكويت وسلطنة عمان"، وتم اقصاء البحرين وتجاوزها من هذا الاجتماع وكأنهم يقولون لها لانريد سوى الدول المؤثرة القوية في هذا التنسيق، وهذا يدل على ان المجتمعين سيبدأون بصناعة كعكة جديدة رائحة البارود والمؤامرات تفوح منها.
ثالثاً: يبدو أن بن سلمان معجب جدا بولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد الذي يشور عليه في كل شيء، كما أنه معجب بالتجربة الاماراتية فيما يخص الانفتاح، لكن الانفتاح الذي يبحث عنه بن سلمان يريد تفصيله على مقاسات تفكيره.
هذه المقاسات التي كان سببا في اعتقال 17 ناشطا حقوقيا مع مطلع شهر رمضان المبارك الذي لم يعفو فيه عن أحد من المسجونين، والذين بلغ عدده أكثر من 1000 شخص منذ أيلول الماضي، وشكلت حملات الاعتقال الاخيرة صفعة قوية لمصداقية بن سلمان في الانفتاح والتحرر وخلق مساحة للشعب لكي يمارس المزيد من الحريات الاجتماعية، وعوضا عن ذلك أظهر الجميع خوفهم مما يجري، خاصة بعد حملة اعتقال النشطاء، وبدأوا بإغلاق حساباتهم الشخصية على "تويتر"، ولا يتحدثون مطلقا في السياسة عبر الهاتف المحمول وعوضا عن ذلك يحاولون استخدام برامج مشفرة عبر الانترنت.
هذا الكلام لا يحزن بن سلمان ابدا فهو يسعى للقيام بنفس التجربة الاماراتية في هذا المضمار والتي تعتمد على مبدأ" تكلم عما تريد بعيدا عن السياسة، وخذ كل ما تريد من حريات اجتماعية اخرى".
رابعاً: بالرغم من ان بن سلمان يسيطر حاليا على جميع وسائل الاعلام والمؤسسات الرسمية ومفاصل الحكم في البلاد، وبالرغم من اعتقاله لعدد كبير من رجال الدين والدعاة والأمراء وكل من يعترض طريقه ومع ذلك لم يتمكن حتى اللحظة من ان يصل إلى كرسي العرش، فهل سينقذه التنسيق الجديد من عجزه هذا ويمسك بيده لكي تطأ قدمه كرسي الملك أم أن الطريق لا يزال طويلا لطالما ان سياسته المتبعة حاليا لم تقترب بعد من نبض الشارع السعودي الباحث عن تغيير حقيقي في المضمون وليس في الشكل.
الأيام المقبلة ستكون كفيلة بإيضاح هذا التنسيق ومدى جدواه على مستوى الشعبين وتأثيره على المواطنين، ونأمل ألا يكون مشابه للتحالف العسكري الاسلامي الذي بقي حبرا على ورق، في انتظار القادم تبقى مشاريع بن سلمان فعالة ونشطة على الورق دون أن نلمس منه شيئا يذكر في واقعنا الحالي سوى المزيد من التقشف وغلاء المعيشة والبطالة.
ارسال التعليق