القمع العابر للحدود.. السعودية نموذجٌ صارخ
نشرت "هيومن رايتس ووتش" تقريرا يحمل عنوان "سَنَجِدك: لمحة عن قمع الحكومات بحق مواطنيها في الخارج"، ويفصّل التقرير "75 حالة ارتكبتها أكثر من 20 حكومة منها الإمارات والبحرين وتركيا والسعودية، لإسكات معارضين أو ردعهم" خلال 15 عاما.
وقال برونو ستانيو، كبير مسؤولي المناصرة في هيومن رايتس ووتش إن "على الحكومات والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية الاعتراف بالقمع العابر للحدود كخطر على حقوق الإنسان. عليها إعطاء الأولوية لاستجابات سياسية جريئة تحترم إطار حقوق الإنسان وتدافع عن حقوق الجماعات والأفراد المتأثرين".
من أول الأمراء إلى ابن سلمان.. المقصلة عينها:
ذكرت المنظمة في تقريرها الصادر في الثاني والعشرين من الشهر الجاري 2024، مقتل الصحافي جمال خاشقجي عام 2018 في قنصلية السعودية في إسطنبول، كمثال صارخ على قمع الحكومات لمعارضيها خارج حدودها.
كما أشارت إلى أن هناك دولا استهدفت أفراد عائلات معارضين لإجبارهم على التزام الصمت.
في هذا الصدد لا بدّ من استذكار "ناصر آل سعيد الشمري"، الذي سبقت ولادته إنشاء "السعودية" على رفات أصحاب الأرض الأصليّين. هذا الرجل الذي قاد سلسلة من الإضرابات، للمطالبة بتحسين ظروف عيش عمال شركة أرامكو، واستطاع مع زملائه إرغام الشركة على تنفيذ هذه المطالب. قبل أن يقود مرة أخرى حركة انتفاضة للعمال من اجل دعم فلسطين عام 1953 ليُعتقل على إثرها ويُفرج عنه لاحقاً.
عاد وصدر في حقه أمر بالقبض عليه عام 1956، ليغادر شبه الجزيرة العربية باتجاه مصر عبد الناصر. ليؤسس حركة "اتحاد شعب الجزيرة" التي نشطت في القاهرة. وآخر محطة له كانت في بيروت، قبل أن تُفعّل مخابرات آل سعود جواسيسها ويقوموا باستدراج الشمري إلى مقرّ جريدة "السفير" اللبنانية على أنّ لقاءً صحفيّاً هُيّئ له، وينصبوا له الفخّ بالقرب من "السفير"، ليخدّروه وينقلوه في تابوت ويُصبح مجهول المصير مع وجود احتمالات غير مُثبتة لطريقة التخلّص منه.
وأما عن المعارض غانم الدويسري المقيم في لندن، والذي اشتهر في مقاطع الفيديو التي ينشرها على منصة يوتيوب، الناقدة لحكم آل سعود. كان قد كشف عن حادثة اعتداء عليه بالضرب من قبل شابين سعوديين يمثّلون السلطات السعودية وقد تحركوا بأمر مباشر من ولي العهد محمد بن سلمان بحسب قولهم. وأكد الدوسري في تغريدة له عبر حسابه على “تويتر”، أن الشابين هدّدوه بالقتل، مشيراً إلى أن أحد أصدقائه حاول اقناعهم بعدم خرق القانون البريطاني فيما كان الرد “ملكة بريطانيا خدامة عندنا”.
كما انه سبق أن نشر الدوسري مكالمة هاتفية تلقاها من أحد أمراء آل سعود هدده فيها الأخير بالتصفية.
وفي بداية الاتصال، عرف عبدالعزيز بن مشهور بن عبد العزيز آل سعود بنفسه، متوعداً الدوسري بأنه سيُؤتى به قريباً للسعودية، ليتم وضع رأسه تحت رجل محمد بن سلمان.
وخاطب عبد العزيز بن مشهور الدوسري “رأسك هذا سيصبح تحت رجل عمك محمد بن سلمان… وليس تحت رجليه فقط، بل تحت رجل أصغر واحد من آل سعود”.
ورد الإعلامي المعارض مسخفاً من التهديدات، قائلاً إنه يسمعها منذ 15 عاماً.
المكالمة التي تعج بالشتم نشرها الدوسري في حساباته على “تويتر” ويوتيوب”. وفي حديثه توعد عبدالعزيز آل سعود بأن يؤتى بالدوسري قريباً إلى السعودية، بموجب “اتفاقيات”. وقال: “حسب الاتفاقيات ستأتي قريباً إن شاء الله، وملفك موجود عند عمك محمد بن سلمان من شهر تقريبا والملف عنده حلو.. راج تجي واظنك قرأت في تويتر وقرأت أنك قريب من المحاكمة. وقريب وقريب”.
ورد الإعلامي المعارض مستفسراً عن سبب اعلان محمد بن سلمان عن 80 مليون ريال سعودي لإعادتة الدوسري للسعودية أو التخلص منه، طالما أنه الاتيان به إلى المملكة سهل.
هذا وحاولت "السلطات السعودية" اختراق هاتف الكوميدي ببرامج تجسس أنشأتها شركة “إسرائيلية” سمحت لهم بسرقة البيانات والوصول إلى الميكروفون والكاميرا، قائلا “أخيرا أتيحت لي الفرصة لمحاسبتهم في محكمة قانونية عادلة ومستقلة، وآمل أن أرى العدالة تعمل”. وأعرب عن أمله “أن يعطي هذا التطور الأخير الثقة للآخرين الذين تم استهدافهم بنفس الطريقة من قبل النظام”.
عودة قسرية:
وبالعودة إلى تقرير المنظمة الحقوقية، فقد ذكرت أن "بعض الحكومات سعت إلى إعادة أشخاص عبر منظمة الشرطة الجنائية الدولية الإنتربول من خلال إصدار "نشرة حمراء" وهي طلب غير ملزِم يقدَّم إلى أجهزة الأمن في الدول الأعضاء في الإنتربول لتحديد مكان شخص واعتقاله".
وقدمت على سبيل المثال حالة المعارض البحريني أحمد جعفر محمد علي الذي فرّ إلى صربيا بعدما عذّبته السلطات البحرينية، لكن بعدما حكمت عليه البحرين بالسجن مدى الحياة بعد محاكمات "غير عادلة" ثم أصدرت نشرة حمراء في حقه، أوقف ورحّل بشكل غير قانوني في كانون الثاني/يناير 2022، وفق المنظمة.
سبق أن قدّم سعد الجبري، مدير المخابرات السعودي السابق، في آب/ أغسطس دعوى قضائية في الولايات المتحدة، متهماً محمد بن سلمان بإرسال فريق من العناصر إلى كندا لتصفيته نهاية 2018، بذات الطريقة التي قتل فيها الصحفي خاشقجي في تركيا.
ووفق الدعوى القضائية المقدمة من الجبري، تمكن ضباط الهجرة الكنديين من إحباط الهجوم عليه. وفي شكوى معدلة إلى محكمة في العاصمة واشنطن، قال الجبري إن محمد بن سلمان عقد اجتماعاً في مايو/ أيار الماضي، ووجه رجاله للقيام بمحاولة ثانية لقتله، لكن هذه المرة بالسفر إلى الولايات المتحدة ودخول كندا برا. وعن محاولات الإغتيال المتكررة التي تعرض لها يقول الجبري إن سبب ذلك هو أن محمد بن سلمان أراد قتله نظراً لقربه من محمد بن نايف ولأن بحوزته معلومات حساسة عن ولي العهد من شأنها أن تضر بالعلاقة بين واشنطن والرياض.
في هذا المضمار، أوردت صحيفة نيويورك تايمز كيف حاول محمد بن سلمان دون جدوى تسليم الجبري من خلال الإنتربول بتهم الفساد وفقًا للرسائل النصية والوثائق القانونية التي عرضتها الصحيفة. حيث شكك الإنتربول في التزام السعودية بالإجراءات القانونية الواجبة وحقوق الإنسان في تعامل البلاد مع قضايا الفساد، واعتبر أن الطلب السعودي للجابري له دوافع سياسية، وهو انتهاك لقواعد المنظمة، وفقًا لوثائق الإنتربول، وعليه قامت بإزالة اسم الجبري من نظامها.
تحالفات سعودية مع شركات إسرائيلية:
وفقاً لمعلومات نُشرت عام 2018، جندت السلطات السعودية موظفين في شركة تويتر، بهدف الوصول إلى بيانات وتفاصيل وأخبار تتعلق بمواطنين ونشطاء وصحفيين.
وأشارت تقارير إلى أن التجسس على حسابات بعض الصحفيين والمغردين أدت إلى اعتقال وملاحقة بعضهم. إضافة إلى ذلك، وبحسب معلومات المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان استخدم النظام السعودي بيانات خاصة من وسائل التواصل الاجتماعي لملاحقة ومسائلة مواطنين عن مواقف وآراء وبالتالي ملاحقتهم.
وفي السياق، أكدت تقارير صحفية شراء الحكومة “السعودية” عام 2021 لنظام التجسس “بيغاسوس” والذي استخدمته لملاحقة المعارضين في الخارج، والتنصت عليهم.
وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد شددت على أن مجموعة NSO حصلت على إذن صريح من الحكومة “الإسرائيلية” لمحاولة بيع أدوات القرصنة المحلية “للسعوديين”. واصفة ما جرى باعتباره ترتيبا سريا وأسفر عن إبرام البيع لاحقا في الرياض بصفقة تبلغ قيمتها 55 مليون دولار على الأقل.
وفي مارس/ آذار 2021 نشر المقررون الخاصون التابعون للأمم المتحدة رسالة كانوا قد أرسلوها إلى حكومة “السعودية”، تتعلق بمشاركة “ولي العهد” محمد بن سلمان شخصيا في حملة قرصنة منسقة ضد الرئيس التنفيذي لشركة أمازون وصاحب صحيفة واشنطن بوست جيفري بيزوس.
وأشارت المعلومات إلى أن “السعودية” استخدمت المعلومات التي تم قرصنتها في “حملة ضخمة عبر الإنترنت ضد بيزوس” وشركاته. هدفت الحملة إلى الانتقام من نشاط صحيفة واشنطن بوست التي يمتلكها بيزوس. وكانت الصحيفة قد نشرت تقارير سلبية حول “السعودية” خاصة بعد قتل الصحفي جمال خاشقجي الذي كان يكتب فيها.
من ناحية أخرى، أشار تقرير صادر عن باحثين مقيمين في مونتريال من شركة “إي سيت” السلوفاكية لأمن الإنترنت، إلى ضلوع "السعودية" في استخدام برامج تجسس صنعتها شركة “كانديرو” الإسرائيلية.
وأشارت الشركة إلى أن الأهداف التي تأثرت بالقرصنة تضم وسيلة إعلام بريطانية “ميدل إيست آي” وشركة “بياجو إيروسبيس” الإيطالية، والمواقع الرسمية لإيران وسوريا واليمن ومواقع “حزب الله”.
وتُعتبر “NSO” أكبر شركة سايبر هجومي إسرائيلية، وتبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار، وتتخصص في ابتكار وتطوير برامج التجسس واختراق الهواتف الخلوية عبر برنامج “بيغاسوس” الذي ابتكرته وطورته. في حين أن” كانديرو” -وهي شركة منافسة ولكنها حديثة العهد- تختص بتطوير برامج التجسس واختراق الحواسيب، إذ تجيز برامجها اختراق الحواسيب اللوحية ومنظومات الحواسيب، وسرقة معلومات وبيانات والتسبب في أضرار للمضامين والأجهزة التي يتم اختراقها.
يُذكر أنه، ولسخرية الأقدار، أن أقامت "مملكة الكتم"، على مدى الأيام الثلاثة الماضية، فعاليات المنتدى السعودي للإعلام في نسخته الثالثة.
وقد اقتصر الحضور على إعلاميّي "السلطة" ومَن يدور في فلكها في ظل السياسة المتّبعة في البلاد والتي تتمحور حول التعتيم الإعلامي وتقييد حرية وسائل الإعلام والقبض على الصحفيين الذين يُدلون بآراء لا تمشي وفق الهوا "السلمانيّ".
ارسال التعليق