البحرين.. “دوبلير” البطل السعودي في مسلسل التطبيع
في الوقت الذي تعتمد فيه واشنطن القدس كعاصمة لإسرائيل، يهرول ويتنافس حلفائها من الدول العربية لتطبيع شامل في العلاقات مع الكيان الصهيوني، تأتي مملكة البحرين لتشكل مقدمة وقائع التطبيع، حتى أنها نافست عن قصد وتصريح كل من الإمارات وقطر وحتى السعودية في رسمية فعاليات التطبيع وسط دول مجلس التعاون، وفي شعبية هذه الفعاليات أيضاً، كاعتراف وتقارب ثم تفاعل مع الكيان الصهيوني.
لكن بالتدقيق في دوافع المملكة الصغيرة في تصدير صورة الأكثر انفتاحاً على تل أبيب وسط أقرانه من الدول السابقة وغيرها، والسباقة في تفعيل علاقاتها المستجدة مع الكيان الصهيوني على مستويات رسمية و”شعبية”، نجد أن المنامة لظروف بنيوية مرتبطة بحجمها وتأثيرها الضئيل في مجريات السياسة الإقليمية على كافة المستويات والملفات، لا يمكن أن تكون موجه أو منافس أو حتى فاعل في مناخ التقارب والتحالف في السنوات الأخيرة بين دول عربية وإسرائيل، بل على أفضل الأحوال ليست أكثر من مجرد بالون اختبار يقيس ردود فعل ممكنة شعبية ورسمية للدول الفاعلة والمؤثرة والمتنافسة في مسألة العلاقات مع تل أبيب وتطويرها إلى حد التحالف، وتمريرها على كافة المستويات بما فيها المستويات العسكرية والشعبية.
تأتي هنا فكرة “ريادة” المنامة في مسألة التطبيع مع إسرائيل من السردية السابقة، ولكنها ليست ريادة أصيلة نابعة من ضرورة وأهمية البحرين على مستوى السياسات الإقليمية أو حتى لدواعي داخلية كما الحال في السعودية، التي يتماهى فيها الصراع الداخلي على الحكم بالسياسيات الخارجية ويتفاعلوا سوياً لإنتاج متغيرات داخلية وخارجية وفق محددات أهمها العلاقة العضوية مع واشنطن وارتباط تل أبيب بذلك ومستقبل كل من المملكة والكيان، ولكن كمؤشر اختبار يمتحن فعاليات التطبيع على مختلف مستوياتها، وخاصة فيما يتعلق بتصدير صورة ذهنية عن قبول واعتيادية شعوب وقبائل الدول الخليجية لأن يكون هناك علاقات علنية ومتجذرة مع الكيان الصهيوني.
النقطة السابقة تمثل مربط الفرس ومسمار جحا بالنسبة لتل أبيب، التي باتت على الرغم من غبطتها بالمستوى الفائق والغير مسبوق –بتعبير مسئوليها وعلى رأسهم نتنياهو- الذي وصلت إليه العلاقات مع دول عربية بخلاف مصر والأردن، لمستوى التحالف الاستراتيجي، فإنها دائماً ما تعزف على وتر عدم تجذر هذه القفزة الغير مسبوقة على مستويات شعبية واجتماعية وانحصارها على المستوى السيادي وبشكل بعيداً عن المجتمع ومكوناته، سواء كان في السعودية أو الإمارات وقطر وغيرهم من الدول التي لا يوجد بينهم وبين الكيان الصهيوني علاقات رسمية معلنة، ولكن علاقاتهم غير الرسمية التي بات الإعلان عنها هدف وغاية في السنوات الأخيرة تحل محل العلاقات الدبلوماسية الرسمية التي تقزمت لمستوى إجرائي روتيني وليس داعي حيوي مثلما ترى تل أبيب في مسألة حتمية تجذير العلاقات شعبياً واجتماعياً، وحساب عدم تحقق ذلك كمأخذ على حلفائها الجدد، وتوظيف هذا المأخذ كلما اهتز مؤشر التحالف بين هذه الدول وإسرائيل عند التجربة.
وبالعودة للبحرين، فإن دورها الوظيفي كبالون اختبار على مستوى دول الخليج خاصة ودول الاعتدال العربي عامة، فإن أهميتها أنها على مستوى رسمي وشعبي تختبر بواكير فعاليات التطبيع مع تل أبيب قبل تعميمها وتجذيرها اجتماعياً في باقي الدول والمجتمعات الخليجية، فعلى سبيل المثال لا الحصر كان ملك البحرين أول حاكم خليجي ينتقد ويستنكر مقاطعة العرب لإسرائيل، كتمهيد لتصريحات أو خطوات مشابهة يتخذها أقرانه في إمارات وممالك مجلس التعاون الخليجي. ليتكرر هذا الأمر بأنماط تتراوح بدون فصل حاد؛ تجارياً، دبلوماسياً، وحتى عسكرياً، وأخيراً على مستوى شعبي تمثل في السابق في استطلاعات رأي وحملات دعائية موجهه، ومؤخراً في شكل “وفد شعبي” زار فلسطين المحتلة بدعوة واستقبال حكومة الاحتلال واحتفاء من الدوائر السياسية الإعلامية والثقافية في تل أبيب، قابله رفض وطرد لمكونات هذا الوفد من جانب الفلسطينين والمقدسيين أنفسهم، لتبطل من جديد حجة زيارة فلسطين المحتلة دعماً للفلسطينيين، أو بحجة الصلاة في المسجد الأقصى مثلاً!
هذا الأمر في أصله ليس غريب على تاريخ البحرين وواقعها الجيوسياسي، فطالما كانت المنامة حقل تجارب منذ مرحلة المشايخ تحت الحماية البريطانية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وبحث تحول المشيخات والقبائل لإمارات وممالك، مثلما كان الأمر في تجربة الاتحاد التساعي، مروراً بحالة السكون وعدم الفاعلية في وسط “مجلس التعاون”، وصولاً إلى الالتحاق والتذيل بأحد مكوناته، مثلما هو الحال الأن في تبعية والتصاق البحرين كنظام سياسي بالسعودية والارتباط الوجودي لهكذا نظام بمظلة المملكة الاقتصادية والأمنية في السنوات القليلة الماضية، وتطور/انحدر هذا الأمر إلى أن تصبح المنامة مجرد بالون اختبار وحقل تجارب للخطط المستقبلية للرياض وأبوظبي على مستوى مختلف الملفات التي أهمها وأكثرها حساسية مسألة العلاقات مع إسرائيل، ليس فقط من موقع ذي صلة ومصلحة ثنائية من أي نوع تجمع المنامة بتل أبيب، ولكن انضواء الأولى تحت سياسات وأولويات علاقات الأخيرة بعواصم عربية أخرى.
لكن بخلاف هذه المفارقة وتفسيرها على النحو السابق أعلاه، ودوافع ما يقدم عليه النظام البحريني في هذا السياق، فما المتشابه بين كل من المنامة وتل أبيب الذي يتخطى وظيفية الأولى كبالون اختبار أكثر من كونها علاقات جدية بخلاف إمكانيات وحجم البحرين من كافة الزوايا الجغرافية والاقتصادية والتاريخية والسياسية؟ الواقع أن لدى كل من البحرين وإسرائيل ما يتجاوز حتى فكرة الاصطفاف السياسي الإقليمي ضد “عدو” مشترك سواء بالأصالة عن نفسها أو نيابة عن السعودية والإمارات.
هذا التلاقي بين تل أبيب والمنامة ليس بدافع استباق كما يرى البعض، ولا يقف فقط عند الدواعي السياسية المشتركة، ولا عن فكرة وظيفية البحرين ككيان تجريبي لدول مثل السعودية تختبر فيه خطوات سياسية في الداخل والخارج، ولكن يتوسع إلى دافع بنيوي عماده أن كل من النظامين السياسيين في فلسطين المحتلة وفي البحرين هما تجلي مادي لفكرة حوكمة العنصرية في الدول الحديثة، وإن اختلفت في شكلها الإجرائي بين نظام برلماني ونظام ملكي؛ فكل من النظامين على اختلافهما الظاهري قائم على فكرة حصرية الحقوق بكافة أشكالها لعدد محدود من البشر داخل الدولة على أساس ديني/طائفي/قومي/قبلي/أسري، وممارسة العنصرية والفصل الاجتماعي والعزل وباقي الممارسات العنفية والسلطوية الإحلالية تجاه الغالبية من أبناء شعوب البحرين وفلسطين، وبالتالي لن يكون من المستهجن أن يستمر المشاهدين في الوقوع في التباس تكرر في السنوات الأخيرة كثيراً، حول إذا ما كانت بعض الصور ومقاطع الفيديو حول اعتداءات على متظاهرين أو هدم منازل مواطنين مأخوذة من أحياء وشوارع المنامة أو مدن وقرى فلسطين المحتلة!
بقلم : إسلام ابو العز
ارسال التعليق