التصعيد السعودي ضد حماس.. خلفياته ومآلاته
شهدت العلاقات بين حركة "حماس" ونظام آل سعود سلسلة من التجاذبات والتذبذبات في المواقف المعلنة بين الطرفين، ما جعل هذه العلاقات تتأرجح صعوداً ونزولاً، وتشي بالتالي بأنها قد تكون في مهبّ الريح عاجلاً أو آجلاً.
وقبل الخوض في أسباب هذا التأرجح لابدّ من الإشارة إلى جملة من القضايا تعكس بوضوح حقيقة هذا التباين في المواقف. فعلى الرغم من أن حماس قامت بإخبار السعودية بأنها مستعدة للكثير مما تطلبه الرياض، ورغم مواقف قادتها تجاه سوريا وإيران، بل والشيعة عموماً خاصة في الملف اليمني، ورغم سنيّتها، بل وسلفية الكثير من قادتها وتبنيهم للفكر الوهابي، ورغم ابتعادها عن قطر في الأزمة الخليجية إلّا أن هناك تصعيد سعودي ضد الحركة يمكن الإشارة إلى بعض تفاصيله على النحو التالي:
- قبل عدّة أيّام بعثت "حماس" رسالة إلى المملكة أدانت فيها استمرار وزير الخارجية "عادل الجبير" بالتحريض على الحركة ووصفه إيّاها بالمتطرفة.
ودعت حماس في بيان لها إلى ضرورة وضع حدّ لهذا التحريض الذي وصفته بغير المبرر، معتبرة ذلك تشويهاً مقصوداً لمقاومة الشعب الفلسطيني.
كما أكدت حماس أن تصريحات الجبير من شأنها تشجيع الكيان الإسرائيلي على الاستمرار بارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني ورموزه وعناوين نضاله.
وتجدر الإشارة إلى أن الكيان الإسرائيلي رحبّ بتصريحات الجبير التي ألقاها أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل. وقال اللواء الإسرائيلي "يؤاف مردخاي" منسق نشاطات الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية في صفحته على الفيس بوك "نحن متفقون مع السعودية في مواقفها المعارضة لحماس".
وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها الهوّة العميقة بين خيارات الشعب الفلسطيني المقاوم، وبين السعودية التي لا تتردد في التعبير عن استعدادها لإضفاء شرعية على الاحتلال الإسرائيلي، وصولاً إلى اعتباره حليفاً علنياً في خريطة موازين القوى الإقليمية.
ومع الضغط السياسي والمالي الكبير الذي تعرضت وتتعرض له "حماس" من السعودية وتشديد الحصار عليها وعلى مليوني فلسطيني يقيمون في قطاع غزة، وجدت الحركة نفسها مضطرة إلى إعادة وصل العلاقة مع طهران.
وحافظت حماس على العلاقات مع إيران على خلفية الدعم الذي تقدّمه رغم كل ما تتعرض له من ضغوط وتهديدات، إلا أن الحركة تمايزت عن طهران في العديد من القضايا والملفات الإقليمية. والمسؤولون في الرياض يدركون ذلك جيداً، إلّا أنهم يصرّون على ابتزاز حماس ويتحركون بكل الوسائل لإبعادها عن كل من يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي الذي يسعى لتمزيق المنطقة ونهب ثرواتها والعبث بمصيرها ومقدراتها. بمعنى آخر أن ما تريده السعودية من حماس هو التخلي عن المقاومة، وشرعنة الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية.
وفي السابق كانت حماس تعتمد على علاقات ناعمة مع مراكز القرار في الديوان الملكي السعودي، لكن هناك عوامل متراكمة وسّعت الهوة بين الجانبين أهمها عدم تبني الحركة لمبادرة التسوية التي طرحها الملك "عبد الله بن عبد العزيز" عام 2002 والتلميح إلى أنها تحمل اعترافاً غير مقبول بـ"إسرائيل". والسبب الآخر يتمثل في علاقة حماس مع إيران وحزب الله، لحساسية وتشابك وتعقيد كل ما يتعلق بذلك لاسيّما دعم إيران لفصائل وتنظيمات لا تتفق والرؤية الامريكية في عموم المنطقة ومن بينها حماس.
وإذا ما تجاوزنا جذور الخلاف بين السعودية وقطر، والدور الأمريكي في ابتزاز الطرفين، وأبعاداً أخرى تتصل بسياسات وعلاقات قطر الإقليمية، التي تتمايز عن الرياض في بعض معالمها، فقد كانت لافتة دعوة الجبير لقطر وقف دعم حماس كشرط لحلّ الأزمة بين الرياض والدوحة.
والسؤال الذي يحظى بالاهتمام، ما الذي يُغضب حكّام الرياض حتى يتحاملوا على حماس بهذا الشكل الذي أظهر الجبير بعضاً منه؟
الإجابة عن هذا التساؤل تكمن بمعرفة أن السعودية لا تكتفي برفض مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الكيان الإسرائيلي، بل ترى فيه تهديداً لخياراتها. وبلحاظ مواقفهم العدائية ضد المقاومة الفلسطينية يتعامل آل سعود مع المواقف الموجهة للاحتلال الإسرائيلي، والضربات التي يتلقاها كما لو أنها موجهة ضد كيانهم ووجودهم.
وتصريحات ومواقف المسؤولين السعوديين في العديد من محطات الصراع بين المقاومة وإسرائيل تعكس بوضوح أن ضربات المقاومة التي يتردد صداها في تل أبيب، تظهر أعراض آلامها في الرياض والمعسكر الذي تنتمي إليه في المنطقة.
وبعدما قطعت السعودية أشواطاً في تدجين الرأي العام للانتقال في العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي إلى المرحلة العلنية، وفي ظلّ تحركات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في الدفع نحو صفقة بين إسرائيل والسعودية وبقية محور ما يسمى "الاعتدال العربي"، بات لزاماً على الرياض المواكبة عبر مسار تمهيدي تصاعدي ضاغط على فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها "حماس".
من هنا، لم تلقَ طروحات حماس السابقة التي أظهرت فيها أقصى ما يمكنها من المرونة السياسية، أصداءً إيجابية في الرياض؛ إنما أتى الموقف السعودي الذي عبّر عنه وزير الخارجية، إمتداداً لردود فعل تل أبيب وواشنطن. والسبب بكل بساطة أنهم لا يرضون بأقل من الخضوع والاستسلام الذي يتمثل بالاعتراف بوجود إسرائيل والتخلي عن خيار المقاومة، ومن ثم الجلوس إلى طاولة المفاوضات من موقع الضعف والمتلقي لإملاءات الآخرين.
ومشكلة السعودية في الانتقال السريع إلى التحالف مع الكيان الإسرائيلي أن أكثر من سيقف بوجه مخططها ويدينه هو الشعب الفلسطيني، لأنها في هذه الحالة ستضعه بين خيارين؛ إمّا أن يواصل طريق المقاومة أو يلتزم السكوت على جرائم الاحتلال، وسيكون عليه في هذه الحالة، أن يرضى باليسير الذي يُقدَّم له تحت مسمى "التسوية النهائية"، تماشياً مع حسابات النظام السعودي وأولوياته التي يتداخل فيها الحقد والتخلف والتبعية للأوامر الأمريكية.
وهكذا، يتضح أنّ خلفية الموقف السعودي المتشدّد في الضغط على مقاومة الشعب الفلسطيني، في هذه المرحلة تحديداً، تنطلق من إدراك مسبق بأن أيّ فعل مقاوم يمارسه أيّ فصيل فلسطيني ضد الاحتلال، يضع العصا في دواليب الصفقة التي شهدتها المنطقة وأدت إلى تأسيس دويلة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.
من هنا، لم يكن غريباً أن تتحرك السعودية لممارسة الضغط على المقاومة الفلسطينية عامة وحماس خاصة، لأنها ترى في إخضاعها مدخلاً لإخضاع مجمل الساحة الفلسطينية. وينبغي النظر إلى المطلب الذي قدّمه الجبير كشرط لحلّ الأزمة مع قطر، على أنه محطة لما بعدها، وقد نشهد لاحقاً تجلياتها الأكثر تطرفاً في معارضة مقاومة الشعب الفلسطيني.
على ضوء ما تقدم، وبلحاظ التوقيت والسياق السياسي الذي يشهده الشرق الأوسط، وفي ظل خيارات السعودية الصريحة في الانفتاح على إسرائيل، وبعد الصفقة التي قدّمت بموجبها حوالي نصف ثروتها مقابل الحماية والدعم الأمريكي؛ يتضح أن مطلب الرياض بوقف دعم حماس يتعدى المفاهيم والرسائل السياسية، ليمهد بالتالي الأرضية لخنق الحركة وفرض شروط قاسية عليها، وهو ما تسعى له أيضاً تل أبيب والعواصم الحليفة لها وفي مقدمتها واشنطن.
ارسال التعليق