اليمن... التحرك السعودي الأخير في محافظتي عدن والمهرة الجنوبيتين ماذا وراءه؟ وما انعكاساته على المشهد اليمني
في ظل استمرار العدوان السعودي الظالم على الشعب اليمني، شهدت محافظتا عدن والمهرة الجنوبيتان تطورات لافته مؤخراً، تمثلت في التحركات السعودية السياسة منها والعسكرية، فمحافظة عدن وطبقا لما يقوله مراقبون هناك أنها " شهدت في الأيام الأخيرة، سلسلة لقاءات واجتماعات حكومية- سعودية، كما لو أنها المرة الأولى التي تشهد فيها المدينة نوعاً من الحراك السياسي، باستقبال السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، والذي عين أيضاً من قبل بلاده مسؤولاً عن ملف إعادة الأعمار في اليمن، ووصف سياسيون ظهوره بأنه أكثر من كونه سفيراً، بسبب ما أحيط بالزيارة من احتفاء رسمي،واجتماعات مع مسؤولين رفيعي المستوى وأمنيين هناك، إبتداءاً من رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، ثم محافظين ومسؤولين من ست محافظات يمنية، وهي عدن، لحج، الضالع، أبين، الحديدة وتعز، مروراً بالاجتماع بمدراء الأمن في محافظات " المحررة " لمناقشة الوضع الأمني، ووصولاً الى رجال الأعمال ".
وقالت مصادر قريبة من الفار هادي هناك، أن السفيرالسعودي حرص على إيصال رسائل مباشرة للمسؤولين المحليين في تلك المحافظات أبرزها أن المملكة السعودية ستكثف حضورها في الفترة المقبلة. ويشار إلى أن هادي سبق هذه الزيارة بإجراء تعيينات في مناصب حساسة في عدن وفي بقية بعض المحافظات المشار إليها، لمسؤولين مقربين مما يسمونه بالشرعية على حساب مقربين من الأمارات ومرتزقتها مما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي.. أكثر من ذلك أن السفير السعودي أقدم على تعيين موظفين سعوديين في البنك المركزي في عدن مما يعد تدخلاً سافراً وانتهاكاً للسيادة اليمنية...
أما التحرك السعودي في المهرة، فهو عسكري تمثل باحتلال المدينة عسكرياً، حيث وصلتها بحسب مركز الأمارات للدراسات والاعلام200شاحنة نقل عسكرية عملاقة تحمل معدات عسكرية وعربات ثقيلة ومضاداتجوية ومصفحات مختلفة، وشاحنات مختلفة ومئات الجنود، وهذه الدفعة هي الدفعة الثالثة من القوات والأسلحة، التي ترسلها السعودية إلى المهرة في غصون شهرين، وقد وصلت هذه القوة إلى الغيظة عاصمة محافظة المهرة، وتوزعت في بعض سواحلها ومديرياتها. وتقع محافظة المهرة على الحدود الجنوبية الشرقية لليمن مع سلطنة عمان، وهي ثاني أكبر محافظة في اليمن بعد محافظةحضرموت، حيث تبلغ مساحتها82405كم2، وهي تجاور سلطنة عمان، وتعتبرها الأخيرة عمقاً وامتداداً إستراتيجياً لها، لأنها ترتبط بها بتداخل تاريخي وجغرافي وعائلي...
السعودية لم تكتفِ بإرسال القوات العسكرية ونشرها على المواقع المهمة والاستراتيجية في المحافظة، بل أن هناك أنباء تتحدث عن تأسيس مراكزدينية لجماعات سلفية جهادية، يقال أن الشيخ المجوري هو من يهندس لإنشائها في مديرية- قشن- بذات المحافظة، وهي المراكز التي يبدو أن تأسيسها على غرار دماج السلفي الجهادي المثير للجدل في محافظة صعدة، ما يعني ذلك أن خطط النظامالسعودي بعيدة المدى وخطيرة أيضاً.
ماذا يعني هذا التحرك السعودي السياسي في عدن والعسكري في المهرة؟ يعني هذا التحرك جملة أمور، بعضها أشار إليها المحللون والمتابعون للشأن اليمني والبعض الآخر، لاسيما الخطيرة منها لم يشيروا إليها ومنها ما يلي:
أولاً: عملية استعداد سعودي للانتقال إلى مرحلة جديدة في اليمن، تتمثل بالسيطرة على الجنوب اليمني، لتحقيق أهداف استراتيجية، سنشير إليها بعد قليل، ويبدو أن الدوافع لعملية الاستعداد السعودي للانتقال إلى المرحلة الجديدة، ثلاثة عوامل هي:
أيقن النظام السعودي على ما يبدو بأن عدوانه على صنعاء وصل الى طريق مسدود، فبات واضحاً لهذا النظام، انه من غير الممكن إلحاق الهزيمة بأنصار الله والجيش اليمني، وذلك على خلفية وقائع الميدان الأخيرة، حيث مُني العدوان بهزائم كبيرة، برغم كل الاستعدادات العسكرية الضخمة التي استخدمها العدوان من أجل تحقيق اختراق في جبهات القتال مع أنصار الله والجيش اليمني، لكن دون جدوى، فقد الحق اليمنيون بالغزاة هزائم منكرة، سيما في تلك العمليات التي تلت مقتل علي عبد الله صالح، حيث كان الغزاة يراهنون على تفكك الجبهة الداخلية لأنصار الله والجيش اليمني. أكثر من ذلك، أن أنصار الله كثفوا من استخدام السلاح الصاروخي، ما رجح كفة الحرب لصالحهم، وإذا استمرت الأمور على هذه الشاكلة فأن الحسم العسكري سيكون لصالح صنعاء بنظر أغلب الخبراء والعسكريين، ولذلك بدأت بعض الجهات السياسية الأمريكية تطالب بوقف الحرب، والاتجاه نحو الحل السياسي، خوفاً من هزيمة كبيرة للعدوان، تترك انعكاسات سلبية على المصالح الأمريكية والصهيونية غير المشروعة في المنطقة. وعلى خلفية هذه التطورات يريد النظام السعودي لملمة وضعه في اليمن وتعزيز حضوره في المحافظات التي تحت سيطرة الغزاة.
تزايد الضغوط الدولية على النظام السعودي بهدف إيقاف الحرب، ووضع حد للكوارث الإنسانية التي تعصف بالشعب اليمني نتيجة استمرار العدوان، ونتيجة للحصار الذي يفرضه العدوان على اليمن، ونتيجة للمجازر المروعة التي يرتكبها العدوان بحق الأبرياء، فكل هذه المآسي التي باتت تهدد حياة الملايين من أبناء الشعباليمني جوعاً أو مرضاً أو ما شابه ذلك، هذه المآسي باتت تحرك وجدان ومشاعر الرأي العام في الدول الغربية وحتى في أمريكا وبريطانيا الداعمتان الأساسيتان لآل سعود، وقد لاحظنا كيف أن بعض المنظمات الدولية ومنها منظمة الأممالمتحدة، والتي كانت تلوذ بالسكوت إزاء جرائم العدوان، بسبب تواطئها مع آل سعود، نراها ترفع عقيرتها وتتهم آل سعود صراحة بارتكاب مجازر بحق المدنيين ترقى إلى جرائم حرب، صحيح أنها تساوي في بعض المرات بين ما يقوم به آل سعود، وبين ما ينسب إلى اليمنيين من اتهامات، إلا أنها بدأت ترفع صوتها لأن المجازر والكوارث وصلت حداً لا يمكن السكوت عنه، وعلى خلفية هذه الضغوط اشترط الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني وقف تصدير الأسلحة الألمانية إلى السعودية، للمشاركة في حكومة أئتلافية مع حزب المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، وهو ما تحقق فعلاً...كما أن الحكومة النرويجية أعلنت رسمياً قبل أيام عن وقف تصدير وبيع الأسلحة إلى دولة الإمارات حليفة السعودية في العدوان على اليمن، أما في فرنسا، فأن الضغوط بحسب ما يقول مراقبون ومصادر حقوقيةفرنسية، تتزايد على الرئيسالفرنسي ماكرون وحكومته، مطالبة رسمياً بوقف بيع الأسلحة لدول التحالف العربي بسبب انتهاكاته في اليمن...بل إن بعض الأوساط الصحفية الفرنسية طالبت بمعاقبة النظام السعودي على المآسي التي صنعها في اليمن، فعلى سبيل المثال اعتبرت صحيفة (ميديا بارت ) الفرنسية أن اليمن المهدد بالمجاعة يبقى أسوء مكان يعيش فيه الأطفال، وفق ما جاء في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة ((اليونيسيف)). وأشارت الصحيفة إلى أن السعودية التي تقود العدوان تستمر في الإفلات من العقاب رغم دورها في المأساة اليمنية.وانتقدت الصحيفة الفرنسية الأمم المتحدة على تهاونها مع النظامالسعودي، واستخدامها ازدواجية المعايير معه ولعل هذه الضغوط التي تمارس وتتزايد ضد النظامالسعودي هي ألتي دفعته إلى إعلان حملته الكاذبة الأخيرة لما أسماها رفع معاناة الشعباليمني من خلال تقديم المساعداتالإنسانية المكثفة حيث تبين أنها حملة في الإعلام فحسب، الهدف منها امتصاص هذه الضغوط التي باتت محرجة للنظام السعودي، ومكلفة لسمعته ولمكانتهالدولية.
تحول العدوان إلى أداة استنزاف مالي وعسكري واقتصادي للنظامالسعودي، ذلك أن التقارير التي تنشرها المراكز الأوربية والأمريكية المعنية بهذا الأمر مخيفة، فهذه التقارير تقول إن خسائر الجيشالسعودي باتت اعدادها تتضاعف يوماً بعد آخر، فضلاً عن مصرع العشرات والمئات الذين تستعين بهم السعودية من السودان وموريتانيا وباكستان ودول أخرى، والذين تتحمل السعودية عبئ نفقات عوائلهم، ذلك فضلاً عن تدمير الآليات العسكرية التي تكلف كثيراً عملية الاستعاضة عنها بغيرها، وما زاد الطين بله هو أن تكثيف أنصار الله لاستخدام سلاح الصواريخ سبب خسائر إضافية هائلة للسعودية، لأن كل صاروخ يمني تطلق عليه منظومة باتريوت المضادة للصواريخ من 6-7 صواريخ، كلفة الصاروخ اليمني مبلغا زهيدا من الدولارات، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تعهد بن سلمان بالدفع لترامب ترليونين دولار ندرك حجم الضغوط الاقتصادية والمالية التي باتت ترهق النظام السعودي، والتي دفعته مؤخراًـ إلى القرصنة على أموال الأمراء، وأصحاب الشركات الكبرى في السعودية والى إعلان النظام حاجته إلى الاستدانة من صناديق ومراكز مالية دولية !
والانكى من ذلك، أن النظام السعودي وجد نفسه يوماً بعد آخر أنه ومرتزقته مهمشون في المناطق التي تخضع لسيطرة العدوان، لدرجة أن الرئيس المخلوع هادي لا يمكنه الاستقرار في عدن ولا حتى رئيس الحكومة أحمد بن عبيد بن دغر، بسبب سيطرة مرتزقة الإمارات على الأوضاع هناك، فالإمارات وعبر مرتزقتها ودورها المباشر نجحت في فرض واقع في عدن وفي بعض باقي المحافظات الجنوبية، بحيث تكون لها اليد الطولى على حساب تهميش النفوذ السعودي، فهي اليوم تسيطر على عدن، وفرضت سيطرتها على حضرموت، كما تقوم بتغيير معالم جزيرة سقطري بعد السيطرة عليها وهكذا، في حين أن النظام السعودي ينظر إلى اليمن على انه حديقته الخلفية لا يريد منافساً له، لكنه استسلم للشراكة الإماراتية بفعل الدعم الأمريكي لدور الأمارات في الحرب على اليمن. وللإشارة فأن الأمارات ذهبت بعيداً في محاولة أن يكون لها الدور الريادي والأساسي في المحافظات اليمنية المحتلة على حساب الدور السعودي، لكن السعودية ومرتزقتها ظلوا يقاومون محاولة تهميشهم وهو ما نشاهده بين الحين والآخر، صراعاً دموياً تشارك فيه بعض الأحيان حتى الطائرات بين مرتزقة الطرفين، الإمارات والسعودية في عدن.
وثانياً: يؤشر التحرك السعودي في عدن والمهرة إلى التأسيس لمرحلة إيجاد صراع بين الشماليين والجنوبيين من أهل اليمن، وذلك من خلال تكريس بذور الفتنة بين أبناء هذا الشعب وطوائفه وقبائله وأحزابه وشرائحه، ولعلّ ما تنقله وكالات الأبناء من أخبار الاقتتال والصراعات في عدن وفي مناطق الجنوب خير دليل على ذلك، يحاول آل سعود من خلال التحكم بالوضع الاقتصادي في عدن وفي بقية المحافظات الجنوبية، السيطرة على دفة هذه الصراعات وتوجيهها بالشكل الذي يحقق أهداف النظامالسعودي في منع الشعب اليمني من النهوض والتطور والرشد، ومنعه من الوحدة وإنهاء صراعاته، لأن في ذلك قوته، وقوته تعني نهوضه ولحاقه بمصافات الأمم المتقدمة وهذا ما يتعارض مع السياسةالسعودية إزاء اليمن، التي تريد أن يظل الأخير ضعيفاً تابعاً لها، وخاضعاً خانعاً لإرادتها.
ولا تكتفي السلطات السعودية بتغذية الصراع بين الجنوب والشمال، وإنما تغذية هذا الصراع بين أهل الجنوب أنفسهم، فبعد التحرك الأخير للسفيرالسعودي في عدن، ولمرتزقة السعودية من أتباع هادي وصل الاحتقان بين مرتزقةالسعودية ونظائرهم الإماراتيين إلى حدٍ ينذر بالانفجارالعسكري، فما يسمى بمجلس الجنوب الانتقالي الموالي للإمارات أمهل هادي أسبوعاً واحداً لإزاحة بن دغر وحكومته بحجة أنها فاسدة، وفعلاً هي فاسدة، لكن مرتزقة الإمارات هم أيضاً فاسدون، كما أصدر عيدروس الزبيدي أحد رجالات الإمارات بياناً هدد فيه بتفجير الوضع إن لم يتراجع هادي عن قراراته الأخيرة التي غيرّ فيها المحافظين والمدراء الأمنيين في بعض المحافظات المحسوبة على الإمارات.. كما تبع بن بريك هؤلاء، وهو المحسوب على الإمارات في إطلاق تهديدات مماثلة، مما يؤشر إلى مقاومة هؤلاء محاولات تغيير الوضع في عدن وبقية المحافظات، وإذ تعكس كل هذه التطورات رفضاً غير مباشر من الإمارات للزحف السعودي نحو روابض الإمارات وطردها أو إضعافها فيها، فأن ذلك يؤشر إلى رغبة الطرفين في إيجاد هذا النزاع بين مرتزقتهما لإشغالهم بها ولإضعافهم أيضاً.
وثالثاً: محاولة السعودية ((وهبنة)) المناطق الجنوبية، أي نشر الوهابية بين أبناء وقبائل الجنوب لربط هذه المناطق بالسعودية ربطاً عقائدها ومصيرياً وثقافياً أيضاً يضمن للسعودية بقاءاً طويل الأمد من خلال كسب الولاء في هذه المناطق للنظامالسعودي. ومن شأن ذلك، أن يؤمّن للسعودية تنفيذ مشاريعها في اليمن وأهمها، استغلال الثروة النفطية في الجنوب، ثم مد أنابيب لنقل النفط من السعودية إلى سواحل المهرة أو حضرموت، إذا استطاعت السعودية تخليصها من أنياب الإمارات، ومن شأن هذا الأنبوب، أن يغني السعودية عن التوجه إلى مضيق هرمز الذي تقول السعودية أن إيران تتحكم به، لنقل نفطها. ولذلك فأن تشجيع آل سعود للحجوري في تأسيس مراكز دينية سلفية في مدن محافظة المهرة مؤشر كبير على هذا التوجه السعودي.
و رابعاً : أيضاً التحرك السعودي نحو المهرة، هو محاولة من النظام السعودي لقطع الطريق على الأمارات من مواصلة فرض سيطرتها وإقامة مشاريعها في محافظات الجنوب بعد ما قطعت شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه في محافظة حضرموت، ثم محاصرة الوجود الإماراتي في حضرموت، وابتزاز سلطنة عمان التي تعتبرها السلطات السعودية أنها تغرد خارج السرب السعودي في الخليج، وتشكل عقبة أمام المشاريع السعودية الرامية إلى جعل دولالخليج كلها تابعة ومنفذة للسياساتالسعودية وطموحات بن سلمان الطائشة في الخليج وفي المنطقة.
وبالطبع إن كل ذلك يؤكد، أنه لا النظامالسعودي، ولا النظامالإماراتي جاء من أجل ما يسمونه عودة الشرعية إلى اليمن، ولا من أجل مصلحة الشعباليمني، إنما من أجل أهداف استعمارية تتمثل في الهيمنة على مقدرات الشعب اليمني، وفي محاولة استعباد هذا الشعب ومنعه من التحرر والاستقلال والتخلص من التبعية، فالتحركات السعودية الأخيرة أوضحت وكشفت كل هذه الحقائق، وصار لزاماً على المرتزقة الذين باعوا بلدهم للمحتلين الإماراتيين والسعوديين إعادة الحساب في وقوفهم إلى جانب المحتلين والغزاة، ليؤبوا إلى رشدهم، وليساهموا في إنقاذ بلدهم.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق