انعكاسات فشل السياسة الخارجية لابن سلمان على المواطن
المتتبع لسياسات ولي العهد "محمد بن سلمان" على المستوى الخارجي والفشل الذريع الذي مُني به في الكثير من القضايا، يدرك بوضوح مدى تأثير هذا الفشل على الإخفاقات المتواصلة التي لازمت الإجراءات الداخلية التي اتخذها بن سلمان بشأن العديد من الملفات التي سنأتي على ذكر بعضها في السطور التالية.
ومن بين أبرز القضايا التي أثبتت فشل بن سلمان على الصعيد الخارجي الحرب المتواصلة على اليمن منذ نحو ثلاث سنوات. فعلى الرغم من شراسة وبشاعة هذه الحرب التي أدت إلى قتل وجرح وتشريد عشرات الآلاف من اليمنيين العزل وتدمير البنى التحتية لهذا البلد في كافة المجالات، لم يتمكن النظام السعودي وحلفاؤه من تحقيق أهدافهم المعلنة وغير المعلنة من وراء شنّ هذه الحرب، ولم تكن النتيجة سوى المزيد من الخسائر البشرية والمادية التي انعكست بشكل بيّن على الوضع الداخلي السعودي خصوصاً فيما يتعلق بالانهيار الاقتصادي الذي وصل إلى حد جعل هذا النظام يضطر لاتخاذ إجراءات تقشفية شملت شتى الميادين، ما أثار انتقادات واسعة في صفوف المواطنين والكثير من الشخصيات التي دفعت ضريبة انتقاداتها بالسجن تارة أو التهديد بالقتل تارة أخرى.
ومن الملفات الأخرى التي فشل بن سلمان في إدارتها على المستوى الإقليمي أيضاً الأزمة مع قطر التي اندلعت قبل عدّة أشهر بعد توجيه الرياض وعدد قليل من العواصم كالمنامة وأبو ظبي والقاهرة، وما تبع ذلك من تصعيد سياسي واقتصادي وأمني تمثل بفرض حصار شبه شامل على الدوحة بذريعة دعم الإرهاب والتقارب مع إيران، وهذا الفشل انعكس أيضاً على الوضع الداخلي السعودي والذي ظهر بشكل واضح خلال موسم الحج للعام الفائت نتيجة القيود التي فرضتها سلطات آل سعود على الحجّاج القطريين، فضلاً عن تراجع معدلات التبادل التجاري بعد إغلاق المنافذ الحدودية بين البلدين لاسيّما منفذ "أبوسمرة" المسمى أيضاً باسم "سلوى" وخسارة مجموعة من المواطنين أموالهم وتجاراتهم مع الجارة قطر.
ومن الدلائل الأخرى على فشل سياسة بن سلمان الخارجية، قيامه بالضغط على رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" لإرغامه على تقديم استقالته من منصبه عندما كان في زيارة إلى الرياض، وما تبع ذلك من تداعيات سلبية على العلاقات بين بيروت والرياض من جهة، وبين الأخيرة والكثير من العواصم الإقليمية والدولية من جهة أخرى.
ومن الطبيعي الاستنتاج بأن مثل هذه الأزمات وغيرها من التورطات كدعم الجماعات الارهابية والمتطرفة تترك آثاراً سلبية على مجمل الوضع الداخلي السعودي ما دام بن سلمان هو الذي يتحكم بمقاليد الأمور في البلد، من خلال تفرده بالسلطة وبالقرارات المصيرية والاستراتيجية.
ولايمكن أن ترقى الإجراءات التي يتخذها النظام السعودي لترقيع الوضع الداخلي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لأن أصل المشكلة يكمن في تعنت وغطرسة بن سلمان والتي وصلت إلى حد اعتقال الكثير من الأمراء والوزراء وممارسة شتى أنواع الضغوط عليهم من أجل ابتزازهم والاستحواذ على ثرواتهم وأموالهم، فضلاً عن الإجراءات التعسفية الأخرى التي طالت قطّاعات كبيرة من الشعب تمثلت بزيادة تكميم الأفواه والتضييق على الحريات العامة وفي طليعتها حرية التعبير عن الرأي، بالإضافة إلى التمييز الطائفي والمناطقي الذي حرم الكثير من أبناء الشعب من تولي مسؤوليات إدارية وحكومية رغم كفائتهم وأهليتهم لشغل هذه الأماكن.
وتنبغي الإشارة أيضاً إلى أن بن سلمان الذي تسبب بالكثير من الأزمات الداخلية والخارجية للبلاد لازال يصر على انتهاج نفس السياسات السابقة رغم فشلها وما أفرزته من تداعيات أدت إلى تفاقم الوضع الداخلي والإقليمي، رغم النصائح التي أسدتها العديد من الأطراف المحلية والإقليمية وحتى العالمية لابن سلمان بضرورة تغيير هذا النهج الفاشل، إلّا أنه يبدو أن الأخير مصرّ على مواصلة الإخفاقات نتيجة تركيبته النفسية وعقليته المتخلفة وحبّه للتسلط وتفكيره بالاستحواذ على مقدرات البلاد في حال وفاة أبيه "سلمان بن عبد العزيز" الذي يعاني من الأمراض والتقدم في السن، وهذا بدون ريب انعكس على المواطنين الذي باتوا يدفعون ضريبة هذا النوع من الحكم، في وقت ينبغي أن يكونوا فيه بأفضل حالاتهم لما تتمتع به بلادهم من ثروات هائلة وموقع استراتيجي، ومكانة متميزة لما تضمه من أماكن مقدسة في طليعتها مكة المكرمة والمدينة المنورة، إلّا أن رعونة بن سلمان وتصرفاته الهوجاء وحبّه المفرط للسلطة والتسلط أدى بالبلاد إلى هذا الوضع المزري في شتى الميادين.
وختاماً ينبغي التأكيد على أن الشعب لايمكن أن ينعم بالهدوء والراحة والاستقرار طالما بقي بن سلمان على رأس الهرم السلطوي، خصوصاً مع الدعم الذي يتلقاه من بعض العواصم لاسيّما واشنطن التي وجدت فيه المطيّة لتنفيذ مآربها الشيطانية في المنطقة والتي تمثل آخرها بإعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الإسرائيلي وقراره نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذي لم يكن ليحدث لولا تواطؤ الحكومات الرجعية في المنطقة وفي مقدمتها الحكومة السعودية وشخص بن سلمان على وجه التحديد.
ارسال التعليق