ماذا تعني رسائل الانتقادات والتوبيخ الأممية والأمريكية لسياسات بن سلمان المتهورة !؟
بعد ثلاث سنوات، من بدء العدوان السعودي على الشعب اليمني، وما ارتكبه هذا العدوان من مجازر دموية بحق الأبرياء من هذا الشعب، وبعد هذه الكوارث الإنسانية التي يعيشها بسبب الحصار السعودي وبسبب الجرائم المروعة التي يرتكبها العدوان....بعد ثلاث سنوات اتسمت مواقف الأمم المتحدة خلالها بالسكوت، بل التواطئ، فتحت المنظمة الدولية فاهها، وتحدثت عن العدوان، معتبرة إياه حربا عبثية داعية الى وقف هذه الحرب كما جاء على لسان العام للأمم المتحدة انطوينو غوتيريش لمحطة السي إن إن الأمريكية يوم11/12/2017، حيث قال "أعتقد إنها حرب عبثية، أعتقد أنها حرب ضد مصالح السعودية والأمارات " وأضاف "إن ما نحتاج إليه هو حل سياسي " وبعد أن أعرب عن أمله بأن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على السلطات السعودية من أجل التوقف عن قصف اليمن، قال نموتيرش إن "هذه الحرب تسبب برأيي، معاناة مروعة للشعب اليمني، كما تضر السعودية والإمارات ".
أن يتحدث أمين عام المنظمة الدولية، بهذه الصراحة، ويصرح بالحقيقة، بعد سكوت وتواطئ طويلين، إلّا لماما، فذلك يعني انه تلقّى ضوءاً أخضراً من الإدارة الأمريكية من أجل ممارسة الضغط على بن سلمان، ضغط يضاف إلى الضغوط التي وجهتها الإدارة الأمريكية مؤخراً لبن سلمان، فقبل عدة أيام، وتحديداً في 8/12/2017، وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الفرنسي جان إيف لورديان، انتقد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون السياسة السعودية بشكل لاذع، في إشارة إلى سياسات بن سلمان، فقد وصف سياساته الداخلية والخارجية " بالمغامرة " والتهور" وقال " إن خطوة المملكة العربية السعودية يجب أن تكون مدروسة وذات حكمة لا أن تتصرف برعونة، ومن دون دراسة، وبردات فعل تؤدي إلى هز الاستقرار في الخليج وفي اليمن وفي لبنان". وأضاف الوزير الأمريكي قائلاً "إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعطاني توجيهات بالاتصال بالمملكة العربية السعودية والطلب إليها رفع الحصار المفروض على الشعب اليمني، حيث هناك كارثة إنسانية على مستوى الأمراض والغذاء، وان الرئيس الأمريكي ترامب طلب مني، أن أبلغ السعودية ليس رفع الحصار فقط عن الموانئ لإيصال الغذاء، بل رفع الحصار بشكل كامل كي يعود اليمنيون إلى بلادهم، وكي تجتمع العائلات اليمنية مع بعضها، خاصة وان هنالك أكثر من مليون يمني يريدون العودة إلى اليمن ولا يستطيعون منذ أن شنت السعودية الحرب على اليمن قبل سنتين". وانتقد تيلرسون سياسة السعودية تجاه قطر وتجاه لبنان، سيما إقدام بن سلمان على دعوة الحريري وإجباره على الاستقالة، في أول اعتراف أمريكي، بإجبار السعوديين الحريري على الاستقالة، وأوضح الوزير الأمريكي انه نسق مع نظيره الفرنسي بأن تتولى فرنسا حل الأزمة والإفراج عن الحريري.
في السياق ذاته، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد دعا في 5/12/ 2017 السعودية إلى إفساح المجال " للدخول الكامل للمؤن والمحروقات والمياه والأدوية إلى الشعب اليمني الذي هو بأمس الحاجة إليها " قبل أن يضيف " لابد أن يتم ذلك على الفور لأسباب إنسانية ".
وفي الواقع إن النظام الأمريكي شريك أساسي في العدوان السعودي على الشعب اليمني، وشريك في صنع هذه الكوارث، وفي إنتاج هذه المآسي التي يعاني منها اليمنيون نتيجة استمرار العدوان، ونتيجة دعم الولايات المتحدة لهذا العدوان بالأسلحة المتطورة وبالدعم اللوجستي وبكل أسباب القوة الأخرى، ذلك باعتراف أوساط أمريكية سياسية وصحفية كما سنرى بعد قليل، إذن هل تعني هذه الانتقادات لسياسة بن سلمان، خصوصاً الشق المتعلق منها بالأزمة اليمنية، تحولاً في المواقف الأمريكية والأممية إزاء ما يتعرض له الشعب اليمني في عدوان!؟ والجواب، أن هذه الانتقادات للسياسة السعودية، لا تعني يقظة ضمير، ولا تحركاً للوجدان، فليس ثمة وجدان لدى الإدارة الأمريكية، ولا تفكر بضحايا الشعب اليمني ومعاناته، بل إن ذلك آخر ما تفكر به ولا يرف لها جفن حتى لو أبيد الشعب اليمني عن بكرة أبيه، مادام ذلك يصب في مصالحها، فلقد كانت فرضت الحصار على الشعب العراقي وتسببت في موت مليون إنسان بين طفل وشيخ كبير وامرأة....ولذلك فإن لهذه الانتقادات لسياسات النظام السعودي دوافع أخرى، نذكر منها ما يلي :
1- بعد احتراق ورقة علي عبد الله صالح، التي كان الاميركان يراهنون عليها لتحقيق أهدافهم من العدوان على اليمن، بعد إخفاق هذا العدوان، وجد الاميركان أنهم أمام مشهد يمني جديد، فالجبهة الداخلية أصبحت أكثر قوة وصلابة، وأكثر ثباتاً وصموداً بوجه العدوان، بعد تطهيرها من الطابور الخامس، من اتباع علي عبد الله صالح ومن يدور في فلكه، يضاف إلى ذلك، وجد الأميركان أن تقييمات السعودية والإمارات لقوة الحوثيين ونفوذهم بين القبائل وشرائح المجتمع اليمني، غير دقيقة، فهم قوة كبيرة بيدهم الجيش والحرس الجمهوري واللجان الشعبية وأغلب قبائل اليمن تلتف حولهم وتعتبرهم مدافعين عن كرامة وشرف ووطن الشعب اليمني، وأمام هذا الزخم الجهادي والثقة بالنفس التي منحها نجاح الحوثيين (أنصارالله) في وأد الفتنة والخيانة، بدأ الاميركان يفكرون بأن هذه الحرب، ليس لا يحقق فيها السعوديون والإماراتيون أي من الأهداف، وإنما باتت تشكل خطراً على المصالح الأمريكية في هذه المنطقة الحساسة والاستراتيجية، لأنها تحولت إلى حرب استنزاف وإنهاك للنظامين السعودي والإماراتي وبالتالي فأن تداعياتها ستكون خطيرة على السعودية وعلى الإمارات، وهذا ما يفسر إشارة أمين عام الأمم المتحدة إلى أن هذه الحرب، باتت مضرة للسعودية وللإمارات.
إذن فدافع هذه الضغوط، هو وضع السعوديين أمام خيارين، إما حسم الحرب عسكرياً، أو البحث عن حل سياسي يحافظ على الحد الأدنى من ماء وجه دول العدوان ويقلل الخسائر السياسية وغير السياسية إلى حد كبير، ولعل التصعيد الإماراتي السعودي الأخير في ميناء الحديدة، محاولة أخيرة للرهان على العدوان، ولأن هذا الهجوم الجديد انكسر أمام صمود وزحف الجيش اليمني وأنصارالله، فأن ذلك شكل نكبة جديدة للسعودية وللأمارات بعد نكبة صالح، وسوف يزيد قناعة الإدارة الأمريكية بأن لا طائل من مواصلة هذه الحرب.
2- محاولة امتصاص واحتواء الضغوط التي تتعرض لها الإدارة الأمريكية، من الكونغرس، ومن الرأي العام الأمريكي، لأنها شريكة للنظام السعودي في مأساة اليمن، فالحال الذي وصلت إليه مأساة هذا البلد، بسبب تمادي النظام السعودي في الحصار والتسبب في مجاعة الملايين من أبناء الشعب اليمني، وفي ارتكابه المجازر المروعة، والتي تستفز الإنسانية من أقصاها إلى أقصاها بسبب تمادي آل سعود في الأجرام..كل ذلك دفع الرأي العام الأمريكي والكونغرس الأمريكي إلى ممارسة الضغط على الإدارة الأمريكية من أجل إيقاف هذه المعاناة التي تلقي بظلالها الأخلاقية والإنسانية على الأمريكيين نظراً لمشاركة حكومتهم في هذا العدوان... ولذلك كلما اقترفت السعودية مجزرة جديدة، أو أوغلت في حصار الشعب اليمني، كلما تضاعفت الأصوات الأمريكية الضاغطة على الإدارة لوقف العدوان، ولذلك قال مسؤول أمريكي لوكالة رويترز مساء يوم 8/12/2017: إن الولايات المتحدة حذرت السعودية من أن الغضب في الكونغرس الأمريكي بسبب الوضع الانساني في اليمن قد يحد من المساعدات الأمريكية " وأضاف المسؤول الأمريكي لوكالة رويترز قائلاً "نريد أن نكون واضحين مع المسؤولين السعوديين بأن المناخ السياسي هنا قد يفرض علينا قيوداً إذا لم تتخذ خطوات لتخفيف الأوضاع الإنسانية في اليمن"، وتابع هذا المسؤول قوله "على الرغم من أننا لمسنا تقدماً، لكن لم نره كافياً، نريد أن نرى المزيد في الأسابيع المقبلة" على حد قوله.
3- محاولة الإدارة الأمريكية التخلص من مسؤولية مشاركة النظام السعودي في ارتكاب الجرائم المروعة في اليمن والتي باتت ترقى إلى جرائم الحرب، وأصبحت حديث المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، فأمريكا باتت لا تتعرض إلى انتقادات وضغوط هذه المنظمات وحسب، بل والى ضغوط الأوساط الأمريكية نفسها، ففي هذا السياق، شن السناتور الديمقراطي كريس مورفي، العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، في كلمة له بالكونغرس، الشهر الماضي هجوماً عنيفاً على السعودية والإدارة الأمريكية بقيادة ترامب، وطالب الكونغرس بالتحرك لوقف الحصار الذي فرضته الرياض على الأراضي اليمنية، وعرض خلال كلمته صوراً للأطفال اليمنيين الذين يتضورون جوعاً، وقال، إن السعودية تستخدم التجويع والأوبئة أسلحة حرب في اليمن، مضيفاً أن حملة القصف التي تستهدف البنية التحتية للكهرباء في اليمن لم تكن تحدث بدون الدعم الأمريكي. وذهب مورفي بعيداً في تحميل الإدارة الأمريكية المسؤولية بقوله: "إن الولايات المتحدة توفر المساعدة في تحديد الأهداف للطائرات السعودية ".مشيراً " إلى أن الطائرات الأمريكية التي تحلق في سماء اليمن تعيد تزويد الطائرات السعودية بالوقود، بما يسمح لها بإلقاء مزيد من القنابل "، وينتهي مورفي إلى الدافع من كل هذا الهجوم قائلاً " على إدارة ترامب أن تواصل توضيحها للسعودية، أن الولايات المتحدة لم تدعم حملة تتعمد تجويع المدنيين لإخضاعهم " على حد قوله.
4- وجدت الإدارة الأمريكية في مضي بن سلمان في هذه السياسات المتهورة، يمكن أن تجر المنطقة إلى حرب إقليمية أو حتى عالمية، لا طاقة للولايات المتحدة على تحملها، أو الانتصار فيها، بسبب ما تعانيه من تراجع في القوة العسكرية وفي الهيمنة الاقتصادية، ولذلك تدخلت بقوة كما مر بنا، عندما حاول بن سلمان تفجير الساحة اللبنانية وجر المنطقة إلى مواجهة بين المحور الايراني، وبين أدوات أمريكا في المنطقة. وأيضاً تدخلت في منع النظام السعودي من الذهاب بعيداً في مواجهة قطر على خلفية الأزمة التي أثارها بن سلمان مع القيادة القطرية.
5- السياسة الأمريكية تعتمد على الأمر الواقع، ولذلك هي لا تقطع ارتباطها بشكل وبآخر مع أعدائها، أو مع من يغرد خارج سربها، فهي ظلت على تواصل مع إيران عبر عمان، وظلت على تواصل إلى الآن مع الرئيس بشار الأسد وتوفد له بين الحين والآخر شخصية من الكونغرس، أو من المؤسسات الأخرى، ولذلك هي رغم أنها تدعم بكل ثقلها النظام السعودي، لكنها لا تريد أن تضع كل بيضها في سلة هذا النظام، ولذلك تحاول المحافظة على خيط تواصل ولو رفيع جداً من الشعب اليمني وأنصاره، من خلال التظاهر باهتمامها بكارثة هذا الشعب، وتحميل النظام السعودي والنظام الإماراتي وحدهما مسؤولية هذه الكارثة.
على أن كل ما تقدم يؤشر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت على قناعة بأن العدوان السعودي على اليمن فشل فشلاً ذريعاً ولابد أن يعترف بن سلمان بهذا الفشل، ولعل اعترافه هذا يكون أقل التكاليف التي يمكن أن يدفعها فيما لو ظلَّ سادراً على مواصلة العدوان على الشعب اليمني.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق