الطالب والمعلم والوطن المنهوب.. إنها حكاية بلدي
[-----------------------]
* جمال حسن
كشفت وكالة الأنباء الفرنسية قبل أيام عن نقل محمد بن سلمان نحو من 4% من أسهم شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو)، والتي تُقدّر قيمتها بنحو 80 مليار دولار، لحسابه الشخصي تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يرأسه هو.
منذ نشأت الدويلة الثالثة لآل سعود واهالي الجزيرة العربية يشاهدون بأم اعينهم كيف تسرق لقمة عيشه وثروات بلادهم على الدوام من قبل الأسرة السعودية الحاكمة بنظام أوليغارشي أساسه العائلة، حيث يتجاوز عدد أمرائها أكثر من 10000 أمير، يتم توزيع عائدات البترول والسياحة الدينية وغيره الى أرفع المناصب السيادية في الدولة عليهم.
وخلال العهد السلماني ازداد الأمر سوءاً حتى داخل الأسرة الحاكمة وباتت حصة الأسد من نصيب محمد بن سلمان الذي جعل كل الامتيازات خالصة له بصورة خيالية تفوق قدرة استيعاب العقل البشري، وأضحت عائدات أكبر بلد مصدر للبترول في العالم تذهب الى حسابه وهو غارق في الترف والبذخ واللهو واللعب والشعب جوعان يبحث عن لقمة قوته.
ثم أنهم يتقاسمون حصص البترول ويستلمون رواتب شهرية تصل في بعضها الى 270 ألف دولار للشخص الواحد، على سبيل المثال تم في عام 1996 صرف مبلغ 2 مليار دولار كمخصصات لأمراء سعوديين، في وقت كانت ميزانية الدولة بأسرها لا تتجاوز 40 مليار دولار، كما أن إيرادات مليون برميل من النفط يوميًا تذهب بالكامل لـ 5 أو 6 أمراء فقط.
انها مأساة شعب يعيش على كنوز ثمينة من الذهب الأسود والمناجم وعوائد السياحة الدينية التي لا تعد ولا تحصى، والفقر ينخر جسده من كل صوب وحدب وترى منهم من يبحثون عن لقمة قوتهم اليومي في مزابل قصور الأمراء ومن لف لفهم؛ وقسم كبير منهم يعيش دون مستوى الفقر وما يعلن عن اعانات حكومية لا تصل إلا للقليل منه.
في هذا الاطار كتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرها المثير حول ثروة ولي العهد السعودي تحت عنوان "كنوز الأمير"، بدأته بجملة "أنا العقل المدبر"، اشارت فيه الى ان محمد بن سلمان، بدأ بنهب ثروات المملكة عندما كان والده أميراً على الرياض، وذلك وفق مصادر مقربة منه وعدد من مسؤولي القصر الملكي، ومصادر دبلوماسية أوروبية وعربية.
تذكرت آنذاك ما نقله صديق لي كان يمتهن التعليم في أحدى مدارس جدة، قائلاً: في احدى الأيام صفعت أحد الطلبة لأنه لم يكتب واجبه، لكني فوجئت بردة فعله الأدبية الواقعية المنطقية جعلتني أترك قطاع التعليم وأنا خجول من نفسي قبل كل شيء؛ كلام لم أسمعه ولم أفكر به من قبل.
فقد قال الطالب لي، أستاذ أنا لم أقتنع بالدرس كي أكتب واجبي، سألته لماذا لم تقتنع، فأجاب وبكل هدوء قائلا: استاذ، الكتاب يقول أن بلدي بلد من أغنى دول العالم وأكثرها عوائد سنوية، لكن بيتنا من طين ولباسي هذا ومحفظتي هذه وكل أدواتي المدرسية حتى كتبي، هي صدقة من الجمعية الخيرية.
ثم أضاف بقوله: استاذ، الكتاب يقول أن بلدي يمتلك من الذخائر النفطية ما جعله أول مصدر للبترول في العلم، ولكنه ليس لدينا نفط في البيت بما يكفينا لنطبخ عليه ونتدفىء به وقت الشتاء، حتى أن أمي لا تزال حتى هذه اللحظة تطبخ على الحطب الذي أجمعه من بعض الأشجار المحيطة بمدينتنا خفية.
وفيما الدموع تذرف من عينيه، واصل الطالب خطابه لي: استاذ، الكتاب يقول بلدي بلد الخيرات والثروات، ولكني لم أر الخير آتٍ بل سافر مبتعداً في جيوب الآخرين الذين لا يتركون شيئاً إلا نهبوه وجعلوه ملكاً لهم والشعب معوز ومحتاج ولا أحد منهم يسأل عن حالنا.
وهنا قال لي صديقي المعلم: لقد بدأت أناملي ترتجف مما أخذ هذا الطالب يسرده خوفاً على نفسي وعليه، لكنه واصل الكلام بقوله: استاذ، الكتاب يقول أن بلدي قبلة المسلمين ومهد الحضارة الاسلامية التي اخذ منها الغرب كل العلوم وتطور، فيما سؤال كبير يجول في نفسي وهو لماذا يبقى بلدي في المهد وغيره يكبر ويتقدم؟ فأين تلك الحضارة وعلومها منا؟!.
وفيما كان الطالب يجفف دموعه خاطبني مرة اخرى: استاذ، الكتاب يقول أن أبناء وطني متساوون في الحقوق والواجبات والوظائف والخدمات، لكني لم آخذ حقي كانسان أو كمواطن من مواطني هذا البلد.. وهذا هو درس بلدي الذي لم أقتنع به ولم استطع كتابة واجبي بسبب هذا.
وشدد الطالب في ختام قوله: استاذ، أنا أعشق كل ذرة من تراب وطني وذاءب في حب هذا البلد، ولكن وطني ذائب في جيوب الفاسدين والقتلة والناهبين والمجرمين والفراعنة والديكتاتورية.. فهل نحن مقتنعون بما يقدمه لنا الوطن مقابل ما نضحي ونموت من أجله؟؟!!.
وهنا أخذ صديقي المعلم يرتجف بشدة ويبكي، وقال: منذ تلك الحصة لم أعد أرى ذلك الطالب الشجاع الواعي الغيور، ولم أعرف عنه أي شيء، وعندما سألت عنه جلبتني قوات أمن جدة وبدأ التحقيق معي وبقسوة وتعذيب، وأخذوا علي بأنني السبب في السماح لذلك الطالب الذي لم أعرف عن مصيره شيئاً حتى الآن، بأن يسرد كل هذا الكلام ضد "ولي أمره" الحاكم المطلق على رقابنا.
في هذا الوقت نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريراً عن السرقات التي يقوم بها ولي عهد سلمان وأخوته، وكتبت: أن ولي العهد السعودي بات يمتلك هو وإخوته، سلسلة واسعة من الشركات، خلال السنوات القليلة الماضية.
وقالت الصحيفة إن تلك الشركات هي: "شركة الشرق الأوسط لحماية البيئة"، شركة "وطن" للاستثمار الصناعي المحدودة، شركة "مانغا" لإنتاج أفلام الكرتون وألعاب الفيديو والكتب الساخرة، شركة "ثروات" القابضة، شركة "ثروات" للبحار وشركة "أنساق" الطبية.
"عندما تكون ثريًا دون تعب، تعتاد على فعل كل التفاصيل بشكل مختلف. لا تحب المشي على أرضيات خالية من السجاد، ولا يعجبك بالتأكيد التنقل على سلالم كهربائية متحركة أقل لمعانًا من الذهب الخالص. الحصول على خدمة تافهة لا يمكن أن تتحقق إلا عبر 1,000 رجل أو يزيد" - للكاتبة نيها تاندون شارما وهي تصف رحلات سلمان بن عبد العزيز وولده المدلل الى الخارج.
وكتبت "شارما"، تحت عنوان «الضروريات المطلقة»، أنه لا يسع للمرء إلا أن يتفق مع ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، الذي سافر برفقة 1,500 شخص، 1,764 رطلًا من الطعام، بخلاف كميات لا بأس بها من الأساس والسجاد، في أولى زياراته الخارجية الى روسيا، في أكتوبر/ تشرين الأول 2017.
ولكن نعم ما قيل:
باتوا على قللِ الأجبال تحرسُهم غُـلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ
واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم وأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهمُ صارخٌ من بعد ما قبروا أين الاسرّةُ و التيجانُ و الحللُ
أيـن الوجوه التي كانتْ منعمةً من دونها تُضربُ الأستارُ والكللُ
فـافـصـحَ القبرُ حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدودُ يقتتلُ
أَيْنَ الْمُلُوكُ وَ أَبْنَاءُ الْمُلُوكِ وَ مَنْ قَادَ الْجُيُوشَ أَلَا يَا بِئْسَ مَا عَمِلُوا
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أكلوا
و طالما عمّروا دوراً لتُحصنهم ففارقوا الدورَ والأهلينَ وارتحلوا
وطالما كنزوا الأموال وادّخروا فـخلّفوها على الأعداء وانتقلوا
ارسال التعليق