على هامش مهرجان الرياض..بعضا من فجور رؤية 2030 في بعدها الثقافي
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
بعيدا عن اي انفعال وجداني أو استثارة أخلاقية، وإن كان كل ذلك طبيعي ومقدّر، فإن الأمر يحتاج من جهة إلى مقاربة سياسية فيما هي رهانات النظام "السعودي" من وراء مقولة "الترفيه" التي كرسها إعلامه التابع كمفهوم أساسي موصول بما يسمى "رؤية 2030"، ومن جهة أخرى إلى تحليل سوسيولوجي – لايتسع له المجال هنا- يفسر انسياق فئات من مجتمع محافط وينتسب إلى جغرافية الوحي ومنطلق الدعوة الإسلامية؛ مع خطط النظام "الترفيهية" كما يتجلى ذلك مع "مهرجان الرياض" الحالي والذي تجاوز كل مديات الفسق بإهانة قدسية الكعبة المشرفة.
مهرجان الرياض الفضائحي والذي تصفه الدعاية الرسمية ب"أكبر الفعاليات الترفيهية الشتوية بالعالم"، وتغدق عليه الأسرة الحاكمة ميزانية ضخمة بأرقام فلكية، وهي المهجوسة بتصنيفات الأعظم والأكبر والأفخم، يعد حلقة أساسية ضمن سياسة تفسيقية ترتكز إلى مفهوم هجين ومشوّه يسمّى "الترفيه"، استحدث له النظام السعودي هيئة تحت اسم الهيئة العامة للترفيه، كترجمة لرؤية ولي العهد السوريالية الموسومة برؤية 2030 والتي نصّت على أنها تستهدف فيما تستهدفه "تطوير قطاع ترفيهي مستدام يحسّن جودة الحياة للأفراد والسكان، ويرتقي بنمط العيش في مدن ومحافظات المملكة، ويكون رافداً اقتصادياً يحقق التنوع الاقتصادي، ويساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي"، بل إن الملك سلمان بن عبد العزيز ذهب بعيدا حين قرأ ما كُتب له في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الثامنة ل(مجلس الشورى السعودي)، من أن "الترفيه يمثل حاجة إنسانية ومتطلباً اجتماعياً، إضافة إلى كونه يعد نشاطاً اقتصادياً مهماً ومصدراً من مصادر الدخل للدول وللقطاع الخاص، ومحركاً رئيسياً للأنشطة الاقتصادية الأخرى"، إذ ليست هناك دول تعتمد الترفيه –وفق الفهم السعودي- قطاعا حيويا في توجهها الإجتماعي والإقتصادي، بل تهتم وضمن وزارات الثقافة بالفنون وإحياء التراث وتحويل بعض جوانبه إلى عامل جذب سياحي ينشط الدورة الإقتصادية، وأما ما يمكن إدراجه ضمن الترفيه فتقوم به الهيآت المنتخبة جهويا كالبلديات في توفير بنية مدينية تشتمل على الحدائق والمنتزهات والملاعب الرياضية، كما تسهروبالتنسيق مع فعاليات قطاعية على تنظيم مهرجانات مسرحية او غنائية ضمن الضوابط الخاصة بكل دولة.
إن الحديث عن تعزيز ثقافة "الترفيه" وتحويله إلى قطاع بمردود إقتصادي، وربطه بجودة الحياة، والمراهنة عليه في إحداث نقلة نوعية في حياة الفرد والمجتمع، يعتبر تنظيرا بئيسا ومسعى يعاكس كل استراتيجيات التنمية التي عرفها العالم، ويناقض حقائق الواقع والتاريخ فها هي تجارب تنموية في آسيا كما إفريقيا تعدّ مبهرة في نجاحها وفي اختصارها للزمن النهضوي وكل ذلك استند إلى الأستثمار في العنصر البشري من خلال التعليم وبإشعاره بمواطنيته الكاملة عبر نسق سياسي وإجتماعي يضمن له الحقوق ويوفّر له الفرص المتساوية. فأين "الترفيه" بمفهومه المبتذل والمائع من النقلة التي عرفتها كوريا الجنوبية والتي انتقلت من دولة فقيرة بعد الحرب الكورية في الخمسينيات إلى واحدة من أكبر الإقتصادات في العالم؟ وأين موقع "الترفيه" من رواندا التي حققت نهضة اقتصادية مدهشة وهي التي مزقتها حروب الإبادة الجماعية بين مكوناتها العرقية عام1994 حتى أصبحت تعرف اليوم ب "سنغافورة إفريقيا"؟! فنظريات التنمية الإقتصادية تُجمع على شرطية الاستثمار في الرأسمال البشري عبر التعليم ومن خلال ربطه بالتطلعات الوطنية الكبرى.
إن الحديث عن "جودة الحياة" لا يستقيم بالفسق والفجور وبالجرأة على القيم والأخلاق والمقدسات، فهذا قتلٌ عمدٌ لروح المجتمع ومسخٌ لهويته وعدوانٌ على معالم تدينه. كما أن الرؤية التي تستند إلى مفهوم الترفيه بشكله السفيه والمبتذل هي رؤية وبالمعايير الاقتصادية العلمية رؤية عديمة لن تنتج إلا زخرفا وهياكل حداثوية بلا روح وبلا أية مسحة معنوية، ولن تسهم إلا في تجويف الحياة وتكريس التبعية والسلوكات الإستهلاكية الفجة.
قد يبدو محمد بن سلمان مرتاحا للأرقام التي حققتها ما تسمى ب "الهيئة العامة للترفيه" خلال الأعوام الخمس الماضية، لجهة عدد الشركات العاملة في "القطاع" وعدد الفعاليات التي نظمت والعدد الاجمالي للحضور، مطمئنا على سيرعملية التحويل القسري التي يمارسها على مجتمع الجزيرة العربية إرضاءً لنرجسيته، لكن الأرقام لا تقول كل الحقيقة بمعزل عن حجم التزوير فيها. فللحقيقة وجه آخر يدعمها التاريخ، وهي تقول، فقط القادة الكبار والإستنثنائيين من يصنعون التحولات الكبرى في المجتمعات ويعبرون بها من ضفة إلى أخرى، والتي تتقوم (أي التحولات) بحفظ ذاكرة المجتمع وروحه وقيمه العظمى، بل إن بعث الروح في تلك القيم العظمى والتركيز عليها هو ما يوفر قوة الدفع لحركة المجتمعات خلف قادتها التاريخيين. وأما المضلّين الناكرات في التاريخ ففي مقدورهم أن يحولوا مجتمعاتهم إلى "فرجة" عالمية، وأن يبتدعوا زخرفا من التنمية المخادعة تظل فيها السلطة بيد فرد نرجسي ويخضع فيها المجتمع إلى مصادرة شمولية لإرادته وحريته وحقوقه..لكنهم حتما لن يصنعوا مجدا.
إن "الترفيه السعودي" واستطرادا "جودة الحياة" بحسب الزعم، ما هما إلا تحايلا على إستحقاقات الدمقرطة والتحديث السياسي لنظام الحكم وهروب يائس من فتح مسالك الإرادة السياسية وتعبيراتها أمام مجتمع الجزيرة العربية. ولذلك يصدق على "الترفيه" أنه عِجلٌ "سلمانيّ" لصرف شعب الجزيرة عن ألواح الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية.
وبالعودة إلى "مهرجان الرياض" الفاضح لحكام آل سعود، والذي استفاد كما كل برامج "الترفيه" المضلّة من وضع سياسي وثقافي مغلق كرسته الطبيعة الإستبدادية للحكم، ما سمح بالتغرير بفئات وشرائح من المجتمع الحجازي، فإن تزامنه مع ما يتعرض له الشعبين الفلسطيني واللبناني من عدوان ومجازر من قبل العدو الصهيوني استفز مشاعر المسلمين في كل أرجاء الأرض، بل إن المشهد الضوئي للكعبة المشرفة وتراقص شبه العاريات من حولها شكل صدمة لازالت تتفاعل لدى كل مسلمي العالم، وطبعا وربما بشكل أقوى لدى شرفاء الجزيرة العربية. فالنظام "السعودي" يخسر المكانة التي استمدها غصبا من وجود الحرمين الشريفين، ويفقد الصورة بشكل متسارع خاصة بعد تواطؤ نظامه مع (اسرائيل) على الشعب الفلسطيني في غزة، وهي الصورة التي عمل على بناءها طويلا في الوعي الاسلامي العام وجند لها كل الإعلام المصطنع والمرتزق، وهذا يعود بالنقاط السياسية العظمى لصالح تيار التغيير السياسي داخل بلاد الحرمين الشريفين إذا تم استثمار هذه الجريمة الموصوفة لحكام آل سعود استثمارا جيدا وذكيا.
ارسال التعليق