بلد البترول بين مطرقة "شريف نوتنغهام" وسندان راعي البقر
[جمال حسن]
* جمال حسن
كشف خبراء اقتصاد غربيون أن البنوك السعودية تواجه صعوبات في السيولة، فقد تجاوز نمو القروض الودائع لدعم الاقتصاد المحلي الذي انكمش العام الماضي. وفقًا للبيانات الرسمية التي جمعتها شركة التحليل MEED Projects ومقرها دبي، ستحتاج البلاد الى 640 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهو رقم بعيد المنال.
من جانبها أكدت شبكة "سي إن إن" الأمريكية أن دونالد ترامب قبل شهرين من الانتخابات الأمريكية قد اجرى اتصالا هاتفياً مع محمد بن سلمان، وهو ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز" في 3 أبريل الماضي وآثار عدة تكهنات بشأن طبيعة هذا الاتصال وتوقيته والمواضيع التي نوقشت فيه.
أما صحيفة "واشنطن بوست" وفي تقرير مطول لها اشارت الى ان المكالمة السرية هذه تتعلق بالمال السعودي والذي لعب دورا كبيرا في انتشال الرئيس الأميركي المنتخب "دونالد ترامب"، من المصاعب المالية التي عانى منها مع صهره "جاريد كوشنر"، عقب مغادرتهما للبيت الأبيض قبل أربعة أعوام.
اما في الداخل الأمريكي فقد طالب مشرعون ديمقراطيون في الكونغرس الأمريكي بتعيين محقق خاص للتحقيق في عمل جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، كـ"عميل أجنبي" لصالح ولي العهد السعودي؛ بعد تقارير كشفت عن استثمارات سعودية بقيمة ملياري دولار في شركة "إنفينيتي بارتنرز" لكوشنر.
من جهتها، أكدت وزارة العدل الأمريكية أنها تلقت الرسالة، لكنها امتنعت عن التعليق. فيما قوبلت الاستثمارات السعودية في شركة كوشنر بانتقادات من العديد من نواب الديمقراطيين وحتى الجمهوريين، الذين عبروا عن قلقهم من ان هذه الاستثمارات تعتبر مكافأة على عمل كوشنر على القضايا المتعلقة بالمملكة خلال فترة عمله في البيت الأبيض خاصة قضايا حقوق الإنسان.
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" إن مجلس إدارة صندوق الثروة السعودي بقيادة محمد بن سلمان نقض توصية قدمتها لجنة استشارية تابعة له بالاستثمار في شركة كوشنر، حيث أبدت مخاوفها بشأن الصفقة المقترحة مع شركة الأسهم الخاصة "أفينيتي بارتنرز" التي أسسها كوشنر حديثا، طبقا للصحيفة الأميركية.
ويؤكد مراقبون دوليون أن كوشنر لعب دورا قياديا داخل إدارة ترامب في الدفاع عن ولي العهد محمد بن سلمان، بعد أن خلصت وكالات المخابرات الأميركية الى أنه وافق على مقتل الصحافي جمال خاشقجي عام 2018؛ وهو ما أكده روبرت وايزمان رئيس مجموعة Public Citizen غير الربحية ايضاً.
من جانب آخر قال ستيفن هيرتوغ، الأستاذ المشارك في كلية لندن للاقتصاد لموقع بلومبرج الأمريكي إن "طموح محمد بن سلمان الشخصي للسيطرة على كامل السلطة في بلد البترول الأول عالمياً، دفعه الى بسط صندوق الاستثمارات العامة لجناحيه، أصبح من غير الواضح بشكل متزايد مدى نجاحه خارج المنطقة الخليجية سعياً منه لتبييض صورته في مجال حقوق الإنسان".
ويقول مراقبون أن "بن سلمان" أقدم على ضخ 3.5 مليار دولار في أوبر للتكنولوجيا، و45 مليار دولار في صندوق رؤية سوفت بنك، واستحوذ على حصة 60 في المئة بمنافستها تسلا لوسيد، وأصبح المالك الأكبر لشركة ماجيك ليب الناشئة للواقع المعزز؛ رغم أن كلا الشركتين تواجهان عجزاً كبيراً في موازنتهما خلال الاعلام الأخيرة.
كما ضخت محفظة الصندوق السيادي السعودي مليارات الدولارات في "LIV Golf"، وعملية استحواذ بقيمة 415 مليون دولار على نيوكاسل يونايتد، ودعم صندوق البنية التحتية لشركة "بلاكستون" بمبلغ 20 مليار دولار واستثمر في "غارنيفال"، أكبر مشغل للرحلات البحرية في العالم. وفي يونيو، وسع صندوق الاستثمارات العامة حصته في مطار هيثرو بلندن.
ووجدت الأرقام التي نشرتها، في يوليو الماضي، غلوبال سويد، وهي شركة بيانات تتعقب نشاط صناديق الثروة السيادية السعودي، أن صندوق الاستثمارات العامة نشر رأس مال في النصف الأول من عام 2024 أكثر من جميع المستثمرين الآخرين المملوكين للدولة، الذين استثمروا مجتمعين ما يقرب من 100 مليار دولار خلال ستة أشهر.
وبينما يواصل صندوق الثروة السيادية السعودي مواصلة إنفاق أموال طائلة في مشاريع غير معروفة الربحية في الخارج، يواجه صندوق الاستثمارات العامة "بعض المخاطر"،حيث عانت عدد من استثماراته البارزة في الخارج من صعوبات مالية"؛ بحسب خبراء اقتصاد.
ويشير هيرتوغ إلى أن "هناك مخاطر متأصلة في الاستثمار في قطاعات جديدة، لذا فإن ما يهم ليس الإخفاقات الفردية ولكن أداء المحفظة بأكملها". منوهاً أن محمد بن سلمان حدد هدفا بقيمة 2 تريليون دولار من الأصول قيد الإدارة بحلول نهاية العقد، و"يسابق الزمن" لتلبية الموعد النهائي لبرنامجه الطموح في رؤية 2030؛ وهذا ما يشكل خطراُ كبيراً على اقتصاد المملكة المتهالك.
على صعيد آخر كشف "روبرت باري" رئيس تحرير موقع "كونسورتيوم نيوز" الأمريكي للتحقيقات الصحفية المستقلة في مقال له، عن العلاقة الحميمة والصميمة بين آل سعود و«إسرائيل واصفاً إياها بأنها غريبة وأن السلطات السعودية قامت بتقديم 16 مليار دولار لـ«إسرائيل» خلال عامين ونصف.
واضاف "باري" عن مصدر مطلع ومقرب من المسؤولين في وكالة الاستخبارات الأمريكية السي آي أيه، أن السعودية قدمت للكيان الإسرائيلي 16 مليار دولار، وذلك عبر دولة عربية قامت بوضع تلك الأموال في حساب التنمية الخاص بـ«إسرائيل» في أوروبا، من أجل تمويل مشاريع البنية التحتية داخل "اسرائيل"، خاصة في مشاريع بناء المستوطنات بالضفة الغربية المحتلة.
مراقبون للشأن السعودي أكدوا أن السلطات السعودية وبأمر من محمد بن سلمان تقوم على ضخ عشرات مليارات الدولارات لتنظيم فعاليات رياضية وغنائية ودعارة وفسق وفجور في بلاد الحرمين، لتُغيّر صورتها في العالم بسبب سجلّها ألأسود في مجال حقوق الإنسان.
في الوقت ذاته سجلت الميزانية السعودية عجزاً للفصل الثامن على التوالي، حيث أظهرت بيانات وزارة المالية الصادرة اخيرا بلوغ العجز للربع الثالث من العام حوالي (8 مليارات دولار) ، بما يناهز ضعف عجز الربع السابق؛ ليصل الى نحو 16 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الماضية، ويتوقع أن يتجاوز العجز المتوقع للعام 2024 نحو 31.5 مليار دولار.
ويرى المراقبون أن الحكومة السعودية ستتجه نحو زيادة الرسوم الجمركية والضرائب على السلع والخدمات وتقليص كبير في الدعوم الحكومية المتبقية خاصة على المواد الغذائية والأدوية والوقود، ما سيكون له تأثير كبير جداً على كاهل المواطن الحجازي وعلى معدلات الإنفاق الفردي، وسيدفع نحو ارتفاع في معدلات التضخم وزيادة نسبة البطالة والفقر.
وفي أحدث تقديراتها الصادرة مطلع أكتوبر، توقعت وزارة المالية عجزاً أعمق في ميزانية العام الحالي بواقع 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى عن تقديرات البيان التمهيدي لميزانية 2024. ويعود اتساع العجز بشكلٍ أساسي الى زيادة كبيرة في إنفاق القائمين على السلطة الحاكمة للجم أفواه الحكومات الغربية بخصوص قضايا حقوق الإنسان.
من هذا المنطلق خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي للمرة الثانية في ثلاثة أشهر، وقال في تحديث لتوقعاته الاقتصادية العالمية إنه خفض توقعات الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد في العالم العربي وأكبر منتج في أوبك بنسبة 0.2٪ لهذا العام، وقدر الناتج بنسبة 1.5٪.
كما وان ولي عهد سلمان متورط في تبديد المليارات من ثروات وأموال الشعب السعودي في إطار شغفه الشخصي بالسينما العالمية ومحاولته الوصول الى منافسة هوليوود عبر إطلاق استوديوهات بمبالغ ضخمة في العلا، وفق ما أبرزته صحيفة التليغراف البريطانية، كل ذلك من لقمة عيش المواطن في الجزيرة العربية.
في الوقت ذاته تعيش شركة أرامكو العمود الفقري لاقتصاد بلد الذهب الاسود ومصدر تمويلها الرئيسي تحديات غير مسبوقة مع تراجع الأداء المالي، عن تراجع بنسبة 15% في صافي دخلها للربع الثالث من عام 2024، مقارنةً بنفس الفترة من العام الماضي.
من جانبها قالت شركة "جدوى للاستثمار السعودية" في تقرير نشرته قبل أيام: "إن عجز الميزانية السعودية سيبلغ أكثر من ضعف توقعات المملكة مما سيدفع بها الى سوق الدين مرة اخرى؛ في الوقت ذاته كشف أحدث تقرير للمعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم (سيبري) أن السعودية أكبر منفق في الشرق الأوسط، إنفاقها بنسبة 4,3 بالمئة، أي أكثر من 80 مليار دولار خلال العام 2023.
ارسال التعليق