التحالف السعودي يتلقى صفعة قاسية في حضرموت
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي
في 8 نوفمبر الجاري تعرض الاحتلال السعودي لجنوب اليمن، وتحديداً في معسكر سيئون مركز محافظة حضرموت، لضربة موجعة وقاسية، بقتل اثنين من ضباط الجيش السعودي المحتل وجرح ثلاثة آخرين، بينهم ضابط أيضاً، وذلك عندما فتح الجندي اليمني محمد صالح العروسي، نار بندقيته على القوة السعودية فاردى بعضهم قتلى وجرحى، وقد تعددت الروايات حول الدوافع الحقيقية لهذه العملية، التي وصفها النظام السعودي وإعلامه وإعلام مرتزقته، (بعملية الغدر والخيانة) فيما وصفها الآخرون المناهضون للاحتلال السعودي الإماراتي لليمن، (بعملية الانتقام والثأر) لضحايا الشعب اليمني الذين قتلوا وجرحوا بطائرات وقصف قوى العدوان.. على أي حال تعددت الروايات كما قلنا، وأبرز هذه الروايات حصول شجار شخصي بين الجندي اليمني والضباط السعوديين على خلفية إن الضابط السعودي امتنع عن تسليم العروسي راتبه أسوة بالجنود الآخرين، قائلاً له، وبكلام حاد ولهجة استفزازية، استلم راتبك من حماس التي تدافع عنها، إذ على ما يبدو أنه وصل إلى أذان الضباط السعوديين إن هذا الجندي الذي ينتمي إلى اللواء (135) مشاة من المنطقة العسكرية الأولى المكلفة بحماية حضرموت يدافع عن المقاومة الفلسطينية، وطبقاً لهذه الرواية فأن الشجار تطور بين اليمني والسعوديين إلى حد توجيه هؤلاء الضباط الإهانة والإذلال لهذا الجندي، فاستشاط غضباً وجلب سلاحه ليصوب على هؤلاء الضباط.. أما الرواية الأخرى وهي قريبة والأقرب للصحة فهي تنسب إلى جندي آخر كان قد شهد الواقعة وكان حاضراً هناك، فيقول إن أحد الضباط السعوديين الذين قتلوا كان يحاضر وانتقد حركة حماس وعملية طوفان الأقصى، ووصف محور المقاومة بالمهزلة! فرد عليه الجندي بشجاعة مشيداً بالمقاومة وبقيادة حماس ومنتقداً العدوان الأمريكي الصهيوني على الشعبين الفلسطيني واللبناني، الأمر الذي دفع الضابط السعودي المحاضر إلى الاستهزاء به والنيل من كرامته، وحتى هم هؤلاء بإلقاء القبض عليه أو قتله، فاضطر للدفاع عن نفسه بامتشاق سلاحه وإطلاق نيرانه نحو الضباط السعوديين فقتل ما قتل منهم وجرح من جرح وفرّ إلى جهة مجهولة.
على أي حال، حاول النظام السعودي احتواء العملية وآثارها من خلال:
1ـ تصوير الهجوم على أنه تصرف فردي وليس تعبيراً عن ظاهرة غضب وعدم ارتياح باتت تجتاح صفوف مرتزقة التحالف السعودي ومعهما الأمريكي والصهيوني والبريطاني، بسبب ما يقوم به هذا الاحتلال بكل أنواعه من ممارسات الإذلال والاهانة لأهل اليمن، أي هؤلاء المرتزقة خصوصاً أو بسبب دفاع هذا الاحتلال عن العدو الصهيوني الذي يواصل حرب الإبادة ضد غزة وبيروت، بالإضافة إلى محاولات هذا الاحتلال الاستحواذ والسيطرة على الثروة النفطية والمعدنية في حضرموت وبقية المدن الجنوبية!
2ـ حاول النظام السعودي بشكل غير مباشر وبمساعدة مرتزقته اليمنيين بشكل مباشر تحميل حزب الإصلاح اليمني المسؤولية لأن عناصره تشكل قوام المنطقة العسكرية الأولى المسؤولة عن حماية حضرموت، ولكن حزب الإصلاح سارع على لسان كبار مسؤوليه نفي هذه التهمة، حيث نشر اليدومي باسم الهيئة بياناً جاء فيه إن "الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح وقفت أمام الجريمة الغادرة التي ارتكبها أحد جنود المنطقة العسكرية الأولى بحق ضباط من المملكة العربية السعودية في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت... وهي الجريمة البشعة التي راح ضحيتها ضابطان (شهيدان) وأصيب ثالث ".
وإلى ذلك طالب رئيس حزب الإصلاح اليدومي بملاحقة الجندي المتهم والقبض عليه ومحاكمته!!
3ـ حزب الإصلاح لم يكتف بذلك، بل ذهب لتبرئة نفسه من الاتهام له بتنفيذ تلك العملية والإقدام عليها، باتهام الحوثيين! جاء ذلك في مداخلة هاتفية مع قناة (سهيل اليمنية) للناطق باسم التجمع اليمني للإصلاح نائب رئيس الدائرة الإعلامية للحزب عدنان العديني، حيث قال: "إن العلاقة بين اليمن والمملكة السعودية أقوى من كل تهديد وأمتن من كل حادثة"! وأشار بعد تأكيده على عمق الروابط بين الحزب والنظام السعودي، إلى أن "الحوثي ضالع في هذه الجريمة وجهات أخرى ـ لم يسمها ـ أيضاً تحاول تقويض الدولة اليمنية لكي تبقى الساحة خالية من وجود الدولة الوطنية المركزية التي تضمن أمنها وأمن جيرانها"!!
ويبدو إن حزب الإصلاح منقسم على نفسه لأن هناك من رجالاته من أيد العملية وأن اعتبرها خطأ مثلما أخطأت السعودية أخطاء كثيرة بقتل العشرات من الشعب اليمني، كما جاء ذلك على لسان رئيس فرع حزب الإصلاح في مأرب عبدالله عبود الشريف، والذي أضاف بأن العملية كانت انتقامية، وبأنها لا تساوي شيء مقارنة بالأخطاء التي أرتكبها التحالف بحق قوات الحزب، في إشارة إلى قتل مقاتلي الحزب بطيران التحالف السعودي. كما دافعت قيادات عسكرية في حزب الإصلاح أبرزها عبدالله العكيمي، عن العملية بقوة معتبرين إياها مجرد حادثة في حين دعت أخرى إلى حماية المنفذ وعدم تسليمه إلى التحالف السعودي، ما يعني ذلك، إن ثمة إرباكا وانقسامات تسود حزب الإصلاح وبقية أحزاب ما يسمى بالشرعية.
واللافت أنه رغم محاولات السعودية ومرتزقتها احتواء الحادث ووضعه في الإطار الفردي، أو في أطر أخرى كما مرّ بنا، إلاّ إن النظام السعودي ومرتزقته بنفس الوقت اعتبروا هذا الحادث بأنه تطور على مستوى خطير من الأهمية، بدليل هذا الاهتمام الكبير جداً بالموضوع ومتابعته بمثابرة منقطعة النظير، فرئيس ما يسمى بالمجلس الرئاسي رشاد العليمي أوفد وزير دفاعه محسن الداعري إلى سيئون للأشراف على التحقق! ووصف العليمي الهجوم (بالعمل الإرهابي الجبان)! وأصدر توجيهات بضبط المتهم وإجراء تحقيق شامل في الجريمة، بالتنسيق مع قيادة القوات المشتركة في التحالف مشدداً على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة على كافة المستويات!! ولم يكتف العليمي بذلك، بل كلف عضو المجلس الرئاسي عبدالله العليمي الذي يقيم في الرياض بلقاء قائد (قوات التحالف) في اليمن الفريق الركن فهد السلمان لتهدئة ولتخفيف حدة التوتر مع السعودية عقب الحادثة!!
من جهته النظام السعودي سارع بإرسال قوات عسكرية إلى سيئون بعيد الحادثة، حيث كشفت مصادر عسكرية إن السعودية أرسلت تعزيزات عاجلة عبر طائرات شحن عسكرية حيث هبطت في مطار سيئون في اليوم التالي للحادث!! يضاف إلى ذلك، إن المصادر المذكورة أكدت إن تعزيزات أخرى قادمة عبر منفذ الوديعة ضمنها آليات ومدرعات لتعزيز قوات (درع الوطن) التي فرضت طوقاً على المنطقة العسكرية الأولى منذ مقتل وجرح الضباط والجنود السعوديين على يد العروسي!!
هذا الاهتمام والقلق المتصاعد من تلك العملية، من جانب السعوديين ومرتزقتهم وحتى من بعض الأوساط الخليجية والإعلامية القريبة من النظام السعودي، يشير بوضوح إلى إن العملية على جانب كبير من الخطورة، تحمل رسائل كثيرة للنظام السعودي، فهي:
1ـ أنها لم تكن فردية، ولا تعبير عن خصومة حزب الإصلاح مع السعوديين، كما أراد الذين حاولوا حصرها واحتوائها، إنما هي تعبير عن حالة الغضب والتبرم الذي باتت مناسيبه ترتفع بشكل مضطرد بسبب إذلال الاحتلال السعودي والإماراتي لليمنيين في المحافظات الجنوبية المحتلة، وبسبب تواطئ النظامين السعودي والإماراتي مع العدوان الصهيوني على أبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني... وبسبب أيضاً انكشاف الإطماع السعودية والإماراتية بالثروات اليمنية ومحاولة الاستحواذ عليها على حساب حرمان الشعب اليمني منها.. ولذلك فأن هذا الهجوم الأول من نوعه، وإنما هو الهجوم الثاني الذي يستهدف القوات السعودية، إذ إن هذه القوات كانت قد تعرضت لهجوم مماثل بعيد احتلال القوات السعودية والإماراتية لمحافظات الجنوب، بل إن مدينة حضرموت تشهد بين الحين والآخر مصادمات واشتباكات دموية بين القوات السعودية التي تحاول السيطرة على الموانئ البحرية وعلى الثروة النفطية، وبين الأهالي، لكن الإعلام السعودي يعتم عليها، وهذا ما تؤكده عملية المواطن اليمني من حضرموت ماجد العمود فقد نشر عبر حسابه بالواتساب حالات غاضبة على جرائم الاحتلال الصهيوني قبل تنفيذه عملية قتل جندي تابع للإمارات وإصابة آخر في المكلا وذلك بعد عملية العروسي... وكشفت هذه العملية، والتي سبقتها في سيئون حالة الغضب التي تجتاح الشعب اليمني في المناطق الجنوبية المحتلة، من تواطئ النظامين السعودي والإماراتي مع الصهاينة في غزة، كما إن تلك العمليات هي انعكاس وإشارة الى تحرك شعبي واسع لطرد التحالف السعودي من حضرموت... لأن العملية الثانية وقعت أيضاً في هذه المدينة. إذن هي تعبر عن تنامي الروح الوطنية عند أبناء المناطق الجنوبية، الرافضة للاحتلال السعودي ونظيره الإماراتي.
2ـ حاول البعض من المحللين التقليل من الدافع الوطني لهذه العمليات، والذي بات يقض مضاجع السعوديين والإماراتيين، بإيعاز سبب ودوافع هذه العمليات الى الصراع بين السعودية والإمارات حول ثروات اليمن، الصراع الذي دخلت في خضمه الولايات المتحدة بقوة في الفترة الأخيرة فمرة تقف إلى جانب هذا الطرف وأخرى تقف مع الطرف المنافس، وتحاول تعميق هذه الصراعات لتكون الحصيلة صافية لها ولحلفائها الغربيين!!
نعم هذا الصراع موجود ومحتدم ولكن ليس هو الدافع الأساسي لهذه الهجمات القاتلة التي تستهدف الوجودين الإماراتي السعودي في اليمن، إنما الدافع الأساسي هو ما أشرنا إليه في النقطة الأولى وهو الروح الوطنية عند الشعب اليمني في الجنوب وتحركها ضد الاحتلالين السعودي الإماراتي، وللتغطية أو التعتيم على هذا الدافع حاول كل طرف توظيف هذه الهجمات بالشكل الذي يخدم أجندته الاحتلالية وأطماعه في اليمن، ولذلك قال بعض المحللين إن العمليات قد تكون من صنع المحتلين لتكريس احتلالهم أو لإضعاف الآخر، كما قالوا إن الولايات المتحدة تقف وراءه عبر تحالفها مع حزب الإصلاح، من أجل أضعاف وابتزاز النظام السعودي الذي ما يزال يرفض المطالب الأمريكية بالتخندق عسكرياً مجدداً ضد الحوثيين ثأراً لإذلالهم البحرية الأمريكية والغربية معاً في البحر الأحمر، ومحاولة لإبعادهم عن الثروات النفطية الهائلة في حضرموت ومأرب وشبوة فضلاً عن المعادن الأخرى التي تكتنزها المحافظات اليمنية الأخرى.
3ـ وبناءاً على ما تقدم، فأن هذه الهجمات، والتي ستعقبها بالتأكيد، هي رسائل موثقة بالدم من أبناء الشعب اليمني إلى كل المحتلين السعوديين والإماراتيين، وحتى الأمريكيين والانجليز، بأن قواتهم في مرمى كل الرافضين من أبناء الشعب اليمني في الجنوب لهذا التواجد الاستعماري على الأرض اليمنية، وأن على الرياض وأبو ظبي وواشنطن سحب قواتها فوراً من كل شبر في اليمن، وإلاّ فأن التأريخ سيعيد نفسه عندما خرجت القوات البريطانية في عقد الستينات من المحافظات الجنوبية ومن اليمن ذليلة مكسورة مهزومة.
ارسال التعليق