حصان طروادة آل سعود بات عصا أبن سلمان نحو الإسلاموفوبيا
[جمال حسن]
* جمال حسن
لن يختلف اثنان في داخل البلاد أو ممن يهتم بشؤونها، من أن العلاقة بين الأسرة السعودية الحاكمة والمؤسسة الدينية الوهابية ليست علاقة أدوار منفصلة بعضها عن بعض، بل إنها كانت حتى وقت قريب قائمة على أن يهتم آل سعود بالشأن السياسي، فيما يتفرغ آل الشيخ ومؤسسته الدينية الوهابية لما يسمونه الشأن الديني في مجتمع الجزيرة العربية.
ما تطلق على نفسها "هيئة كبار العلماء" كانت تتدخل بكل شاردة وواردة تهم أبناء الجزيرة العربية منذ عقود طويلة، حتى العادات الاجتماعية المستندة لأفكار ومعتقدات دينية، كان بإمكانها أن تتبدل وتنقلب الى الضد بـ«أوامر ملكية» ترافقها فتاوى تبيحها وتشجع عليها.
لقد بات الحلال حراماً والحرام حلالاً بفضل فتاوى الهيئة التي تصدر بين الحين والآخر على هوى النفس الأمارة بالسوء الطماعة للريال والمقام ، فتاوى لا تنم بصلة لا من قريب ولا من بعيد بالدين الاسلامي الحنيفي، وإنما هي من أجل إرضاء آل سعود ودعمهم في كل قراراتهم التي تصب في إطار "الإسلاموفوبيا" بالحرف الواحد.
لا يخفى على المحققين والمهتمين بالشأن السعودية وكلا مؤسساتها السلطوية الحاكمة من أنهما قد اعلنا الحرب منذ عقود وباتت هذه الحرب بالعلن منذ بلوغ محمد بن سلمان ولاية العهد، خدمة للماسونية والصهيونية وتعزيز وتعميق "الإسلاموفوبيا" على نطاق أكبر خاصة في العالم ودعمها للجماعات الارهابية المسلحة في منطقتنا خير دليل.
لم يعد بالإمكان التكتم على فضائح المؤسسة الدينية في المملكة «هيئة كبار العلماء» حصان طروادة سلطة آل سعود على رقاب أبناء الجزيرة العربية بسلاح العقيدة البالية، حتى بلغ بنا المطاف أن أخذت وسائل الإعلام الغربية تسخر من عملها وتباين فتاواها المنحرفة والمزيفة باسم الدين على العلن.
ففي هذا الاطار كتبت "ميدل إيست مونيتور" التي تنشر كثيرا عن الصراع العربي الإسرائيلي، وتكتب عن قضايا أخرى في الشرق الأوسط تقول أن "المؤسسة الدينية السعودية، تُحرم الاحتفال بالمولد النبوي، وتصمت عن الاحتفال بالهالوين"؛ ما يكشف التناقض الواضح والفاحش بين الإدعاء والحقيقة .
استغلت الهيئة مكانتها وسذاجة بعض ابناء المجتمع في تقبل آرائها وسيل الكثير من شبابنا المغفل بفتاوى قتل المسلمين واستهداف مراكزهم الدينية كونهم يختلفون معنا في النهج، لتمتلئ شوارع المحيط العربي والإسلامي بمئات آلاف الجثث للأبرياء تماشيا مع رغبة صاحب البلاط والعرش السعودي حتى لو كان مصاب بالزهايمر وجنون العظمة ومنحرف.
ركزوا شعار "إطاعة الولي حتى لو كان فاسقاً فاجراً" بدلائل ليس لها واقع في الدين الاسلامي ولا تنم بصلة له وإنما هي وليدة أفكار شيطانية مهوسة بالسطوة والسلطة عبيدة الدرهم والدينار، يصدرها من باع ضميره ووجدانه ودينه بدراهم معدودة واشترى سخط الخالق برضى المخلوق خدمة للسيد الحليف.
لقد طبلت "هيئة كبار العلماء" طيلة العقود الماضية دينياً لرغبات الأسرة السعودية الجاثمة على رقاب أبناء الجزيرة العربية، وأفتت بحرمة معارضة الحاكم والسلطة وأحلت دماء المعارضين والمطالبين بالعدالة والتساوي وحرية الرأي والتعبير فكانت نتيجتها عشرات آلاف الشهداء والمعتقلين والمغيبين والمهجرين في أقصى بقاع العالم.
يقول البعض أنه لم يستطع أعضاء الهيئة من استيعاب أن مواقفهم الداعمة لسلطة آل سعود القمعية، وبالتالي للإستراتيجية الأميركية في المنطقة؛ أدت الى ظهور نسخة مطورة من تنظيم "القاعدة" ممثلة في تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يظهر صورة الإسلام التي يريدها الغرب "الإسلاموفوبيا"، الأمر الذي يوفر مسوغات ومبررات أخلاقية لضرب ديننا الحنيف.
فما يحصل خلال العهد السلماني بقيادة "أبو منشار" بالنسبة للعلاقة مع المؤسسة الدينية ليس بشيء جديد، حيث ساهم الأخير كما ساهم أسلافه من قبله في تهميش دور الجناح الديني المساعد الداعم للسلطة متى ما أقتضت الضرورة؛ آل سعود لا يريدون منها إلا أن تصدر فتاوى تؤيد وتبارك وتعطي شرعية دينية لسياسات الأسرة الحاكمة.
من جانبها كتبت صحيفة "البوست" الإيطالية أن احتفال السعودية بعيد "الهالوين" بعد سنوات من التحريم والحضر والقيود على مثل هذه الأعياد الوثنية وغير الاخلاقية، لا يعنى أن النظام السعودي أصبح منفتحا وديمقراطيا، بل هو يوضح من أن "هيئة كبار العلماء" المانع الكبير أمام هذه المهرجانات من قبل ما هي سوى "حصان طروادة" يمتطيه آل سعود متى ما شاؤوا.
لقد باتت "الهيئة" تعيش اليوم مرحلة الغروب والوهن، وأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، ساعدت كثيراً الجناح السياسي من التخلص من وجع الرأس هذا والتضحية بها وتقديمها قربانا لاستمرار العلاقة مع الحلفاء الغربيين خاصة من قبل محمد بن سلمان الذي قلم أظافر المشايخ والدعاة واقعدهم البيوت.
وما يزيد الطين بلة هو الصمت المطبق من قبل مشايخ وعلماء الهيئة التي تدعي زعامة المراكز الدينية في العالم الاسلامي، على اتساع نطاق الفسق والفجور والتبرج والتحلل الخلقي والأخلاقي والرقص المختلط الماجن الذي بات يتسع نطاقه في شوارع بلاد الحرمين الشريفين دون أدنى خجل.
ويقول المراقبون أن تغير العقلية السعودية في الآونة الأخيرة، تجاه الاحتفال بأعياد الهالوين والحب وراس السنة الميلادية، الى جانب المهرجانات الموسيقية الفاضحة التي تشهدها الرياض وجدة والكثير من مناطق المملكة مع تفشي ظاهرة المخدرات بين الشباب من كلا الجنسين؛ دليل فاضح على تغيير مكانة "الهيئة" من "حصان" الى "عصى".
فبعد أن مسك محمد بن سلمان زمام السلطة في المملكة بكل جوانبها، جعل من المؤسسة الدينية الداعم الرئيسي عصا بيده يهش به أغنامها يمين ويسار، مقصقصاً جذورها ومحجماً دورها بارغامها الصمت على تفشي غير الأخلاقي في المجتمع السعودي المحافظ تركيز عملها نحو فتاوى تخدم "الإسلاموفوبيا" بين الحين والآخر.
سارع "بن سلمان" الى إستهداف الخصوم على السلطة بقوة "الهيئة" ثم التف على مشايخها ودعاتها ليزج البعض منهم في السجون، ويمنع الآخر من الكلام، ويقضي على البعض بالإقامة الجبرية ويستميل الباقين بالذهب والعطايا كما فعل مع أعمامه وأبناء أعمامه وسائر أعضاء الأسرة الحاكمة؛ ليكسر شوكة المؤسسة الدينية ونمطها الذي كانت تسير عليه منذ سبعينيات القرن الماضي، ذريعة "الحداثة" تمكن من خلالها إبراز نفسه وفرض سطوته.
لقد ضاق شباب المملكة ذرعاً من وحشة العُـزلة وعتمة الانغلاق التي ظلت تفرضها عليه المؤسسة الدينية المتشددة طيلة عقود، وأضحى تواقا للخروج من شرنقة التقليدية الجامدة والإفلات من مخالب التطرف الارهابي نحو رحاب دولة مدنية تحظى بالحريات الاجتماعية وفضاء الانفتاح الحداثي بكل أشكاله خاصة غير الأخلاقي، ضناً منه انها خطوة أولى ستتبعها خطوات بمجالات الحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية وحرية التعبير وسواها والحريات العامة .
لقد استخدم محمد بن سلمان السير في إفساد المجتمع الحجازي وإرضاء جزء قليل منه سعياً لإعطاء انطباع وجود الحرية للحكومات الغربية والحلفاء الذين باتوا ينتقدون القمع المفرط الحريات الأساسية مثل حرية التعبير، الى جانب التحديات الاقتصادية ارتفاع معدل البطالة بين الشباب التي يواجهها أبناء شعب مملكة الذهب الأسود؛ فيما الحقيقة تجافي ذلك حيث الغالبية الداعية للإصلاح إما يحكم عليها بالإعدام، أو تقبع في السجون أو مشردة خارج البلاد.
ارسال التعليق