خفايا تصريحات العيسى بشأن الإسلام والغرب
[من الصحافة]
قال (محمد بن عبد الكريم العيسى) أمين عام ما يسمى "رابطة العالم الإسلامي" إن الكثير من المسلمين لديهم انطباعات خاطئة بشأن وجود مؤامرات في الدول الغربية ضد الدين الإسلامي والمسلمين، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الغرب تخلى عن الدين كدولة واختار العلمانية وعارض الدين كأسلوب حياة، حسبما نقلت عنه صحيفة "أراب نيوز" السعودية الناطقة باللغة الإنجليزية.
قبل البدء بتسليط الضوء على هذه التصريحات وقراءتها بصورة متأنية لابدّ من الإشارة إلى أن الأمين العام الحالي لـ"رابطة العالم الإسلامي" الذي شغل في السابق منصب "وزير العدل" في السعودية عُرف بشخصيته المثيرة للجدل وبكلماته الغريبة التي تكشف عن نوازع أقل ما يقال عنها أنها بعيدة عن حقيقة الدين الإسلامي وتعاليمه البيّنة وشرائعه الحكيمة.
ويعتقد الكثير من المحللين بأن وجود العيسى في منصب حسّاس "أمين عام رابطة العالم الإسلامي" يخدم في الحقيقة توجهات ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" لأنه يتماشى مع خططه وبرامجه وتصريحاته، خصوصاً فيما يتعلق بسياسته مع الحكومات الغربية وما يسمى "الإسلام المعتدل" و"الاصلاحات" و"حرية المرأة" وغيرها من القضايا.
ويحاول العيسى بين الحين والآخر تبرير سياسات الغرب ضد المسلمين والأقليات المسلمة بحجة مكافحة التطرف تارة، أو ضرورة احترام القوانين كما حصل في فرض خلع الحجاب في العديد من البلدان الغربية. فمن تصريحاته بهذا الخصوص "على المسلمين التقيد بقوانين وعادات الدول غير الإسلامية التي يعيشون فيها، حتى لو شعروا بأن ذلك ينتهك عقيدتهم".
وفي تصريح آخر له يقول العيسى أن الكثير من علماء المسلمين لايريد الدخول في مناظرات مع المتطرفين ومناقشة "آرائهم الدينية" خشية من ردود أفعالهم، في مسعى واضح منه لإسباغ الشرعية على المتطرفين من ناحية، والتشكيك بقدرة العلماء المسلمين على إدحاض حججهم من ناحية أخرى.
وكان العيسى قد زار في وقت سابق متحف "الهولوكوست" أو ما يعرف بــ"محرقة اليهود" بالعاصمة الأمريكية "واشنطن" وانتقد بشدة منكري "الهولوكوست" والمقللين من شأنها تحت غطاء الدفاع عن الأديان، في محاولة منه للتقرب من الكيان الإسرائيلي على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. وهذا الموقف كشف عن انبطاحية واضحة الأهداف وتزلف مفضوح للصهيونية العالمية وربيبتها "إسرائيل" والإدارة الأمريكية الداعم الرئيس لهذا الكيان الغاصب.
وبالعودة إلى تصريحات العيسى الأخيرة بشأن الإسلام والغرب تتكشف أمامنا جملة من حقائق نوجزها بما يلي:
- حاول العيسى الظهور بمظهر المحب للسلام والمنكر للعنف، ناسياً أو متناسياً أن الدول والشعوب المسلمة هي التي تعرضت طيلة عقود من الزمن ولاتزال لأشد أنواع الهجمات الغربية التي أودت بحياة الآلاف من المسلمين ودمّرت مدنهم وقراهم وشرّدت الملايين كما حصل في العراق وأفغانستان، وكما يحصل الآن من خلال دعم الآلة الحربية للكثير من الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا للعدوان السعودي على الشعب اليمني منذ أكثر من ثلاث سنوات والذي أدى إلى كوارث إنسانية وأوقع خسائر بشرية ومادية كبيرة جداً ولم تسلم منه حتى المستشفيات والمدارس ومستودعات الأغذية والأطعمة ومحطات الطاقة الكهربائية وشبكات إيصال المياه الصالحة للشرب.
والسؤال: لماذا لا يستنكر العيسى هذه الجرائم؟ أم أن قتل المسلم مباح في شرعه؟ لكن لاعجب إذا كانت الأهواء والمصالح الضيّقة هي التي تتحكم بمواقف هؤلاء، ولاغرابة إذا ما أضحت الضمائر تباع بثمن بخس إرضاءً للطواغيت وتزلفاً لمن تلخطت أيديهم بدماء الأبرياء.
- إذا كان العيسى ضد التطرف ويسعى لنشر السلام في العالم كما يزعم، فلماذا لا يوخزه ضميره ضد مواقف آل سعود الداعمة للجماعات الإرهابية والمتطرفة في المنطقة والعالم والتي ارتكبت أبشع الجرائم بحق الأبرياء الذين لاذنب لهم سوى التطلع للعيش في عالم خالٍ من الوحشية والهمجية اللتين تغذيهما الأسرة الحاكمة في الرياض من قوت الشعب لتحقيق مآرب لاتمت بصلة للإنسانية والعقل والوجدان السليم؟!.
- يدّعي العيسى أنه يلتزم جانب الحياد والموضوعية في اتخاذ المواقف واطلاق التصريحات؛ فأي حيادية وموضوعية يتحدث عنهما العيسى وقد فضحته رائحة الانحياز والتخبط في اختيار الألفاظ والعبارات، خصوصاً عندما يتحدث عن الإسلام والغرب ويسعى من خلال ذلك لتخطئة المسلمين وتبرئة الحكومات الغربية التي تضع قوانين صارمة على الأقليات المسلمة لمنعها من أداء شعائرها الدينية بحجج وذرائع واهية.
- يزعم العيسى أنه لاوجود لسلطة على الأديان إلّا سلطة النصوص الدينية البعيدة عن التفسيرات المضللة والمحرفة. والسؤال: هل تعترف الحكومات الغربية بالنصوص الشرعية عندما تتخذ مواقفها وترسم سياساتها وخططها تجاه المسلمين في البلدان الغربية؟ أم أنها تضرب بهذه النصوص عرض الحائط لتحقيق ما تسعى إليه، وما حصل ويحصل في هذا المضمار دليل بيّن ودامغ على هذه السياسة.
والعيسى يعرف قبل غيره أن الكثير من الحكومات الغربية لاتؤمن إلّا بما توحي به أطماعها وما تملي عليها مصالحها، ولو كان ذلك على حساب المسلمين في بلدانهم والأقليات المسلمة في البلدان الغربية.
- يعترف العيسى بأنه قد تلقى الكثير من الرسائل من العلماء المسلمين وكبار الوعّاظ الذين انتقدوه فيها على تصريحاته بشأن الإسلام والغرب، زاعماً أن هذه التصريحات تكتسب أهمية للتعريف بما يسميه "الإسلام المعتدل". ومن هذه التصريحات دعوته غير المسبوقة للمسلمات في أوروبا لعدم تغطية الشعر إن طُلب ذلك منهن، أو مغادرة الدول الأوروبية، وهو ما أثار استهجاناً كبيرا.
ويرى المراقبون أنّ مواقف وتصريحات العيسى جعلت من "رابطة العالم الإسلامي" رهينة أجندة سياسية تقوم على تقديم معلومات عن الأقليات المسلمة في البلدان الغربية لغرض تضييق الخناق عليها وهو ما أثار تساؤلات بشأن طبيعة هذا الدور.
أخيراً تنبغي الإشارة إلى أن العيسى يحظى بدعم كبير من آل سعود لأنه يبرر سلوكياتهم المنافية لآداب الإسلام وسننه، ودفاعه عمّا يسمّيه "القيم الغربية" يأتي في هذا السياق، لأنه يريد كسب ودّ الحكومات الغربية ويسعى لتكريس سياساتها الداعمة لجرائم وانتهاكات سلطات الرياض.
ارسال التعليق