رغم العلاقات الحميمة بين ترامب وبن سلمان 21 طالباً سعودياً مبتعثاً
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي
على خلفية حادثة إطلاق النار التي قام بها الضابط في سلاح الجو السعودي، والطالب المتدرب في القاعدة العسكرية الأمريكية في ولاية فلوريدا، في السادس من كانون الأول الماضي، محمد بن سعيد الشمراني، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة ثمانية آخرين، في القاعدة المذكورة.. على خلفية هذه الحادثة قررت الولايات المتحدة الأمريكية طرد 21 متدرباً عسكرياً سعودياً من رفاق الشمراني بتهمة الإرهاب، وقال وزير العدل الأمريكي ويليام بار.." كان هناك متابعة مستمرة وتحقيقات أجرتها السلطات الأمريكية مع مجموعة من الطلاب السعوديين المبتعثين وكان بحوزتهم مواد جهادية وأخرى إباحية غير لائقة لأطفال" على حد زعمه وقوله. ولفت المدعي العام الأمريكي إلى تغريدات الشمراني، التي نشرها على حسابه بموقع توتير، والذي قال فيها " أنا لست ضدك لأنك أمريكي، ولا أكرهك بسبب الحريات التي تمتع بها، لكنني أكرهك لأنك تحول وتدعم جرائم لا ترتكب ضد المسلمين فحسب، بل ضد الإنسانية جمعاء". وتابع قائلاً: "أنا ضد الشر وأمريكا دولة الشر".
وقال مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي أن هناك 850 متدرباً عسكرياً سعودياً حالياً في الولايات المتحدة يخضعون للتحقيقات والمساءلة حول أعمال مشبوهة لها صلة بتنظيم القاعدة.. واتهمت السلطات الأمريكية المتدربين السعوديين بأعمال الشغب وإثارة الفوضى الأمنية وتحريض الناس بأفكارهم المسمومة التي تزعزع الأمن العام في الولايات المتحدة. هذا وأكد المدعي العام الأمريكي أن المتدربين السعوديين سيتم إحالتهم إلى المحكمة الجزائية المتخصصة خلال الأسبوع القادم- من تاريخ 13-1-2020- ومحاكمتهم وفق القانون الأمريكي الذي يسري تطبيقه على جميع الوافدين من أي بلد عربي.
يشار إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية كانت قد أعلنت في العاشر من كانون الأول الماضي وقف التدريب العملي لكل العسكريين السعوديين في الولايات المتحدة بعد الحادث. والى ذلك فان الأوساط الأمريكية تقول إن الأجهزة المختصة أجرت لحد الآن 500 تحقيق مع المتدربين السعوديين، على خلفية الحادثة المشار إليها!! فماذا يعني كل هذا الإذلال والاهانة لهؤلاء الطلاب المبتعثين من السعودية، رغم الحلب الترامبي المتواصل للضرع السعودي، وجني المليارات من أموال البترو دولار السعودي من وراء ذلك الحلب!؟
بنظري هذا الإذلال يعني عدة أمور نذكر منها ما يلي:
1ــ إن الولايات المتحدة لا تحترم نظام ال سعود وتستهين به إلى حد كبير، بدليل الاهانة وعدم الاحترام للمواطن السعودي، اللذان تتعامل بهما الإدارة الأمريكية، أو السلطات الامريكية مع المبتعثين السعوديين.. فرغم أن ترامب أعلن حادثة إطلاق النار في قاعدة عسكرية أمريكية في ولاية فلوريدا كانت عملاً منفرداً، وليست إرهابية، إلا أن وزارة العدل الأمريكية اعتبرت الحادث عملاً إرهابياً، وتعاطت معه على هذا الأساس، وطالت تحقيقاتها وعقوباتها بحرمان مئات الطلاب السعوديين العسكريين من التدريب وحتى من الحركة خارج القواعد العسكرية التي يتدربون فيها، كما طردت 21 طالباً بحجة أنهم يتبنون أفكار منظمة القاعدة الإرهابية وبتهمة حيازتهم على أفلام إباحية لأطفال! كل ذلك يدل على أن الأموال الطائلة التي قدمها الملك سلمان وابنه محمد لترامب لقاء الحماية ولقاء الصداقة، لم تجلب لنظام ال سعود الاحترام والهيبة، بل على العكس جلبت المزيد من احتقار السلطات الأمريكية لهذا النظام، ولذلك فأن إطلالات ترامب المتكررة بين الحين والآخر التي يستهزء فيها بالملك سلمان خاصة ونظام ال سعود عامة ويسخر منهما، كما يتفاخر بأنه نجح في حلب المليارات من الدولارات من هذا النظام فيما عجز الرؤساء الآخرون... نقول إن هذه الإطلالات لم تكن مجرد مزحة للرئيس الأمريكي، وإنما هي قناعة عامة تسوء كل الأوساط الأمريكية. فهذه الأوساط لا تحترم هذا النظام ولا تكنُّ له التقدير، إنما تنظر إليه مجرد بقرة حلوب، تدر على الأميركان الأموال والصفقات ليس إلا، وقالها الرجل ترامب بشكل صريح وأمام الملء العام!!
2ــ هذا الإذلال والاتهام للطلاب العسكريين السعوديين في مراكز التدريب العسكري وفي الجامعات أيضاً، بالإرهاب، وبانتمائهم للقاعدة أو تبيني أفكارها التكفيرية.. كل ذلك وغيره إنما هو إقرار أمريكي بأن نظام ال سعود ومؤسساته هو مركز الإنتاج للفكر التكفيري الإرهابي فحتى لو لم تصرح الأوساط الأمريكية كوزارة العدل وجهاز التحقيقات الفدرالي وغيرهما بذلك علناً، لكن هذا التعامل المذل مع الطلاب السعوديين يؤكد قناعة واعتقاد الأوساط الأمريكية بأن نظام ال سعود هو مصدر الفكر الإرهابي القاتل! وهذا يعني فشل حملة ابن سلمان الإعلامية وحتى السياسية التي أنفق فيها المليارات من الدولارات على بعض الأوساط الإعلامية وحتى السياسية الأمريكية والغربية، وحتى بعض العربية من أجل تسويق وجه آخر للنظام، يختلف عن وجهه التكفيري الوهابي، على خلفية الإصلاحات والانفتاح "اللذين قاما بهما بن سلمان بعد توليه للسلطة كولي عهد لأبيه الملك سلمان، فهذه الأوساط المذكورة بذلت الجهود الضخمة لتلميع وجه نظام ال سعود وإخفاء تجاعيده التكفيرية الوهابية بين الأوساط الأمريكية والغربية، ولكن دون جدوى، ذلك لأن هذا النظام برغم إدعاءاته على لسان ولي العهد، بأنه غادر مخابئه الوهابية التكفيرية، إلا انه في الحقيقة، لم يغادر إلا نظرياً، أما على صعيد الواقع فأنه ما زال مرابطاً في هذه المخابئ لأنها تشكل ركناً أساسياً من تكوينه الفكري والتأريخي، ولعل ذلك السبب الذي جعل بعض الأوساط السياسية في الكونغرس الأمريكي وحتى في الخارجية والسي آي إي وغيرها، تعتبر أن هذا النظام هو مصدر الإرهاب ومصدر إنتاج الفكر التكفيري، ولا يمكن معالجة هذا الوباء إلا بتغيير جذري له، ما دامت مدارسه الدينية تفرخ وتروج لهذا الفكر وما دامت المناهج المدرسية والجامعية تكرس عملية تزريق هذا الفكر في أذهان وعقول الطلاب والدارسين في المدارس والجامعات السعودية. وبدون شك أن إجراءات وزارة العدل الأمريكية المشار إليها بحق الطلاب السعوديين في المدارس العسكرية الأمريكية، حتى ولو كانت ظالمة بحق هؤلاء، وحتى لو كانت التهم الموجهة إليهم تهم باطلة وارتجالية... نقول إن هذه الإجراءات عززت قناعات الأوساط الأمريكية المشار إليها أي التي تعتبر هذا النظام مصدر الإرهاب في العالم وضرورة التصدي لإرهابه. وللإشارة أن نظام ال سعود كان قد كرس هذه القناعة لدى تلك الأوساط الأمريكية من خلال ممارساته العملية في اليمن، وبخصوص تعامله مع المعارضة في الداخل، فجريمته النكراء بحق الكاتب خاشقجي المعارض وتقطيع جثته بهذه الصورة البشعة ثم حرقها وإخفائها، إضافة إلى تقارير التعذيب إزاء الناشطين والناشطات القابعات في سجونه، وإضافة إلى الجرائم الوحشية البشعة التي يرتكبها بعد وانه على الشعب اليمني، واقترافه المجازر البشعة والمروعة بحق الأبرياء من الشعب اليمني.. كل ذلك وغيره أكد على عدوانية وإرهابية هذا النظام، وجاءت حادثة فلوريدا لتزيد الطين بلّة، ولتعري منطق كل المدافعين عن هذا النظام والملمعين لوجهه القبيح.
3ــ إن هذه التطورات السيئة في التعامل الأمريكي مع المبتعثين السعوديين في السلك العسكري وغير العسكري، سوف تعزز مواقف عائلات ضحايا هجمات 11/سبتمبر/أيلول 2001م، ومطالباتهم بمقاضاة نظام ال سعود بموجب قانون جاستا. فهذا القانون الذي أُقر في أيلول/2016م يسمح برفع دعاوى قضائية على حكومة ال سعود بدعوى أنها ساعدت في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ومطالبتها بدفع تعويضات.
و"عطل قانون جاستا قانوناً أمريكيا سابقاً صدر في عام 1976، كان يوفر الحصانة للدول وحكامها من الملاحقة القضائية داخل الولايات المتحدة، وطُرح القانون للمرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2009، وأعيد مرة أخرى لطاولة النقاش في مجلس الشيوخ الأمريكي السابق في 16 سبتمبر/أيلول 2015. وأبطل الكونغرس بأغلبية كبيرة في سبتمبر/ أيلول 2016 حق النقض (الفيتو)، الذي استخدمهُ الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، ضد مشروع القانون بقوة وحذرت من عواقبه الوخيمة على علاقاتها مع واشنطن، ورفضت تحميلها المسؤولية عن هجمات 11 سبتمبر لمجرد مشاركة 15 من مواطنيها من مجموع 19 مهاجماً، شاركوا أو نفذوا هجمات الحادي عشر من أيلول على مركز التجارة الدولي بنيويورك، وعلى وزارة الدفاع الأمريكية، لدرجة أن سلطات ال سعود هددت بسحب احتياطات مالية واستثمارات بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة في حال تم إقرار القانون، وهو ما لم يلتفت اليه الكونغرس الأمريكي، فأقر القانون، ولم يسحب نظام ال سعود احتياطه من الأموال، والتي إذا سحب ربعها أي ربع هذا الاحتياطي الذي قدره عادل الجبير وزير الخارجية السعودي السابق بـ750 مليار دولار، فيما هو يزيد عن هذا المقدار بأضعاف مضاعفة..
نقول إذا سحب نظام ال سعود ربع هذا الاحتياطي فأنه سيتسبب باهتزاز الاقتصاد الأمريكي برمته، ويؤدي إلى اضطراب سياسي هناك بكل تأكيد. والانكى من ذلك بالنسبة لنظام ال سعود، هو أن عوائل ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، رفعت عشرات الدعاوى ضد السعودية بموجب قانون جاستا أمام القضاء الأمريكي، واستقبلت محاكم واشنطن ونيويورك وحدهما مئات الدعاوى من أهالي الضحايا، يتهمون فيها نظام ال سعود بدعم المهاجمين مالياً وفكرياً لسنوات قبل الهجوم، ويعتبرونه مسؤولاً عن هذه الجريمة البشعة التي سقط فيها 2973 ضحية و24 مفقوداً، إضافة لآلاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق الحرائق والأنجزة السامة.
وبدون شك أن هذه الإجراءات الأمريكية سوف تمنح أصحاب الدعاوى من عوائل ضحايا الحادي عشر من سبتمبر زخماً إضافياً وجديداً للمضي قدماً في دعاواهم والتي يقول الخبراء أنها ستلزم السعودية بدفع التعويضات لا محالة، وبالتالي فأن المحاكم الأمريكية إذا حكمت فعلاً على السعودية بالدفع، فأن الأموال التي ستدفعها تكون طائلة بحيث لا تغطيها الأموال السعودية الحالية مما هو موجود في الخزينة، مضافاً إليها الاحتياطي برمته الموجود في الولايات المتحدة، بل يقول الخبراء أن نظام ال سعود سيظل يدفع هذه الخسائر على مدى عشرات السنوات القادمة لعوائل الضحايا!! فحتى لو نجح النظام حالياً في عرقلة هذا الدعاوى من خلال الرئيس الأمريكي ترامب، ستظل هذه الدعاوى وهذه المطالبات من عوائل ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، سيفاً مسلطاً على رقاب السعوديين، سوف تفعّل في أية لحظة يرفع فيها ترامب أو غيره يده المعرقلة لعمليلة التفعيل!
4ــ يُعتبر ترحيل الطلاب السعوديين من قاعدة فلوريدا الجوية مؤشراً آخر لا يقل أهمية عن المؤشرات السابقة، وهو تراجع الأهمية الإستراتيجية للسعودية لدى الولايات المتحدة، وفي الحقيقة أن مؤشرات هذا التراجع بدأت تلوح في الأفق بشكل واضح، بعيد تعرض المنشآت السعودية النفطية في بقيق وخريص لضربات الحوثيين والتي أدت إلى وقف نصف الإنتاج السعودي اليومي، أي أكثر من خمسة ملايين برميل يومياً، حيث أعلن الرئيس الأمريكي ترامب أن الولايات المتحدة لا تدافع عن النظام السعودي، وان بلاده مكتفية ذاتياً من النفط، ولذلك فأن مثل هذه الحوادث- هجوم فلوريدا وغيره_ من شأنها أن تعزز هذا التراجع في الأهمية الإستراتيجية السعودية بالنسبة للولايات المتحدة، الأمر الذي يشكل كارثة بالنسبة لنظام ال سعود، لأن هذا الأخير رهن وجوده منذ الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس الأسبق لأمريكا روزفلت مع الملك عبد العزيز آل سعود عام 1945 على ظهر المدمرة كوينسي أثناء مرورها بقناة السويس.. رهن وجوده بحماية الولايات المتحدة مقابل تأمين المصالح النفطية والاستراتيجية للولايات المتحدة، ما يعني أن هذا التراجع، تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها في حماية النظام، وأن الأخير يوماً بعد آخر بات مكشوف الظهر ويمكن أن ينكسر ويتلاشى من أقل عاصفة تحدي له.
وقبل الختام نرى من الضرورة بمكان الإشارة إلى أن الولايات المتحدة هي نفسها تعتبر راعياً لإرهاب، بل أم الإرهاب في العالم، من خلال دعمها لنظام إرهابي تكفيري دكتاتوري ومدارسه التكفيرية لا تخرج الا الارهاب والتكفير، ومن خلال قيامها هي نفسها بالعمل الإرهابي في فيتنام وفي أمريكا اللاتينية وفي مطقتنا في العراق وفي ليبيا وفي الصومال والسودان وسوريا، وفي أفغانستان وباكستان والبوسنة والهرسك، حيث اقترفت المذابح المروعة بحق المسلمين والمستضعفين في العالم، فهذه الجرائم البشعة لها الأثر الفعال في إيجاد الفكر المتطرف، وزرع العدوانية في نفوس الآخرين، ولعل تغريدة الضابط السعودي المتدرب في قاعدة فلوريدا، مؤشر كبير على ردة فعله إزاء الشراء الأمريكي، وإزاء الجرائم التي ترتكبها أمريكا بحق الشعوب المقهورة.
ارسال التعليق