زيارة الرئيس الصيني للسعودية... ومقولة البديل الصيني عن الحامي الأمريكي!!
[عبد العزيز المكي]
حلَّ الرئيس الصيني شي جين بينغ في الأيام الماضية، ضيفاً على النظام السعودي في إطار زيارة استمرت ثلاثة أيام عقدت خلالها ثلاث قمم مع الرئيس الصيني، قمة سعودية- وقمة عربية- صينية، وقمة خليجية صينية، وشهدت توقيع أكثر من 35 اتفاقية تعاون في مختلف المجالات باجمالي يتجاوز قرابة الثلاثين مليار دولار. ومثلما تابع المراقبون وأبناء المنطقة فإن هذه الزيارة حضيت باهتمام بالغ سواء من قبل المضيفين السعوديين وأقرانهم العرب، أو من المراقبين والمتابعين من الأمريكيين وغيرهم، حتى ان ولي العهد السعودي بن سلمان وصف تلك الزيارة بأنها مرحلة تاريخية جديدة من العلاقات مع الصين. فيما ذهبت بعض الأوساط الإعلامية الأمريكية، الى المقولات التي تثار في كل مناسبة تثار فيها العلاقات الصينية – السعودية _ ومنها ان " أمريكا خسرت أحد أهم حلفائها، المملكة السعودية"!! كما ذهبت الى ذلك مجلة فورين بوليس وروسيا"! وفي مقال آخر تساءلت نفس المجلة " هل انتهى الزواج الكاثوليكي بين الرياض وواشنطن"؟ وعلى هذا المنوال ذهبت بعض الاوساط الاعلامية الامريكية والعربية والبريطانية، طارحة عناوين ومقولات شتى، من مثل " البديل الصيني" و "التوجه السعودي والخليجي نحو الشرق" وما الى ذلك كثير.. الأمر الذي دفع بوزير الخارجية السعودي إلى نفي كل هذه المقولات بالقول: " ان التعاون مع الصين الاقتصاد الثاني أساسي وضروري للتنمية، وهذا لا يعني اننا لا نسعى للتعاون مع الاقتصاد الأول ( الولايات المتحدة) واقتصادات العالم ( الأخرى).. لا نؤمن بالاختيار بين طرفين ولا الدخول في استقطاب" على حد زعمه وقوله، واضاف مشدداً على ان " الشراكة الاستراتيجية السعودية الصينية التي وُقعت بينهما لها عوامل واعدة، وكذلك لنا شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة ومع دول أخرى كالهند واليابان وفرنسا وبريطانيا".بحسب قوله.. وزير الخارجية السعودي أكد هذا الموقف بعد أيام قليلة من التصريح الأول، ناسفاً بذلك كل التحليلات و" التيهان" الإعلامي والسياسي الذي أشرنا اليه والذي يذهب يمينا وشمالاً في محاولة التضليل على الحقيقة، والتضخيم من مكانة النظام السعودي وبقية الأنظمة الخليجية العربية الأخرى، بالإضافة الى ما يتضمنه هذا التحليل من تحذيرات أمريكية مبطنة للنظام السعودي بعدم الذهاب بعيداً في العلاقة مع الصين.
و ما أكده بن فرحان في تصريحاته الآنفة يؤكده الواقع أيضاً، للأسباب التالية:-
1- ان مملكة آل سعود وبقية دول الخليج العربية مازالت تحت الهيمنة الأمريكية الغربية الكاملة من خلال انتشار القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية في هذه الدول، وأضيفت لها في الآونة الأخيرة القواعد العسكرية الصهيونية، فالأسطول الخامس الأمريكي يستقر في البحرين، وقاعدة العديد العسكرية الأمريكية في قطر، وهي اكبر قاعدة في الشرق الأوسط، والقيادة المركزية للقوات الأمريكية في الشرق الاوسط ومنطقة آسيا تقريباً في تلك المنطقة، والمجهز الاساسي للأسلحة لجيوش هذه الدول أمريكا وبريطانيا وفرنسا، والخبراء الغربيون والأمريكيون لهذه الأسلحة هم الذين يشرفون على استخدامها وضد مَنْ، يسمحون بالاستفادة منها، بخلاصة ان هذه الدول مازالت في قبضة أمريكا والدول الغربية...
2- رغم الضجيج حول الاتفاقات السعودية مع الصين، والاتفاقات الخليجية والعربية أيضاً مع الرئيس الصيني، والترويج لها بأنها استراتيجية وما الى ذلك، إلا أنها لم تشكل استفزازاً لاميركا، لأنها لم تقترب من المجالات التي تشكل خطراً للأمن الأمريكي أو الغربي، سوى الاتفاق السعودي مع شركة هواوي والذي سارعت واشنطن الى التحذير والى حصره في الإطار المسموح به، والصين تدرك ذلك وهي تحرص بدورها على عدم استفزاز أمريكا لأنها تعلم جيداً إنها في منطقة نفوذ أمريكا ولذلك فهي لا تريد المواجهة المباشرة وبالتالي الخسارة السريعة سيما وانها تفتقد في هذه المنطقة كل مقومات المقاومة، فليس لديها قواعد عسكرية، ولا هي تسيطر على الممرات الاستراتيجية، أو البحار القريبة.
3- كما أشرنا في مقالاتنا السابقة، ان الولايات المتحدة، أساساً ترغب بربط الصين بنفط الدول الخليجية، خصوصاً وان الصين تستورده 25% من النفط السعودي، وذلك نكاية بروسيا، صحيح ان النفط الروسي الآن،يباع بأسعار رخيصة نتيجة أقدام الأوربيين على تخفيض الاستيراد من النفط الروسي، غير ان الصين تحبد الرهان على النفط الخليجي، لأنه مؤمَّن الوصول، ولأن النفط الروسي معرض للعقوبات والحصار من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. يضاف الى ذلك ان الصين تحبذ النفط الخليجي والمتاجرة مع دول الخليج، لأن ذلك يشكل مبدءاً أساسياً من مبادئ استراتيجيتها الخارجية من الزحف والتسلل على المناطق الغنية بالثروات والتي تتوفر فيها الأسواق، عبر تمتين وتعزيز الروابط والعلائق الاقتصادية والتجارية معها، وللإشارة ان الصين نجحت الى حد كبير عبر استراتيجية هذا التسلل في مد أذرعها الاقتصادية والتجارية الى دول ومناطق كثيرة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ماساهم ذلك في تعزيز وتقوية اقتصادها للدرجة التي بات هذا الاقتصاد يضاهي الاقتصاد الأمريكي، بل ومابات يهدد زعامة الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على العالم.
على ان ذلك لا يعني ان الزحف الصيني نحو منطقة الخليج القديم الجديد ليس له دلالات وتجليات بالنسبة لأمريكا، بل العكس هو الصحيح تماماً له دلالات كبيرة وغير سارة لأمريكا منها ما يلي:-
1- صحيح ان للصين علاقات ومبادلات تجارية قديمة مع السعودية ومع دول الخليج العربية الأخرى، لكن توسيع هذه العلاقات بالشكل الذي أعلن عنه واشرنا الى بعض الاتفاقات بين الصين والسعودية، في بداية الحديث يؤشر الى تطور مهم في العلاقات الدولية، وهو ان الصين حققت اختراقاً كبيراً لمنطقة نفوذ أمريكي غربي كانت مقفلة، وكانت من الصعوبة بمكان التحرك عليها من قبل الصين، بل ان أنظمتها لا تمتلك الجرأة في تجاوز الإرادة الأمريكية بهذا الشكل، الّا أن الولايات المتحدة تراجعت قوتها وضعف اقتصادها وتركت فراغا في المنطقة سارعت الصين الى محاولة سدة، بالإضافة إلى قوى أخري.
2- صحيح ان الصين لم تستفز أمريكا حالياً، ولم تحاول الظهور بمظهر المنافس لها و البديل لها في المنطقة، لكنها ووفق مفهوم الحرب الناعمة التي تتبناها في مواجهة الولايات المتحدة، تبدأ بالاقتصاد حيث تعزز وجودها وحضورها الاقتصادي ومن ثم يجري تطوير هذا الحضور، الى تعاون أمني وعسكري، وهذا ما حصل في مناطق كثيرة، أصبح للصين فيها دور فاعل وحضور عسكري وأمني وسياسي أيضاً. وبدون شك ان أمريكا تدرك هذا الأمر، لكنها لا يمكنها القيام بأي عمل لمنع الصين مادامت قوتها في حالة تراجع واقتصادها هو الآخر يضعف باستمرار، بالإضافة إلى تضاءل الأهمية الاستراتيجية للمنطقة من ناحية النفط بسبب الاكتشافات النفطية الهائلة في اميركا والتي جعلتها تستغني عن الكثير من النفط السعودي خاصة والخليجي عامة.
3- مهما حاولت الولايات المتحدة تحصين عملائها من الاختراق الصيني فأن المحذور سوف يقع لا محالة ، لأن الصين لديها من المغريات ما تجذب الأطراف الخليجية سيما في مجال الصناعات الالكترونية، يضاف الى ذلك ان التراجع الأمريكي في المنطقة ثم تراجع الحماس الذي كان سائداً طيلة العقود الماضية، عن تقديم الحماية لتلك الأنظمة، أوجدا شقوقاً في تحالفات تلك الأنظمة مع واشنطن، وازدادت هذه الشقوق عمقاً في عهد ترامب عند ما امتنع الأخير أو رفض الدفاع عن السعودية عند ما تعرضت لقصف يمني بالمسيرات والصواريخ المجنحة، استهدف منطقة بقيق وخريص ومنشآتها النفطية، والذي أدى الى توقف نصف الإنتاج السعودي، أي توقف إنتاج ستة ملايين برميل يومياً ! كل ذلك وغيره هزّ الثقة الخليجية بالولايات المتحدة، ولذلك هي تعيش مرحلة التخبط فعلاً، فرغم أنها مكبلة بالهيمنة والطاعة للأمريكي الا أن لديها الميول الكبيرة للبحث عن حليف موثوق به، وهذا ما يدركه الصيني ولذلك طالب الرئيس الصيني بينغ علنا السعودية وبقية الدول الخليجية التعامل باليوان الصيني وترك الدولار، فالصين تتطلع كما أشرت قبل قليل إلى ربط هذه الدول النفطية وذات الموقع الاستراتيجي بمنظوماتها العسكرية والأمنية فضلاً عن الاقتصادية، ولذلك جاء تحذير أمريكا سريعاً، من الاتفاق على مذكرة تفاهم مع شركة هواوي الصينية للتكنولوجيا في الحوسبة السحابية وبناء مجمعات عالية التقنية في مدن سعودية، الأمر الذي تعتبره واشنطن تحدياً أمنياً صينياً لها..
4- إقرار أمريكي بأهداف الصين المشار إليها، كما جاء ذلك على لسان منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيري بالقول " نحن ندرك التأثير الذي تحاول الصين ان تعمقه في جميع أنحاء العالم"!! ويدرك الأميركان أيضاً ان الصيني يريد إنهاء هيمنة القطب العالمي الواحد (امريكا): يقول كيربي " ان الشرق الأوسط هو بالتأكيد أحد تلك المناطق التي يريد ( الصينيون) تعميق مستوى نفوذهم بها. ونحن نعتقد أن العديد من الأمور التي يسعون إليها، والطريقة التي يسعون إليها تؤدي إلى الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد التي تحاول الولايات المتحدة وشبكتنا الواسعة من الحلفاء والشركاء الحفاظ عليها". غير انه وكما قلنا، انه ورغم إدراكها لنوايا الصين فأنها باتت عاجزة عن منع الاختراقات الصينية هنا وهناك، بسبب تراجعها وافولها...
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق