زيارة بايدن للمنطقة..توقعات لحصيلة دون سقف الرهانات
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
يمكن القول أنّ أقوى تصريح للرئيس الأمريكي جو بايدن قبيل زيارته للمنطقة هو قوله أنه سيكون أول رئيس يطير من "إسرائيل" إلى مدينة جدة بالسعودية ، معتبرا أن ذلك سيكون رمزا صغيرا للعلاقات والخطوات نحو التطبيع بين "إسرائيل" والعالم العربي.
في السياسة؛ كما هو معروف؛ تلعب الرموز والإشارات دورها الحيوي المعبّر ، وهنا يأتي طيران بايدن المباشر من دولة الكيان المؤقت إلى جدة بالسعوية كرمز لجسر ممدود يجب تمتين بناءه في المنطقة، المنطقة التي يبدو أن الاستراتجية الأمريكية أعادت إكتشاف قيمتها الجيو-ستراتجية بعد الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة التي غرق فيها العالم كإحدى تداعيات هذه الحرب. فقد كان الإعتقاد أن الولايات المتحدة ماضية في نقل مركز إهتمامها الاستراتيجي من الشرق الأوسط إلى جنوب وشرق آسيا للتصدي للصعود الصيني المعزَّز برديفه الحليف الروسي، ما يحتم المواجهة لحماية المصالح الأمريكية والدفاع عن قيادة واشنطن للنظام العالمي، ضد خطري كلّ من الصين وروسيا اللذين يفاقمان التحدي العسكري والاقتصادي.
ما يمكن إعتباره إعادة إدراج للمنطقة ضمن أولويات السياسة الأمريكية في المنطقة يمكن تفسيره بعاملين إثنين حفتهما بعض المعطيات والمتغيرات الجديدة، وهما الإلتزام بأمن "إسرائيل" وتفوقها المطلق في الإقليم مع تزايد التحديات التي تواجهها من محور المقاومة من جهة، وإمدادات النفط والغاز لمواجهة أزمة الطاقة المستجدة بعد أن حولتها روسيا إلى سلاح مواجهة بوجه الناتو من جهة ثانية. وهو إدراج ذكي عبّر عنه بايدن في مقاله بجريدة «واشنطن بوست» تحت عنوان: «لماذا أنا ذاهب إلى المملكة العربية السعودية؟» بأنه يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية التعامل مباشرة مع البلدان التي يمكن أن تؤثر في نتائج المواجهة مع كل من الصين وروسيا قبل أن يستطرد بالقول "والمملكة العربية السعودية واحدة من هذه الدول".
في ذات السياق قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه سيسافر إلى الشرق الأوسط الأسبوع الجاري لبدء فصل جديد وواعد للدور الأميركي في المنطقة. وهذا مؤشر على التبدل الذي أعاد الشرق الأوسط لقلب الإهتمام الأمريكي بضغط من اللوبي الصهيوني، حتى أن الزيارة تصب في معظم نتائجها المتوقعة في الحساب الإسرائيلي الخالص. فبايدن يؤكد بأنه يتطلّع إلى إعادة ضبط العلاقات المتوترة مع السعودية متجاوزا اقرار النبذ الذي سبق و أعلنه بعد ان افضت تحقيقات المخابرات الامريكية إلى تورط محمد بن سلمان في إغتيال الصحفي جمال خاشقجي، مبررا ذلك بالمصلحة الأمريكية وبضمان إمدادات النفط الخليجية بمايغطي ارتفاع الطلب عليه، إلى جانب تعزيز العلاقات الأمنية العربية مع كيان العدو لمواجهة التحدي الذي تمثله إيران، وأيضا لتغطية "إسرائيل" بمظلة إقليمية ضمن حلف صهيو-عربي لتعزيز أمنها؛ خاصة وهي تريد أن تتحول إلى مصدّر أساسي للغاز إذا تمكنت من إستغلال الحقول البحرية المتنازع على أضخمهاعلى الحدود اللبنانية الفلسطينية.
سعوديا يبدو أن النظام السعودي يملك بعض أوراق المقايضة، وهو الذي قوّى موقعه من خلال دعم ومساندة اللوبي الصهيوني في أمريكا كمقابل للتنسيق الامني والتكامل الوظيفي بين الكيانين في مواجهة المحور المقابل. ولذلك تبدو زيارة بايدن وإن كانت أهدافها إسرائيلية ثم أمريكية كأنها تنازل أمام"السعودية" التي عرفت كيف تقدم عروضا خدمة للإسرائيلي لتضمن اللوبي الصهيوني كمحلل "شرعي" لوصول ولي العهد لعرش المملكة، فضلا على أن تداعيات الحرب في اوكرانيا على الإقتصاد الامريكي نفسه جعلت منها ضرورة حيوية للمصالح الأمريكية أكثر من أي وقت مضى، ولتذهب كل مواقف بايدن السابقة أدراج الرياح.
إسرائيليا، فمن أهداف الزيارة الأساسية ضمان أمن "إسرائيل" عملانيا عبر ما صار يسمى بتشكيل "ناتوعربي" تكون فيه دويلة الكيان هي القلب العسكري، تكريسا للمواجهة مع إيران وحلفائها، وإنعاشا لصفقة القرن من خلال مقايضة الحقوق الثابتة والتاريخية للشعب الفلسطيني برفاه إقتصادي ومعيشي للفلسطنيين كتصريف متحايل لمفهوم السلام. وليس من الغريب أن يصف رئيس الوزراء الإسرائيلي يائيرلابيد؛ في سياق حديثه عن الزيارة بايدن؛ بأنه "أحد خير الأصدقاء الذين امتلكتهم دولة "إسرائيل" منذ تأسيسها".
ومن المفترض أن تشهد قمة جدة بحضور الرئيس الأمريكي والتي ستضم قادة مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن عرضا أمريكيا لتفعيل صفقة القرن لإظهار أن الولايات المتحدة الأمريكية معنية بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، ونستبعد أن تناقش القمة منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلى مع دول عربية، بحضور العراق الذي تربطه علاقات قوية بإيران وبناءً على الموقف المصري المتحفظ عن المشاركة في أي حلف موجه ضد الإيرانيین.
ويبقى أن هذه زيارة لن تغير مسار التاريخ كما يأمل رئيس وزراء العدو، حتى وإن تشكل حلف صهيو- عربي، فموازين الصراع تغيرت والكيان المحتل عالق في مأزق وجودي وهواجس العقد الثامن تقض مضجعه. فكل المتوقع من هذه الزيارة هو تحصيل إستجابة سعودية محدودة وحذرة في موضوع الرفع من إنتاج النفط للحفاظ على الموقف السعودي المتوازن من الحرب في أوكرانيا، مع انخراط غير معلن في حلف أمني ضد إيران، على اعتبار أن إيران استبقت الأمر بالحوار الإيراني- السعودي بوساطة عراقية، ومخافة من إرتدادات ذلك التورط على الهدنة في اليمن. نعم ستنتج الزيارة خطوات سعودية متقدمة في مجال التطبيع دون الوصول إلى الإلتحاق بدول اتفاقات ابراهام على الأقل في المدى المنظور بسبب صعوبة ذلك على الأسرة الحاكمة دون تسوية ولو شكلية للقضية الفلسطينية.
ولقد استبقت إيران زيارة بايدن إلى المنطقة بتصريح لوزير خارجيتها حسين أميرعبداللهيان من أن مشروع دمج منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلى مع دول عربية يهدد أمنها القومي. وفي ذلك رسالة واضحة تفهمها دول المنطقة جيدا.
يحلو لترامب بأن يصف الرئيس الأمريكي ب"بايدن النائم"، من
الجيد ان نصفه وهو يتحضر لزيارة المنطقة ب( بايدن الحالم)
ارسال التعليق