غياب أو "تغييب" الملك سلمان آل سعود عن المسرح السياسي...والجدل المثار حوله!!
[عبد العزيز المكي]
في الآونة الأخيرة، كثر الجدل حول غياب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وعزلته في منتجع " نيوم"، في الأوساط الإعلامية، الغربية منها على وجه الخصوص، إذ أن اختفائه في ذلك المنتجع بحسب رواية الحكومة السعودية ومنذ أكثر من سنة ونصف أثار المزيد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول سبب ودوافع هذا الاختفاء وعدم حضور الملك في نشاطات الحكومة، وآخرها، القمة الخليجية الثانية والأربعون التي عقدت في الرياض 14/12/2021، حيث ناب عنه ابنه ولي العهد محمد بن سلمان في ترؤس هذه القمة وفي استقبال الضيوف من أمراء ومشايخ الدول الخليجية، ولذلك نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً لها في اليوم التالي أي في10/12/2021 سلطت فيه الضوء على هذا الغياب واعتبرته مثيراً، وقالت " إنه في الوقت، الذي حملت فيه الطائرات زعماء دول الخليج ومن ينوب عنهم الى القمة الخليجية، كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حاضراً لاستقبالهم مكان والده كأنه الرجل المسؤول، الأمر الذي بدي لافتاً بشكل كبير".. وأشارت الصحيفة الى ان غياب الملك سلمان لفت الأنظار، لدرجة ان المراقبين في المملكة العربية السعودية يقولون إن انتقال الحكم من الأب الى الابن قد حدث بالفعل، وتطرقت الصحيفة الى زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة للسعودية التي سبقت انعقاد هذه القمة، وقالت ان الملك قد غاب تماماً عن لقاءات الرئيس الفرنسي ايمانول ماكرون، فيما كان الحضور مقتصراً على بن سلمان، وكأنه الملك الفعلي! مفترضة- اي الصحيفة- ان هذه الزيارة التي تعتبر بمثابة لحظة مميزة لمملكة حريصة على استعادة مكانتها وسط التداعيات العالمية المطولة لفضيحة غير عادية- قتل خاشقجي- مفترضة الأولى حضور الملك!
و اعتبرت الصحيفة، ان سبب الغياب يمكن أن يكون لاحتمال اعتلال صحته وتدهورها، مما جعله عاجزاً عن تأدية بعض مهامه الكبيرة.. وذهبت الى هذا التفسير أيضاً، صحيفة " بيزنييس إنسايدر" الأمريكية، حيث نقلت عن خبراء قولهم " ان الملك سلمان مصاب بإعراض ما قبل الخرف". مؤكدين انه يخضع لرعاية طبية فائقة.. غير ان محاميي الديوان الملكي كانوا قد قالوا في 2015لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، ان الملك" بالتأكيد لا يعاني من الخرف، أو أي نوع آخر من الأعاقة العقلية" بعد أنه زعمت الصحيفة المشار إليها ذلك...
وإذا كان فعلاً بحسب قول المحامين المشار إليه، انه لا يعاني من الخرف، فأنه يلهو هناك مع الراقصات، اذا أخذنا بنظر الاعتبار قول مجتهد المغرد السعودي المشهور والمطلع على شؤون العائلة السعودية المالكة، بتاريخ 2/2/2019، ففي ذلك الوقت قال مجتهد " ان محمد بن سلمان تمكن من إشغال والده بالبلوت وحفلات النساء والرقص حتى لا يسأل عن والدته السجينة" مضيفاً أن " بن سلمان اختار البلوت والنساء لأنها اكثر ما يسعد والده".
على أي حال، فأن هذا التبعيد يعني أن بن سلمان يعد نفسه لاعتلاء العرش مكان والده، ولعل تغريدة مجتهد الأخيرة في 14/12/2021 حول قيام الديوان الملكي السعودي بالتجهيزات اللازمة لتنصيب هذه التجهيزات لتبكير الأمر أم استعداداً وتحسباً لوفاة الملك سلمان.. نقول لعلّ هذه التغريدة تنطوي على جانب كبير من الصحة.. وقال مجتهد: " الكلام المتداول عن استعداد في الديوان وجهات أخرى لإعلان بن سلمان ملكاً صحيحة. ومستوى الترتيبات التي يجري الاستعداد لها أقرب للأبهة الإمبراطورية" وأضاف مجتهد ان بن سلمان " لم يخبر المكلفين بالترتيبات بالموعد المحدد. ولم يتبين هل سيتم حقيقة أو هي مجرد جاهزية للتنفيذ لو مات الملك"..
وبغض النظر عن أن تلك الاستعدادات هي مجرد جاهزية للتنفيذ وقت الحاجة أو أنها إجراءات فعلية، فأنها في كل الحالتين، تعتبر مؤشراً على ان ولي العهد السعودي يستعد لاعتلاء عرش المملكة أو هو بدأ فعلاً يمارس عمله ولو بشكل غير رسمي كملك للسعودية.. ذلك لأسباب ودوافع عديدة نذكر منها ما يلي:-
اولاً: ثمة قناعة باتت ملحة لدى الصهاينة، تقضي بضرورة التولي الرسمي لبن سلمان عرش المملكة نظراً للقلق الذي بات يساور الصهاينة من احتمالات فقدان بن سلمان للعرش، في الوقت الذي أصبح فيه بن سلمان جزءاً لا يتجزأ من الضرورات الصهيونية للأمن الصهيوني، لاسيما " الأمن القومي الصهيوني"، لان احتمالات فقدانه لهذا المنصب أصبحت راجحة اكثر من أي وقت مضى وذلك للأسباب التالية:
1- خوف الصهاينة من حسم الأميركان موقفهم لغير صالح بن سلمان، فكما بات معروفاً، وكما أشرنا في مقالاتنا السابقة ان الأميركان منقسمون على أنفسهم وكذلك مؤسساتهم فالسي آي أي وجزء كبير من أعضاء الكونكرس الأمريكي (مجلس النواب والشيوخ) لا يؤيدون بن سلمان ويعارضون توليه عرش المملكة خصوصاً السي آي أيه التي تؤيد وترجح تولي محمد بن نايف ولي العهد السابق عرش المملكة لأنه الصديق الحميم لجنرالات السي آي ايه، ولأنه له تاريخ حافل بخدمة جهاز المخابرات الأمريكي المشار اليه ، أما إدارة البيت الأبيض في عهد ترامب فكانت تميل لبن سلمان، بسبب المليارات التي حلبها من السعودية من الدولارات، ولكن بعد تولي جوزيف بايدن بدا موقف البيت الأبيض متأرجحاً كما هو واضح الآن بين التأييد والرفض لتولي بن سلمان، الأمر الذي- يعزز رجحان كفة الرفض، وبالتالي تزايد احتمالات ان تتخلى أميركا عن بن سلمان وتبحث عن بديل لا يمكن الاطمئنان اليه، خصوصاً في مجالات التعاون الأمني والعسكري مع الكيان الصهيوني.
2- يشعر قادة الكيان الصهيوني بالحاجة الماسة لإعلان التطبيع مع السعودي نظراً للظروف الحرجة التي يمر بها العدو الصهيوني وتمر بها المنطقة، فالعدو كما يؤكد خبراؤه وجنرالاته المتقاعدون بين الحين والآخر بات مهدداً وجودياً في ضوء تعاظم محور المقاومة وقوته، وفي ضوء تراجع القوة الأمريكية في المنطقة وتراجع الحماس الأمريكي عامة، والغربي خاصة في الدفاع عن العدو، فلأول مرة في تأريخ هذا العدو يشعر الغرب ان هذا الأخير بات يشكل عبئاً عليه وبات يكلفه أثمان ومواقف هو في غنى عنها نتيجة انحيازه لهذا العدو، الذي أصبح مفضوحاً عالمياً، وأمام الرأي العام العالمي من ناحية دمويته وإجرامه وظلمه بحق الشعب الفلسطيني، ولذلك فهو يحتاج الى قوة مثل الدولة السعودية يتكئ عليها وتشكل له عمقاً جغرافياً واستراتيجياً، كما ان هذه الحاجة باتت ملحة جداً في ضوء الخطوات التي قطعها العدو مع ولي عهد السعودية بن سلمان في مجالات التعاون والتنسيق بين الطرفين، كما تؤكد الصحافة الصهيونية باستمرار، وكما يؤكد أيضاً المسؤولون الصهاينة أو بعضهم، بين الحين والآخر، فعلى سبيل المثال، كان وزير التعاون الإقليمي الصهيوني عيساوي فريج قد كشف في 21/12/2021، التواصل بين الصهاينة والسعوديين بقيادة بن سلمان، لافتا إلى ما سماها " نية صادقة" لدى الطرف السعودي لتنفيذ مشروعات عدة خاصة في مجالات النفط والطاقة الشمسية وتشييد مناطق صناعية بين تل أبيب ودول الخليج، والأهم من ذلك كما قالت صحيفة الجيروزاليم بوست الصهيونية هو التعاون في المجال الاستخباراتي، اذ تحدثت هذه الصحيفة عن مشاريع لانجازها في هذا الإطار!! ومنها مشروع لزرع ألياف بصرية تحت الماء!!
يشار الى ان بن سلمان كان قد سمح للطائرات الصهيونية بالمرور في الاجواء السعودية، تلك الوافدة الى الأمارات والى أفريقيا والى الهند، حيث من شأن ذلك توفير الأموال الطائلة للعدو باعتراف المسؤولين الصهاينة، فالعدو يتوجس خيفة من ان مجيء غير بن سلمان لعرش المملكة قد يسرع بكل هذه المكاسب التي حققها العدو، وللإشارة نقول انه من المرجح جداً ان بن سلمان قطع شوطاً في تعزيز تعاونه مع الجانب الصهيوني في المجالات المذكورة من قصد وعمد من أجل أن يضمن دفاع الصهاينة ووقوفهم الى جانبه في معركته على عرش المملكة!
3- ان العدو الصهيوني يدرك ان مجيء بن سلمان، يعني ضمان التطبيع السعودي مع كيان الاحتلال وهذا سيكون له تأثير ومردود ايجابي بنظر العدو على كل المستويات، كما تتمتع به السعودية من ثقل في العالم الإسلامي لاحتضانها الحرمين الشريفين مكة المشرفة والمدينة المنورة، لان الصهاينة يعتقدون ان تطبيع السعودية سيتبعه تطبيع أكثر الدول الإسلامية، الأمر الذي سيكون له ارتدادات اقتصادية وسياسية وحتى أمنية لصالح العدو.
4- خوف الصهاينة من أن البديل لبن سلمان أيا كان، سوف تكون خطوته الأولى الأقدام على إيقاف العدوان على اليمن، لأن أكثرية لأسماء المرشحة لخلافة الملك سلمان من اخوة الأخير وابناء أخوته كانوا بالاساس رافضين لهذا العدوان، بل بعضهم اعلن ذلك صراحة، مثل الأمير أحمد بن عبد العزيز أخو الملك والمرشح السابق بدعم بريطانيا لوراثة العرش، وفي الحقيقة، ان استمرار هذا العدوان يصب في مصلحة العدو الصهيوني، فهو يخاف من بروز أنصار الله كقوة ضاربة تهدد العدو في عقر داره وتهدد ملاحته في باب المندب والبحر الأحمر، ذلك من جهة ومن جهة أخرى ان استمرار الحرب يوفر له فرصة التمدد والنفوذ في المنطقة بحجة دعم السعوديين والإماراتيين وبالتالي يمنحه ذلك الترسخ وإقامة القواعد العسكرية والأمنية الثابتة والمتنقلة والجاري العمل بهذه المجالات الآن على قدم وساق. فاستمرار العدوان على الاقل بالاضافة الى ما تقدم يوفر للعدو فرصة استنزاف أنصار الله وعدم منحهم فرصة الاستقرار للنهوض باليمن كقوة كبيرة في تلك المنطقة المهمة استراتيجيا للعدو ولاميركا وللغرب أيضاً.
ثانياً: خوف الصهاينة وفريق بن سلمان على السواء من انتظار فرصة موت الملك سلمان، لأن مثل هذه الفرصة مربكة للمشهد السعودي وحتى للأمريكي المعني أكثر من غيره بترتيب الوضع السياسي في مملكة النفط لأسباب عديدة منها:-
1- أن الموت المفاجئ للملك، لأنه يدخل البلد في دوامه عدم الاستقرار نظراً للتحديات الخارجية والداخلية كما اشرنا، فأن ذلك يعطي او يمنح الجناح الأمريكي الرافض لتولي بن سلمان عرش المملكة الفرصة لحسم الأمور بالمجيء بشخص آخر من قطيع الأمراء، بهدف وبمبررات الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية.
2- أن الموت المفاجئ للملك، سيؤدي بالضرورة إلى انحلال القبضة الأمنية في البلد، والى انطلاق المعارضة لاسيما من أوساط الأمراء ومؤيديهم من الجيش وبقية الأجهزة الأمنية وحتى من القبائل، وان حصل مثل هذا التطور فأنه سوف يدخل مشهد " تولّي العرش" في متاهات خطيرة ويعقد الأمور على بن سلمان حيث ستوضع أكثر من عقبة كأداء في طريق صعوده الى العرش.
3- انه حتى لو افترضنا أن بن سلمان نجح في العبور إلى عرش المملكة فان ذلك لن يمر دون حصول صراع دامي داخل الأسرة الحاكمة وجماعاتها المؤيدة لها، وان حصل مثل هذا الصراع فأن بن سلمان هو الخاسر الأكيد بسبب سياساته المراهقة التي تحصد له يوميا مكاسب المزيد من الاعداء والرافضين لتوليه عرش المملكة.
ثالثا: بناء على ما تقدم من أخطار تتهدد وصول بن سلمان لعرش المملكة فأن الطريقة المثلى التي يمكن أنه تجنبه هذه الأخطار وتضمن له الوصول بصورة سلسلة وانسيابية، هي تغييب الملك بحجة وأخرى، والقيام بقضم مسؤولياته بالتدريج من جانب ابنه وهو ما يحصل الآن، فهذا الاسلوب يضمن لبن سلمان عدم إثارة المعارضين، وعدم اثارة حفيظة الرافضين لتوليه العرش من أبناء العائلة المالكة لأنه في حماية وكنف أبيه، ومن ثم هو ولي للعهد يقوم بواجباته نيابه عنه ورابعاً: ولأن اكثر الغربيين وقسم من الأمريكيين، كما أشرنا قبل قليل يرفضون أو يعارضون تولي بن سلمان عرش المملكة، فأن القضم لتدريجي لمسؤوليات الملك وقيام ابنه بها، يتيح للأخير فرصة أثبات قدرته وقابلياته في إدارة شؤون البلد، للمشككين من الغربيين والأميركان وبالتالي إقناعهم بجدوى خيار توليه عرش المملكة، وما يقوم به من عمليات انفتاح وتقويض لدور الرافعة الوهابية في البلاد، يأتي في هذا الاطار أي إرضاء الغرب الذي يريد من المملكة مغادرة الأفكار الدينية التكفيرية، والانفتاح على الغرب وقيمه وثقافته، وهو ما يقوم به بن سلمان الآن من ترويج للحفلات و للاختلاط الجنسي، ولبقية النشاطات الثقافية التي تتناقلها وسائل الإعلام، والتي تتنافي مع تعاليم الشريعة الاسلامية، ومع ثقافة المجتمع الإسلامي في المملكة السعودية.
وفي الختام تجدر الإشارة إلى أنني لا استبعد ان يكون بن سلمان وأجهزته السياسية والإعلامية وحتى الأمنية وراء الترويج لهذا الجدل حول غياب أو تغييب الملك سلمان في مدينة نيوم من تمرير الأفكار المشار إليها، من أجل تدجين الداخل والخارج عليها وبالتالي تحقيق ما يصبو إليه بن سلمان.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق