لماذا يدعم آل سعود بقايا حزب البعث في العراق؟
[ادارة الموقع]
من المفارقات التي أفرزتها السنوات الأخيرة محاولات نظام آل سعود لإحياء ما تبقى من حزب البعث في العراق الذي تلقى ضربة قاصمة حينما غزت أمريكا هذا البلد واسقطت نظام صدام عام 2003. فبعد أكثر من عقد من الزمان وبسبب الغزو العراقي للكويت في عام 1990 وما نجم عنه من تصاعد حدّة التوتر بين بغداد والرياض على خلفية تباين المواقف من التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، عاد النظام السعودي لترتيب أوراقه المبعثرة علّه يتمكن من الاستفادة من بقايا حزب البعث لتوجيه ضربة للعراق الذي دخل مرحلة جديدة ومختلفة تماماً عمّا كان عليه قبل 2003 بسبب نجاح الأغلبية الانتخابية في الوصول إلى دفّة الحكم متمثلة برئاسة الوزراء التي تناوبت عليها شخصيات متعددة ابتداءً من أياد علّاوي مروراً بإبراهيم الجعفري ونوري المالكي وانتهاءً بحيدر العبادي.
والسؤال المطروح: ما حدا مما بدا؟! وما الذي جعل نظام آل سعود وبقايا البعث في العراق يتناسوْن الطعنات التي تلقاها كلا الطرفين من الطرف الآخر خصوصاً بعد حرب الكويت التي أفرزت واقعاً جديداً في المنطقة تمثل بانقسام العالم العربي على نفسه بين مؤيد لحزب البعث الذي حكم العراق بين عامي 1968 و2003، وآخر بالضد منه؟
الإجابة عن هذا التساؤل تحتاج إلى وقفة للنظر في طبيعة النظام السياسي الذي حكم العراق بعد 2003 والذي ذكرنا قبل قليل بأنه خضع لحكم الأغلبية الشيعية كنتيجة طبيعية في أي نظام ديمقراطي، وهذا الأمر ليس بجديد؛ بل يكاد يكون سمة غالبة في معظم الدول إن لم نقل جميعها التي تنقسم تركيبتها الديموغرافية بين مذاهب وقوميات وأعراق متعددة، لكن الغريب أن نظام آل سعود لم يتقبل هذا النوع من الحكم في العراق رغم إصراره على تغليب المذهب السلفي في الحجاز في حين يعلم الجميع أن هذا النظام لايعتمد أية آلية ديمقراطية في تحديد طبيعة الحكم، بل هو قائم أساساً على النزعة القبلية وتوريث السلطة داخل الأسرة المالكة دون الرجوع لرأي الشعب ودون الاعتراف بأي إمكانية لإجراء انتخابات يتم على ضوئها تحديد نوع الحكم أو الأشخاص الذين يحق لهم إدارة شؤون البلاد.
ومن المعروف أن التنافس التقليدي بين الرياض وطهران كان هو الآخر من الأسباب التي جعلت آل سعود ينظرون إلى نظام الحكم في العراق نظرة طائفية باعتبار أن الشيعة الذين يحظون بدعم إيران هم من يمسكون بنسبة كبيرة من المناصب الحكومية والرسمية خصوصاً في وسط وجنوب العراق.
وربما يتساءل البعض عن الأدلة التي يمكن الاستناد إليها للتأكد من النفَس الطائفي لنظام آل سعود ومحاولاته لتأجيج النزاع المذهبي في العراق، فهنا لابدّ لنا من الإشارة إلى بعض الرموز السياسية المحسوبة على "المكوّن السني" في العراق والتي تحظى بدعم مباشر أو غير مباشر من الرياض وفي مقدمها نائب رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان السابق "أسامة النجيفي" وشقيقه محافظ الموصل السابق "أثيل النجيفي" و"ظافر العاني" النائب في البرلمان العراقي وصالح المطلك القيادي في "ائتلاف الوطنية" و"خميس الخنجر" رئيس ما يسمى "المشروع العربي" وحيدر الملا العضو السابق في البرلمان وغيرهم ممن تلقى ويتلقى دعماً مادياً وإعلامياً وسياسياً واضحاً من الرياض سواء في فترة الانتخابات النيابية أو عند حصول مشادّات سياسية وتصعيد إعلامي بين هؤلاء الأشخاص من جهة ورؤساء وأعضاء الكتل الأخرى، خصوصاً المحسوبة على الشيعة من جهة ثانية.
والكثير من الرموز الذين تدعمهم الرياض في العراق مطلوبون للقضاء العراقي والدولي "الانتربول" بتهم مختلفة كدعم الإرهاب والتحريض ضد القوات الأمنية العراقية بشكل علني عبر القنوات الفضائية.
ومن خلال مقارنة سريعة بين آل سعود وبقايا حزب البعث في العراق يمكن إدراك السبب الذي يجعل الرياض تدعم بقايا البعث. فالجانبان لايمتلكان في الحقيقة الشرعية اللازمة لتسلم زمام الأمور في البلدين إذ لم يأتيا عبر صناديق الاقتراع؛ بل وصل حزب البعث إلى السلطة في العراق عبر انقلاب عسكري، فيما وصل آل سعود إلى السلطة في الحجاز عبر التآمر مع بريطانيا.
إلى جانب ذلك تميز آل سعود وبقايا حزب البعث في العراق بالقسوة المفرطة وارتكاب الجرائم البشعة وانتهاك الحرمات لتحقيق مآربهما الدنيئة وفق المبدأ الميكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة". كما تسببا بكوارث فادحة لعموم المنطقة ومهّدا الأرضية للتدخلات الأجنبية في شؤونها.
هذه الأسباب وغيرها تجعل آل سعود يدعمون بقايا حزب البعث في العراق لتحقيق هدف مشترك يتلخص بالسعي للقضاء على الحكومة المنتخبة في العراق من خلال دعم الجماعات الإرهابية تارة، وأخرى من خلال التآمر والتواطئ مع الجهات الأجنبية لضرب الشيعة في عموم المنطقة لأن الذي يحرك السعودية ومن يؤازرها في العراق هو الحسّ الطائفي والنزعة الشرّيرة التي تصرّ على قتل كل من لا يؤمن بالفكر البعثي الشوفيني أو السلفي الهدّام المدعوم بفتاوى جاهلية لاتقدر على التكاثر سوى في الظلام ولا يمكنها أن تستمر إلّا من خلال الجرائم والإبادة وإثارة الضغائن والأحقاد تحت يافطة الدفاع عن الدّين مرّة، وأخرى تحت يافطة الدفاع عن العروبة، والدّين الحنيف والعروبة الأصيلة منهم براء.
ارسال التعليق