لنستنهض الهمم.. فالوطن لنا وليس مُلكاً لآل سعود
[جمال حسن]
لنستنهض الهمم ونغيير مقولة الوطنية للمواطن والوطن لآل سعود
* جمال حسن
فاصل شاسع بيننا وبين المجتمعات المتقدمة التي تؤمن بالوطن والوطنية من المنظار الصحيح والحقيقي على أرض الواقع وليس شعار يرفعه القائمون على السلطة في خطاباتهم الرنانة، وسوط يجلدون به كل من ينادي بحقوقه المشروعة فتلتصق به تهم التخابر مع الأجنبي والخيانة والتجسس والعمالة و...
لقد زرع آل سعود طيلة تسلطهم على شبه الجزيرة العربية، الخوف والرعب والقتل والدمار ورسخوا الجهل السياسي والحقوقي في مجتمعنا الى درجة فقدنا فيها القدرة على ممارسة الجرأة والتساؤل عن مصيرنا، حقوقنا وحياتنا، وبتنا محكومين بالظروف التي نعيشها، وأصبح كل فرد من أفراد مجتمعنا مضطر لتقبل حياته الدنيئة هذه رغما عنه.
وبات الجميع في بلاد الحرمين الشريفين مطالب بالوطنية التي يرسمها حكامها الفراعنة، وأن يكونوا مستعدين للتضحية والدفاع عن مصالح الطغاة أينما أقتضى الأمر وما الجماعات الارهابية السعودية التي انتشرت في منطقة الشرق الأوسط وبلاد المسلمين إلا نموذج بارز لذلك الواجب الذي فرضه علينا مشايخ ودعاة البلاط المنحوس.
لقد نجحت هذه الإستراتيجية التي تم تركيبها من قبل الاستعمار البريطاني الخبيث لترسيخ أسس عملائه في منطقتنا الغنية بثروات الباري تعالى، في السيطرة على عقول شعوبنا، فيما سؤال كبير لا يزال يحير العقول وهو: هل يعقل أن يفتخر الأفراد بوطن لا توجد فيه حتى أبسط شروط الحياة، منها التساوي في الحقوق، وحرية التعبير عن الرأي، والمشاركة في المصير؟.
بات كل فرد منا لا يملك أدنى علامات الجرأة ما يكفيه للمطالبة بأبسط حقوقه المنتزعة والمسلوبة، وحياة بعز وكرامة بسبب الخضوع والخنوع الذي نشأ عليه منذ السنين الأولى في المدرسة وحتى آخر سنوات التعليم الجامعي، فبات مستعبدا للسلطة ومن يعتليها من الأسرة الحاكمة تحت يافطة الوطنية وحب الوطن الذي بات يسلب وينهب من قبل حفنة بدوية جاهلية دكتاتورية متفرعنه لا تعرف من الانسانية نونها ولا من الدين داله، فباتت المؤسسة الدينية فيه حصان طروادة يركبها الجناح السياسي متى ما شاء ويركزها متى ما شاء.
يذبحوننا تارة بسكين الدعوة والشرع وأحكام الدين والدين الإسلامي السمح براء منهم، وتارة باسم القومية يفرضونها على الداخل والخارج وإذا بالخيانة تفيض من أعلى رؤوسهم الى أدنى أخماس أقدامهم، والسجون باتت تمتلئ بعشرات آلاف الأحرار من كلا الجنسين بتهمة الخروج على الولي لا لذنب سوى المطالبة بالحقوق المسلوبة.
اعتقال المواطنين بسبب الانتقاد السلمي للسياسات الحكومية أو الدفاع عن الحقوق لم تعد بظاهرة جديدة في بلادنا، بل أضحت من الأمور التي يجب أن تتم واذا لم نسمع عنها يوماً سيؤدي الى تساؤلات كثيرة في الشارع السعودي عن أسباب تنازل السلطة الدموية عن ما تسميه "حقها" هذا، وهم لا يعرفون أن هناك ربما اسباب دولية من وراء التوقف عن حملات الاعتقال التي تطال النشطاء والمفكرين والجامعين والعلماء والدعاة، والتي بلغت مستوى لم تشهده البلاد من قبل وباتت المملكة تتصدر الدول القمعية منذ تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد عام 2017.
كان وطني ولا زال لأبناء السلطة الحاكمة وليس لي فيه أدنى منفعة سوى الأسم الذي أحمله والآلام التي أعانيها، والجراح التي تنخر صدري وقلبي الدامي على آبائي وأبنائي وأشقائي وزملائي وأبناء بلدتي وجدتي القابعين خلف قضبان الظلم والعنف والتمييز القبلي والطائفي والمناطقي، وباتت الآهات والويلات ترمز لوطنيتنا والذهب والدولارات والأموال والأراضي والسلطة وكل تراب الجزيرة ملك يتوارثه أبناء عبد العزيز واحداً بعد آخر.
نعم لقد صدقت المقولة القائلة "الوطن للأغنياء، والوطنية للأغبياء"، لأنه من الغباء أن يعتنق المرء حب وطن لا يجد فيه حتى أبسط شروط الحياة، ومن الغباء أن يظل خاضعا لما يفرضه عليه من سلبوا منه الوطن دون محاولة للخروج من هذه الحالة وانتزاع حقوقه مهما تطلب الأمر، لأن المطالبة بالحقوق بمثابة حق مشروع، والسكوت عن ذلك بمثابة غباء، وهو ما يجعل الوطن في يد الحكام المستبدين الظالمين الطامعين الجهلة الفسقة، وتبقى الوطنية شعاراً خاوياً وحملا ثقيلا على الأغبياء الذين حكموا على أنفسهم البقاء على هذه الحالة بذريعة الوطنية.
لا تبقوا كالنعامة تغمسون رؤوسكم في وحل العبودية والانبطاح والمذلة للسلطة المستبدة وحاكمها الطاغي بذريعة الوطنية والحفاظ على السلم والأمان فيما السلم والأمان مسلوبان حتى من أطفالنا ولامستقبل لهم في ظل هكذا أسرة وعقول تحكم البلاد منذ عقود طويلة؛ فهذا المنطق لم يعد مناسبا في تاريخنا الذي نعيشه، ولم يعد بالإمكان تحمل الظلم والطغيان أكثر بعد.
إذا كان الوطن لأمراء آل سعود والوطنية لنا الفقراء القابعين تحت نير الظلم والقمع والوحشية وسلب أبسط مرتكزات الحياة الكريمة والعزيزة والحقوق المنصوص عليها في القرارات الأممية والأديان السماوية، ويجب علينا أن نستنهض الهمم ونغير هذه المقولة، وليتمكن أبناء شعبنا من أخذ نصيبهم من هذا الوطن الذي فقدوا حياتهم فيه بالتساوي.
لنقولها بصدق ودون خوف من أحد، أن العذاب الذي نعيشه خاصة منذ بدء العهد السلماني هو أسوأ بكثير مما سيكون في انتظارنا في حالة نهوضنا من أجل إصلاح وتغيير الوضع الحالي، والحقيقة أن العذاب الذي يعدونا به في حالة لم نطع "الولي الحاكم"، ماهو إلا مجرد وهم يخيفوننا به من أجل أن نبقى خاضعين لإرادتهم ويبقون هم متسلطين على رقابنا ويواصلون نهب ثرواتنا وقطع أعناق خيرة شبابنا ومشايخنا وفتياتنا.
لابد من القول أن الأسرة السعودية الحاكمة خاصة سلمان ونجله المتهور يخافون كثيراً من السجل القمعي الدموي إذا ماتم إخضاعه للتدقيق الدولي وفتح سجلات حقوق الانسان والبحث أسباب قطع الرؤوس بسيف الحرابة أو المغيبين في قعر السجون أو المختطفين أو الذين طالهم سيف الإغتيالات في شوارع وأزقة المملكة وخارجها وقطعوا إرباً إربا كما هو الحال مع جمال خاشقجي وغيره.
كتب أحدهم يقول "صادمٌ أن ترى الجميع يشعر بالغربة داخل الوطن، ولا يشعر بالانتماء له، يحلم بالغربة ولا حديث ولا حلم لديه سواه، فكلّ يشعر بفقدان الهويّة والخصوصيّة، الوطن حاضر غائب، مهدّم يحتاج "أفرهول"، والناس تعيش المرارة والوهم الأزليّ الدائم"؛ نعم، أنه لأمر مريع فيما نحن نملك القدرة على تليين الحاضر وتطويعه وتغييره وتجاوز مخاطره نحو التحرر من العبودية لغير الله سبحانه وتعالى.
من يعيش في المنفى والغربة مشرداً مترقباً يرى الأشياء بمنظار آخر، أشياء يراها من هناك ولا نراها من هنا، يتابع كلّ صغيرة وكبيرة للمشهد الإجتماعي، السياسي والاقتصادي، وبما أنه متفرج "حيادي" فبإمكانه تصويرها بحذافيرها ورصد التغييرات من الخارج كمتفرج وشهادته غير مجروحة لأنه لا يعيش الأمور، وتحليلها ولاتخفى عليه شاردة ولا واردة.
لطالما سألت نفسي: لماذا فقط أبناء الفقراء هم الشهداء؟ وهم المدافعون؟ وهم لا يملكون متراً على هذه الارض؟ لماذا لم نسمع موت مسؤول؟ أو ابن مسؤول من أجل الوطن؟؛ أنا آسف يا وطني لم أمت لأجلك، ولكني مت لأجل لقمة العيش في وطن لم يوفر اقل متطلبات حياتي.
ارسال التعليق