ما بين منتخبَي السعودية وكرواتيا.. ملاحظات ودلالات!!
[من الصحافة]
بقلم: ياسر سعد الدينكرواتيا دولة خرجت بشكل دامٍ ومؤلمٍ من رحم يوغسلافيا منذ نحو ربع قرن، بعد حرب أهلية دامية وطاحنة.
كرواتيا تحكمها امرأة اشتهرت بمحاربتها الحقيقية للفساد دون ضجيج ولا صخب. خفضت طواعية راتبها الشهري بنسبة الثلث، وأرجعت سيارات حكومية، وخفضت مصاريف الدولة، ورفضت الاقتراض إلا لمشاريع ربحيّة استثمارية وليس للإنفاق.
رئيسة كرواتيا تستخدم الطائرات التجارية لا طائرة رئاسية خاصة، ويُقال إنها تتجنّب الدرجة الأولى. وبحسب التقارير، فقد حضرت مباراة فريقها في ربع النهائي في مدرجات الجماهير، ولكنها انتقلت بعد إلحاح مضيفها الروسي ميدفيدف للمقصورة الرئيسية. وحين فاز فريقها احتفلت مع اللاعبين وبينهم. في حين توزّعت صور لرئيس الوزراء ورئيس برلمان البلاد وهما مسافران في الدرجة السياحية لتشجيع فريقهم في مباراة نصف النهائي. لاعبو كرواتيا لعبوا بروح عالية، لم ينهاروا من تقدّم الإنجليز، تشعر بمعنوياتهم العالية وبثقةٍ بأنفسهم كبيرة، وبشعورهم الصادق بمكانتهم وإنسانيّتهم. يشعرون أنهم مقدَّرون ومحترمون وليسوا أدوات للنظام.
ولا أتصور أن حكومة كرواتيا أنفقت ببذخٍ على فريقها، ولم تعتبر مبارياته مستقبل الأمّة ومصيرها!!
في الجهة الأخرى، السعودية بلدٌ يُنفق التريلونيات في مجالات شتّى، ويتمتّع باستقرار سياسي من عقود، ذلك الاستقرار هو الإنجاز الأكبر للحكومات المتعاقبة، بغضّ النظر عن وسائل تحقيقه! يحكم السعودية شابٌّ قفز للحكم عبر انقلاب وصفقات دولية وإقليمية. رفع شعاراتٍ كبيرة؛ كالرؤية الاستراتيجية، والحرب على الفساد. ولكن بدا أن الحرب على الفساد تعميق لفسادٍ لا يعرف الحدود. فالرجل يشتري اليخوت واللوحات والقصور بمبالغ خيالية، في حين يُعاني قطاع عريض من شعبه فقراً مدقعاً، ويموت فيه جنود حربه اليمنية على الحدّ الجنوبي وهم يعانون ديوناً مالية وضنكاً في العيش. يتعامل الرجل واقعياً ونفسياً مع الشعب كجزء من ممتلكاته! يعيّن رجالاً بلا قدرات فيمسكون البلد ويترنّحون به يمنةً ويسرة.
فهذا تركي الشيخ ممثّل الرياصة يخوض في السياسة وفي كل شيء، ويتعامل مع سيّده ولي العهد بخضوع وصَغار، في حين يتعامل مع اللاعبين بوقاحة وازدراء وكأنهم عبيد أو قطيع. أهان تركي لاعبي بلاده على الملأ بعد مباراتهم مع روسيا، وقد منّنهم أن أعطاهم مستحقّاتهم المالية وكأنه يدفعها من ماله الخاص.
وعلى الرغم من تحمّله الفشل فهو صانعه، فلم يستقل بل اعتبر أن المشكلة بهذا الجيلُ، والحل في جيلٍ قادم، بمعنى أن من يحاسب اللاعبين بطريقة مُهينةٍ دون أن يعطَوا فرصة الدفاع عن أنفسهم هو محصَّن -تركي- عملياً عن المحاسبة ما دام متذلّلاً لسيّده ومخلصاً لتقديسه! في مثل هذه الأجواء تتحطّم كرامة الإنسان وتتمزّق إنسانيته.
رأينا ذلك في الانهيار المعنوي للفريق السعودي أمام فريق روسيا، والذي يصنَّف عالمياً خلف السعودية كرويّاً.
الفرق بين كرواتيا والسعودية في المونديال هو فرق صارخ وموجع، وهو انعكاس لواقع حقيقي؛ بين من يحكم ويسعى لنهضة حقيقة ويتعامل مع شعبه كشريك في النهوض والتقدّم والمساءلة، وبين من يعتبر الحُكم مكسباً شخصياً للتمتّع والصعود ولو على حساب بلده ومكانته ومستقبله، وعلى حساب معاناة شعبه وكرامة أبنائه وإنسانيتهم!
ارسال التعليق