نكسة حزيران الجديدة.. بطلها بن سلمان وضحاياها القطريون
[ادارة الموقع]
نكسة حزيران؛ وحصار قطر حدثان كبيران مرّأ بتاريخ المنطقة العربية، وربما لا عجب أن يختار ولي العهد السعودي هذا اليوم بالذات لُيعلن حصار دولة قطر من قِبل الدول الأربعة المُحاصرة (السعودية، الإمارات، البحرين ومصر)، وذلك لما لهذا التاريخ من أثر في النفوس العربية، محاولًا أن يصنع تاريخًا جديدًا يُنسي من خلاله نكسة حزيران العالقة في العقل الجمعي العربي، وعلى هذا الأساس قرر بن سلمان اختيار هذا التاريخ ليكون بديلًا للنكسة، مُصوّرًا إيّاه على أنّه انتصار للدبلوماسية السعودية، ومن خلفها دبلوماسيات الدول المحاصرة، وبذلك بُدّلَ تاريخ هزيمة حزيران بتاريخ حصار قطر.
وفي هذا المقال لسنا بصدد الحديث عن الآثار السياسة والاقتصادية التي نتجت عن هذا الحصار والتي كانت بمُجملها لمصلحة قطر؛ وذلك على عكس ما كانت ترجوه دول الحصار، لكن الحديث عن الآثار الإنسانية التي خلّفها ذلك الحصار على المواطنين القطريين وأقربائهم في دول الحصار لا سيما في السعودية التي تُعد المنفذ البري الوحيد لقطر، وتربط مواطني الدولتين علاقات قرابة ونسب.
ولعل المثال البارز والأكبر للمأساة الإنسانية هي منع القطريين من أداء مناسك الحج، الأمر الذي رأى فيه المواطنون القطريون سابقةً خطيرة دفع فيها المواطن القطري حساب الخلاف بين السعودية وقطر من دينه ومن عقيدته.
ومن جهةٍ أخرى أسس منع مواطني دولة قطر من أداء مناسك الحج، لسابقةٍ خطيرة أخرى وهي استخدام السعودية لورقة الحج في ضغطها على الدول المخالفة لها، وهو الأمر الذي شهدناه مع عدد من الدول الأفريقية ذات الأغلبية المسلمة حيث أجبرتها الرياض على قطع علاقاتها مع قطر والانضمام إلى التحالف ضد الدوحة، حيث وجّهت السعودية تهديداً مبطناً إلى هذه الدول مفاده تعقيد إجراءات الحصول على التأشيرة للحج والعمرة أو الانصياع لهم والوقوف ضد قطر مقابل تسهيل الوصول إلى الأراضي المقدسة.
وكانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أكدت على أنّ منع السعودية الحجاج القطريين من أداء فريضة الحج سيكون له تداعيات خطيرة، مشيرةً إلى أنّ منع الحجاج من دولة قطر لن ينتهي مع انتهاء موسم الحج، فحقوق القطريين والمقيمين العشرين ألفا الذين حرموا من أداء فريضة الحج ستكون موضوع نقاش معمق على كل المستويات.
وفي السياق ذاته؛ تُشكل الأزمة الاجتماعية التي أفرزها الحصار على قطر سابقة هي الأولى في تاريخ المجموعة الخليجية؛ حيث قامت دول الحصار بطرد المواطنين القطريين وإغلاق الحدود بشكل صارم، الأمر الذي خلّف موجة كبيرة من المآسي الاجتماعية، ووصل عدد الشكاوي "الإنسانية" التي قدمها المواطنون القطريون لأكثر من أربعة آلاف شكوى ضد إجراءات دول الحصار، ومن الحالات الإنسانية التي أحدثت هزّةً كبيرة في الرأي العام الخليجي ما حصل للمواطن القطري الذي تم تشخيص حالة ابنه البالغ من العمر سنة واحدة بمرض نادر، وتم إدخاله إلى المستشفى في الرياض في مايو من العام 2017، وعندما بدأ الأطباء بتشخيص المرض والعلاج وتحديد موعد إجراء العملية الجراحية؛ بدأت الأزمة وبدأ حصار قطر، لتنعكس نتائجها على هذا الأب وابنه، حيث تمّ طرده من المستشفى، لكن المشكلة وكما يصفها الأب تكمن أنّ كل مشفى وكل طبيب يُشخص حالة ولده من منظور مختلف، حيث أن كل معهد لديه طريقته الخاصة في علاج هذه الحالة المرضية ولا يمكن لأحد مواصلة علاج الطفل الذي بُدأ في الرياض.
وطالت الأزمة أيضاً مئات المستثمرين الذين تضرروا نتيجة إجراءات دول الحصار، فالعديد منهم يمتلك عقارات وشركات وأموال مودعة في بنوك السعودية أو البحرين أو الإمارات وتقدر بمئات الآلاف من الدولارات، واليوم وبعد أن مرّ عامٌ على تلك الأزمة، لا يستطيع أحد منهم الوصول إلى ممتلكاته ومتابعة استثماراته.
وبعيدًا عن العلاقات التجارية؛ من المعروف أن مواطني دول الخليج بشكل عام تربطهم علاقات أسرية وقبلية، حيث خلّف الحصار على الأسر القطرية، إذ لا يكاد يخلو منزل قطري من علاقات عائلية تربطه بدول الحصار "الشقيقة"، الأمر الذي خلّف حالة من التشتت الأُسري خصوصًا وأنّ الحياة الاجتماعية في الدول الخليجية مبنيّة في كثير من تفاصيلها على الولاء القبلي، إذ تنتشر القبائل بين عدد من الدول ولا تكون متواجدة بدولة واحدة فقط، وهذا حال العديد من الأسر التي يحصل التزاوج بين أبنائها مع أبناء عمومتها المتواجدين بدولة أخرى، وهذا هو الحال بين العائلات القطرية والسعودية والإماراتية والبحرينية.
وشهدنا العديد من المطالبات بضرورة إبعاد الشعب القطري عن الأزمة السياسية، إذ أنّه من غير المقبول أن يدفع شعبٌ كامل ضريبة الأزمات السياسية التي يفتعلها القادة السياسيين، ومن غير المقبول أيضاً استمرار اتباع سياسة الصمت على إجراءات دول الحصار، حيث تحمّل المواطن القطري الوزر الأكبر من ذلك الحصار.
ارسال التعليق