هل تمرّد بن سلمان على سيده الأمريكي!؟
[عبد العزيز المكي]
منذ تحرك الإدارة الأمريكية, لغرض المزيد من العقوبات على روسيا, على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا, وبعض الإعلام الأمريكي والغربي, بالإضافة إلى الإعلام السعودي وبعض الإعلام العربي يروج لمقولات عدم امتثال بن سلمان لطلبات بايدن برفع الإنتاج السعودي من النفط لخفض الأسعار التي وصلت إلى أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد بسبب تداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية, ونسج هذا الإعلام القصص تلو القصص حول ما اسماه هذا الإعلام >التمرد السعودي على الحليف الأمريكيتمرد< و >تحدي< لأمريكا!!
وقصص أخرى, نسجتها الأوساط الإعلامية المشار إليها, الأمريكية منها خاصة, زعمت فيها أن بن سلمان صديق لبوتين! وزعمت أن ولي العهد السعودي تخلى عن أمريكا واتجه إلى روسيا والصين! أكثر من ذلك زعمت تلك الأوساط أن بن سلمان يريد التعامل باليوان الصيني, والتخلي عن الدولار الأمريكي فاعتبر البعض من المحللين أن ذلك إن حصل سيشكل صفعة من بن سلمان لحليفه وحاميه الأمريكي.. وأكثر من ذلك أيضاً, اعتبر البعض بن سلمان بطلاً بعد أن زعموا أنه ـ أي بن سلمان ـ وجه دعوة للرئيس الصيني, لزيارة المملكة السعودية! حيث اعتبر البعض من المحللين أن هذه الدعوة مؤشرٌ كبيرٌ على تمرد بن سلمان على الإدارة الأمريكية!!
وهكذا فإن تلك الأوساط الإعلامية, ومنها الصحافة الأمريكية والبريطانية, خصوصاً صحيفة الوول ستريت جورنال الأمريكية التي أشك في أن بن سلمان كان قد جندها لخدمة مآربه بتسريب الأخبار والروايات التي تحقق وتخدم أهدافه بإغراقها بالأموال الطائلة.. نقول أن تلك الأوساط شرّقت وغرّبت وذهبت يميناً وشمالاً في التحدث عن التوتر بين الرياض وواشنطن, وتمرد بن سلمان, ثم جاءت زيارة رئيس الوزراء البريطاني جونسون للسعودية والإمارات وفشل الأخير في حمل بن سلمان وبن زايد على زيادة الإنتاج النفطي من أجل خفض الأسعار, لتعزز تلك القصص والروايات المشار إليها!!
ولكن هل فعلاً تمرد بن سلمان وبن زايد على سيدهما الأمريكي؟ للإجابة على هذا التساؤل لا بد أن نأخذ في الحسبان الأمور التالية:ـ
1ـ ان الولايات المتحدة تتعامل مع عملائها بطريقة الإملاء والأمر, دون أن يكون للعميل رأي أو اعتراض, وهذا ما أكده رئيس الوزراء, ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني في أحاديثه الأخيرة لوسائل الإعلام حيث قال: >عمرنا ما وقفنا تلك الوقفة التي تجعل الأجنبي يضع احتمال قبولنا أو عدم قبولنا لمقترحاته... اليوم أي وفد أمريكي يأتي إلى المنطقة, لأغلب دولنا ـ دون التسمية ـ عندما يضع اقتراح إنه سيفرضه وسننفذه, وإن لم ننفذه بالكامل سننفذ 80% منه. ولفت بن جاسم آل ثاني, إلى أن ذلك من عادة الأنظمة كون عدم تنفيذها يعني أنها ستُعتبر غير صديق للولايات المتحدة وأن الأجنبي سيخبرك بذلك أنك لم تعد صديقاً, ويعني أنه لم يعد لديك غطاء خارجي أمريكي غربي< بحسب قوله, من مقابلة له مع صحيفة القبس في 15/3/2022.
إذن علاقة أمريكا مع النظامين السعودي والإماراتي, لم تكن علاقة شراكة, يتمكن فيها الشريك من الرد أو الرفض, وإنما هي علاقة منفذ للسياسات الأمريكية دون أن يكون له حق الاعتراض أو المناقشة.
2ـ إن هذه البلدان, السعودية والإمارات وغيرهما, هي دول محتلة من قبل الولايات المتحدة, فالقواعد الأمريكية تنتشر في أراضي هذه الدول, وهذه حقيقة يعرفها الجميع, وهي التي تقوم بحماية هذه الأنظمة, وأيضاً تقرر لها سياساتها, وهذا ما اعترف به الرئيس السابق دونالد ترامب, كما ان عضو الكونغرس توم مالينويسكي قال في 16/3/2022 في تغريدة له على حسابه: >حان الوقت لإخبار المملكة العربية السعودية ـ الدولة الوحيدة في العالم القادرة زيادة إمدادات النفط العالمية بسرعة ـ بزيادة الإنتاج وتذكيرهم بأن القوات التي نرابطها لحماية مملكتهم لا يجب أن تكون هناك, كما فعل ترامب ذات مرة
في ضوء ذلك وغيره لا يمكن التصديق بهذا الكم من الصخب الإعلامي حول ما يزعمون تمرد بن سلمان على بايدن, وكذلك تمرد بن زايد, ولذلك أرى أن الأمور تجري في أحد مسارين هما:
1ـ أما أن ما تزعمه وسائل الإعلام تلك حول وجود هذا التمرد من جانب عملاء أمريكا على سيدتهم كما يذهب الكثير من المحللين, قريب من الصحة وذلك يعني أن الولايات الأمريكية وصلت إلى درجة من الضعف والهوان والتراجع بحيث بات عملائها لا يحترمونها ولا يعيرون لها الأهمية, ويديرون ظهورهم لها والتقرب من خصومها ـ روسيا والصين ـ بهذه السهولة والأريحية, وهذا منافي للواقع مطلقاً لأن الأمريكان ما زالوا القوة الكبرى في العالم التي يحسب لها عبيدها ألف حساب.. وما زالت هيمنتهم وسطوتهم على عملائهم في ذروتها, والدليل على ذلك, إن بن سلمان منذ مجيئه إلى ولاية العهد وحتى اليوم يبذل المستحيل من أجل إقناع واشنطن بالموافقة عليه لتولي عرش المملكة, وهذه قضية معروفة لا تحتاج إلى الإثبات لكثرة الأدلة على حقيقتها.. ولذلك فأن هذا الاحتمال يبقى احتمالاً ضعيفاً جداً, وهذا ما يرجح المسار الثاني كما أرى.
2ـ المسار الآخر: ويتمثل هذا المسار, بمنح الإدارة الأمريكية مساحة تحرك محدودة لحلفائها في منطقة الخليج, على الصين وروسيا, فيما هي تستخدم ـ أي أمريكا ـ التهديد والتصعيد ضدهما, فهي تتوسل بكلا الأسلوبين التهديد, والناعم من أجل ضبط إيقاع وتطورات الأمور إلى الدرجة التي تؤدي إلى عدم الانفلات وعدم السيطرة, لأن أمريكا تحرص اليوم كل الحرص على عدم انضمام الصين إلى صف روسيا في تلك الحرب, لأن ذلك يؤدي إلى انتصارهما وهزيمة أمريكا والغرب بسبب التفوق الصيني الروسي العسكري والاقتصادي, وبسبب التراجع الأمريكي بنفس الوقت على تلك الصعد, فهي تحاول في الوقت الذي توجه رسائل تهديد وتخويف للصين, احتواء الأخيرة من خلال تحرك السعودية والإمارات على بكين والانفتاح عليها بمدها بالطاقة وبفتح الأسواق الخليجية للاستثمارات الصينية لتحقيق أمرين, الأول: قطع الطريق على روسيا وحرمانها من تصدير نفطها وغازها إلى الصين في حال قطع الغرب استيراد غازها ونفطها؛ حيث تضغط أمريكا بكل ثقلها على الغربيين بهذا الاتجاه, والثاني: هو منع الصين من الذهاب بعيداً في الاصطفاف مع روسيا, سيما الاصطفاف العسكري عبر إغرائها بانفتاح السعودية والإمارات. أما فشل زيارة بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني للسعودية بعدم تلبية الأخيرة لرفع الإنتاج النفطي, فذلك يجري ضمن التنسيق الأمريكي السعودي, لتوجيه رسالة لحلفائها الغربيين بأنهم بدون التنسيق والتعاون مع أمريكا لا يمكنهم حتى من إجبار العملاء العرب لتمشية القرارات الغربية, وذلك ان الدول الغربية تمردت نوعاً ما وفي بعض الأمور على ما تريده أمريكا فيما يخص فرض العقوبات ومقاطعة الغاز والنفط الروسي حيث رفضت ألمانيا مثلاً فيما ترددت فرنسا عن تصعيد المواجهة العسكرية مع روسيا كما تريد أمريكا..
هذا التحليل يفسر لنا ما يروجه الإعلام الغربي عن انفتاح السعودية والإمارات على الصين وتوجيه الرياض الدعوة للزعيم الصيني لزيارة السعودية, والدعوة إلى التعامل باليوان الصيني وما إلى ذلك من التحرك السعودي والإماراتي في هذا الاتجاه, أما ما يتحدث عنه الإعلام الغربي والأمريكي وحتى بعض الأطراف السياسية الأمريكية والبريطانية عن توتر أمريكي سعودي, وآخر إماراتي, وعن تحدي سعودي إماراتي لواشنطن كله يدخل في إطار التضليل المقصود, ومحاولة خداع الأطراف الأخرى وتمرير تلك المشاريع, واعتقد أن الصين وروسيا تفهمان حقيقة هذه اللعبة, لكن الصين ترى أنه من المصلحة أن توظف هذه الفرصة لصالح تمدد نفوذها وتقوية هيمنها في المنطقة.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق