هل سيكون الجبري القشة التي تقسم ظهر ابن سلمان
[حسن العمري]
التاريخ خير شاهد على مسلسل الإغتيالات السياسية التي أرتكبها آل سعود طيلة حوالي القرون الثلاثة الماضية وكيف تمكنوا من خلال هذه السياسة الإجرامية فرض سطوتهم واحتلالهم لبلاد الحجاز، وكيف غدروا وخانوا وطعنوا حتى الحلفاء بالظهر فما بالك بالمعارضين لسلطتهم وكيانهم الذي قام على ثلاثي الدم والمال والقوة بدعم من الاستعمار البريطاني الخبيث، وكيف أنهم طاردوا ويطاردون حتى معارضيهم السلميين خارج حدود البلاد ويقومون بفرق اغتيالاتهم الخادعة والماكرة على تصفيتهم جسدياً كأسلوب قائم على قدم وساق في مواجهة خصومهم السياسيين.
سياسة التصفية الجسدية الإجرامية لآل سعود بدأت حتى قبل اتفاقية الدرعية بين محمد بن سعود ومحمد ابن عبد الوهاب، وما أقدم عليه رجال الأخير بإغتيال الأمير عثمان بن معمَّر، أحد أبرز أمراء الأسرة المُعمَّرية ذات المكانة في نجد إمام أحد مساجد العُيينة وهو قائم يؤوم حشود المصلين في محرابه بتاريخ يونيو/حزيران 1750، إلا نموذج من نماذج الإجرام الدموي الغادر لهذه الأسرة الماكرة المنافقة الخائنة لقضايا الأمة والشعب، تلتها عمليات اخرى طالت الكثير من الأكاديميين والعلماء والمفكرين والكتاب منهم ناصر السعيد الذي تم اختطافه وهو مخدراً في بيروت ومن ثم رميه من طائرة ملكية بأمر من الأمير فهد بن عبد العزيز ولي العهد آنذاك، لا لشيء سوى أنه قاد عام 1953 انتفاضة العمال السعوديين في أرامكو للمطالبة بدعم فلسطين- وفق ما كشفه الحارس البريطاني لأمراء آل سعود "مارك يونق".
محكمة واشنطن أصدرت أمراً قضائياً بإستدعاء محمد بن سلمان، في إطار قضية مستشار الأمير محمد بن نايف ومسؤول الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري الذي طالب بإقرار تعويضات من ولي العهد السعودي ومقربين منه لتدبيرهم محاولتين لاختطافه وقتله، مستنداً بوثائق تؤكد أن نجل سلمان أرسل فريقا الى كندا لتنفيذ قتل خارج القانون ضده. وأشارت الدعوى القضائية الى أن "بن سلمان" تعقب الجبري في كندا وامريكا لاغتياله والحصول على ملفات بالغة الاهمية. حيث جاء ذلك ردا على طلب أرسله أعضاء في الكونغرس الشهر الماضي، مطالبين "ترامب" بالعمل على الإفراج عن أبناء سعد الجبري المحتجزين لدى سلطات الرياض وحياتهم مهددة بالخطر.
مسلسل الاغتيالات السياسية الإجرامية للأسرة السعودية الحاكمة طويل وعريض لست بوارد في ذكرها جميعا، حيث المتتبع للشأن السعودي يعرفها جملة وتفصيلاً، حيث صدى استغلال عبد العزيز لـ"إخوان من طاع الله" والذين أدناهم وأفرط في مديحهم، ثم انتهى الأمر به بضربهم بطائرات المستعمر البريطاني في "مقاتل من الصحراء"- راجع الموسوعة الشهيرة للأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، نقل في أحد فصولها أسطرا أقتبسها من كتاب "ملوك العرب" للأديب والمؤرخ اللبناني أمين الروحاني عندما كان في نجد؛ ومن ثم كيف خدع وغدر آل سعود بأمراء نجد والطائف وذبحوهم من الوريد الى الوريد وعوائلهم لم يسلم منهم حتى الأطفال.
زادت الأمور سوءاً على المعارضة السعودية وزادت مخاوفها بصعود سلمان المصاب بجنون العظمة وتولي نجله محمد ولاية العهد، والمعروفان ببطشهما بمن يقف أمام رغباتهما حتى وإن كان من الأسرة الحاكمة، والاستخبارات الغربية تؤكد مساعي نجل سلمان على اختطاف بعض الأمراء المعارضين المقيمين في أوروبا قبل ثلاثة أعوام حيث أختفى ثلاثة أمراء سعوديون يعيشون في أوروبا. وعُرف الثلاثة بانتقاداتهم لسلمان ونجله. وهناك أدلة على أن الأمراء الثلاثة اختطفوا أو رُحِّلوا الى السعودية... حيث انقطعت أخبارهم ولم يسمع عنهم منذ ذلك الحين- وفق وثائقي للبي بي سي تحت عنوان: أمراء آل سعود "المخطوفون".
مسلسل الإغتيالات السياسية لآل سعود عاد للواجهة بعد قضية استدعاء الكاتب جمال خاشقجي الى قنصلية بلادة بإسطنبول في 2 أكتوبر 2018 ومن ثم تقطيع أوصاله بالمنشار من قبل "فريق الموت" لنجل سلمان والمكون من 16 شخصاً وهو ما أكدته منسقة الأمم المتحدة "أغينيس كالمارد" في تقاريرها بتورط ولي عهد آل سعود في الجريمة مباشرة، لا لشيء سوى أنه كتب في مقاله بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.. "لقد تألمتُ كثيرا منذ عدة سنوات عندما اعتُقِل العديد من أصدقائي. لم أقل شيئا. لم أكن أريد أن أفقد وظيفتي أو حريتي. كنت قلقا على عائلتي. هذه المرة، اتخذت خيارا مختلفا. لقد تركت بيتي وعائلتي ووظيفتي ورفعت صوتي. ولو فعلتُ خلاف ذلك، فهذا يعني أنني أخون أولئك الذين يقبعون في السجن. أنا أستطيع أن أرفع صوتي عندما لا يستطيع الكثيرون ذلك".
الجبري كشف في دعواه المستندة بـ 107 صفحات من خفايا المداولات السرية لسلمان ونجله، من أن "بن سلمان" أبلغه في رسالة عبر تطبيق واتساب بأن عليه العودة خلال ٢٤ ساعة الى السعودية، وبعد فشل ذلك أرسل رسالة أخرى قال فيها إنه سيقضي عليه بكل الوسائل. مشيراً الى أن ولي العهد استخدم مختلف الطرق لقتله بما في ذلك إرسال "مجموعة النمر" الى الولايات المتحدة ومنها الى كندا بعد أيام من اغتيال خاشقجي. وقد ضمت قائمة المدعى عليهم في القضية محمد بن سلمان، وبدر العساكر، وسعود القحطاني، وأحمد عسيري، وخالد إبراهيم عبد العزيز الغانم، ومشعل فهد السيد وبندر سعيد الحقباني وإبراهيم حمد عبد الرحمن الحميد، وسعود عبد العزيز الصالح ويوسف الراجحي ومحمد الحمد وبجاد الحربي.
عندما يفلت الجناة من العقاب والمقاضاة يزدادون جرأة في الإجرام والقتل والدمار، فلا أحد بمقدوره محاسبتهم أو معاقبتهم لما يملكونه من أموال البترول المنهوبة من لقمة عيش الشعب، يدفعونها رشى لهذه البلاد وتلك المنظمة حتى الأمم المتحدة لعدم المتابعة والملاحقة والقيام بحذف اسمهم من "قائمة قتلة الأطفال" للمجازر البشعة التي ارتكبوها ضد الطفولة في اليمن ناهيك عما فعلوه بأطفال سوريا والعراق وأفغانستان، وما تعانية الطفولة في بلاد الحرمين من سجن وتعذيب جسدي وتحرش جنسي لم يسلم حتى المعاقين منها، لا لشيء سوى مشاركتهم في المسيرات السلمية التي شهدتها المنطقة الشرقية المطالبة بتساوي الحقوق ورفض التمييز الطائفي الذي يطال أكثر من 15% من أبناء شعبنا.
خالد الجبري نجل "سعد" كشف في مقابلة خاصة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية مؤخراً، من أن والده أقام دعوى قضائية ضد "بن سلمان" بعد أن فشلت مساعيه على مدار 3 سنوات في استخدام كل الوسائل "الدبلوماسية الهادئة والمصالحة" مع الحكومة "دون فائدة".. وأن أسرته نواجه "حملة إرهابية غير قانونية عابرة للحدود"، والسلطات السعودية تعتقل شقيقيه (عمر وسارة)، كـ"رهائن". فيما السلطات الكندية أقدمت من جانبها على تشدد الحراسة على الجبري بعد تعرضه لمحاولة اغتيال ثانية قبل أيام - وفق صحيفة "ذا غلوب آند ميل" الكندية.
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية وفي مقالها الإفتتاحي بعنوان "ولي عهد فرق الموت السعودي"، قارنت "بين وقائع قتل الصحفي جمال خاشقجي في تركيا ومحاولات اغتيال سعد الجبري على أيدي مقربين من نجل سلمان في كندا، مشيرة الى "أن المملكة يقودها ولي عهد يترأس فرق الموت"؛ وقالت: "أن قضية خاشقجي هي قضية خداع وقتل مع الإفلات من العقاب.. فيما الفصل الجديد الذي يأتي الآن تقشعر له الأبدان من الغدر السعودي المزعوم، الذي يجب أن يُذكر الجميع مرة أخرى بأن المملكة يقودها طاغية لا يرحم".
الكاتب البريطاني "ديفيد هيرست" كتب في مقاله بموقع "ميدل إيست آي" تحت عنوان"الجبري.. السعودي الذي ربما يستطيع الاطاحة ببن سلمان"، يقول: أن الجبري يعد حليفا لولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف، بأنه "الأكثر خطرا على ابن سلمان"، حتى بات "المطلوب رقم واحد" بالنسبة لولي العهد الحالي. في وقت تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع قرار محكمة العاصمة الأمريكية واشنطن باستدعاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان و13 شخصاً آخرين في إطار القضية المرفوعة من قبل سعد الجبري، حيث لاقى وسم "#الداشر_مطلوب_في_أميركا" في اشارة الى ولي العهد السعودي تفاعلا كبيرا على تويتر.
ارسال التعليق