هوامش على اعترافات حمد بن جاسم آل ثاني الجديدة
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيفي تصريحاته الجديدة لقناة البي بي سي البريطانية، أشار رئيس الوزراء، وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني، إلى الدور السعودي والقطري في الإحداث ألتي شهدتها المنطقة خلال الست سنوات الماضية، وبالأخص في العراق وسوريا وليبيا وحتى مصر، وأوضح كيف أن بلاده قطر، والسعودية استخدمتا الأموال الطائلة بهدف زعزعة الوضع في سوريا خلال المؤامرة الأمريكية الصهيونية على هذا البلد، وقال بن جاسم، إن ما أنفق على الحرب في سوريا من يوم انطلاقها إلى حد الآن تجاوز 137مليار دولار، مبيناً إن أمراء التنظيمات المسلحة استغلوا وفرة الأموال فأصبحوا من أصحاب الملايين، وإن عمليات الانشقاق في الجيش السوري كانت أغلبها تجري باغراءات مالية، فالعسكري العادي الذي ينشق كان يحصل على 15ألف دولار أمريكي، والضابط يحصل على 30ألف دولار أمريكي. كما أشار إلى أن انشقاق رئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب تم بالتنسيق مع ابن خال رياض حجاب الذي يعيش في الأردن منذ زمن طويل وقد دفعت له السعودية مبلغ 50مليون دولار أمريكي، وأشار أيضاً إلى أن انشقاق مناف طلاس تم بالتنسيق بين المخابرات الفرنسية وأخته التي تعيش في فرنسا منذ زمن طويل وتحمل الجنسية الفرنسية مديحة طلاس أرملة رجل الأعمال السوري السعودي أكرم عجة. كما أشار بن جاسم إلى أن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري قبض100مليون دولار وكان يلعب دوراً كبيراً في الحرب السورية، كان له مكتب في مدينة غازي عنتاب التركية يديره النائب اللبناني عقاب صقر الذي قبض بدوره عشرة ملايين دولار. وكذلك لعب رئيس وزراء لبناني سابق دوراً كبيراً من خلال مدير عام شرطة لبنان اللواء أشرف ريفي والذي قبض بدوره 50 مليون دولار أيضاً،كما لعب الأكراد العراقيون دوراً كبيراً في الحرب السورية وبالأخص مسعود البارزاني. وفي الختام قال حمد بن جاسم لقد لعبنا دوراً كبيراً في تدمير مصر وليبيا وسوريا واليمن وجميعها كانت بأوامر أمريكية. يشار إلى أن بن جاسم كان قد أشار قبل ستة أشهر تقريباً الى دور بلاده والسعودية في دعم الإرهابيين في سوريا وتسليحهم وتدريبهم وتمويلهم، ودفعهم لمحاربة الحكومة السورية بهدف إسقاطها، وقال إن قطر كانت في البداية تقود الحملة العدوانية على سوريا، غير أن السعودية في فترة لاحقة نحتنا عن مقود القيادة وأصبحت هي التي تقود هذه الحملة العدوانية على سوريا!!
اعترافات بن جاسم التي أدلى بها مؤخراً، في 1/كانون الأول2018، لم تأت بشيء جديد، لأن المؤامرة الصهيونية الأمريكية السعودية على سوريا والعراق والمنطقة باتت معروفة، ومعروفة تفاصيلها ورموزها، ودور كل هذه الرموز، سوى أن هذه الاعترافات تؤكد ما اتضح للرأي العام من دور تخريبي وضد مصالح الأمة ودولها، للنظام السعودي، ولبقية الأنظمة الخليجية المصطفة معه في هذه المؤامرة كنظامي قطر في البداية والأمارات التي لا تزال تواصل هذا الدور التخريبي مع النظام السعودي. وبالتالي تشكل هذه الاعترافات دليلاً إضافياً لإدانة هذه الأنظمة، ولملاحقتها على أساس هذه الاعترافات لمحاكمتها والقصاص منها وتحميلها مسؤولية كل هذا الدمار والخراب الذي لحق بهذه الدول، وكل هذه الدماء التي سألت وبشكل غزير في العراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا واليمن..بسبب دور هذه الأنظمة وانخراطها كأدوات تنفيذية بيد الأمريكي والصهيوني، كما اعترف بن جاسم في هذه الاعترافات.
على إنه ورغم أن اعترافات بن جاسم لم تأت بشيء جديد، إلّا أنها تنطوي على أهمية كبيرة لأسباب عدة منها ما يلي:
1ـ إن هذه الاعترافات تزامنت مع موجة الضغط والانتقادات الدولية والإقليمية الموجهة نحو النظام السعودي، على خلفية قتل بن سلمان للصحافي المخضرم جمال خاشقجي داخل القنصلية في إسطنبول، وبطريقة بشعة، واتضاح إرهابية النظام السعودي للرأي العام العربي والإسلامي والغربي، حيث طالب هذا الأخير أي الرأي العام الغربي وعبر مسؤولية من بعض السياسيين، وعبر إعلامه بضرورة معاقبة بن سلمان، وقطع إمداد النظام السعودي بالأسلحة الغربية لأنه يرتكب المجازر تلو المجازر بحق الشعب اليمني المظلوم، ذلك أن جريمة النظام السعودي بقتل خاشقجي فتحت عيون الغربيين نحو مجازر النظام في اليمن، حيث تخلّى بعضهم عن سياسة إغماض العيون عن تلك الجرائم المروعة التي لا تقل بشاعة وإرهابية وهمجية للنظام السعودي، عن جريمته التي اقترفها في غزوة المنشار داخل القنصلية في إسطنبول. ولذلك فأن اعترافات بن جاسم في هذه الأجواء، ستشكل دافعاً إضافياً للأوساط الدولية التي تضغط باتجاه معاقبة النظام السعودي على جرائمه، وعلى مسؤولية عن الإرهاب الذي يحتاج المنطقة.
2ـ إن اعترافات بن جاسم، جاءت بعد الاعتراف المهم والكبير الذي أدلى به الرئيس الأمريكي، والذي قال فيه، انه لم يقدم على معاقبة النظام السعودي، وعلى محمد بن سلمان، بعد تقرير (السي آي أي) الذي أكد أن بن سلمان هو المسؤول المباشر عن مقتل خاشقجي.. وانه لم يقدم على ذلك، من أجل مصلحة الكيان الصهيوني، لأن هذا الكيان لا يكتب له الاستمرار والوجود بدون النظام السعودي، وقال بالحرف الواحد مخاطباً بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي المطالبين بمعاقبة السعودية.."أتريدون رحيل إسرائيل"!! فما ذكره بن جاسم حول دور النظام السعودي في الحرب السورية وما لحق بها من تخريب وتدمير، وكذلك دوره التخريبي والدموي في العراق يؤكد ويعزز ما قاله ترامب حول دور النظام السعودي وعباءته الإسلامية في حماية الكيان الصهيوني وفي تنفيذ وتمرير مشاريعه المعادية للأمة في المنطقة، وهذا من شأنه أن يعزز وعي الأمة، الشعوب العربية بشكل خاص، بحقيقة هذا النظام الذي يتلطى وراء العباءة الإسلامية، ووراء الشعارات التي يخدع بها الأمة. وكل ذلك بالطبع يؤشر الى جملة معطيات في غاية الأهمية نذكر منها ما يلي:
1ـ إن ما ذكره حمد بن جاسم آل ثاني، وما ذكره قبله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الترابط الفلسفي والوجودي بين الكيانين السعودي والصهيوني، يشكلان أدلة دافعة على الدور التخريبي الذي يقوم به النظام السعودي في المنطقة خدمة وحماية لسيده الصهيوني وتنفيذاً للمشاريع الأمريكية، وما زال هذا النظام حتى هذه اللحظة يواصل هذا الدور باعتراف الدوائر الصهيونية والأمريكية نفسها، ففي هذا السياق كتب مايك بومبيو وزير الخارجية مقالة في وول ستريت جورنال يوم 30/تشرين الثاني 2018، ذكرّ فيها بإنجازات النظام السعودي للمصالح الأمريكية في المنطقة، قال إن "النظام السعودي تقيم روابط أقوى مع إسرائيل" وإنه يجر العراق باتجاه مضاد لإيران بالإضافة إلى خدماته في الحروب الأمريكية على (الإرهاب) وفي مجال أسعار النفط." وذكرّ بومبيو بمقالة من عام1979 لجين كيرباتريك ذكرّت فيها بضرورة التميز بين الدول التسلطية الموالية لأمريكا وتلك المعادية لها. وأوضح بومبيو أن الحكومة الأمريكية ستوكل مهمات جديدة ومكلفة للنظام السعودي في أماكن مختلفة من العالم وقد بدأت بوادرها في سوريا حيث بات النظام السعودي يمّول العمليات العسكرية والمدينة فيها.
من جهتها صحيفة ذي بليد الأمريكية وفي عددها ليوم 12 تشرين الثاني، أكدت أن للسعودية دوراً قوياً كحليف للولايات المتحدة، وأن واشنطن تعتمد على الرياض في تأمين الحماية "لإسرائيل" وتعول على مساعدة المملكة في حربها الباردة ضد إيران. وهذا ما أعترف به الصهاينة أيضاً فبالإضافة إلى تأكيدات نتنياهو حول الأهمية الاستراتيجية للنظام السعودي وبقيادة بن سلمان تحديداً، بالنسبة إلى الكيان الصهيوني، فأن الكتاب والمعلقين الصهاينة يذكّرون زملائهم الأمريكيين بدور السعودية والنظام السعودي المهم لكيانهم الغاصب فعلى سبيل المثال تقول الكاتبة في صحيفة هاآرتيز، تسفياغرينفيلد، أن محمد بن سلمان هو الزعيم الذي كانت تنتظره "إسرائيل" منذ50 عاماً، موضحة ان عزله من ولاية العهد سيكون مدمراً "لإسرائيل"..من جهته لفت رئيس مركز دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، عوزي رابي في مقابلة إذاعية، إلى مكانة ولي العهد السعودي في تل أبيب، ومدى المصلحة الإسرائيلية في عدم إقصائه، إذ قال: "أنظروا من دافع عن محمد بن سلمان، الوحيد الذي تصدى لذلك في المنطقة ودافع عنه هو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي سارع إلى الرئيس الأمريكي، وطلب له الرحمة".كل ذلك يؤشر إلى الخطورة التي بات يشكلها هذا النظام العميل، أي النظام السعودي على المنطقة، وحتى على دول الخليج نفسها، وعلى شعبنا بصورة أخص.
2ـ إن ما يسعى إليه الصهاينة ومن ورائهم ترامب، هو استغلال طموحات بن سلمان للوصول إلى عرش المملكة، ثم هرولة الإمارات وبقية بعض أنظمة الخليج العربية المتسارعة نحو أحضان الكيان الصهيوني، استغلال كل ذلك، من أجل الزج بالسعودية والدول الخليجية السائرة في فلكها في حرب طاحنة ضد إيران مدعومة أمريكيا وصهيونياً، ومحولة سعودياً، والحصيلة ستكون كارثية لأن السعودية ومعها حلفائها في الخليج سيعودون 100 سنة إلى الوراء بسبب التدمير والإبادة التي تصيب المنطقة برمتها، تماماً مثلما ورطوا هذه الدول، أقصد الصهاينة والأمريكان، صدام حسين في حربه مع إيران، مستغلين طموحه ليكون شرطي المنطقة والنتيجة يعرفها النظام السعودي وحلفائه جيداً، وهي تدمير العراق والتهام مئات المليارات من الدولارات النفطية، التي مولت بها السعودية وبقية أنظمة الخليج الحرب الصدامية على إيران، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل ان الأمريكان استدرجوا النظام الصدامي لاحتلال الكويت، ومرة أخرى مولت السعودية وأقنعت بوش الأبن بطحن العراق وعم الخراب والدمار في العراق ومنطقة الخليج حماية لكيان الصهيوني وتأميناً للمصالح الأمريكية غير المشروعة في المنطقة.
3ـ سيضاعف الصهاينة والأميركان في ظل تهافت النظام السعودي نحوهم من تحركاتهم ليس في إطار توظيف المملكة وأموالها وإمكاناتها في خدمة المشاريع الأمريكية والصهيونية في المنطقة وحسب، وإنما في إطار تغيير هوية شعبنا المظلوم ومحاولة مسح ذاكرته الإسلامية والتاريخية، فهذا الهدف يشكل محوراً أساسياً في خطط الصهاينة لاعتبارات عديدة باتت معروفة ولعل أهمها كما بات واضحاً هو أن ضرب الإسلام والعقيدة الإسلامية، سيكون أكثر ايلاماً وأقوى تأثيراً من مكان مهد الديانة الإسلامية مكة المكرمة والمدينة المنورة وعلى يد من يتلطى بالعباءة الإسلامية، و"خدمة الحرمين الشريفين"، وما إلى ذلك، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، أن ضرب الإسلام في مهده سوف يسهل ضربة من المواطن الإسلامية الأخرى..ولتحقيق هذه الغاية قطع الصهاينة والأميركان شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه عبر بن سلمان، تحت لافته الإصلاحات والانفتاح وما إلى ذلك من العناوين الجذابة والمغرية، وكنا، كما بعض المحللين والمتابعين قد أشرنا إلى بعض هذه الإجراءات والى خطورتها، واليوم نؤكد على تلك الخطورة، ونعيد التذكير بها، مادامت الأمور داخل المملكة السعودية تتحرك بهذه الاتجاهات وبشكل متسارع. ففي جديد هذه الإجراءات، يقول إيتمار المراسل السياسي لصحيفة يدعوت إحرونوت، أن "الرابطة اليهودية ضد التشهير في الولايات المتحدة، أجرت بحثاً شاملاً حول الكتب الدراسية الجاري اعتمادها في السعودية، وثبت لها أنها كتب تبث الكراهية والتحريض ضد اليهود، ذلك رغم العلاقات السعودية الإسرائيلية الجيدة كما يقول هذا البحث، ويبدو أن واضعي هذه الدراسة أبدوا استغرابهم لوجود بعض المصطلحات والعبارات، التي يعتبرونها معادية للصهيونية رغم هذه الحميمية التي يبديها بن سلمان والنظام السعودي للكيان الصهيوني، وتشير هذه الدراسة أو البحث إلى بعض من هذه المصطلحات، من مثل "الصهيونية تسبب" بالأمراض الجنسية في العالم الإسلامي"،"الاحتلال اليهودي يريد هدم المسجد الأقصى، "إسرائيل تريد إقامة نظام حكم يهودي عالمي".. إلى آخره. وأشار المراسل إيتمار إيختر إلى أن الدراسة جاءت تحت عنوان "تعليم الكراهية والعنف.. مقتطفات من كتب الدراسة السعودية للسنة الدراسية 2018 -2019، حيث أجريت على هذه الكتب بحوث تحليلية، خلصت إلى النتيجة المشار إليها. ولذلك طالب معدو هذه الدراسة بأن "تقوم الولايات المتحدة بإلزام السعودية بإتباع المعايير العالمية في المناهج الدراسية، لأن الإدارة الأمريكية لن تستطيع غض طرفها عن المسار المعادي للسامية الذي تعيشه المملكة، وتربي عليه أطفالها وطلابها في المراحل الأساسية في المدارس" على حد ما جاء في هذه الدراسة.
جوناثان غرينبلاث رئيس الرابطة العالمية ضد التشهير، معد هذه الدراسة قال إن "السعودية تعهدت للولايات المتحدة بإزالة كل المقاطع والمقتطفات غير المتسامحة مع بدء العالم الدراسي 2008، لكن تبين بعد مرور عقد من ذلك التاريخ أن المملكة لم تلتزم بذلك التعهد، حتى أنه في سبتمبر الماضي تحدثت أوساط سعودية رسمية للمشروع الأمريكي أن كل التحريض في الكتب الدراسية لم يعد قائماً، لكن هذا البحث يقدم حقائق مغايرة".
أما ديفيد أندرو فيانبيرغ، مسؤول الشؤون الدولية في الرابطة المذكورة، فقال إن "السعودية أجرت عدة إصلاحات واضحة في المجلات الاجتماعية والدينية في السنوات الأخيرة، لكنها لم تتخذ بعد خطوات مرتبطة ببث مفاهيم الكراهية ضد اليهود في مناهجها الدراسية، بل إن بعضها تشجع العنف ضدهم". وما تقدم يكشف المنهج الذي يتعاطى به الصهاينة مع المطبعين، فهذه التصريحات لا تشير إلى إن النظام السعودي لم يغير تلك المناهج الدراسية، إنما العدو في كل مرحلة يرفع سقف المطالب لإلزام الطرف الآخر، حتى الوصول إلى السقف الذي يريده العدو، وهو غسل الذاكرة التاريخية للأجيال، وتغيير الهوية الفكرية والدينية، ليجري تعميمها على الدول المطبعة الأخرى..والى ذلك يكشف ما تقدم الجهد الضخم الذي يبذله الصهاينة والأمريكان في السياق المذكور، ما يتطلب كل ذلك تحرك جاء من قبل نخب وعلماء الأمة ومثقفيها، وكتابها وإعلامييها، لفضح هذا النظام وخطورته على الأمة وعلى مستقبلها، لأنه بات الأداة التي يستخدمها الصهاينة والأمريكان وكل أعداء الأمة، في مواجهة هذه الأمة، على كل الأصعدة، وتجدر الإشارة إلى ضرورة مثل هذا التحرك، لأن الأمة أو أكثر قطاعاتها الاجتماعية باتت مهيأة للتجاوب مع هذا التحرك، لأن الأمة أو أكثر قطاعاتها الاجتماعية باتت مهيأة للتجاوب مع هذا التحرك إن حصل، على خلفية الوعي العالمي الذي تتمتع به حول حقيقة آل سعود وعمالتهم وتحالفهم مع العدو الصهيوني، وحول افتضاح إرهابهم ودمويتهم، وما كشفته مظاهرات الاحتجاج والرفض لبن سلمان في تونس والجزائر، خير دليل على ذلك.
ارسال التعليق