الأنظمة العربية الخليجية... وسياسية التخويف والإرعاب الأمريكية والصهيونية
[عبد العزيز المكي]
يبدو ان الوضع العربي الرسمي في بعض الدول العربية وصل درجة من الانحطاط والتردي بحيث نشهد هذه الأيام تسابقاً بين وسائل الإعلام السعودية والإمارات لنيل "الخطوة" والفوز بلقاء مع مسؤول صهيوني، أو بتصريح لـ "بنيامين نتنياهو" أو طرباً وابتهاجاً! نعم انه زمن الانحطاط لهذه الأنظمة المتهالكة في الهرولة وللارتماء في أحضان العدو تحت مسميات "التطبيع والتعاون" وما إلى ذلك من العناوين!!
على أية حال، موقع "ايلاف" حقق تلك "الخطوة" وفاز بلقاء خصه به في 17/10/2020 رئيس شعبة البحوث في الاستخبارات العسكرية الصهيونية "درور شالوم"، وللاشارة ان هذا الموقع وصاحبه المتصهين "عثمان العمير" كان قد "تشرف" بلقاء وزير الدفاع وزعيم تيار أبيض ازرق الصهيوني الذي يتقاسم مع نتنياهو اليوم الحكومة "بيني غانتس"، فهذا الموقع لا يستضيف الّا المسؤولين أو كبار المسؤولين الأمنيين في الكيان الصهيوني! وحينها كان غانتس وجه رسائل وتهديدات تركزت حول ما يسمونه "الخطر الإيراني" بحيث نفخ هذا الخطر المزعوم على دول الخليج العربية وجعله "خطراً ما حقاً" ان وجد، يقف شبحاً على أبواب أنظمة هذه الدول يتهددها بالسقوط صباحاً مساءاً!!
وعلى نفس الشاكلة جاء لقاء درور شالوم، فقد بدأ حديثه لهذا الموقع "ايلاف" عن الخطر الإيراني المزعوم قائلا: "ان ايران تستطيع إنتاج قنبلة نووية خلال سنتين"!! واضاف هذا الصهيوني قائلاً "العالم لن يدعهم يصلون الى ذلك، وقد نكون نحن، "اسرائيل" لن تسمح لإيران بامتلاك قنبلة نووية بأي ثمن، والثمن سيكون حرباً شاملة وواسعة وسيلاً من الدماء في لبنان وسوريا وايران واسرائيل" وربما غزة وأماكن أخرى وسيكون هناك الكثير من القتلى" على حد زعمه وقوله. ويواصل هذا الصهيوني التخويف من ايران ويزعم أنهم- أي الايرانيين- لديهم خطة للاستيلاء على الشرق الاوسط!!
ثم يحاول تعزيز ادعائه بالقول "أنظر الى سوريا واليمن والعراق ولبنان وغزة، فهم يقدمون السلاح والتدريبات والأموال وعندهم فيلق القدس..." الى آخر كلامه!!
قضية التخويف الصهيوني لأنظمة الخليج العربية من ايران، باتت مرتكزاً اساسياً واستراتيجياً في استراتيجية العدو الصهيوني وفي خططه، لم تكن وليدة اليوم، وانما باشر بها العدو منذ اكثر من عقدين من الزمان، فلا تمر مناسبة ولا لقاء ولا اجتماع ولا حادثة تشهدها المنطقة، إلّا ويبرز الأعلام الصهيوني "بشيطنة ايران"، وعلى استحياء وفي بعض الاحيان، بالتجاهل في بدايات الحملة، فأن بعضها اليوم يتبنى هذه الاستراتيجية الصهيونية، سيما مملكة آل سعود والامارات والبحرين، لدرجة ان إعلاميي وسياسيي هذه الدول فاقوا الصهاينة وزادوا عليهم في تبني هذه المزاعم، ورأيناهم اليوم وقبل اليوم يرددون ما يردده المسؤولون الصهاينة حول هذا الخطر المزعوم من ايران على هذه الدول، الأمر الذي يشير للاسف الى نجاح الصهاينة في تسويق بضاعتهم تلك على هذه الانظمة! الى الحد الذي بات فيه المسؤولون في هذه الانظمة يصدقون تلك المزاعم الصهيونية ويبنون سياساتهم على أساسها، وهو ما جعل الكيان الصهيوني يوظف تلك المقولات لخدمة مصالحه ومنافعه!
وفي الحقيقة ان سياسة تخويف الانظمة العربية وخاصة الخليجية لم تكن بضاعة صهيونية، بل كانت وما زالت بضاعة أمريكية دأبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة وحتى اليوم على تسويقها في أسواق هذه الانظمة المرعوبة، فرغم ان هذه الأخيرة منحت المستعمر الامريكي كل ما يريد، ووضعت كل أمور ومستقبل شعوبها وبلدانها تحت سطوة وعبث هذا المستعمر الأمريكي، الّا ان الأخير دأب على تسويق بضاعة الخوف والارعاب لها، بدلاً من تطمينها واشعارها بالأمان والاستقرار بحمايته ففي الفترات السابقة، ظل الأمريكي يخوف هذه الانظمة من الاتحاد السوفيتي قبل انهياره وتفككه ويرعبها من المد الشيوعي في ذلك الوقت، في حين يعلم الخبراء والمطلعين ان أغلب الاحزاب الشيوعية التي نشأت في الدول العربية هي من صنع بريطاني، وليست من صنع سوفيتي! واستطاع الأمريكي بل نجح، وبواسطة هذا العدو الوهمي توظيف كل إمكانات هذه الدول المالية والنفطية والجغرافية وحتى الدينية، في مواجهة الاتحاد السوفيتي، ولعل أوضح مفاصل هذا التوظيف ما حصل في أفغانستان، في عقد الثمانينات، حيث حشدت أمريكا المقاتلين الإسلاميين بدعم وتمويل وتغذية ورعاية فكرية سعودية، تحت لافتة الجهاد ضد الكفار وبقية القصة معروفة!! كما خلقوا لهم بموازاة الخطر الشيوعي خطر القومية وجمال عبدالناصر، ووظف البريطانيون والأمريكان كل الامكانات الخليجية، سيما السعودية في اضعاف مصر وعدم السماح لها بتنمية قوتها العسكرية والاقتصادية حتى لا تشكل تهديداً للأمن الصهيوني..
وبعد تلاشي هذه الأخطار المزعومة بهزيمة وتفكك الاتحاد السوفيتي والأحزاب القومية وما إليها، اختلق الأمريكان عدواً آخر هو إيران، والإسلام "الراديكالي" بحسب تسميتهم، ومنذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 وحتى اليوم يواصل الأمريكان ومعهم الصهاينة بالنفخ في هذا الخطر المزعوم، حتى صدق هؤلاء هذه الكذبة للاسف، واليوم، كما قلنا يوظف الأمريكان والصهاينة هذا الخطر المزعوم في جني المنافع! وهي كثيرة نذكر منها ما يلي:
1ـ أشغال الشعوب في تلك المنطقة بالتفكير بهذا "العدو والخطر" المزعوم، وإلهائها عن مراقبة ومحاسبة الأنظمة عن التفريط بالأموال، وبالسيادة، وبالتنمية على خلفية الخوف من هذا الخطر الوهم، بل ومحاولة إقناع او على الأقل إسكات الشعوب عما تقوم به هذه الأنظمة خدمة لأمريكا ولكيان الصهيوني، ثم تبرير كل هذه الخدمات والتفريط بالسيادة وبإمكانات البلد تحت لافتة الحماية من هذا الوهم الذي زرعه الصهاينة والأمريكان في نفوس هؤلاء!! وما نشاهده اليوم من حملات إعلامية أمريكية وغربية صاخبة لتسويق تطبيع هذه الأنظمة، واندفاع الأخيرة بعيداً في توطيد علاقاتها وتعاونها مع الكيان الصهيوني، وما نشاهده أيضاً من حملات إعلامية لأبواق هذه الأنظمة المطبعة لتسويق التطبيع، الّا تأكيدا على هذه النقطة، فهذه الحملات نلاحظها اليوم تركز على محورين لتحقيق ما اشرنا اليه من أهداف، المحور الأول، هو التركيز على ما يسمونه "الخطر الإيراني" بالزعم ان التطبيع والتعاون مع الكيان الصهيوني سوف يحمي هذه الأنظمة من هذا "الخطر" المزعوم، وأنهما اي التطبيع والتعاون مع العدو سوف يقلبان المعادلة العسكرية والأمنية لصالح الأنظمة المطبعة في المنطقة!! وسوف يحد من ما يسمونه التوسع الإيراني في المنطقة، وبالتالي تهديد هذه الأنظمة، أي ان هذا التعاون سوف يحد من "الخطر الإيراني" المزعوم على تلك الأنظمة!! أما المحور الثاني، فهو يتمثل بتركيز الحملات الإعلامية المشار إليها على ان التعاون مع العدو سوف يفتح عصراً جديداً على الدول العربية المطبعة، من "التنمية ومن التطور الاقتصادي والتكنولوجي والعلمي" وما الى ذلك،" من الأوهام والأكاذيب المراد بها تسويق هذا التعاون وخداع الشعوب بهذا التعاون وإقناعها بتقبله، في حين ان تجربتي التطبيع والتعاون الأمني والعسكري مع مصر والأردن، تؤكد ان بالأدلة القاطعة كذب وزيف هذه الأوهام.
2ـ سياسية التخويف والإرعاب الامريكية والصهيونية تستهدف إبعاد هذه الأنظمة عن شعوبها، وتدفعها الى الايغال بالفتك بها، وتشجعها على ملاحقة المعارضين، ولقد كشفت بعض الاوساط الأمريكية إن إدارة "دونالد ترامب" كانت على علم بقرار "محمد بن سلمان" في تصفية "جمال خاشقجي" وآخرين من المعارضين للنظام السعودي، والى الآن يدافع ترامب عن بن سلمان ويرفض معاقبته على جريمة قتل خاشقجي، كما تطلب منه بعض الأوساط السياسية الأمريكية، لأن السعودية تزود أمريكا بالأموال، التي الاقتصاد الأمريكي بأمس الحاجة اليها كما يبرر ترامب سكوته على تلك الجريمة! أما الصهاينة فهم الذين زودوا بن سلمان وبن زايد ببرامج متطورة للتجسس ولاختراق "الحريم" الشخصي لكل المعارضين لهذين النظامين المستبدين السعودي والإماراتي، كما اعترفت الأوساط الصهيونية والأمريكية والبريطانية، السياسية والاعلامية بهذا الدعم الصهيوني لهؤلاء المستبدين، بن سلمان وبن زايد من أجل التجسس على معارضيهم وتتبع حركاتهم ونشاطاتهم في داخل وخارج بلدانهم!! كل ذلك من أجل أن يزداد هؤلاء المستبدين بعداً عن شعوبهم، وكلما ازدادوا بعداً عن شعوبهم، فأنهم سيزدادون قرباً والتصاقاً بحماتهم الصهاينة والامريكية، وكلما ازدادوا التصاقاً ولجوءاً الى هؤلاء الحماة!! كلما أوغل هؤلاء الحماة في عمليات الابتزاز والحلب، والتوظيف وجني الفوائد والأرباح وعلى كل الأصعدة من هؤلاء المرعوبين والخائفين! ولو ان هذه الانظمة مالت الى العقل والحكمة، ببناء جسور العلاقة الحكمية مع شعوبها بدلاً من الارتهان للحماية الاجنبية للامريكي والصهيوني، لاستطاعت أن تؤمن استمرارية وجودها، وحمايتها من كل الأخطار الحقيقية والمزعومة، فحتى لو كان الخطر الإيراني صحيحاً فأن هذه الشعوب لو كانت علاقاتها مع هذه الحكومات على ما يرام فأنها سوف تدافع عن هذه الانظمة ولا تسمح لاي تدخل خارجي بشؤونها مهما كان، ما دامت هذه الانظمة تدافع عن مصالحها وعن سيادتها وعن مستقبل وهوية وكرامة هذه الشعوب، وامامنا تجارب كثيرة تؤكد هذا المنطق، كتجربة الشعب الفيتنامي والكوبي، وتجربة الشعب الفنزويلي المستضعف، فكم حاولت أمريكا اسقاط نظام فنزويلا المناوئ لسياساتها الاستعمارية، لكن التفاف الشعب الفنزويلي حول قيادته حال دون تحقيق أمريكا لأيّ من محاولاتها في النيل من النظام الفنزويلي، وكذلك في بوليفيا ودول أخرى كثيرة..
3ـ تستهدف هذا السياسة، حلب المزيد من الأموال، ولقد بات معروفا هذا الأمر للقاصي والداني، فالرئيس الامريكي دونالد ترامب قالها لاكثر من مرة نحن نحمي السعوديين، وبقية الانظمة الخليجية، وهم يدفعون لنا المال، ليس لديهم أي شيء غير الأموال!! وكما يعرف الجميع ان ترامب ذهب بعيداً في ترويع ودفع هذه الانظمة الى الهلع والارتجاف من سقوط اعتبره ترامب محتم بالادعاء، اننا بمجرد ان نرفع الحماية عنهم- السعوديين- فأنهم سيسقطون خلال عشرة أيام، ومرة قال اسبوعين!! ومرة قال سوف تتحدث السعودية الفارسية.. كل ذلك من اجل حلب المزيد من الاموال من هذه الانظمة بحجة الحماية! في حين ان العدو الحقيقي لهذه الانظمة، هو استبدادها وقمعها للشعوب وهذا ما قاله الرئيس الامريكي السابق "باراك أوباما" في أِحدى أحاديثه لمجلة "اتلانتيك" الامريكية، بالقول ان الخطر الذي يتهدد هذه الانظمة ليس من ايران، وانما من شعوبها، بسبب سياسات الاستبداد والقمع التي تتبناها هذه الانظمة ضد شعوبها وبسبب إهمالها التنمية وعدم القيام باصلاحيات اقتصادية وسياسية في بلدانها..
ونقول جازمين، لو ان النظام السعودي أنفق هذه الاموال الطائلة (450) مليار دولار التي اعطاها لترامب وتبجج بها هذا الأخير وباذلال الطرف السعودي، لو انفقت هذه الأموال على تحسين أحوال ومرافق الحياة للشعب الجزيري لوقف هذا الشعب مدافعاً عنيداً عن هذا النظام، ولما احتاج الاخير الى الاحتماء لا بامريكا ولا بالكيان الصهيوني.
واللافت ان الكيان الصهيوني، بات منافساً قوياً للولايات المتحدة في حلب الأموال من الدول الخليجية العربية على خلفية تسويق الخوف والرعب من "الخطر الايراني المزعوم" فالمسؤولون الصهاينة لا يخفون طموحاتهم وسيلان لعابهم على الاموال الاماراتية والسعودية في رفد اقتصادهم، وقد اعترف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بهذا الأمر صراحة! كما اعترف بقية المسؤولين الصهاينة، ووسائل الاعلام الصهيونية بأن لجوء الامارات الى التعاون والتطبيع مع العدو هو لحماية نفسها من "التهديد الايراني"، وليمكنها ذلك من"لعب دور اقليمي" في المنطقة!
ولكن نحن- الصهاينة – سوف نستفيد من أموالهم التي نطور بها اقتصادنا ونقوي بها جيشنا، وسوف يمنحوننا عمقاً جغرافياً واستراتيجياً في مواجهة ايران وحلفائها في المنطقة!! وهذا ما اكده أيضاً رئيس الموساد الصهيوني "يوسي كوهين"، حيث نقلت عنه صحيفة "معاريف" الصهيونية في 19 اكتوبر 2020، قوله "ان مسار التطبيع والعلاقات الثنائية مع دول المنطقة يساعد "اسرائيل" على مواجهة - ما سماه- بـ (محور الشر) الذي تديره ايران، والتصدي للمخاطر التي تمثلها، سيما البرنامج النووي، والإرهاب الشيعي، والتمدد الاقليمي" على حد قوله، وأضاف قائلا: "ان التطبيع والعلاقات الثنائية مع الدول العربية يفتح أمام "اسرائيل" آفاقاً جديدة على المستويات الاقتصادية والأمنية، الى جانب تدشين مناشط تعاون في كل المجالات" على حد قوله.
ومقابل ذلك هل يحمي الكيان الصهيوني والولايات المتحدة هذه الانظمة؟! أبداً لا، والشواهد والتجارب والادلة الحية اكثر من أن تحصى، لم يحميا الشاه الإيران "محمد رضا بهلوي"، وملك مصر "حسني مبارك"، ولا حاكم تونس "زين العابدين بن علي"، والقائمة تطول.. فكل هؤلاء الطواغيت خدموا أمريكا والكيان الصهيوني حد الرق، وعندما استهلكت أوراقهم رمى الأمريكان والصهاينة بهم، بل سقط بعضهم بأيدي أمريكية، وهكذا سيكون مصير هؤلاء المرعوبين والخائفين من الحكام العرب والهاربين نحو الحماية الامريكية والصهيونية، والحكيم من استوعب الدرس واستعبر.
ارسال التعليق