التطبيع السعودي الإسرائيلي.. بين التعليق والتوقيع
[حسن العمري]
كتب "تركي الفيصل" في صحيفة "الشرق الأوسط" مقالاً ردا على ما عبّر عنه الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب"، من توقعه انضمام السعودية لاتفاق تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل"، بعد إعلانه هذا التوافق بين تل أبيب وأبو ظبي قبل أسبوعين، قائلا: "إذا كانت أية دولة عربية يناهزها اللحاق بدولة الإمارات، فيجب أن تأخذ الثمن في المقابل (أي تعليق خطط إسرائيل ضم المستوطنات والذي نفاه نتنياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين جملة وتفصيلاً)، ولا بد أن يكون ثمنا غاليا..السعودية وضعت ثمن إتمام السلام بين "إسرائيل" والعرب!! (أي حل الدولتين.. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم)، وهو قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس، بِناء على مبادرة المرحوم الملك "عبدالله بن عبدالعزيز"- والكلام لتركي الفيصل.
قرن من التمهيد لقبول الكيان الإسرائيلي كدولة "غير محتلة ولها الحق في أن تكون" على أرض فلسطين المقدسة، تمنح كامل الحقوق السياسية والشرعية لتدمير قبلة المسلمين الأولى (المسجد الأقصى) لبناء "هيكل سليمان" المزعوم على أنقاضه وفق تصريح بخط يد الجد عبد العزيز تعهد الحفيد وبمعية الخونة من أعمامه بتنفيذه مهما كلف ذلك ثمناً، تدعمه في ذلك المؤسسة الدينية ورئيسها الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الذي "حرم القتال مع اسرائيل ويرحب بالتطبيع والسلام معها"- 23/01/2018 في مقطع فيديو نشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يجيب على سؤال لأحد متابعيه.
مقال تركي الفيصل بخصوص عملية التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، هو تعليق ملغوم بقوة نفاق جهرية يبغي إلقاء اللائمة على الآخر في المستقبل القريب حيث زيارة محمد بن سلمان إلى تل أبيب بتنسيق مع الإدارة الأمريكية، والتي سوف لن تكون سرية كسابقتيها بل سيتم الإعداد لها سياسياً واعلامياً وتلبس صبغة دينية بفتاوى وعاظ البلاط عبر منابر الجمعة والجماعة وفي مقدمتها منبر المسجد الحرام والذي افتتحه مهرج الحرم المكي شيخ الفتنة "عبدسلمان السديس" قبل أسابيع بإيعاز من كبيرهم الذي علمهم التزييف والتحريف الكاهن الأعظم الشيخ "عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ صاحب فتوى بعدم جواز القتال ضد "إسرائيل"، وإمكانية "التعاون مع جيشهم للقضاء على عدوهم اللدود "حزب الله" اللبناني"، واعتباره حركة حماس الفلسطينية "منظمة إرهابية"، وتحريمه "التظاهر الهمجي من أجل المسجد الأقصى"؛ ليحصل على جائزة الدعوة لزيارة الأراضي المحتلة وتهنئة خاصة من وزير الاتصالات الصهيوني آنذاك "أيوب قرا"- تشرين الثاني عام 2017.
لم يعد هناك وقت لترف الحدس والتخمين والتحليل، فقد باتت الأمور أوضح من ضوء الشمس حتى للأعمى فكيف إذا كان بصيراً وبإمكانه اختراق تبرير وحواجز التعمية الزائفة للسلطة السلمانية الحاكمة.. فكل ما يجري حولنا من تسارع خطى التحولات التطبيعية المتسارعة من قبل المشيخات "آبار النفط" الخليجية تنفيذ لما أملاه الراعي الأمريكي ليس إلا رداً للجميل الذي قام به بالحفاظ على العرش المهزوز وإنقاذ من يتصدره من ورطة محكمة العدل الدولية لتنشيره أعدائه في داخل المملكة وخارجها، وما "جمال الخاشقجي" إلا نموذجها الصغير الذي بانت عورته بفضل العداء التركي السعودي.
"بن باز" أول من مهد الطريق لآل سعود وعبدها في إطار التطبيع مع الكيان الإسرائيلي المحتل بتبريره، في سؤال وجه له عن الصلح مع اليهود ليجيب بالقول: "إن الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يلزم منه مودتهم ولا موالاتهم، بل ذلك يقتضي الأمن بين الطرفين، وكف بعضهم عن إيذاء البعض الآخر"- وفق موقعه الرسمي.. فيما "هيئة العلماء" وإبان الأزمة مع قطر في يونيو/حزيران 2017 لفتت الانتباه بإعلانها "أن من ينتمي الى ولاءات سياسية خارجية خرج عن مقتضى البيعة الشرعية"، موضحة أنه "يجب الأخذ على يده، صيانة لوحدة الصف والكلمة"، ما يطرح أكثر من تساؤل بهذا الخصوص ومنها أليس الإمارات والبحرين خرجتا من وحدة الصف وانتماء حكامهما الى ولاءات سياسية خارجية؟؟!!، فلماذا نرى صمت "هيئة العلماء" على هذا الخروج والولاء؟.
"الإعلام الدعائي لا يغير من الواقع الميداني شيئاً. فرغم كرنفال طائرة العال، التي هبطت في عاصمة عيال زايد، وتحمل اسم "كريات جات" المستوطنة الإسرائيلية، الواقعة غرب مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، والمقامة على أراضي بلدتي الفالوجي وعراق المنشية الفلسطينيتين المحتلتين عام ١٩٤٨ والتي شهدت أراضيهن دفاعاً عربياً مستميتاً عنها، بقيادة الزعيم العربي الخالد "جمال عبد الناصر"، واستشهد فيها ٢٥٠ جندياً عربياً مصرياً وسودانياً، إلى جانب مئات المقاتلين الفلسطينيين وعدة مئات من أهالي البلدتين.. ثم هبوط الطائرة في مطار أبو ظبي في ٣١/٨/٢٠٢٠ وهو تاريخ انعقاد أول مؤتمر صهيوني في مدينة بازل السويسرية عام ١٨٩٧، والتي لا تتعدى كونها مسرحية انتخابية لترامب يقودها صهره الصهيوني جاريد كوشنر.. لا تقدم ولا تؤخر ولن تحدث أي تغيير على حتمية زوال أنظمة الرجعية العربية والكيان الصهيوني، الآيلان للسقوط قريباً جداً" - قال أحدهم.
التطبيع السعودي الإسرائيلي قادم لا محال، وأنه ليس ببعيد بل أقرب مما يتصوره البعض رغم تطبيل الإعلام السلطوي بوجود اختلاف بين سلمان ونجله بخصوص التوقيت وليس جوهر المحتوى، لكن منشار آل سعود يستعجل ركوب الموجة لبلوغ العرش الذي أراق من أجله دماء الأقرباء قبل الأعداء، وزج بآلاف المعارضين من علماء ومفكرين وأكاديميين ودعاة ونشطاء من كلا الجنسين في السجون بعضهم بفتاوى "الخروج على الولي" والآخر بذريعة "مكافحة الفساد" وهو أكبر أفاعي الفساد وأكثرها إجراماً ونهباً لثروات شعب الحرمين وتدميراً لموقعها السياسي الاستراتيجي العربي والإسلامي، أرعن يجهل أبسط أمور العرش حيث القبضة الحديدة على المستوى الداخلي إلى جانب تورطه في مستنقع اليمن ووحله وكذا عدائه لدول الجوار العربي والإسلامي.
الرئيس الأمريكي ترامب يعرف بقراته الحلوب أكثر من غيره ولطالما أكد أن السعودية ستطبع مع "إسرائيل" وآخرها تصريحاته خلال حفل التوقيع الخياني بين الإمارات ورتويت نجل سلمان البحرين قبل أيام بقوله: "تحدثت إلى ملك السعودية سلمان الذي أكد لي أنه سيلتحق بركب التطبيع عما قريب!!، تزامن ذلك مع ما قاله مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين أن "هناك دولتين آخرتين ستعملان على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" قريباً ستكون السعودية أحداهما.. وكان الوسيط الصهيوني صهر ترامب "كوشنر" قد أكد مراراً أن "محمد بن سلمان" أبلغه بأنه مستعد للتطبيع مع "إسرائيل" في جميع المجالات إذا ما ضمنت الإدارة الأمريكية له العرش، وأضاف: السعودية ستكون من بين الدول التي قال الرئيس "دونالد ترامب" إنها ستنظم لقطار التطبيع مع "إسرائيل" قريباً.
رئيس وزراء العدو الصهيوني "بنيامين نتنياهو" قالها بكل صراحة أن "التطبيع الإماراتي هو زواج كاثوليكي بين المال الخليجي والعقل السياسي الإسرائيلي"، ووسائل إعلام عبرية سرعان ما كشفت النقاب عن إبرام أبو ظبي وتل أبيب اتفاقية تجارية تتيح للشركات الصهيونية فتح مكاتب ومصانع داخل الإمارات وسائر دول مجلس التعاون التي ستلتحق بركب التطبيع عما قريب وتصدير منتجاتهم لأسواقنا بعبارة (صنع في الإمارات).. وهنا بيت القصيد استغله العدو تحت عباءة حملة إعلامية عملاقة وضجيج دعائي مرتفع حمل يافطة "السلام العربي الإسرائيلي" الوهمي، رافق مسرحية التوقيع بين مشيختي أبوظبي والمنامة مع "إسرائيل" والولايات المتحدة؛ ما جعل من الصعب على الكثيرين، التمييز بين الغث والسمين.
مقال "تركي الفيصل" وصفه البعض "كلام حق يُراد به باطل"، يحمل الكثير من المعاني ويلوح بقبول "محمد بن سلمان" جميع عروض التطبيع شريطة تضمين العرش، وهو ما بدا من تصريحات وزير الخارجية "فيصل بن فرحان" في ألمانيا قبل أيام؛ هو "دعم" ملغوم يحمل الكثير من السموم ضد الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة وتحميلهم مسؤولية التطبيع الخليجي الإسرائيلي خاصة السعودي القادم، ومبرراً التحالف الخياني الإماراتي الصهيوني، ويضعه بشكل واضح في سياق الصراع مع قطر وتركيا وإيران.. تبرير مضحك ومخجل لا تستقبله العقول الناضجة ولا حتى المصابة بالزهايمر العضال، فكيف بتلك التي تحمل شعار "تحرير فلسطين" من النهر إلى البحر مهما طال الزمن وكثرت القرابين وتعاظمت التضحيات.. أليس الصبح بقريب؟!.
ارسال التعليق