النظام السعودية...والأبعاد الاستراتيجية لغزوة الحوثيين
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيفي تطور نوعي لافت قام الحوثيون بأكبر عملية عسكرية بالطائرات المسيرة، استهدفت في التاسع من شهر رمضان المبارك الموافق 14/5/2019، مواقع نفطية للنظام الرياض في عمق مملكته، حيث أغارت سبع طائرات بدون طيار تابعة لجماعة الحوثي قاطعة أكثر من ألف كيلومتر وأصابت محطتي الضخ البترولي التابعتين لشركة ارامكو، رقم 8و9، اللتين تقومان بدعم انسياب الزيت والغاز عبر الخطوط الناقلة للغاز والنفط من المنطقة الشرقية عبر محافظتي الداوودي وعفيف وتقعان على بعد 220كم و380كم غرب العاصمة الرياض، ووصفت الإصابة بأنها دقيقة، حيث أوقفت ضخ النفط من تلك المحطات إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، واعترف النظام السعودي بهذه العملية، حيث أعلن في حينها وزير الطاقة السعودي خالد الفالح " ان استهداف أنابيب النفط تم من خلال هجوم نفذته طائرات بلا طيار مفخخة، وتمت السيطرة عليه بعد أن خلّف أضرارا محدودة" على حد قوله وأضاف الفالح قائلاً " تعرضت محطتا ضخ لخط الأنابيب شرق- غرب الذي ينقل النفط السعودي من حقول النفط بالمنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على الساحل الغربي، لهجوم من طائرات (درون) من دون طيار مفخخة ونجم عن ذلك حريق في المحطة رقم 8، تمت السيطرة عليه بعد أن خلف أضراراً محدودة " بحسب زعمه.
واللافت أن النظام السعودي واخطبوطه الإعلامي، كذلك الإعلام الغربي، حاولوا ربط هذا الهجوم بالتوتر الذي تشهده المنطقة، وتحديداً بالتصعيد العسكري والإعلامي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، فكل هذه الأوساط، أوساط النظام السعودي والأوساط الغربية الإعلامية والسياسية، اعتبرت الهجوم رسالة " إيرانية " عبر بريد الحوثيين إلى أمريكا والسعودية!! وذلك لتحقيق عدة أهداف منها ما يلي:1ـ مصادرة حق اليمنيين في الدفاع عن بلدهم وعن شعبهم الذي يعاني منذ بدء العدوان قبل أربع سنوات من الحصار والتجويع والقتل وارتكاب المجازر المروعة بحق الأبرياء من هذا الشعب المظلوم، ذلك بتشويه العملية العسكرية الكبيرة ومحاولة تجييرها في أطار" التوظيف الإيراني"! الأمر الذي يصادر الحق المشروع لأبناء الشعب اليمني في الدفاع عن أنفسهم، والذي جاءت العملية تلك في إطار هذا الحق الذي كفلته القوانين والأعراف الدولية، وحتى الشرائع السماوية.2ـ محاولة توظيف العملية في إطار التحريض السعودي، لدفع الولايات المتحدة للمشاركة في الحرب ضد إيران أو ضد الحوثيين مباشرة، وأيضاً خلق مبررات لارتكاب المزيد من المجازر بحق الأبرياء بحجة الرد على هذا الاستهداف، وهو ما حصل فعلاً حيث قام هذا النظام المجرم والجبان بإرسال طائراته إلى صنعاء لترتكب مجزرة جديدة بحق أبناء الشعب اليمني، حيث مزقت بصواريخها الأمريكية أجسامهم النحيلة وحولتها الى أشلاء دفنت مع ركام المنازل المهدمة بفعل القصف الهمجي لهذه الطائرات!!
3ـ وإلى ذلك فإن النظام السعودي وبقية الجوقة المصطفة في خندقه، كل هؤلاء، حاولوا التغطية والتضليل على الأبعاد الإستراتيجية لهذه الغزوة الجبارة، والتي حققت أهدافها كاملة، لأن اتضاح هذه الأبعاد لدى الرأي العام داخل وخارج مملكة آل سعود له من الآثار والانعكاسات السلبية على النظام السعودي وأعوانه هائلة، ولذلك حاول هؤلاء التقليل من الأضرار والتخفيف من الأخطار التي تركتها هذه الغزوة، على النظام وعلى أعوانه.
قد يكون النظام السعودي ومرتزقته وحلفائه في العدوان، أو حتى سيدهم الأمريكي، فهموا أن الغزوة رسالة من المحور الايراني، لكن التركيز عليه بالشكل الذي أشرنا، يؤكد ما ذكرناه، فالغزوة هي قبل كل شيء رد يمني على جرائم العدوان بحق الشعب اليمني، وهي رسالة متعددة المعاني والاتجاهات والأبعاد للنظام السعودي وأعوانه، نشير إلى بعضها بما يلي:
1ـ غزوة الحوثي بالطائرات المسيّرة تعتبر، كما قلنا، وبإجماع أغلب الخبراء والعسكريين، نقلة نوعية في معادلة العدوان الذي فرضه بن سلمان وبضوء أخضر بل بقرار أمريكي صهيوني على الشعب اليمني، فهذه الغزوة تشكل بنظر الخبراء إنعطافة في معادلة العدوان لصالح اليمنيين، لاعتبارات كثيرة منها:
أولاً: أن النظامين السعودي والإماراتي ومن ورائهما أمريكا والكيان الصهيوني يراهنان على إنهاك المقاومة اليمنية عبر الاستنزاف العسكري وعبر الحصار الخانق براً وبحراً وجواً على الشعب اليمني ومنذ بدء العدوان، وعبر ارتكاب المجازر بحق هذا الشعب وبشكل مروع ومتكرر وسط سكوت وتواطئ دولي وأممي مع تلك الجرائم، وبالتالي فإن كل ذلك بحسب المعادلات المادية سوف يؤدي إلى انهيار كبير في صفوف الحوثيين وبقية الشعب اليمني، لكن تلك الغزوة وقبل ذلك، الصواريخ البالستية المتنوعة القدرات والمديات، أذهلت العدوانيين والعالم كله، بأنه رغم كل هذه المعاناة والكارثة الإنسانية، يفجر أبناء هذا الشعب مفاجآت صادمة للنظام السعودي ولأعوانه بإنتاج وصناعة وابتكار أسلحة قاتلة للخصم.
ثانياً: إن هذه الطائرات عبرت قرابة الـ1200 كم في أجواء مملكة آل سعود، واخترقت كل منظومات الأسلحة الأمريكية المتطورة المضادة للصواريخ والطائرات وبقية الأهداف الجوية دون أن تكشفها هذه المنظومات والغابات من تلك الأسلحة وتصل إلى أهدافها وتضربها بدقة وتوجه هذه الصفعة والصدمة غير المتوقعة لبن سلمان وللجوقة الملتفة حوله.
ثالثاً: التطور الهائل الذي شهدته صناعة الطائرات المسيرة لدى الحوثيين، ما يشير إلى أن الجماعة لديها قدرات خلاقة ومبدعة في المجال العسكري باتت قادرة على مفاجئة العدو بأسلحة مغيرة لموازين القوة بين الحين والآخر الأمر الذي يعني انه كلما استمرت الحرب والعدوان على الشعب اليمني، كلما زادت القدرات الخلاقة، تتفجر بين أوساطه، عن تطورات نوعية في مجالات الأسلحة والرد على العدوان، تترك بصماتها بوضوح على مجريات المعركة والميدان.؟؟؟؟رابعاً: أن هذه الغزوة باتت تؤشر بوضوح أن زمام المبادرة بات بيد الحوثيين فيما الخصم بات يتلقى الضربات، كما يؤشر إلى ذلك الضربات الصاروخية المتلاحقة لمواقع ولقوات الخصم، ويؤشر إلى ذلك أيضاً تطورات الميدان حيث أصبح ما التحالف ومرتزقته في موقف الدفاع، فيما الحوثيين يواصلون الهجوم على كل الجبهات تقريباً، وما شهدته جبهة الضالع دليل على ذلك.
ضربة الحوثي لمضخات نفط، شركة أرامكو، وإيقافها ضخ النفط من المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع، ليس الأولى من نوعها، فكان الحوثيين قد الحقوا خسائر فادحة بمؤسسات آرامكو في جيزان ونجران وفي المناطق القريبة من الحدود اليمنية، لكن الغزوة الأخيرة من القوة والدقة والتأثير ومن الناحية العملياتية، لأول مرة أشرت إلى حقيقة مرعبة للنظام السعودي وهي أن الحوثيين، بطائراتهم المسيرة وبصواريخهم باتوا تهديداً جدياً للاقتصاد السعودي، بمعنى آخر، أن معادلة العدوان لم تتغير من الناحية العسكرية لصالح الحوثيين وحسب، وإنما أيضاً من الناحية الاقتصادية، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن النظام السعودي يعتمد اعتماداً يكاد يكون كلياً على النفط ندرك ويدرك النظام السعودي فداحة الخطورة التي تنتظره أن هو تمادى في عدوانه على الشعب اليمني، فلم يبق النظام السعودي هو المهدد للاقتصاد اليمني بالحصار وضرب المرافق الحيوية في اليمن، إنما بات اقتصاده هو تحت مرمى النيران اليمنية، وهذا ما سيكون له تأثيرات جمة على النظام السعودي، فلابد أن يعيد حساباته لأن الهزات والصدمات والانهيارات الاقتصادية، باتت لا تنخصر في الساحة اليمنية كما في السابق، بل امتدت إلى ساحة مملكة آل سعود..
وإذا تحدثنا بالأرقام، فإن ضرب شركة آرامكو التي تعتبر شريان الحياة وعصب الاقتصاد في المملكة آل سعود، أدت إلى انخفاض المؤشر الرئيس للأسهم السعودية بنسبة2%وه ما تسبب بخسائر في القيمة السوقية الإجمالية للبورصة قدرت بـ10 مليارات دولار بحسب وكالة رويترز، في 15/5/2019، والذي أضاف، ونقلا عن وكالة CNBC الاقتصادية الأمريكية، فإن خسائر السعودية في اليومين التي حصل فيها استهداف لناقلات النفط في ميناء الفجيرة الإماراتي، ولمضخات ارامكو في الداودية وعفيف.. أن هذه الخسائر بلغت 21مليار دولار، وهناك أوساط اقتصادية قدرت خسائر السعودية بعد هذه الغزو بـ72مليار دولار.
ويقول المتخصص الاقتصادي، عاصم أحمد "إن التهديدات الحوثية المتواصلة للسعودية واستهدافها لشركة آرامكو وقبل ذلك للعاصمة الرياض، يربك الاقتصاد السعودي ويخفض من تصنيفه عالمياً ويؤثر على نموه".. ويضيف أحمد قائلاً: إن "مهاجمة آرامكو على وجه التحديد تصعيد خطير يستهدف عصب اقتصاد السعودية، ويخلق حالة من الرعب والقلق في أسواق النفط العالمية "... وبحسب رأي هذا الخبير وخبراء آخرين فإن هذا الهجوم أيشير بشكل واضح أن الحوثيين بإمكانهم إلحاق خسائر فادحة بمؤسسات آرامكو السعودية، وبالتالي ضرب العجلة الأساسية للاقتصاد السعودي وشلها، الأمر الذي يؤدي إلى شلل الوضع الاقتصادي في المملكة وهزيمتها اقتصادياً، والى رفع أسعار النفط إلى مستويات عالية، تشكل صدمة للاقتصادين الأمريكي والغربي. وبناء على ذلك فإن العملية النوعية لجماعة الحوثي تعتبر رسالة شديدة اللهجة للنظام السعودي وللنظام الإماراتي، وحتى لأميركا الداعمة لهما وللدول الغربية أيضاً التي تزوّد النظامين الآنفين بالأسلحة والمعدات العسكرية، مفاد هذه الرسالة، هو أن مؤسسات الضخ السعودي للنفط ومواقع شركة آرامكو أصبحت تحت رحمة صواريخ والطائرات المسيرة لجماعة الحوثي، وبات بإمكانهم تدمير هذه المؤسسات وإيقاف ضخ النفط وبالتالي ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وضرب كل الاقتصادات الأوربية والأمريكية فضلاً عن الاقتصادات السعودي والإماراتية، إذا لم تكف هذه الأطراف عن عدوانها الغاشم على الشعب اليمني وتوقف هذا العدوان وترفع الحصار البربري الذي يفرض أو تفرضه قوى العدوان المشار إليها على الشعب اليمني منذ بدء الحرب وحتى اللحظة.
والى ذلك، فإن النظام السعودي إذا ما تمادى في عدوانه على الشعب اليمني فإن الحوثيين سوف يواصلون ضرباتهم لعصب الاقتصاد السعودي، وهذا من شأنه أن يؤثر على إمداد النظام السعودي لجبهات العدوان بالأسلحة والمرتزقة نتيجة نقص الأموال، وأيضا يؤثر على الحماية الأمريكية للنظام السعودي، فبحسب الرئيس الأمريكي ترامب، فإن هذه الحماية تستقيم مع استمرار دفع النظام السعودي للأموال، وإذا ما توقفت أو حتى قلّت فإن النظام الأمريكي يتخلى عن هذه الحماية، وبالمحصلة فإن هذه التطورات وضعت النظام السعودي وبشكل جدي أمام مصير مجهول إذا لم يتدارك الأمور ويؤوب إلى رشده ويعيد حساباته بشأن العدوان وبشأن طموحاته في لعب " دور إقليمي ودولي" قيادي في المنطقة.
لعل من الأهداف غير المعلنة للعدوان السعودي الغاشم على الشعب اليمني، هو طموح النظام السعودي ليكون كلب الحراسة لخدمة المصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة والاضطلاع بدور قيادي لدول المنطقة سيما الدول العربية الخليجية، فكان هذا النظام يتوقع أن حربه على اليمن نزهة وسيسيطر على هذه البلاد، وتكون منصة لانطلاق دوره القيادي في خندق المواجهة الأمريكية مع إيران ومحورها، ولعل الذي يراجع الخطاب الإعلامي السعودي وأدبياته بعد شن العدوان على اليمن، يرى كيف أن هذا الإعلام كان يتغنى بالدور الجديد للنظام السعودي، وان الأخير غادر زاوية وموقع الانزواء والتفرج على ما يحدث من تطورات، إلى المواجهة والتحرك على كل الأصعدة لما أسماه الإعلام السعودي "تحجيم إيران" والتصدي "لنفوذها وعبثها" بالأمن العربي على حد زعم الخطاب السعودي. وبخلاصة كان هذا الخطاب يعج بمثل هذه المصطلحات، وبانطلاقة النظام السعودي، لكن فشل النظام في تحقيق أهدافه في اليمن، دفع بهذا الإعلام إلى التخفيف من حدة اندفاعته في الاتجاه المذكور، حتى اختفى نهائياً بعدما طالت الحرب وبات من الصعوبة بمكان على النظام السعودي وأعوانه الانتصار في حرب اليمن، وهذا ما اعترف به خبراء أمريكيون وصهاينة، سيما في ظل التطور الهائل الذي يحققه الحوثيين في اليمن على الصعد العسكرية والسياسية والإدارية.. ويبدو أن غزوة الطائرات المسيّرة الأخيرة دفنت والى الأبد أحلام بن سلمان ليكون صاحب الريادة والتأثير في المعادلات الإقليمية، وبات اليوم أكثر من أي وقت مضى يستجدي الحماية الأمريكية بإعلان الموافقة على إعادة انتشار القوات الأمريكية تحت عنوان "ردع إيران"، وذلك خوفاً من الخطر اليمني الذي أصبح شبحاً يلاحق آل سعود إذ لم يوقفوا هذه الحرب، فإن اليمنيين سيصلون إلى غرف نومهم في الرياض على محمل الجد، ما يعني كل ذلك ضربة إستراتيجية للنظام السعودي، بل تحول استراتيجي في المعادلة العسكرية والأمنية لهذا النظام البائس والى الأسوأ !
أكثر من ذلك، أن هذا النظام لم يفقد طموحاته في قيادة المنطقة وتطلعاته لذلك أيضاً وحسب، وإنما تعزز مأزمة بسبب شنه العدوان على الشعب اليمني أكثر من ذلك بكثير، فهو لا يستطيع التراجع عن العدوان، لأن أمريكا لا تقبل بذلك ولأنه يشكل هزيمة مدوية له، فيما الاستمرار في العدوان بات له أثمان باهظة ولعل أخطرها، تهديد وجود النظام نفسه.
كشفت الغزوة اليمنية، أموراً كثيرة، لعل أخطرها، أمران، الأول، هو زيف الحماية الأمريكية وهشاشة المنظومات الجوية التي أشتراها النظام من أمريكا بمئات المليارات من الدولارات للدفاع عن أجواءه، فرغم أن ترامب حلب النظام السعودي مئات المليارات من الدولارات مقابل حماية النظام من السقوط تقوم هذه الطائرات بتجاوز كل هذه المنظومات الدفاعية وتقصف أهدافها بدقة. أما الأمر الثاني، فهو تخلي أغلب الدول العربية والإسلامية عن التحشيد إلى جانب آل سعود، نظراً لانكشاف إجرامه بحق الشعب اليمني، وانكشاف أهدافه في خدمة المصالح الأمريكية الصهيونية، فذلك الحماس الذي شهدناه في بداية العدوان والتفاف بعض الأنظمة العربية والإسلامية حول قيادية آل سعود اختفى تماماً، لدرجة انه لن يتضامن معه في استهداف ناقلاته ومواقع مضخاته النفطية سوى الأردن والإمارات والبحرين ومصر، بل أكثر من ذلك أن الإمارات نفسها حليفة السعودية في العدوان على اليمن امتنعت عن الانسياق مع حملة التحريض السعودية ضد إيران، بعد عملية استهداف أربعة ناقلات نفطية في ميناء الفجيرة الإماراتي، ما يعني ذلك أن أكثر الدول العربية والإسلامية التي كانت السلطات السعودية تحلم بخندقتها في خندقها تركتها وابتعدت عنها بمسافة، بسبب حماقة بن سلمان وسياساته الطائشة، وانكشاف عمالته وتنسيقه الأمني والعسكري مع عدو الأمة الكيان الصهيوني.
ارسال التعليق