تراجيديا ترامب بين السعودية وكوريا الشمالية.. إستحقار وإحترام
[جمال حسن]
بقلم: جمال حسن
لأكثر من عشر مرات من نوعها، يكرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إستحقار وإذلال وإهانة آل سعود متحدثاً عن الحماية التي توفرها الولايات المتحدة للأسرة الحاكمة، للمرة الثانية خلال 10 أيام. حيث أعاد الكرة هذه المرة أمام تجمع لأنصاره في ولاية فلوريدا، بقوله "إن دولا مثل السعودية غنية جداً، وليس لديها شيء سوى المال، فأعتقد أن عليهم دفع المال مقابل الدفاع عنهم.. فهم يشترون كمية كبيرة من المعدات مقابل 450 مليار دولار، من بلادنا.. ويوجدون فرص عمل لشبابنا بأموالهم، هذا لا يكفي عليهم الدفع أكثر فهي دول غنية وعروشها بحاجة لحمايتنا”؛ حمايتها مِن مَن؟ ايران أم من غضب وسخط الشعب السعودي والأمراء الغاضبين الساخطين على سياسة أبو منشار؟!.
الرئيس الأمريكي المخبول دونالد ترامب نراه يتعامل مع حكام السعودية والبلدان الخليجية بشراسة ورعونة وإستحقار، ويطلق عليهم أقذر التسميات وأكثرها مهانة مثل "البقرة الحلوب" فيما يتحول الى "حمل وديع" في تعامله مع الزعيم الكوري الشمالي الشاب المعروف بجنون العظمة، ويحترم معه جميع أصول وقواعد اللياقة السياسية لا لشيء سوى أن لديه القدرة النووية والقوة العسكرية التي تهابها الولايات المتحدة الأمريكية الدولة العظمى في العالم، ناهيك عن إلتماسه بالقادة الايرانيين لإجراء حتى إتصال تليفوني معه لحلحلة الأزمة القائمة بين البلدين منذ أربعة عقود.
وكان ترامب قد قال في تجمع بولاية ويسكونسن (شرقي أمريكا) أواخر الشهر الماضي، إنه اتصل بالملك سلمان، وقال له: “أيها الملك، لقد أنفقنا الكثير ونحن ندافع عنك، وأنت تملك الكثير من المال”، حينها قال ملك السعودية: “لكن لماذا تتصل بي؟ لا أحد أجرى معي اتصالا كهذا في السابق”، فقال ترامب: “هذا لأنهم كانوا أغبياء”. كاشفاً من دفع سلمان مبلغ 500 مليار دولار كاش بعد هذه المكالمة بسويعات قليلة؛ فيما نراه يعلق على لقائه مع "كيم جونغ" الذي يهدد بين الحين والآخر بإبادة وحرق الولايات المتحدة بصواريخه النووية، فيقول ترامب: "أنه يشرفني أن التقي زعيم كوريا الشمالية تلك البلاد التي حققت حتى هذه الساعة أفضل مما حققته الولايات المتحدة.. والبلاد تحت الحصار منذ نصف قرن ونيف!!".
وتزامن مع إستمرار ترامب إستحقاره ومذلته لآل سعود، كشف المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون كوريا الشمالية ستيفن بيغان، أن الإدارة الأمريكية تناقش حالياً تقديم تنازلات محتملة لبيونغ يانغ، في وقت قال فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن أخطاء الماضي في قضية نزع الأسلحة النووية بشبه الجزيرة الكورية «لن تتكرر»، واصفًا زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، بالرجل "الكريم والنزيه"؛ فيما يصف سلمان ونجله بالبقرة الحلوب التي تدر على بلاده أموال بترول طائلة أوجدت ملايين فرص العمل للأمريكيين، في وقت يعاني منه الشاب السعودي البطالة وفقدان الأمل في الحياة حتى.. أنها مفارقة عجيبة لا يعيها إلا الحر والواعي.
ففي الوقت الذي تهدد كوريا الشمالية بالعودة الى سياسة "التطوير المتزامن" المعروفة باسم "بيوغجين" في مجال تطوير البرنامج النووي، في حال عدم رفع الولايات المتحدة للعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، وأن تحسن العلاقات بين بيونغ يانغ وواشنطن والعقوبات أمران لا ينسجمان"؛ نرى محمد بن سلمان يقول في مقابلة حصرية مع وكالة "بلومبرغ" الأمريكية: "العلاقات السعودية والأمريكية جيدة إذا نظرت الى الأمور بصورة عامة، لديك 99% من الأشياء الجيدة، وقضية واحدة سيئة، أنا أحب العمل مع ترامب، لقد حققنا الكثير ولدينا استثمارات ضخمة بين البلدين .. وعليك أن تتقبل من صديقك أن يقول أمورا جيدة وأخرى سيئة".
ترامب رجل أعمال لا يعرف للكلام الديبلوماسي طريقاً لكن نهمه للمال السعودي لا يزال قوياً، ويجيد الخلط بين إصطلاحات الإملاء على سلمان ونجله وإبتزازهما يوماً بعد آخر، وبين السياسة الستراتيجية القائمة بين النظامين منذ أكثر من ثمانية عقود لتكون النتيجة الحصول على مال أكثر يخدم إقتصاد أمريكا المتدهور ويحقق الوعود الإنتخابية التي أطلقها لتزيد من شعبيته المتردية والمنحدرة نحو الأفول في الوسط الأمريكي حتى بلغ المطاف بتهديده بإقالته وتقديمه للمحاكمة؛ يكرر بين الحين والآخر أنه "قُلت للملك سلمان لديك تريليونات من الدولارات ومن دوننا الله أعلم ماذا سيحدث.. السعودية معنا في أمانٍ تام، لكننا لا نحصل في المقابل على ما يجب.. ربما لن تكون قادراً على الاحتفاظ بطائراتك، لأن السعودية ستتعرض للهجوم، لكن معنا أنتم في أمان تام، لكننا لا نحصل في المقابل على ما يجب أن نحصل عليه "!!- من كلام ترامب أمام تجمع لأنصاره بولاية فرجينيا، في 29 سبتمبر الماضي.
أنها تراجيديا كوميدية مضحكة مبكية في آن واحد قائمة على قاعدة "معك دولار إذاً أنت تساوي دولار"، نجح في إنتهاجها الرئيس الأمريكي المخبول ترامب منذ دخوله البيت الأبيض حتى يومنا هذا متوعداً بتكرارها كلما أقتضت الضرورة وحاجة بلاده للمال السعودي لخلق ليس آلاف بل ملايين فرص العمل، فيما حكام الحجاز يعبثون بأمن وإستقرار شعبهم وشعوب الجوار ويستقوون عليها بإجرامهم داخلياً وإقليمياً وصراعات منطقة الشرق الأوسط خير دليل على سياسة تدخل آل سعود في شؤون الدول الأخرى وفي مقدمتها الحرب على اليمن الفقير المسالم التي تعيش عامها الخامس دون جدوى سوى حصد أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء جلهم من الأطفال والنساء.
تراجديا تعامل الرئيس ترامب مع كوريا الشمالية الفقيرة، بكل أدب واحترام لأن قيادتها تثق في نفسها وفي قدرات شعبها الملتف حول قيادته والداعم لقراراتها، ففرضت احترامها على أمريكا وغيرها، ولم تسع بيونغ يانغ لإسترضاء ترامب كما تفعل الرياض بكل ما أوتيت من مال وتنفيذاً لمخططات واشنطن الإجرامية في المنطقة وليس صفقة القرن آخر ما سيفعله آل سعود بنفاق وخيانة لشق الوحدة العربية وصف الأمة، فهو ديدنهم منذ قيام دويلتهم الأولى وحتى يومنا هذا، وفي الأساس أن وجودهم مرتبط بدعمهم لقيام الدولة الإسرائيلية ليس على أرض فلسطين فحسب بل من النيل الى الفرات كما أفصح عنه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل بقوله: إن "إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأول، والمشروع الثاني من بعده إنشاء الكيان الصهيوني بواسطته"- حسب مذكرات (حاييم وايزمان) أول رئيس للكيان الاسرائيلي.
الى أين سيذهب الرئيس الأمريكي ترامب بمحمد بن سلمان الشاب الأرعن والطائش ووالده المخرف والمصاب بالزهايمر العضال بمسلسل الإهانة والإستحقار والإذلال وإبتزاز بقرته الحلوب دون هوادة ودون رحمة ودون خجل، على الملء العام متقصداً في وقت يمكنه الحصول على كل ما يريد من الأسرة السعودية الحاكمة بسرية تامة مع إبتسامة طويلة وعريضة من الاحترام الكاذب لها في العلن؟؟!.. أما على الصعيد الداخلي فأستباح محمد بن سلمان دم أبناء جلدتنا وأشقائنا في السنابس بالقطيف مخلفاً عشرات الضحايا بين شهيد ومصاب ومعتقل، لا لشيء سوى التضليل على مسلسل إستحقارات وإهانات "ترامب" المتتالية يومياً وفي العلن يصحبه إبتزاز جديد لسلمان المجنون ونجله الطائش.
ارسال التعليق