ترامب يتراجع... والنظام السعودي يواصل التصعيد ويقرع طبول الحرب
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيفي تصريحاته التي أدلى بها خلال زيارته الأخيرة لليابان، في مؤتمر صحفي عقده مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يوم 27/5/2019، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب " لا أتطلع إلى الأضرار بإيران إطلاقاً، بل إلى دفعها للقول: لا إلى الأسلحة النووية " ما اضاف ترامب قائلاً " أعتقد أننا سنبرم صفقة..أعتقد أن لدى إيران قدرات اقتصادية هائلة، وأتطلع إلى السماح لهم بالعودة إلى مرحلة سيستطيعون فيها إظهار ذلك" ووصف ترامب الإيرانيين بأنهم " شعب عظيم " مشيراً إلى أن إيران يمكن أن تكون دولة عظمى مع نفس القيادة وتابع " لا نتطلع الى تغيير النظام، وبودي أن أوضح ذلك، نتطلع إلى غياب السلاح النووي ". وقبل ذلك كان ترامب قد أشار خلال لقائه برئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، إلى علاقات جيدة تربط رئيس الحكومة اليابانية وبلاده عموماً بإيران، مرحباً بسعي طوكيو إلى الاضطلاع بدور الوسيط بين واشنطن وطهران.. وقال "رئيس الوزراء كان بحث معي هذه المسألة، وواثق بأن إيران تريد التفاوض فأننا نريد أيضاً سنتبع ما سيحدث. ولا يرغب أحد، و أنا بالدرجة الأولى أن تحدث أمور مرعبة ".
واللافت أن التراجع في لهجة الرئيس الأمريكي إزاء إيران، إقترنت بتراجع على الصعيد العسكري، فعلى الرغم من أن الصحف السعودية والإماراتية تطبل وتضخم للتحرك العسكري الأخير في منطقة الخليج، إلا أن حاملة الطائرات لنكولن، التي أرسلها ترامب في ذروة التهديد لإيران، ابتعدت عن مياه الخليج بمسافة700كم، وهو ما اعتبره بعض الخبراء خطوة نحو التهدئة، وان اعتبره البعض الآخر، على انه محاولة لتجنب الصدام مع الإيرانيين ونشوب حرب لا تريدها أمريكا وان هي لوحت بها مؤخراً..فهذا السياسي الكويتي البارز وعضو مجلس الأمة السابق ناصر الدويلة يقول في تغريدة له في 27/52016 " إن أحلام العظمة بدأت تتلاشى في الخطاب الإعلامي الخليجي- في إشارة للسعودية والإمارات- بسبب الخور الذي ظهرت فيه البوارج الأمريكية التي غادرت الخليج مذعورة بعد أن صارت الزواق الانتحارية ترافقها بالعشرات من كل جهة. ولو بدت الحرب قبل أسبوع لتم إغراق كل القطع الأمريكية خلال خمس دقائق فلا عظمة ولا سلام تعظيم للعظمى كله فشنق"..
وكما هو معروف، فأن التراجع الأمريكي على الأقل في مواقف ترامب نفسه جاءت بعد التصعيد من جانب هذا الأخير، وتهديد إيران بإنهائها رسمياً، ورافق هذا التهديد بإرسال حاملة الطائرات العملاقة " لنكولن " وأربعة من القاذفات الاستراتيجية بـ52، وأخيراً وليس آخراً إرسال1500 أمريكياً إضافياً إلى المنطقة، وما إلى ذلك...
ولكن رغم هذا التراجع الأمريكي بعد التصعيد ودعوات ترامب المتكررة للحوار، إلا أن النظام السعودي ووسائل إعلامه ومحلليه السياسيين والإعلاميين ما زالوا يصرون على التصعيد ودفع المنطقة إلى مزيد من التوتر، والتحريض الحثيث على دفع الولايات المتحدة نحو شن الحرب ضد إيران، دون الالتفات إلى ما ستتعرض له مملكتهم وبقية الدول الخليجية التي تدور في فلكهم أو تقف في خندقهم، أو قصد البحرين والأمارات.. ودون الالتفات إلى ما سيلحق بالمنطقة من دمار وخراب مثلما لحق بالعراق وبالمنطقة ككل عندما شن بوش الابن الحرب على العراق في عام2003م بل أكثر من ذلك، أن حتى اسرائيل نفسها توقفت في الأيام الأخيرة عن التحريض لإشعال الحرب، فيما النظام السعودي وأبواقه الإعلامية يواصل هذا التحريض!! ففي هذا السياق قالت صحيفة "اليوم" في 27/5/2019 " أن محاولة الخروج من النفق الذي دخلت فيه إيران بفعل سياساتها الغوغائية والخاطئة من خلال تصدير ثورتها الدموية إلى كل مكان والتدخل السافر في شؤون دول المنطقة ودعم التنظيمات الإرهابية في اليمن والجنوب اللبناني وسوريا والعراق لا تبدو مجدية بعد أن بلغ السيل الزبى ووصلت الأوضاع إلى مراحلها المتأججة الحالية وهي أوضاع تستدعي بالضرورة الاستعداد العسكري لردع العدوان الإيراني" أعلى حد قول ومزاعم هذه الصحيفة التي تابعت في مقالها الافتتاحي متوعدة بشن الحرب على إيران، إذا لا مناص بحسب الصحيفة عن تلك الحرب، معتبرة ان التحركات التي تقوم بها الدبلوماسية الإيرانية للخروج ما أسمته الصحيفة (النفق المظلم ) باتت غير مجدية، في إشارة الى المبادرة التي طرحها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بتوقيع معاهدة عدم اعتداء بين إيران وجيرانها..والى ذلك فأن المحللين السعوديين المحسوبين على النظام السعودي يتحدثون بحماس على شاشات التلفزة، سيما قناة العربية وقناة سكاي نيوز الإماراتية، وقناة روسيا العربية، وغيرها، يتحدثون وكأن الحرب ستقع غداً في المنطقة وان " القرار" بإشعالها قد اتخذته أمريكا وحلفاؤها الخليجيون!!
إصرار النظام السعودي على مواصلة التصعيد والتوتر في المنطقة، رغم التراجع الأمريكي عن لغة التهديد، أثارت استغراب وتساؤلات المحللين والمراقبين، سيما وان الطرف الآخر، أبدى استعداده من هذه الفرصة ويبدي استعداده للحوار لنزع فتيل التوتر واحتمال نشوب الحرب في المنطقة، في الوقت الذي طلب السيد الأمريكي هذا الحوار مع إيران؟
سؤال يمكن الإجابة عليه بما يلي في الاحتمالات التالية:-
1ـ لعل الأمريكان أناطوا مهمة التصعيد بالنظام السعودي، بل هناك من يؤكد هذا الأمر، واذا كان الأمر كذلك، هناك احتمالات كلاهما يعودان بالضرر على النظام السعودي وعلى مملكته، الاحتمال الأول، ويتمثل في أن أمريكا قد تكون توصلت إلى حوار ومن ثم إلى اتفاق مع إيران، ومن شأن ذلك، أن يكون على حساب النظام السعودي، فيمكن أن تكون هناك اتفاقيات وأمور يتوصل إليها الأمريكي والإيراني، قد لا تصب في مصلحة النظام السعودي ولا في مصلحة مملكته، مثلما اعتقد هذا النظام بأن الاتفاق النووي جرى من وراء ظهره، وان إدارة أوباما ضربت بعرض الحائط صداقتها وتحالفها مع النظام السعودي، وجعلت هذا الأخير مكشوفاً، وإذا صح هذا الاحتمال، فأن ذلك يعني أن الولايات المتحدة لا تكترث لمصالح عملائها، بل أكثر من ذلك يمكن أنها تتقصد بقاء التوتر بين السعودية وإيران، لأنها تحصل على الأموال الطائلة من النظام السعودي بحجة حمايته من "الخطر الإيراني المزعوم" الذي تتقصد أمريكا تضخيمه من أجل حلب البقرة السعودية بأقصى طاقة ممكنة!! أما الاحتمال الثاني فهو يتمثل في اشتعال الحرب بين أمريكا وإيران، بدون شك سيكون ميدانها الأساسي المملكة السعودية على خلفية التصعيد والتحريض الذي تواصله ضد الطرف الآخر، وبالتالي أن نصيب السعودية من النار والدمار، سيكون هائلاً، لأن الحرب سوف تلحق الدمار بكل الأطراف المتحاربة، وبدون شك أن النظام السعودي الذي لم يخض حرباً على نمط هذه الحرب إن نشبت، سوف لا يتحمل تبعاتها مطلقاً، وسيؤدي ذلك إلى تفكك مملكته وتقسيمها وتلاشي النظام نفسه.
2ـ إن هذا الموقف الذي يصر عليه النظام السعودي قد يكون الثمن، أو جزء من الثمن الذي يدفعه بن سلمان للنظام الصهيوني، لكن يضمن هذا الأخير وصول بن سلمان إلى عرش المملكة، من خلال تأثيره ونفوذه على السيد الأمريكي وبالتالي إقناعه بالموافقة على وصول بن سلمان إلى العرش، وهناك معطيات كثيرة تعزز هذا الرأي، فبالإضافة إلى رفع النظام السعودي راية العداء لإيران ومحورها، يواصل هذا النظام إجراءاته وممارساته المتلاحقة في الدفاع عن الكيان الصهيوني، وفي تحسين صورة الأخير، وتسويقه في المنطقة من أجل إقناع الرأي العام فيها، خصوصاً داخل المملكة، بقبول هذا الكيان، وبقبول التعاون الأمني والعسكري معه، ومن هذه المعطيات ما يلي:
أ- تبني النظام السعودي للطروحات الأمريكية الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية، ومنها صفقة القرن، وفي هذا الإطار تكفل النظام تسويق هذه الصفقة رغم إجحافها، وخير مثال على ذلك عقده المؤتمر الاقتصادي الخاص بالصفقة في البحرين في نهاية حزيران القادم.
ب- الدفاع عن الصفقة، والتسويق المتواصل للتطبيع العدو الصهيوني، ففي هذا السياق يقول الإعلامي والباحث السعودي المقرب من بن سلمان، والمعروف بتغريداته الموالية والمؤيدة لكيان الصهيوني عبد الحميد الحكيم في تغريدة له جديدة يوم 27/5/2019..يقول " مَنْ ينكر حق اليهود التأريخي بدولتهم إسرائيل إن وعد الله لهم بالأرض المقدسة، أرض جدهم يعقوب لموسى تحقق لهم عندما دخلها داوود وأسس مملكتهم وعاصمتها القدس وموقف بين إسرائيل يشبه المسلمين أيام النبي عندما خرجوا من مكة وهم في موقف ضعف ورجعا إليها وهم أقوياء فهل يعني ذلك أن مكة ليست للمسلمين؟ ".على حد زعمه ومقالته...وحاول هذا المتصهين إثبات مقولته ومزاعمه بذكر بعض الآيات التي تتحدث عن اليهود !!
متصهين آخر من جوقة محمد بن سلمان هو الدكتور سعد ناصر الحسين، سخر في تغريدة له يوم27/5/2019 من القضية الفلسطينية واستهزئ بالحق الفلسطيني في تعليقه على مؤتمر البحرين، وإعلان الفلسطينيين عدم حضوره بقوله " أصحاب القضية والقدس يرفضون المشاركة في مؤتمر البحرين. كل الفرص يخسرها الفلسطينيون منذ 48 وحتى الآن" على حد زعمه واستهزائه!! وكتأكيد على هذا التوجه من جانب بن سلمان، أي التطبيع مع العدو وجعله علنياً ومقبولاً، نُصبت في المدينة المنورة، وعلى مقربة من المسجد النبوي الشريف لافتة ترحب بزوار المدينة المنورة من الصهاينة باللغة العبرية، نشرتها بعض المواقع الصهيونية واثنت على تلك الخطوة أكثر من ذلك أن مندوب السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي يقر بأن مرحلة السرية مع الكيان الصهيوني انتهت وبات التعاون والتطبيع مع هذا العدو يجري علنياً، وذلك في تصريحاته التي أدلى بها في حواره مع صحيفة الاندبندنت العربية البريطانية يوم 28/5/2019، ومما جاء في هذه التصريحات قوله " السعودية أقوى وأكثر جرأة وصراحة من تفاهمات تحت الطاولة مع أي شخص أو مع أي جهة، مواقفها واضحة"، مضيفاً: نحن نقول لإسرائيل نمد يد السلام إليكم.."! يشار إلى أن رئيس جهاز الموساد الصهيوني السابق تامير بارد وكشف يوم 23/5/2019 عن العلاقة الوطيدة بين الموساد الصهيوني وجهاز المخابرات السعودي وعن التعاون بين الجهازين في المجالات الأمنية.. يضاف إلى ذلك، أن محلل الشؤون العربية في القناة الاسرائيلية13 بالتلفزيون العبري، تسفي يحز كئيلي قال إن قرار السعودية بالسماح لفلسطيني الداخل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بالعمل داخل أراضيها قد يدل على خطوة أولى نحو التطبيع! وكان رئيس أركان الجيش الصهيوني السابق غادي أيزنكوت قد قال العام الماضي في تصريح له انه " يوجد توافق بين الرياض وتل أبيب، السعودية لم تقاتل " إسرائيل" مستعدة لمشاركة المعلومات الاستخباراتية مع السعودية ". وذلك ما تؤكده دراسات الدكتورة مضاوي الرشيد التي بحثت في الوثائق التي أفرجت عنها الخزانة البريطانية، حيث عثرت على وثائق تؤكد العلاقة الوطيدة بين الكيان الصهيوني وآل سعود، ولكنها ظلت سرية واليوم العدو يريد لها أن تكون علنية بواسطة ما يقوم به حالياً محمد بن سلمان وجوقته الإعلامية عبر هذا التسويق الفج للعدو الصهيوني ولمفاهيمه ومواقفه، وكما قلنا، عبر تلميعهُ وتحسين صورته وإخفاء تجاعيد وجهه الدموية.
3ـ إن إصرار النظام السعودي على تصعيد وتوتير المنطقة، ثم هذا الاندفاع نحو إشعال الحرب، إنما هو نتيجة مكابرة هذا النظام وتضخم بن سلمان، فهذا الأخير، من يوم بروزه على ساحة البلاط السعودي وهو يحاول أن يثبت للأميركان والصهاينة انه الرجل المناسب في السعودية، الذي ينفذ مشاريعهم ومخططاتهم تجاه المنطقة، وانه سيكون كلب الحراسة لحماية المصالح الأمريكية والصهيونية في هذه المنطقة، وانه الأنسب ليجعل السعودية تلعب الدور الريادي على كل الأصعدة سيما العسكرية والأمنية والاقتصادية، في إطار الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، التي تستند بالدرجة الأساسية على الاعتماد على الوكلاء في المنطقة، ذلك أن التدخلات المباشرة كلفتها خسائر مادية وبشرية هائلة، كما هو حالها في تدخلها في العراق أو في أفغانستان، وقبل ذلك في فيتنام وما إلى ذلك.. واللافت أن بن سلمان لم يأخذ العبرة من إخفاقه في حرب اليمن التي أرادها منطلقاً ومنصة للعب هذا الدور المشار إليه، فتجربة السعودية في اليمن أثبتت باعتراف الاميركان وخبرائهم، أن النظام ليس بإمكانه لعب مثل هذا الدور، إنما عبارة عن بنك يمول المشاريع والمخططات الأمريكية فحسب.كما أن الفشل لم يتوقف عند مستنقع اليمن الذي غرق فيه بن سلمان، وإنما طال المجالات الأخرى، خاصة في محاولاته تجنيد الدول العربية وخندقتها في الخندق السعودي، لمنح "اللاعب" السعودي عمقاً وثقلاً يجعل الدور السعودي أكثر فعالية وتأثيراً، ولهذا قال سيمون هندرسون المحلل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، لوكالة الأنباء الفرنسية أن " العديد من الدول قد لا تكون راضية عن إيران وتصرفاتها في المنطقة، لكنها تفضل تجنب المواجهة أو اتخاذ موقف معادٍ ".
وعلى خلفية هذه الإخفاقات المتتالية، والاندفاع السعودي نحو التصعيد انبرى العديد من المحللين والسياسيين في دول الخليج العربية، لتحذير النظام السعودي ولتقديم النصائح له بالتراجع عن هذه السياسات المتهورة، التي تقود لا السعودية نحو الدمار والخراب فحسب، بل تقود كل دول الخليج إلى ذلك. ففي هذا السياق حذر السياسي الكويتي وعضو مجلس الأمة السابق ناصر الدويلة السعوديين من أن ترامب يكذب عليهم وان " إسرائيل" هي العدو الأول وان إيران تتقدم عليكم بالدبلوماسية، "لذلك ننصحكم بقوة إلى إعادة تقييم الموقف الملتبس أمامكم وفقاً لمصالحكم وليس لمصالح ممن يكذبون عليكم".. ولكن هل يسمع هذا النظام النصيحة ويتعظ ويجنب أهلنا في الجزيرة العربية ويلات الحرب ومآسيها!؟ نأمل ذلك.
ارسال التعليق