حصاد الراعي من قمة جدة و"بن سلمان" ذيل مسلوب الإرادة
[حسن العمري]
* حسن العمري
اكد الرئيس الأمريكي جو بايدن على هامش قمة جدة مساء الجمعة، إنه غير نادم على وصف المملكة العربية السعودية بـ"دولة منبوذة".. ليضيف التصريح الى رفضه مصافحة يد محمد بن سلمان فيما صافح والده الملك بحفاوة فور وصوله الى قصر السلام حيث انعقاد القمة الخليجية - العربية - الامريكية بمشاركة المنبطحين العرب؛ جملة قصيرة كانت كافية لتكشف مدى احتقاره مضيفيه آل سعود وانهم بقرات امريكا الحلوب، مسلوبة الارادة والقرار، ذيل وظيفته تنفيذ ما يطلبه منه سيده.. ثم اراد بكلماته وفعلته ايصال رسالة للشعب الامريكي تبرر لقائه ولي عهد سلمان الملطخة يده بدماء الابرياء من السعوديين والعرب على طول جغرافيا المنطقة العربية والاسلامية، وانه عند وعده السابق بأنه ربما يلتقيه لكنه لن يصافحه، ممهداً بعض الشئ لذلك خلال زيارته لفلسطين المحتلة.
محمد بن سلمان اعلن وقبل يوم من قمة جدة بفتح المجال الجوي السعودي أمام جميع الناقلات المدنية دون تمييز بما يشمل الرحلات من والى "إسرائيل" والتي كانت محل ترحيب الرئيس الأمريكي وتل أبيب التي كان يزورها لحظة اعلان الرياض هذا - وفق ما صرح به مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك إرميا سوليفان، مشدداً أن ذلك محل ترحيب واشنطن لانه سيجعل منطقة الشرق الأوسط أكثر تكاملا واستقراراً وأماناً هو أمر حيوي لأمن وازدهار الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وبايدن سيكون لديه المزيد ليقوله بشأن هذا التطور خاصة وأن رحلته التاريخية ستكون مباشرة من "إسرائيل" الى جدة.. كل ذلك قدمه ولي عهد سلمان كعربون تقبل قربانه عسى ولعل يحظى بعناق أو مصافحة على أقل تقدير من الرئيس الأمريكي لتذهب أحلام "المنبوذ" سدى في مهب الريح.
الرئيس الأمريكي لم يكتف بإشارته مرة اخرى الى أن السعودية "منبوذة" بل واطلق تهديد جديد لمن يحكمها بما يضمن مصالح امريكا القومية قائلا: "إذا حدث أي شيء من هذا القبيل (مقتل خاشقجي) مرة أخرى، فسوف يحصلون على هذا الرد وأكثر من ذلك بكثير"، كاشفاً للإعلاميين في جدة أنه أثار قضية خاشقجي في بداية الاجتماع.. مشيراً الى أنه تعهد بأن يجعل السعودية دولة "منبوذة" لدور ولي العهد وفق تقرير المخابرات الأمريكية، في مقتل جمال خاشقجي المعارض السياسي والصحفي في "واشنطن بوست" عام 2018.. وقال: "أنا لست نادما على أي شيء قلته. ما حدث لخاشقجي كان شائنا.. وقد أوضحت ما أفكر فيه في ذلك الوقت وما أفكر فيه الآن"، مشدداً انه جاء الى السعودية لحضور "اجتماع دولي" ليس إلا.
كتبنا في مقالنا السابق أن على سلمان ونجله تقديم الكثير من أجل إنجاح زيارة بايدن للمملكة، وتصريحات الأخير في جدة أوضحت الأمور أكثر فأكثر حيث "القمة" المزعومة كانت من أجل ضمان أمن "اسرائيل" ودورها القيادي في المنطقة العربية مستقبلاً ذلك المشروع الذي أفشلته حرب الـ33 يوماً على لبنان المقاوم بعد أن اعلنته كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك (مشروع الشرق الأوسط الكبير)، ليعلن هذه المرة على لسان الرئيس الأمريكي من أنه "سوف يكون هناك أعضاء جدد في التعاون بين دول المنطقة بما فيها إسرائيل.. سوف ندعم الشراكة مع الدول التي تلتزم بمبادئ النظام العالمي (الأمريكي الاسرائيلي)، وهو يعرف جيدا أن ذلك لن يحصل كما سابقه.
عن ماذا تبحث أمريكا من تحالفها الجديد التي تسعى لإقامته بتعاون البلدان الخليجية والعربية الوضيعة هذه المرة ?.. التحالف الدولي الذي أقامته واشنطن عام ٢٠٠١ بذريعة ضرب القاعدة دمر أفغانستان وتسبب في ولادة داعش وأخواتها ثم انتهى بتسليمها أفغانستان الى طالبان بعد أكثر من عقدين من الزمن من حرب ودمار وإراقة للدماء في ذلك البلد الإسلامي وغيره، فيما حلفها الثاني والذي أعلنته عام 2003 ضد العراق بذريعة اسلحة الدمار الشامل كذباً وبهتاناً وفق اعتراف كبار مسؤوليها فيما بعد، جعل من بلاد الرافدين أرضاً خصبة لظهور ما يسمى الدولة الاسلامية والارهاب التكفيري الوهابي، لتكتسح داعش مساحات واسعة منه ليقوم الحشد الشعبي بإفساد مخطط واشنطن وحلفائها البقرات الخليجيات السعودية وقطر والامارات، انتهى المطاف بالصراع فيما بين حلفاء النفاق والإجرام استمر اربع سنوات عزلة خلالها قطر عربياً.
الخبث الأمريكي لم ولن يقف عند هذا الحد لكن العرب أمة لا تقرأ واذا قرأت لا تفقه، حيث دخلوا في حلف أمريكا الجديد هذه المرة بتدمير ليبيا عام 2011 والتي لم تقم لها قائمة والصراع الليبي الليبي قائم حتى يومنا هذا على قدم وساق بأموال البترودولار الخليجي وسلاح الخردة الأمريكي البريطاني الفرنسي، وضحاياه ابناء الخايبة من عرب شمال افريقيا وغيرهم.. ولا زالوا قائمين على الحقد والكراهية المتجذر في عمق وجودهم ضد الأحرار والشرفاء في شبه الجزيرة العربية لتلحق بقرات البوفالو الخليجية هذه المرة في حلف العدوان ضد اليمن السعيد ووصية عبد العزيز تطنطن في أذانهم المصابة بالزهايمر والفرعنة والقتل وسفك الدماء، يغوصوا في وحل مستنقعها على مدى السنوات السبع الماضية تركهم سيدهم يعانون المر والويلات لوحدهم.
بايدن الذي ليس لم يصافح محمد بن سلمان فحسب بل ولم يعقد لقاء مشترك معه رغم ان الأخير كان قد رأس قمة كان يراد لها أن تعلن القيام بحلف بين الأنظمة المشاركة فيها وتل أبيب لردع ايران ودمج الكيان الاسرائيلي في المنطقة وأعطائه قيادة البقرات العربية عبر خطوات تطبيعية أوسع.. لكن الأمور زادت سوءاً وافشلت الرغبة الأمريكية في ذلك حيث مصر أول الدول التي نأت نفسها من هذا الحلف وسط هجوم غير مسبوق من وسائل إعلامها على الرئيس بايدن، وأن على القاهرة مواصلة التفاوض مع طهران علناً وليس سراً، والإبتعاد عن التورط في أي حرب ضدها، لأن ذلك ليس بمصلحة مصر وشعبها ولا ناقة لها فيها ولا جمل منبهة بما آلت اليه الأمور بسبب مشاركة القوات المصرية في العدوان على اليمن في العامين الأولين للحرب.
الأردن هو الآخر أعلن عبر وزير خارجيته ان ايران ليست عدوا، ونحن نرغب في فتح صفحة جديدة من العلاقات معها، فيما ذهبت دولة الإمارات الى ما هو أبعد من ذلك بارسالها سفيرا جديداً الى طهران لتوثيق العلاقات معها عشية قمة جدة، وتقيم سلطنة عمان والكويت وقطر علاقات وثيقة مع ايران.. فولد الحلف ميتاً لتبقى السعودية وحيدة في ساحة المواجهة مع ايران والمتراس الأول في التصدي للصواريخ والمسيرات الموجهة لكيان الاحتلال في الوقت الذي تلتمس بغداد لمواصلة التفاوض مع طهران لمساعدتها في الخروج بخسائر أقل كلفة والحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه من المستنقع اليمني، وطهران تحيل الأمر الى صنعاء باعتبارها الوحيدة صاحبة القرار.
الولايات المتحدة الأمريكية تعاني اقتصاداً منهاراً وما على قياداتها من الفيل والحمار سوى العمل على استحلاب البقرات الخليجيات أكثر فأكثر.. فسوق الأسهم الأمريكي يشهد انهياراً كبيراً هذا العام (2022) وخسائره بلغت أكثر من 7 تريليونات دولار وفق القيمة السوقية للأسهم القيادية في مؤشر ستاندرد آند بورز 500، الذي انخفض بنسبة 18٪ تقريبًا منذ نهاية ديسمبر/ كانون الأول، وبالكاد يكون فوق مستويات السوق (أي انخفاض بنسبة 20٪ من أعلى مستوى إغلاق أخير)، وكذلك انخفض مؤشر داو جونز بأكثر من 13٪ هذا العام ايضا.. حيث اكتست أسهم شركات التكنولوجيا الرائدة مثل أبل، مايكروسوفت، أمازون، وغوغل ألفابيت المالكة لغوغل وميتا الشركة الأم لفيسبوك وكذلك شركة تسلا كلها باللون الأحمر، وانخفض سهم نتفليكس بأكثر من 70٪ ، وهو الأسوأ أداء في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 هذا العام.
زيادة إنتاج النفط وضمان أمن الكيان الاسرائيلي الى جانب التوقيع على استثمارات سعودية جديدة واتفاقيات في مجالات الطاقة والاستثمار والاتصالات والفضاء والصحة بقيمة مئات مليارات الدولارات هو الهدف الأول والأخير من هذه الزيارة والقمة الشكلية كما كتبنا مسبقاً، رغم أنه لم يكشف عن القيمة الحقيقة لهذه الاتفاقيات خوفاً من ردود الفعل التي واجهتها اتفاقيات ترامب بقيمة 465 مليار دولار التسليحية والاستثمارية تلك لم ترى النور وبقيت حبراً على ورق مدفوع الثمن دون مقابل سوى دعم أبو منشار للبقاء في السلطة بعد جريمة خاشقجي لثلاث سنوات، ليأتي دور بايدن بسيناريو جديد لاستحلاب البقرة دون ضمان العرش لابن سلمان.. وهو ما توضح خلال خطاب الأخير الافتتاحي للقمة بقوله: ان إنتاج النفط السعودي وصل سقفه الأعلى (13 مليون برميل يوميا ويشمل الاستهلاك الداخلي)، أي انه لا يمكن زيادة هذا الإنتاج مطلقا في المستقبل المنظور، هذه الفقرة كانت الرد الأبلغ والأوضح على الهدف الرئيسي الذي جاءت زيارة بايدن لتحقيقه - وفق مراقبين.
ارسال التعليق