سلمان أحس بالخطر فقلب الطاولة ووأد الفتنة
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري البعض يعدّ الإنقلاب الأبيض الأخير الذي قام به سلمان بن عبد العزيز في تشكيلة الحكومة أنما يأتي تمهيداً لإعتلاء نجله الأرعن محمد العرش، فيما الحقيقة التي يراها الكثير من المراقبين للشأن السعودي تجافي بالكامل هذه الرؤية معللين هذه الإجراءات إنما تمت بعد الكشف المبكر للفتنة العائلية التي كان يسعى ولي العهد القيام بها في عزل والده في أقرب وقت وسط المعمعة القائمة ضد الرياض بسبب الانتهاكات الخطيرة في مجال حقوق الانسان.
الانقلاب الأبيض الجديد لسلمان في التغيير الجذري للحكومة السعودية هي في الحقيقة إعادة هندسة أوضاع السلطة التي كانت تنزلق من تحت قدمي الملك لسبب ما ذكرته إستخبارات أمريكية وغربية من مساعي ولي العهد للتسلط على السلطة المصاب بمتلازمة التوريث المرافقة له في جميع جولاته منذ سن المراهقة حتى يومنا هذا، فما كان من والده إلا أن يقوم بمثل هذا الإجراء ليعيد الاعتبار الى بعض فروع العائلة التي همشها نجله الطائش والأرعن بتعيين ممثل عن (أولاد متعب ، أولاد فهد، أولاد نايف، أولاد بندر، أولاد فرحان، أولاد طلال) لتلتف حوله مجدداً على البعد الداخلي.
يقول مراقبون أن أبن سلمان مرعوب جداً ويعض أصابع الندم، حيث سوف يتم خلعه وهو سرّ إنحسار ظهوره في إعلام بلاده منذ حوالي شهر، وهو ما يلاحظه المتابع للإعلام السعودي المحلي - وفي مقدمته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، مقارنة بالظهور والنشاط المكثف لابن سلمان في الفترة التي سبقتها. حيث بدت خانة "أخبار ولي العهد" في وكالة الأنباء السعودية خالية من أية أخبار تتعلق بأنشطته أو برامجه أو تحركاته المستقبلية، أو أية تصريحات صادرة عنه، أو حتى الظهور في أي محفل رسمي أو غير رسمي منذ 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
الانحسار المصحوب بالصمت فتح الباب واسعاً لتكهنات وسائل الإعلام الغربية والأميركية خاصة عن إمكانية إزاحة أبن سلمان عن منصبه وليا للعهد وإستبداله بأخيه غير الشقيق خالد بن سلمان سفير السعودية لدى واشنطن الذي عاد الى الرياض مؤخراً، والذي أستبعد الإعلام الأميركي إمكانية عودته للعاصمة الأمريكية مجدداً، مرجحا تعيين ريما بنت بندر بن سلطان بدلا منه كسفيرة لبلادها في واشنطن. فيما كشفت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية من أن هيئة البيعة السعودية أجتمعت مرة اخرى سراً خلال الأيام الماضية للبت في الموضوع، متوقعة أن يكون خالد بن سلمان هو الإختيار الأفضل في الظروف الراهنة التي تعاني منها المملكة داخلياً وخارجياً.
إقدام سلمان على تعيين شخصيات كانت قد تم إعتقالها بأوامر نجله محمد في فندق كارلتون الريتز بالرياض بتهمة الفساد وأبرزها وزير الخارجية الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف رئيس اللجنة السعودية السورية المشتركة؛ ثم إعادة إنشاء ديوان لرئاسة مجلس الوزراء بعد تعديل مواد من نظام المجلس حيث أصبح يضم الديوان الجديد الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء، والأجهزة المرتبطة بالديوان الملكي وإداراته ذوات الصلة بمهمات ديوان مجلس الوزراء، حيث يتولى الديوان المهمات ذوات الصلة بممارسة مجلس الوزراء ورئاسته اختصاصاتهما؛ كلها تهدف الى إصلاح ما أفسده ولي العهد السعودي بإفراطه بالإجراءات الداخلية والخارجية التي شوهت صورة المملكة في العالم، وسببت المتاعب الداخلية وتدهور العلاقات داخل العائلة المالكة.
صحيفة "الأخبار" اللبنانية نقلت عن مسؤول إماراتي قالت إنه رفيع المستوى، القول إن "قضية خاشقجي ستطيح بالأمير محمد بن سلمان"، وإن الملك سلمان "يتجه لتعيين خالد وليا للعهد"، متوقعا أن "يعتلي الأمير خالد العرش قريباً نتيجة تدهور الوضع الصحي للملك". وهو ما اشارت اليه صحيفة الصنداي تايمز البريطانية بعد شهر من فضيحة مقتل الصحفي المخضرم جمال خاشقجي داخل القنصلية بإسطنبول.
تصريحات وزير الخارجية السعودي الجديد إبراهيم العساف لوكالة "فرانس برس" والتي تعد أول تصريح له منذ تعيينه في منصبه الجديد، ملفتة كثيرة خاصة وأنه أشار بوضوح على إضطراب الحكومة السعودية بقيادة محمد بن سلمان دون الإشارة اليه بوضوح، بقوله: أن سبب التغييرات التي أجراها الملك سلمان بن عبد العزيز، وجود ضعف في دبلوماسية الرياض. حيث تواجه الرياض على المستوى الخارجي عدة أزمات تسبّبت بتشويه سمعة المملكة في العالم، وعرّضتها لعقوبات من عدة دول؛ بسبب تهم تتعلّق بانتهاك حقوق الإنسان داخلياً وخارجياً، أبرزها حربها في اليمن التي أوقعت أكثر من 10 آلاف قتيل، إضافة للاعتقالات التعسّفية لسعوديين بينهم 3000 آلاف من معتقلي الرأي، وآخرها التورّط بقتل خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.
سلمان يسعى جاهداً عبر التغيير الحكومي الأخير الى إنقاذ العرش الذي تحوم حوله شكوك كبيرة تدفع الكثير من أعضاء الأسرة الحاكمة الى التفكير بإعادته الى المربع الأول نحو تولي الأمير أحمد بن عبد العزيز ولاية العهد خلفاً لأخيه الذي أنقلب على شروط الأسرة الحاكمة بنقل السلطة الى أبنائه خلافاً لما كان سائداً طيلة العقود الطويلة الماضية، فيما نشرت صحيفة 'وول ستريت جورنال' تقريراً نقلاً عن بيكا واسر المحللة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة "راند"، قولها: على السطح يبدو أن الكثير قد تغير، إلا أن التغييرات مجرد عرض من قبل الملك للحفاظ على سلطته بعد أن هدده نجله محمد الذي حكم باندفاع وتهور، وتجاوز مؤسسات الحكم ووضعها في وضع خطير داخلي وأقليمي ودولي، وهو ما إستدعى إعادة الأمير خالد بن سلمان، السفير في واشنطن الى الرياض الذي لا يزال يمكث فيها.
صحيفة "التايمز" البريطانية وفي مقال بعنوان "أيام الأمير السعودي الشاب معدودة" كتب مايكل برلي، الآمال المعقودة على الأمير محمد بن سلمان كمصلح يداوي جراح المنطقة تسفر عن لا شيء.. الهوة بين الضجيج الإعلامي حول ولي العهد وحقيقته أصبحت جلية للغاية.. بعد سنة من ولاية العهد يبدو احتمال صعوده أقل تأكيداً، حتى أن والده الملك سلمان بن عبد العزيز بدأ يبدي بوادر تشككه في الأمر".
صراعات دموية على السلطة داخل العائلة المالكة السعودية، ساعدت في تغذية جنون العظمة والتهور عند ولي العهد محمد بن سلمان الذي يتطابق تخطيه الوحشي داخل آل سعود، مع سلسلة “لعبة العروش” التلفزيونية الخيالية حيث أمتدت تداعياته الخطيرة على معارضيه الى الولايات المتحدة والصين وسويسرا وبلدان أخرى. وقد أصبح أبن سلمان أكثر قلقا تجاه أولئك الذين يعتبرهم أعداء، ليبدأ بواسطة فريق من عملاء الاستخبارات السعودية، بتنظيم عمليات اختطاف للمنشقين في الخارج والداخل، وإحتجازهم في مواقع سرية، وتعذيبهم- وفق تعبير الكاتب ديفيد اغناتيوس في مقال رأي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية.
وغانم الدوسري يصف محمد بن سلمان قائلاً:
هذا الذي تعرف البارات وطأته والخمر تعرفه والكأس والسهر
هـــذا أبــن شر عباد الله كــــلهم هذا السجين اللعين الفاسد الأشر
قد طال ليلك يا حسناء فانتظري ليل الوليد الذي أزرى به القدر
ارسال التعليق