في الرد على توّهم الواهم في عودة زمن "الإخوان"
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
نقول لصاحب مقالة "من يراهن علىنهاية الصحوة ؟"، ويقصد بذلكأنّ عودة "الجماعة"؛ جماعة "الإخوان المسلمين"؛ واردة وأنّمن تصوّر نهايتها فهومخطىء، فهاهم يطلون برؤوسهم منثقب الأزمة الإقتصادية المتفاقمة فيمصر، وكذلك يفعلون فيأكثر منساحة دونأن يحددها، إلى أن يقول: و"أما في (السعودية) فنراهم يركبون علىزورق حقوقالإنسان، وهيالنغمة التييطرب لهامن يطربمن «الخواجات»"! ولا ندريلماذا أقحم (السعودية) فيذات السياق وهويتحدث عنالمسالك الإقتصادية التييستغلها "الإخوان" كمحاولة للعودة إلىالحكم؟ فهذاينطبق علىمصر وتونس ولاينطبق علىغير هذينالبلدين!
ثم إنّمحللنا العتيد والواثق مننفسه جداوالذي عارضما يسمىب "الربيع العربي" بجرأة وشجاعة وحذّر منه،ينتقد "تخدّر الوعي منجديد"، بعدعشرية منسقوط أحلام الإخوان، وهو يشيرإلى تحالف غريبلم يسبقأن عرفهتاريخ الجماعة، فيقول: "وهذا ماشجّع «الإخوان» وأنصارهم وحلفاءهم منمثقفي اليسار، وبعض الانتهازيين للفرص السياسية، ومن بقي من غوغاء الإعلام، على الظهور من جديد علناً"! فمتى كان للإخوان عبر تاريخهم المديد حلفاء بين مثقفي اليسار ؛ شيوعيين كانوا أو إشتركيين؟! التاريخ شاهد على أنّها كانت علاقة محكومة بالمفاصلة وبالتناقض وبالصراع والعنف في الجامعات، ولم ير مثقفو اليسار في الجماعة إلاّ كونها جماعة رجعية فاشية مرتبطة نشأةً وأدوارا بالإستعمار والإمبريالية.
وأما في صلب الموضوع وفي مقاربة السؤال السياسي هل عودة "الإخوان" في مصر تحديدا ممكنة؟ الجواب عن هذا السؤال يمر عبر حسم سبب سقوط الإخوان في مصر، فهل كان ما حصل إنقلابا دبره الجيش أم أن الجيش استغل إنتفاضة شعبية ضد حكم "الإخوان" وحسم الموقف بموافقة أمريكية؟ إنّ قيمة هذا السؤال هي في الكشف عن الرصيد الشعبي للإخوان من عدمه بين الجماهير، فضلا عن التحقق من مدعى مظلوميتهم المفترضة. فالذي حصل في سنة حكم "مرسي" أنّ الجماهير المصرية انتفضت على حكم الإخوان، وأنّ رصيدهم الشعبي إنحسر، بدليل أنّهم فشلوا في تحركاتهم من أجل إستعادة السلطة بعيد سلبها منهم، كما فشلوا على مدى عقد من حكم "السيسي" في تحريك الشارع وتثويره، وقد حاولوا ذلك مرارا، وضربوا مواعيد تاريخية لعدة إنتفاضات شعبية ضد حكم العسكر دون أن ينجحوا في ذلك فالشارع المصري لم يتجاوب معهم. لقد صاروا ورقة محترقة سياسيا وشعبيا وحتى الإدارة الأمريكية ليست غبية لتعود مرة أخرى و تستعملهم، فليس مجرد ما وصفه الكاتب من "حملات إعلامية على «تويتر» وبقية منصات السوشيال ميديا، وندوات ومؤتمرات" هي ما يؤشر على احتمال عودتهم للسلطة، حتى وإن وفرت لهم الأزمة الإقتصادية المتفاقمة في مصر فرصة للإستثمار السياسي وحتى لو قدموا أنفسهم على حد تعبيره "بوصفهم دعاة حرية وحقوق إنسان" !
وأما في تونس فقد رأينا إنكفاءً جماهيريا، إذ لم تبدر من الشعب التونسي ردات فعل بحجم ما أقدم عليه "قيس سعيّد" من إجراءات غير دستورية لسحب البساط من تحت أقدام الطبقة السياسية التي تحكم بإسم الثورة وفي مقدمتها "حركة النهضة" الإسلامية، وهكذا وجد "إخوان" تونس أنفسهم بلا غطاء جماهيري لمواجهة قرارات "سعيّد" ولم يكن معهم إلا أنصارهم السياسيين لما توسلوا الهبّة الجماهيرية لإعادة فتح بوابات البرلمان التونسي.
وخلافا لإدعاء صاحب المقال فلقد انتهى "الإخوان" وأفل زمن سلطتهم إلى غير رجعة. ويبقى السؤال عن سر هذا العداء "السعودي" للإخوان؟ العداء الذي ينسج عليه جمهرة من الكتّاب وفق ما يراه ويقرره الحاكم.
كما هو معروف تاريخيّا فقد كانت مرحلة المد الناصري في خمسينيات القرن الماضي، والذي أرهب حكم آل سعود، هي أهم مرحلة في تاريخ العلاقة بين نظام الحكم السعودي وبين جماعة الإخوان المسلمين، إذ لجأت إلى كنف الحكم السعودي أعداد لا بأس بها من كوادر الجماعة ومنتسبيها بعد ضربة جمال عبد الناصر لها عام 1954 وبعده، فقد تحول "الإخوان" إلى حليف سعودي في التصدي للدور الإقليمي لمصر الناصرية، كما قاموا بمشاغلة عبد الناصر وإستنزافه داخليا لمصلحة الحكم السعودي أثناء تدخله عسكريا في اليمن لدعم النظام الجمهوري ضد الملكيين بعد انقلاب 1962 . كما إستفاد _ على صعيد آخر- الحكم السعودي من كوادر الإخوان في مجالات التعليم والصحة والعمران. وبعد الغزو السوفياتي العسكري لأفغانستان في 27 كانون الأول 1979 إستفاد الحكم السعودي من الثقل الإخواني في حاضنته لأهداف حلف الولايات المتحدة- باكستان- (السعودية) ضد الغزو ولتشكيل ما يسمى ب "الأفغان العرب"، وللإنخراط في حملة واسعة على الشيوعية والشيوعيين في العالم، وهو ما تُوّج بهزيمة السوفييت وانسحابهم عام 1989، وهي الهزيمة التي مثلت انتصارا للولايات المتحدة الأمريكية في حربها الباردة ضد السوفيات وصولا إلى تفكك الاتحاد السوفياتي بعد عامين من تلك الهزيمة.
لكن مع تبني أمريكا لنموذج الإسلام التركي، وسعيها إلى تعميمه من مدخل ما سمي ب (الربيع العربي) في عام 2011، ووصول "الإخوان" إلى الحكم في كل من تونس ومصر، وكادت سوريا وبالتعاون مع تركيا أن تسقط في أيدي "الإخوان"، بدا للحكم السعودي أن الأمور تتجه لإعادة إحياء السلطنة من خلال الإستيلاء التركي على كامل المنطقة، وصولا إلى أعالي آسيا، وهنا كان القرار "السعودي" بالمناورة على المخطط الأمريكي (الذي كان قد حقق أهدافه في إضعاف دول "الربيع العربي)، وذلك عبر إستغلال الحالة الإعتراضية الشعبية الواسعة لحكم الإخوان وإيجاد عامل إقليمي مساعد في التخلص من حكمهم لمصر بإستغلال الأخطاء الكارثية التي وقعوا بها بدءً بالتفرد وإنتهاءً بالتخبط في الملف الإقتصادي، وهذا ما أنتج في الأخير صفقة أمريكية مع الجيش المصري وبدعم مالي سعودي مع ضمانات لصالح (إسرائيل)، جاءت ب "السيسي" إلى السلطة.
بعد هذا السقوط الدرماتيكي ل(الإخوان) في مصر ، سيأتي قرار ترسيم الحرب (السعودية) على جماعة "الإخوان المسلمين" في المرسوم الملكي الذي أصدره الملك عبدالله في يوم 7 آذار 2014 حيث تمّ تصنيف الإخوان «جماعة إرهابية» . القرار الذي لا يمكن إهمال أبعاده الإقليمية فيما هي المواجهة "السعودية" الإماراتية للمحور التركي القطري الداعم للإخوان قبل أن تجري مياه جديدة تحت جسر العلاقة بين حكم آل سعود وتركيا بعد زيارة محمد بن سلمان صيف عام 2022 لتركيا وإطلاق ما سُمي بحقبة جديدة من التعاون في العلاقات الثنائية بما في ذلك السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.
ارسال التعليق