مسيرة "الإصلاح" السعودية... كيف يدمّر بن سلمان أسس حكمه؟
[ادارة الموقع]
فائز مكي
يكثر الحديث مؤخرا عن الإصلاحات التي يقوم بها محمد بن سلمان في الداخل السعودي، إصلاحات متعددة الأوجه والأهداف، منها الاجتماعي والاقتصادي ومنها ما يخص مكافحة التطرف والإرهاب وهو العنوان الأبرز الذي يريد منه بن سلمان الوصول إلى القضاء على التطرف الموجود في الداخل السعودي حسب تعبيره. هي مواجهة بدأت تأخذ طابع الصراع بين الفكر الوهابي والفكر الليبرالي العلماني الذي يسعى الأخير لإدخاله إلى السعودية فما ستكون النتيجة؟
في الواقع ينطلق محمد بن سلمان في ما يسميه مسيرة الإصلاح من مبدأ إنكار حقيقة مهمة جدا، وهي أنّ سلطة آل سعود ونفوذهم بُنيت على قاعدة تجيير الفكر الوهابي في خدمة السلطة والسلطان، أو العلاقة البناءة بين الفقيه والسلطان كما يحلو للبعض تسميتها، حيث يهيئ الفقيه الفتاوى والأرضية اللازمة ليتمكن الملك من الحكم وتسيير أمور البلاد بحرية مطلقة.
يعود هذا الواقع إلى قرون خلت، وبالتحديد إلى عام 1745م حيث وقع اتفاق عُرف بميثاق الدرعية بين محمد بن سعود ومؤسس الوهابية محمد بن عبد الوهاب، هذا الميثاق بقي طيلة القرون الماضية ساري المفعول وأساس الحكم في مملكة آل سعود، وقد استفاد منه الملوك المتلاحقون من آل سعود في تثبيت أسس حكمهم ولطالما أعطاهم هذا الميثاق أفضلية على مشايخ الوهابية أنفسهم الذين اكتفوا بالتمتع بما يوفره لهم آل سعود من إمكانات وعطايا مقابل فتاوى غبّ الطلب كلما تطلّب الأمر.
اليوم يحاول محمد بن سلمان بوجهه الليبرالي الإصلاحي أن يستمرّ في نفس الممارسات والأسلوب القديم لآل سعود ولكن هذه المرّة دون الاستفادة من الوهابية. ظنا منه أن السلطة التي يمتلكها يمكنها الاستمرار دون هذا الداعم الرئيسي. بل وقرّر إزاحة الرموز الوهابية من وجهه وكأن الفكر الذي يتغلغل في كل تفاصيل الحياة في السعودية يمكن إزالته بمجرد اعتقال بعض الدعاة.
الحقيقة أن هذا الفكر الوهابي موجود في القوانين الحاكمة، والمناهج الدراسية وداخل عقول الكثير من السعوديين حتى أمراء آل سعود أنفسهم. وحقيقة أن آل سعود هم السلطان والحاكم المطلق مبنية بجزء كبير منها على قاعدة قبول الأفكار الوهابية في النظام الحاكم والمجتمع المحكوم. وأي مساس في هذا الأمر إنما في حقيقته تدمير للركيزة الأهم التي تحفظ وجود حكم آل سعود ومحمد بن سلمان نفسه.
في تصريح لافت لمحمد بن سلمان يُظهر مدى سذاجته السياسية، وفي سياق تقديم رؤيته للسعودية الجديدة وكيفية محاربة التطرف قال ما فحواه أن هناك 70% من الشعب السعودي دون 30 عاما، وأضاف: "بصراحة لن نقبل بأن نضيع 30 عاما أخرى من حياتنا في مكافحة الأفكار المتطرفة، بل سنقوم بتدميرها الآن وعلى الفور."
يتكلم بن سلمان بنفس تسلّطي يمكن إدراك سببه، وهو الأسلوب المتبع في الحكم منذ قرون والسلطة المطلقة المعطاة للملك وولي عهده، أمّا فكرة اقتلاع التطرف وتدميره فورا فهو يؤكد على سذاجته وافتقاره للحكمة السياسية؟ فهو يمسّ بأسس حكمه شخصيا. فليس هناك من مقومات حقيقية لدى بن سلمان تثبت حكمه سوى ما يريد اقتلاعه.
محمد بن سلمان يواجه مشاكل كثيرة في الداخل السعودي يظنّ أن بعض الحريات والانفتاح ستؤدي به ليكون الملك الحلم والنموذج للشباب السعودي. ويتناسى أن هناك في مواجهته شريحة كبيرة من الأمراء من أبناء عمومته هم أصلا على خلاف معه بسبب نقض أسلوب توارث السلطة من قبل أبيه سلمان.
هذا ناهيك عن سياسته في مواجهة القوى الإقليمية التي اتبعها منذ وصول والده إلى الملك، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه كان وراء سياسة ضخ ملايين البراميل من النفط في السوق العالمي مما أدى لتخفيض الأسعار بغية ضرب الاقتصاد الإيراني، وما تبع هذه السياسة من دخول السعودية في مواجهة أزمة اقتصادية لم تمرّ عليها في التاريخ. أزمة أجبرته على اتخاذ إجراءات تقشفية طالت شرائح واسعة من الشعب وزادت مستويات البطالة وأدت إلى فقدان الكثير من الشبان فرص عملهم.
الأمر الآخر الذي يؤكد أن بن سلمان ساذج ومجرد "دبّ داشر" كما وصفته بعض الصحافة العالمية، هو أن الأخير لم يحرك ساكنا إلى الآن بخصوص المعتقلين السعوديين من أصحاب الفكر الإصلاحي. كان من الأجدر به أن يحررهم بل ويجعلهم في صفّه لو أراد حقا نقل السعودية من التطرف إلى اللاتطرف. المسألة أنه يريد الأمور كما تحلو له هو. وبالتالي هكذا شخصية لا يمكنها تقديم أي جديد للسعودية إلا أمر واحد وهو تدمير الأسس التي يحكم من خلالها آل سعود طيلة هذه الأعوام.
عذرا من القرّاء على عبارة الدبّ الداشر ولكن الواقع أن هذه الصفة هي التي تصف حال بن سلمان بدقّة، فهو يدمّر حكمه بنفسه كالدبّ الذي أراد الحصول على قفير عسل متدلي من شجرة فقرّر بدل تسلقها أن يقطع الشجرة التي ستقع على رأسه فتقتله قبل أن يصل للعسل.
ارسال التعليق