ميزانية العام 2024 السعودية: الإنفاق العسكري وخدمة مشاريع رؤية 2030 الأميرية!
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
أقر مجلس الوزراء السعودي؛ يوم الأربعاء؛ ميزانية المملكة لعام 2024، وجب التنويه إلى أن مناقشة الواقع الإقتصادي في السعودية كما غيره من القضايا والعناوين الأخرى لا ينفك عن الإطار السياسي أو المقاربة السياسية المؤطرة، فأول ما يمكن إفتتاح مناقشة ميزانية العام القادم به هو غياب النقاش الديمقراطي والمؤسساتي للميزانية، إنها مشروع مقدم تتم المصادقة عليه دون أي نقاش جدي أو إعتراض على مخصصاتها و مندرجاتها. فإقرار الميزانية كما مجمل السياسات المعتمدة تخضع لمحدد وموجّه واحد هو خدمتها لرؤية الأمير المتسلط محمد بن سلمان فيما يسمى برؤية 2030.
وفق الآلية الديمقراطية المعهودة، فإن الحكومة، وعبر إجراءات مقدماتية، تحضر مشروع الإطار النهائي للميزانية العامة وتعرضه على مجلس الوزاء، ثم بعد مناقشته وإقراره من قبل هذا الأخير، يتم عرضه على السلطة التشريعية (البرلمان) لمناقشته والحسم فيه ديمقراطيا عبر التصويت على مخصصاته القطاعية والفرعية، وفي الجوهر فنحن نتحدث هنا عن ميكانيزم يعبر عن الإرادة الشعبية ويمثلتها وينوب عنها في التقرير.
مجلس الوزراء السعودي معيّن ملكيا، وهو لا يحمل اي صفة تمثيلية لمجتمع الجزيرة العربية، بل إن صرف وتدبير الميزانيات القطاعية لا يخضع إلى أية رقابة برلمانية على ما يقتضيه نظام فصل السلطات وإستقلاليتها، وهذا من أعظم أبواب الفساد وهدر المقدرات الوطنية.
هناك أمران لافتان في إقرار هذه الميزانية السعودية وهما، إرتفاع الإنفاق العسكري خلال السنة المالية المقبلة بنحو 8.7% عن العام الجاري، وفقا لميزانية عام 2024، والتي تم الإعلان عنها يوم الأربعاء. حيث رصد النطام السعودي في ميزانية 2024، نحو 269 مليار ريال (نحو 71 مليار دولار) لهذا القطاع، وهو ما يشكل نحو 21.5% من مجمل الإنفاق العام!
الأمر الثاني ويتمثل في تخصيص 195 مليار ريال لقطاع التعليم، وهو ما يمثل حوالي 15.5% من إجمالي النفقات. ولإن اعتبر هذا المبلغ هو الأعلى في تاريخ الدولة "السعودية"، فإنه لا يعكس توجها نهضويا بهذا القطاع الحيوي والذي يمثل الشرط الأكبر في كل مشاريع التنمية بل وفي التجارب الإقتصادية الناجحة عبر العالم. إذ يُعتبر التعليم هو الاستثمار المفتاحي لضمان بلوغ أهداف التنمية الجادة. فما تم تخصيصه في ميزانية 2024 لقطاع الترفيه والذي يصل إلى 10 مليارات ريال سعودي كفيل بتقويض المناخات الجادة للمسار التنموي المزعوم، بل إن الترفيه المبتذل الذي تتباه الدولة السعودية وترعاه بمختلف قواها هو عمل تفسيخي وتمييعي يصرف الشباب عن التطلعات المعرفية والعلمية ويمثل خيارا متنكبا عن أفق البحث العلمي الذي يمثل عماد النهضة والإقلاع الإقتصادي في كل أمة.
في ذات السياق فإن تخصيص 21.5% من مجمل الانفاق العام على القطاع العسكري، يكشف الطبيعة الإستبدادية للنظام حيث تنعدم المناقشة الحرة للمالية العامة للدولة والتي يتم تمريرها وفق إرادة الحاكم من دون إعتراض معترض، كما يرشح منها الهاجس الأمني كأولوية للنظام يرجع عما سواه، كما يمكن النظر إلى هذا الرقم الإفراطي كنوع من الخضوع لسوق السلاح الأمريكي خاصة، والذي ينتعش من الصفقات السعودية الكبرى او حتى مما يسمى بمشاريع التوطين الصناعي كما هي العقود مع شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية ، و"ريثيون" الأميركية للصناعات الدفاعية صاحبة صواريخ "باتريوت" و شركة "بوينغ" المشهورة. وهذا ما حاول الأمير السعودي تبريره عبر هذه الزيادة في الميزانية بإدعاءه تعزيز دور الصناعة الدفاعية في المملكة خصوصا، أو كما عبّر بيان الميزانية عن ذلك "مواصلة التقدم في توطين الصناعات العسكرية"!
في حرب اليمن، والتي انتهت بهزيمة (السعودية) و معها حلف العدوان، لم ينفع كل ذلك الإنفاق الأسطوري على التسلح، كما لم تنفع الحماية الأمريكية في تأمين عصب الإقتصاد السعودي " آرامكو". بل إن درس غزة اليوم جعل خبراء عسكريين أوروبيين يقولون بذهول "ان مشكلة (اسرائيل) ليست في امتلاك الفلسطينيين الصواريخ التي تصل الى "تل أبيب"، وانما في نوعية الرجال مقابل "الاضطراب الدراماتيكي" في معنويات الجنود "الإسرائيليين"، الذين لم يواجهوا من قبل مثل هذا الاختبار على الأرض الفلسطينية" ! ويضيفون: "الجيش الاسرائيلي الذي طالما راهن على دور التكنولوجيا العسكرية في تحديد مسار الحروب، يجد نفسه الآن أمام ذلك الشيء الذي يدعى "التكنولوجيا البشرية"، أي السوبر مقاتل".
إنها إحدى الخلاصات التي تنضاف إلى العلم العسكري، فالعنصر البشري يتفوق على التكنلوجيا العسكرية الحديثة. والعنصر البشري لا يأتي من فراغ أو من واقع الإستبداد أو من سياقات الترفيه المبتذل بل هو نتاج بيئة ثقافية سليمة ومنظومة سياسية تتقوم بالعدل والحرية والكرامة.
وأما الحديث عن البرامج والمبادرات التي تشتمل على استثمارات لتعزيز البنية التحتية، ورفع جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين والمقيمين والزائرين، بالإضافة إلى تطوير القطاعات الاقتصادية الواعدة، وتعزيز جذب الاستثمارات، وتحفيز الصناعات، ورفع نسبة المحتوى المحلي والصادرات السعودية غير النفطية..فإنه لا يقع ضمن الإهتمامات المركزية للنظام السعودي، بقدر ما هو من متطلبات التهدئة الداخلية. فالميزانية المقررة لعام 2024 لا تولي قطاعات التعليم والصحة المكانة المطلوبة، إذ جوهر الميزانية او لنقل فلسفتها الضمنية هي التسلح وخدمة رؤية الامير محمد بن السلمان، وبتعبير آخر فالميزانية تنشطر شطرين، شطر ك"جزية" مالية تذهب إلى أبناء الناهب الدولي تحت عنوان صفقات تسلح وتوطين صناعة دفاعية، والشطر الثاني يذهب لإقامة حلم بن سلمان الشخصي في مدينة نيوم ومشروع مشروع "آمالا" ومشروع "القدية" والإنفاق على مشاريعه الضخمة التي تتصدرها السياحة والترفيه.
ارسال التعليق