نظام ال سعود..وجدوى معادلة النزيف المالي مقابل الحماية الخارجية له
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي..
في الوقت الذي تتعرض فيه المنطقة إلى تصعيد أمريكي وصهيوني وإلى احتمال تطور هذا التصعيد إلى حرب شاملة بين شعوب المنطقة وقوى الشر بقيادة أمريكا.. أعلنت السلطات الأمريكية، أن النظام السعودي قدم500 مليون دولار لتغطية نفقات القوات الأمريكية التي انتشرت مؤخراً على الأراضي السعودية، بحجة حماية المملكة، بعد ضربات جماعة الحوثي اليمنية لها، سيما ضربة منشآت أرامكو في بقيق وهجرت خريص التي أوقفت إنتاج أكثر من خمسة ملايين برميل يومياً، أي أكثر من نصف الإنتاج اليومي لمملكة ال سعود، وفي هذا السياق، نقلت شبكة السي أن أن التلفزيونية الأمريكية عن المتحدثة باسم البنتاغون ريبيكا ريباريش قولها، انه "تماشياً مع توجيهات الرئيس لزيادة تقاسم أعباء الشركاء، أشركت وزارة الدفاع السعودية في تقاسم تكلفة عمليات النشر هذه (للقوات الأمريكية) التي تدعم الأمن الأقليمي وتمنع الأعمال العدائية. وقد وافقت الحكومة السعودية على المساعدة في ضمان تكلفة هذه الأنشطة، وقدمت المساهمة الأولى"!! وبحسب السي أن أن، فأن هذه المساهمة الأولى تقدر بـ 500 مليون دولار، وستتبعها 500 أخرى، ليصل الإنفاق إلى مليار كما قال الرئيس ترامب، قبل أسبوع من تاريخ 17/1/2020 لشبكة فوكس نيوز الأمريكية، حيث أشار ترامب في حينها إلى أن السعودية أودعت في البنك الأمريكي مليار دولار!!
هذا وأشارت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية ريبيكا ريباريش المشار إليها، إلى أن " المناقشات جارية لإضفاء طابع رسمي على آلية للمساهمات المستقبلية التي تعوض تكلفة عمليات نشر القوات الأمريكية في السعودية"!!
ونشرت الولايات المتحدة الآلاف من القوات الإضافية وبطاريات الدفاع الصاروخي في السعودية، رداً على ما يعتبره مسؤولون في البنتاغون تهديداً متزايداً من قبل إيران!!
وتغطي الأموال المدفوعة من جانب نظام ال سعود، التكاليف الإجمالية لنشر القوات، إضافة إلى الطائرات المقاتلة وبطاريات صواريخ باتريوت الدفاعية لحماية المنشآت النفطية السعودية من هجمات "الصواريخ والطائرات الإيرانية"!! وبدأت عمليات النشر بعد ما وصفه السعوديون والأمريكان بالهجمات الإيرانية على منشآت أرامكو في بقيق وهجرت خريص في سبتمبر 2019. أي بعد عملية توازن الردع الثانية لجماعة الحوثي، التي استهدفت منشآت أرامكو النفطية في بقيق وخريص في الرابع عشر من سبتمبر 2019، وذلك رداً على العدوان والحصار السعودي الأماراتي المستمر على الشعب اليمني.
يشار إلى أن مملكة ال سعود كانت قد سددت جزءاً من تكاليف عمليات التزود بالوقود الجوية التي قدمها الجيش الأمريكي للطائرات السعودية المغيرة على مدن وقصبات الشعب اليمني المحروم، ذلك بحسب ما ذكرت الأوساط الأمريكية. وفي كانون الأول من عام 2018 كان الجيش الأمريكي قد قال انه يسعى للحصول على تعويض قدره 331 مليون دولار من السعودية والأمارات مقابل خدمات التزود بالوقود الجوي!!
وبموازاة ما أعلنه الأمريكان حول الدفع السعودي لتغطية نفقات انتشار القوات الأمريكية في السعودية، أعلن الفرنسيون بدورهم في يوم 17/1/2020، أن باريس نشرت منظومة رادار على الساحل الشرقي للمملكة السعودية، بهدف تعزيز دفاعات المملكة على خلفية الهجمات الصاروخية، لجماعة الحوثي، التي استهدفت منشآتها النفطية قبل شهر، ذلك طبقاً لما نقلته وكالة رويترز للأنباء. وكان الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون قد قال قبل يوم من هذا الإعلان، أي في 16/1/2020.." في شبه الجزيرة العربية والخليج، حيث تتصاعد التوترات، نشرنا في زمن قياسي قوة مهام "جاغوار" التي ستسهم في طمأنة المملكة السعودية" على حد زعمه وقوله.. يشار الى ان وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي كانت قد أعلنت في نوفمبر الماضي، أثناء زيارتها للعاصمة البحرينية، المنامة عن نشر منظومة إنذار متقدمة في الخليج، بما فيها رادار متطور يهدف لمنع هجمات جديدة!! ويأتي هذا الانتشار العسكري الفرنسي إلى جانب إرسال حاملة الطائرات الفرنسية العملاقة "شارل ديغول" إلى المنطقة على أن الفرنسيين لم يعلنوا أن نظام ال سعود غطّى نفقات انتشار قواتهم بمئات الملايين من الدولارات، كما أعلن الأمريكان، ولكن بدون شك أن هذا النظام تعهد بدفع نفقات انتشار القوات الفرنسية..
والى جانب ذلك، فقد كشفت صحيفة " كاثيمرني" اليونانية يوم 19/1/2020 عن مصادر يونانية، ان السعودية استعانت بأثينا لنشر صواريخ باتريوت المضادة للطائرات التابعة للقوات اليونانية في المملكة، لتأمين أجواءها من الصواريخ البالستية التي يطلقها الحوثيون على منشآتها الحيوية، وأضافت الصحيفة اليونانية القول: "إن الاتفاق تم بين البلدين قبل بضعة أسابيع على خلفية رغبة سعودية في تعزيز دفاعاتها الجوية، بعد استهداف منشآت ارامكو النفطية العام الماضي". ويقول مراقبون، أن الخطوة تأتي نتيجة لضغط واشنطن على أثينا، من أجل وجود يوناني في الخليج، حيث استجابت اليونان مرتين للطلبات بإرسال فرقاطة للانضمام إلى قوة بحرية في المنطقة تحت قيادة الولايات المتحدة..
وإذا أضفنا إلى هذا التحرك العسكري الفرنسي الأمريكي اليوناني التحرك البريطاني المماثل، فأننا نستنتج أمرين في غاية الأهمية هما ما يلي:
1ــ إن المنطقة تتجه إلى العسكرة بأموال سعودية، وبمباركة نظام ال سعود، حيث إن المملكة تشكل مركز هذه العسكرة، بدعوى وبحجج حماية من الضربات البالستية، كما مرّ بنا، فيما الأمور توحي بأخطر وأبعد من ما يعلن أي من حماية نظام ال سعود، كما سنرى بعد قليل.
2ــ إن استعانة نظام ال سعود، بكل هذه القوات، وإنفاقه الأموال الطائلة عليها وعلى نشاطها العسكري، ثم جعل المملكة المركز الأساسي لهذه العسكرة الأمريكية والغربية.. كل ذلك يؤشر إلى احتمالين هما:
أولاً أن النظام اتخذ قراره وحسمه بالاصطفاف مع الولايات المتحدة والدول الغربية في حالة قررت هذه الدول شن الحرب ضد إيران، تلك الخيارات التي بات ترامب يلوح بها ضد إيران، خصوصاً في ظل التصعيد الأخير بين الطرفين، بعد إقدام أمريكا على اغتيال قائد فيلق القدس الايراني الجنرال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب قائد هيئة الحشد الشعبي العراقي، وأما الأمر الثاني، وهو مرتبط بالأول فهو، أن نظام ال سعود قرر التصعيد مع جماعة الحوثي بحسم أمره في هذا الاتجاه، والتخلي عن دائرة التردد السابقة، حيث كان يفكر بالتسوية مع الجماعة، وكانت هناك تحركات سعودية فعلاً في هذا الاتجاه، ولقاءات حصلت مع وفد الحوثيين في مسقط وفي مناطق أخرى، لكن أمريكا حملت نظام ال سعود على حسم أمره في الاتجاه الذي تريده، أي في إطار استراتيجيتها الجديدة بتصعيد المواجهة مع كل مفاصل المحور الإيراني في المنطقة الممتد من اليمن الى لبنان مروراً بإيران والعراق وسوريا، إذ باتت أمريكا قلقة جداً من التطورات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة لغير صالحها وصالح الكيان الصهيوني وصالح حلفائها الغربيين، بعد إقدامها على عملية الاغتيال لهؤلاء سليماني والمهندس.
ما يعزز الأمر الثاني هو التصعيد السعودي في جبهات القتال مع الحوثيين في الأيام الأخيرة خصوصاً في جبهتي نهم وصعدة، وعودة نشاط الطيران السعودي الإماراتي ضد المناطق السكنية في صنعاء وصعدة خاصة، وباقي المحافظات الشمالية عامة، بعد انخفاض ملحوظ إلى 60 أو 70% في الأشهر الأخيرة..
وفي كلا احتمالين، فأن نظام ال سعود، جعل من السعودية مركزاً لهذه المواجهة!؟ فهل هذه الاحتياطات العسكرية أو العسكرة الغربية الأمريكية لنظام ال سعود قادرة على حمايته من التدمير والخراب!؟
الجواب على هذا السؤال ليس بالأمر الصعب، فبمجرد الرجوع الى الوراء ونستحضر نواميس التاريخ حول مواقف الأمريكان والغربيين وغدرهم بحلفائهم، عندما تضيق الدوائر عليهم، ويتأكد للقاصي والداني إنهم لم يأتوا لنصرة وحماية هؤلاء العملاء العرب، إنما لحماية آخرين كما سنشير بعد قليل، ولكن دعونا نستذكر لكم بعض المواقف ومنعا ما يلي:-
أــ في عقد الثمانينات، ترك الأمريكان والفرنسيون لبنان وسحبوا كل قواتهم وخبراءهم و"مارينزهم" بعد التفجيرين اللذين طالاً مقرا للمارنيز الأمريكي والسفارة الفرنسية وأديا إلى مقتل المئات من جنرالات السي آي إي الأمريكيين، ومن الخبراء الفرنسيين.
ب ــ وقبل ذلك في عقد الستينات فرّ الأمريكان من فيتنام بعدما تكبدوا خسائر فادحة على أيدي ثوار الفيتغونغ، وتركوا عملائهم طعمة سهلة للثوار، حيث حاكموهم وأعدموهم.
ج ــ فر الأمريكان في عهد كلينتون في عقد التسعينات من الصومال وتركوا عملائهم بعد ما لقنهم الشعب الصومالي درساً لم ينسوه لليوم.
د ــ فرّوا من العراق وسحبوا قواتهم وأيضاً تركوا عملائهم، يفتك بهم العراقيين.. والأهم من ذلك هو تخلّي ترامب عن حماية السعودية بعدما تعرضت لهجمات خطيرة بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة من صنعاء أصابت منشآت أرامكو في بقيق وخريص وأدت إلى توقف نصف الإنتاج النفطي اليومي للسعودية البالغ عشرة ملايين برميل يومياً ففي الوقت الذي دعا فيه آل سعود إلى التحرك الدولي للرد على ضربات بقيق وخريص، حيث اتهمت أمريكا وبدون الانتظار إلى نتائج التحقيق إيران بأنها وراء تلك الهجمات، لكن رغم ذلك أعلن ترامب صراحة انه لا يدافع عن السعودية، ولا حتى عن إمدادات النفط من أجل أوروبا، وأضاف، بلادنا لا تحتاج إلى نفط الشرق الأوسط، وصلنا في الإنتاج من النفط الصخري إلى الاكتفاء الذاتي، فليأتي الأوربيون ليدافعوا عن إمدادات النفط، نحن بعنا أسلحة للسعودية، أعطونا المال قبال هذه الأسلحة، فليستخدموها في الدفاع عن أنفسهم!!
وجاء هذا الموقف الذي دفع بالكثير من المحللين والخبراء حتى من الغربيين إلى الشماتة بآل سعود، بعد تفاخر ترامب ولأكثر من أربعة أو خمسة مرات بأنه نجح في إجبار ال سعود على دفع المليارات من الدولارات لقاء الحماية، وكان كما هو معروف، يتفاخر بهذا الانجاز أمام الأمريكيين بسخرية واستهزاء وإهانة للملك سلمان ولابنه محمد فمرة يقول إنهم لا يجيدون غير دفع الأموال، ومرة يقول انه قال للملك، يا سيادة الملك لا يمكنكم البقاء في عرشكم لأكثر من أسبوعين إذا رفعنا الحماية عنكم، فعليكم الدفع، والملك يستجيب ويدفع المليارات، حيث ذكرت المصادر الأمريكية أن نظام ال سعود دفع أكثر من 400 مليار دولار، لكن رغم كل هذا الدفع إلا أن ترامب لم يدافع عن السعودية واكتفى بإرسال ثلاثة آلاف خبير عسكري انتشروا حول المناطق الحساسة في السعودية للإشراف وإدارة المنظومات السعودية المضادة للصواريخ والطائرات المسيرة الأمريكية الصنع، وذلك مقابل تغطية نفقاتهم من ألف إلى الياء كما مر بنا في بداية الحديث!
أكثر من ذلك أن تخلي ترامب عن أكراد سوريا لصالح الأتراك، ودمر كل أحلامهم التي راهنوا على أمريكا في تحقيقها، وعلى أساس هذا الرهان، قدموا كل ما لديهم من إمكانات وتضحيات لأميركا.. أن هذا التخلي الأمريكي أثار القلق حتى عند الصهاينة الذين تكفلت الدولة الامريكية بحمايتهم، فكيف الحال بالنسبة لنظام ال سعود الذي يعتبره ترامب مجرد بقرة حلوب متى ما جف ضرعها فسوف تذبح ويؤكل لحمها!! نعم انبرى عدد من المعلقين ومن الخبراء الصهاينة وحتى من السياسيين داخل أورقتهم الخاصة ليعبروا عن القلق من احتمالات تخلي أمريكا عن الدفاع عن الكيان الصهيوني في حال احتدمت المعركة معه وأصبحت الحرب مكلفة جداً للأمريكان، ففي هذا السياق حذر مراسل صحيفة يدعوت احرونوت العبرية الأكثر انتشاراً في الكيان الصهيوني، شمعون شيفر، في مقال كتبه بالصحيفة المذكورة، في 21 تشرين الأول الماضي/2019.. حذر من أن قرار ترامب بشأن الانسحاب من سوريا وتخليه عن الحلفاء الأكراد الذين اعتقدوا أن أمريكا ستقف معهم.. وجاء في مقالته.. " يجب أن يضئ- تخلي ترامب عن الأكراد- جميع أضواءنا الحمراء " وكأن شيفر يقول إن ترامب أصبح شخصاً لا يمكن الوثوق به والاطمئنان إلى وقوفه إلى جانبنا في الأوقات الحرجة، وهذا ما شاطره فيه السفير الصهيوني السابق لدى الولايات المتحدة مايكل اورون والذي شغل حتى قبل وقت قصير منصب نائب وزير في حكومة نتنياهو، حيث كتب لصحيفة نيويورك تايمز في ذلك الوقت مقالاً أشار فيه إلى تقلبات ترامب ومواقفه المثيرة، ومما جاء في هذا المقال الذي كان تحت عنوان "سكين في ظهورنا".."لا أعتقد أن بإمكان إسرائيل" الاعتماد على ذلك اليوم- في إشارة إلى تعهد أوباما الرئيس السابق في الدفاع عن الكيان الصهيوني _ لا أعرف في الوقت الحالي". وأشار شيفر "إلى أن الرئيس الأمريكي لم يقم حتى بإبلاغ إسرائيل مسبقاً بخططه الانسحاب من سوريا".
هذا بينما خبير الشؤون العربية في القناة التلفزيونية 12.. إيهود يعاري، قال إن "إسرائيل أخطأت منذ البداية في عناقها مع ترامب، وعليها أن تبتعد عنه قبل أن تخسر الجمهور الأمريكي، لأن ثرثراته لن تنفعها، فهو يتربع على كرسي الحكم، ولم يعد يملك ما يعطيه " لإسرائيل".
نقول مرة أخرى، إذا كان الصهاينة ينتابهم كل هذا القلق والخوف من احتمالات تخلي ترامب عنهم، فأن على آل سعود الخوف والقلق ألف مرة، من تخلي الغربيين والأمريكان عنهم.. فكل المعطيات تؤكد بما لا يقبل الشك أن الغرب والامريكان لا يدافعون عن السعودية إذا اشتعلت الحرب في المنطقة..
ولرب سائل من المتحمسين لسياسات ال سعود، وللعسكرة الأمريكية والغربية في السعودية خاصة والمنطقة عامة، يقول، إذا ما تضي مسارعة الرئيس الفرنسي بإرسال حاملة الطائرات الفرنسية (شارل ديغول) إلى المنطقة ونشره المضادات المتطورة للأهداف الجوية في الساحل الشرقي للسعودية؟ وماذا يعني الانتشار الأمريكي والتحرك اليوناني العسكريين!؟ ثم التعهدات التي قطعتها هذه الدول في الدفاع عن السعودية!؟ والإجابة على هذه التساؤلات سهلة جداً، فهذه العسكرة ليست للدفاع عن نظام ال سعود أو عن المملكة، إنما الأهداف أخرى نذكر منها ما يلي:-
أولاً: انتشار ومجيء هؤلاء الغرباء إلى السعودية، هو رد فعل للخوف والقلق على مستقبل الكيان الصهيوني وعلى المصالح الغربية والأمريكية غير المشروعة في المنطقة، بسبب تنامي قوة المحور الإيراني في المنطقة على كل الأصعدة، سيما على الصعيدين العسكري والسياسي، فالظاهر أن القوى الغربية استنفذت كل وسائلها الإرهابية في مواجهة الأمة، وكل أسلحتها الخبيثة، من التضليل وإثارة الفتنة الطائفية، وإطلاق القاعدة وداعش، والحرب بالوكالة وتسخير الأموال السعودية والخليجية، وغير هذا الأساليب كثير، لكن دون جدوى حيث هزمت القوى هزيمة منكرة، حتى إنبرت هذه القوى للمواجهة بالأصالة، بعد الهجوم الأمريكي على سيارة سيلماني ومرافقيه، ثم الحضور المكثف، على المستوى العسكري وعلى مستوى الحضور والتحرك السياسي.. فهذا الحضور يهدف بالدرجة الأساسي إلى طمأنة الكيان الصهيوني الذي بات يرتعد من الخوف بعد انتصارات محور الإيراني في سوريا والعراق واليمن وفي لبنان، وترامب قالها صراحة ذات مرة، لم يعد حضورهم العسكري في منطقة الخليج من أجل الدفاع عن الأنظمة، وإنما للدفاع عن أمن "إسرائيل" ومصالح الولايات المتحدة الحيوية، وهذا ما أشار إليه الكاتب والباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط جون أربرادلي في مقال له نشرته مجلة سبكتاتور البريطانية في 8/1/2020 تحدث فيه عن تغيير الاستراتيجية الامريكية في المنطقة وتراجع أولوياتها في الدفاع عن الأنظمة معتبراً أن الحلف الذي كان قائماً بين أمريكا والسعودية، ومنذ عام 1945 والقائم على أساس معادلة الحماية مقابل النفط قد انتهى، واختتم مقالته قائلاً: "بعد وصوله الى البيت الأبيض تباهى ترامب بتوقيع عقود بقيمة 110 مليار دولار مباشرة، و340 مليار دولار على مدى عشر سنوات، فيما وعد السعوديون باستثمارات في البنية التحتية في الولايات المتحدة التي يحتاج ترامب للفوز بها بل وأنفق السعوديون ملايين الدولارات على شكل حجز في فنادق ترامب.. ويؤكد الكاتب، أنه عندما يجد الجد فأن السعوديين لا يجدون من يدافع عنهم".
ثانياً: كما أن هذه العسكرة، تستهدف طمأنة السعوديين كما قال ماكرون وترامب ولكن ليس من أجل الدفاع عنهم، وإنما من أجل أن يواصلوا دورهم في دعم وتنفيذ المشاريع الأمريكية الغربية الصهيونية في المنطقة، ذلك أن هزائم الاميركان ثم تخلي ترامب عن حماية السعودية، دفع بالأخيرة، وببقية حلفاء أمريكا إلى التفكير بتغيير السياسات والاستراتيجيات، لتلمس طرقاً يحققون من خلالها الحفاظ على بقائهم، ومن هذا المنطلق وتحرك ال سعود نحو التواصل مع الحوثيين في اليمن، كما أنهم تواصلوا مع إيران عبر عمان وباكستان، ومن شأن ذلك أنه يضع حداً للنزيف في اليمن ويوقف التدخلات السعودية في العراق ولبنان وسوريا وليبيا. وهذا يعني توجيه ضربة أخرى للمشاريع الأمريكية الغربية الآنفة، ولذلك فأن مصلحة أمريكا والدول الغربية تقتضي سياسة استمرار النزيف الداخلي للأمة، لتعريف الأسلحة الغربية، ولإشغال الأمة عن مواجهة العدو ولمنعها من التنمية والنهوض والتوحد، ولخلق مبررات التدخل في شؤونها الداخلية، فأقدمت على هذه الخطوة (العسكرة) أي الدول الغربية من أجل إيقاف التحركات الآنفة ودفع السعودية للمضي في حرب اليمن والتدخلات في شؤون الدول الأخرى لاستنزافها!! وذلك ما يفسر التصعيد السعودي الأخير في العدوان على الشعب اليمني والتراجع عن محاولات حل الأزمة عبر التحاور مع جماعة الحوثي.
ثالثاً: أيضاً هذه العسكرة تستهدف الاستعراض الغربي الأمريكي للقوة في المنطقة على خلفية الهزائم والانكسارات الأخيرة أمام المحور الإيراني، لإخافة هذا المحور ولمنع وقوع حرب ترفع سعر النفط إلى مستويات جنونية، تسبب في انهيارات للاقتصاد الأوربي، ولمشاركة أمريكا في حماية الممرات المائية للنفط، إن أقدمت إيران واليمن على غلقها بوجه ناقلات النفط نحو الغرب وحلفاء أمريكا الآخرين..
وبناءً على ذلك وغيره، فإن العسكرة الأمريكية الغربية في السعودية، والمحمولة سعودياً، ليس لا توفر الحماية لآل سعود وحسب، وإنما ستجعل من المملكة وقوداً لمشاريع أمريكا ودول الغرب من أجل مصالحها وحماية الكيان الصهيوني، فهل يعي آل سعود هذه الحقيقة!؟ نأمل ذلك.
ارسال التعليق