هتافات الداعشي التي استفزت الشرطة السعودية في الحرم المكي!!
[عبد العزيز المكي]
في تطور لافت، شهد الحرم المكي في 30/3/2021 حدثاً مثيراً، بقيام شخص يرتدي ثوباً سعودياً تقليدياً بتحدي أجهزة الشرطة والأمن¬ السعودية في الحرم المكي المقدس، بإطلاق هتافات داعشية، داعمة للدواعش وللتكفيريين من القاعدة ومن لف لفها من المنظمات التكفيرية الوهابية، حيث سارعت الشرطة السعودية إلى إلقاء القبض عليه مدعية انه كان مسلحاً بسكين، أي بسلاح أبيض...
من حيث التوقيت ومن حيث الظروف والأوضاع التي تمر بها مملكة آل سعود، ينطوي هذا الحدث على أهمية كبيرة، ولذلك أرجح أن دوافعه ترتكز إلى أحد الاحتمالات التالية:-
أولاً: إن النظام السعودي هو الذي دفع بهذا الداعشي لإطلاق تلك الشعارات، والقبض عليه، على خلفية أمرين كلاهما باتا يؤرقان النظام السعودي وبن سلمان خاصة هما: داخلي وخارجي، فالداخلي يتمثل في أن النظام أراد أن يوجه رسالة قوية للتيار الوهابي المتشدد الذي هو على خلاف مع النظام فيما يخص بعض السياسات، سيما تلك التي تطال بعض مصالح هذا التيار، وامتيازاته، ومحاولة الحد منها عبر الخطوات التي أقدم عليها بن سلمان تحت لافتة الإصلاح، كالحد من خيارات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على سبيل المثال، وغير ذلك مما اعتبره هذا التيار الوهابي إخلالاً بالمعادلة التي أقام البريطانيون هذا النظام عليها أي المزاوجة بين عائلة آل سعود والتيار الديني الوهابي، فوظيفة الأخير أسباغ المشروعية على آل سعود، مقابل منح رجالاته الثروة والجاه، والنشاط الواسع لنشر الوهابية، والفكر المتطرف الذي تنتجه في السعودية وفي العالم خارج المملكة! ذلك فضلاً عن التيار الوهابي المنشق والمتطرف أيضاً و الذي يرى في أن آل سعود انحرفوا وخرقوا تلك المعادلة الآنفة واخلوا بتوازنها، وكان ذلك سبباً في ظهور وتمرد حركة جيهمان العتيبي في عقد السبعينات والتي قضى عليها النظام باستدعاء قوات أردنية وفرنسية، أرتكبت مجزرة في الحرم المكي بتصفية هؤلاء المتمردين الذين تمترسوا داخل الحرم، فكان إن أدى ذلك إلى قتل المئات من المعتمرين والمصلين الأبرياء في الحرم المكي يومذاك!!
و بدون شك ان النظام السلماني بات يتوجس اليوم خيفة من قاعدته الوهابية بسبب تطاوله على امتيازاتها، كما قلنا وبسبب ضعفه وتخبطه على خلفية استنزاف العدوان على اليمن للملكة، إضافة إلى السياسات غير الموفقة لبن سلمان والتي استنزفت بدورها ما كان للملكة من رصيد إسلامي وأخلاقي وحتى سياسي واقتصادي وما إلى ذلك...نقول أن النظام يتوجس خيفة من هذه القاعدة الوهابية، من أن تنقلب عليه.
أما على الصعيد الخارجي فأن النظام السعودي يريد توجيه رسالة للخارج وللاميركان بالذات انه مستهدف من قبل الإرهاب الوهابي، في محاولة للتغطية على إرهابه ومجاميعه التكفيرية من جهة ومن جهة أخرى التقليل من الضغط من بعض الجهات والمؤسسات الأمريكية خصوصاً الكونكرس الأمريكي وبعض الأعضاء في مجلس النواب والشيوخ الاميريكيين من الديمقراطيين ومن الجمهوريين أيضاً، فمما هو معروف، أن هذه الجهات ما فتأت تمارس ضغطاً متزايداً على إدارة البيت الأبيض سواء كان في عهد ترامب أو في العهد الحالي من أجل اتخاذ خطوات لتأديب أو معاقبة النظام السعودي، معاقبة بن سلمان على وجه الخصوص، بسبب الإرهاب المنسوب إلى المجاميع التكفيرية المرتبطة بالسعودية فكراً وتمويلا، حيث طال هذا الإرهاب أميركا وحلفاءها الأوربيين، كأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 على سبيل المثال، وانفجارات باريس واسبانيا وغيرهما.. ولقد زادت هذه الضغوط مؤخراً بعد هزيمة ترامب ومجيئ بايدن إلى البيت الأبيض، الأمر الذي اضطر بايدن إلى اتخاذ خطوات ولو شكلية ضد النظام السعودي ما أقلق بن سلمان وشجع في الوقت نفسه المعارضين السعوديين سواء من العائلة الحاكمة من الأمراء الطامعين بالسلطة والمخالفين لولاية عهد بن سلمان، أو من أوساط الشعب الجزيري والذين وجدوا الآن في ضعف وتراجع النظام السلماني، وفي استمرار الضغوط الأمريكية على بن سلمان فرصة لمحاولة التخلص من هذا الأخير و التجروء على تحديه.
ما يجعل المتابع والمحلل السياسي، أن يأخذ بالاعتبار هذا الاحتمال، هو أن النظام سلط الأضواء على هذا الحادث خلاف عادته في إخفاء مثل هذه الحوادث والتقليل من أهميتها، فالنظام أراد بتسليط الأضواء على الحدث ضمان إرسال تلك الرسائل إلى الجهات المعنية التي أشرنا إليها.. وما يعزز هذا الأمر أيضاً البيان الذي نشرته الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الذي أدان فيه الرئيس العام الشيخ عبد الرحمن السديس عمل هذا الشخص، ورفض فيه عباراته وشعاراته المؤيدة لتنظيم داعش، معتبراً إياها شعارات عنصرية. وقال السديس أن " استخدام العبارات المتشددة العنصرية الخارجة عن المذهب الإسلامي الوسطي الصحيح في مسجد الله المحرم أمر عظيم، فلم يرعَ فيها حرمة المكان، ولم يقدس حرمته" وأضاف: " لا ينبغي لهذا المكان إلّا لعبادة الله وتعظيم بيته وقد توعد الله من أراد به الفساد والإلحاد".
و ثانيا: الاحتمال الآخر، هو أن النظام لا علاقة له بهذا الشخص الداعشي، وهو احتمال قائم،لأن هذه الأماكن المقدسة في المملكة شهدت منذ عقد السبعينات وحتى اليوم حوادث مماثلة، قام بها أشخاص أو مجموعات وهابية تكفيرية، على مدى تلك الفترة الزمنية تعبيراً عن رفض التيار الوهابي لسياسات معينة يقوم بها آل سعود تشذ عن المعادلة القائمة بين الطرفين، أي بين آل سعود والقاعدة الدينية التكفيرية الوهابية، ففي أكتوبر الماضي، حاولت سيارة مدنية اقتحام إحدى بوابات المسجد الحرام، وحال إغلاق الباب رقم 89 للحرم المكي دون وقوع كارثة في الساحة الشريفة، حيث اقتحمت السيارة السياج الخارجي للحرم قبل أن ترتطم بالباب المغلق. وفي حزيران2019 تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مثير للجدل يظهر فيه رجل يقف أمام بيت الله الحرام ويدعي انه المهدي المنتظر وتداولت بعض الصحف أن بعض المعتمرين امسكوا بالرجل الذي يهتف بأنه الإمام المنتظر ، وسلموه إلى الشرطة السعودية. وادعاء المهدوية حادثة تتكرر بين الحين والآخر في الحرم المكي، حيث شهد الحرم المقدس أيضاً مثلها عام 2014 حين خطف رجل مايكرفون الحرم المكي وراح يصرخ أنا المهدي المنتظر خلال صلاة العصر! وفي حزيران عام 2017 أعلنت السلطات السعودية أنها أحبطت عملاً إرهابياً وشيكا كان يستهدف أمن المسجد الحرام ومرتاديه من المعتمرين والمصلين، من قبل مجموعة إرهابية، تمركزت في ثلاثة مواقع بمدينتي مكة وجدة الواقعة غرب المملكة السعودية. وفي حينه، ذكرت وزارة داخلية النظام السعودي، أن انتحارياً من أفراد المجموعة فجر نفسه أثناء محاصرة القوات الأمنية في مبنى بحي أجياد المصافي الواقع داخل محيط المنطقة المركزية للمسجد الحرام، ما أسفر عن انهيار أجزاء من المبنى، وإصابة ستة وافدين مقيمين فيه وخمسة من رجال الأمن، وفي شباط عام 2017 حاول رجل إشعال النار في نفسه داخل الحرم المكي، قبل أن تلقي السلطات السعودية القبض عليه. وفي حينها زعمت شرطة أمن الحرم المكي بأن الشخص المشار إليه يعاني من مرض نفسي! وفي حزيران عام 2014 شهد الحرم المكي هجوماً من قبل شخص مجهول استهدف رجال الأمن السعودي، حيث باغت الرجل أحدهم وطعنه بآلة حادة ثلاث طعنات متفرقة، قبل سيطرة الجهات الأمنية في المسجد الحرام عليه. وأيضاً ادعت السلطات السعودية أن المهاجم معتل نفسياً! وسبق هذه الحادثة حادثة أخرى وقعت في 1 حزيران2014، إذ قام شخص إفريقي بتكسير مصابيح الحرم ومهاجمة وضرب المعتمرين والطائفين والمصلين قبل أن تعتقله الشرطة السعودية المسؤولة عن الأمن في الحرم المكي. وهكذا فعلى مدى العقود الماضية شهدت منطقة الحرم هجمات خطيرة أبرزها الهجوم المسلح الذي قادة جيهمان العتيبي عام 1979 مع نحو 200 من أتباعه والذين تمترسوا في الحرم المكي كما سبق وان أشرنا وقتلهم النظام داخل الحرم مع المئات من المصلين والمعترضين في المسجد الشريف..
هذا جانباً من تلك الحوادث التي أعلن عنها النظام السعودي، وهناك حوادث لم يعلن عنها وعتم عليها خوفاً من الفضيحة!! وبغض النظر عن صحة احتمال أن الحادثة الأخيرة مدبرة من قبل السلطات السعودية كما هو حال بعض الحوادث الأخرى التي أشرنا إلى بعضها، أو لم تكن مدبرة من قبل النظام فأنها تعني معطيات في غاية الأهمية، وفي أحيان أخرى، تعني غاية الخطورة نذكر منها الآتي:
1- إن النظام السعودي سيظل مصدراً لإنتاج وتفريخ الإرهاب والإرهابيين، فمادامت المدارس الوهابية التكفيرية قائمة في داخل السعودية وخارجها، وما دامت مستمرة في نشر الفكر الوهابي التكفيري، وإعداد " الدعاة" وممن تسميهم السلطات السعودية " العلماء"، وما دامت هذه السلطات ترصد الأموال الطائلة لهذه المدارس وترعى القائمين عليها، فسيظل الفكر الوهابي التكفيري رائجاً وسيظل يجند الكثير من الأتباع القتلة والمجرمين الذين توظفهم المؤسسة الدينية الوهابية التكفيرية في السعودية وخارجها لتحقيق مصالحها ومصالح السلطات السعودية. ولعل ذلك يفسر إصرار بعض المؤسسات البحثية والسياسية الأمريكية والبريطانية وحتى الغربية على التأكيد أن النظام السعودي هو مصدر الإرهاب والإرهابيين، حتى ولو تشدق بالنفي عن نفسه هذا الأمر ، ولذلك طالبت بعض هذه المؤسسات بإنهاء الإرهاب من خلال إنهاء هذا النظام ومؤسسته الوهابية التكفيرية المنحرفة التي لا تمت بصلة للإسلام المحمدي الأصيل، وان ادعت هذه المؤسسة بأنها تمثله زورا وكذباً!!
2- إن تكرار هذه الحوادث يؤشر بوضوح، بل ويؤكد أن النظام السعودي وأسياده الأميركان والصهاينة، ورغم ادعائهم بأنهم يحاربون الإرهاب والفكر الإرهابي الوهابي، مازالوا يستثمرون في هذا الإرهاب لتحقيق مآرب قديمة جديدة، منها، تشويه الإسلام المحمدي وتكريس صورة له دموية والقتل عنه في أذهان الرأي العام الغربي والأمريكي، ومنها تحقيق غايات سياسية، وخلق مبررات لضرب الدعاة الحقيقيين وتشويههم وإبعاد الناس عنهم وعن أفكارهم، في داخل السعودية وفي خارجها، وهذه الأمور باتت واضحة للعيان ويعرفها القاصي والداني!
3- إذا تبين أن هذه الحادثة غير مدبرة من النظام فأنها تعني استمرارية تحدي التيار الوهابي للسلطات السعودية، فمثلما أشرنا في بداية الحديث فقد تكون رسالة من هذا التيار للنظام، بأن هذا التيار مستعد للتحدي والمواجهة إذا تطلب الأمر، وفي ذلك نذير شؤم للنظام، وفشل له في محاولاته تحجيم المؤسسة الوهابية في المملكة..
على أن هناك قراءة ثالثة لهذه الحادثة، ونحن لا نستبعدها، وهي أن الحادثة ليس لها علاقة بالدواعش وبالمدرسة الوهابية السعودية التي تخرجوا منها، إنما لها علاقة باتساع نطاق المعارضة للنظام، وقد اختار هذا الرجل الذي زعموا أنه يهتف لصالح الدواعش، الحرم المكي المقدس، لما ذلك من صدى إعلامي، لان ليس بمقدور النظام خنق هذا الصوت المعارض في الحرم المكي لوجود أجانب من المعتمرين والزائرين، فأراد هذا الرجل أن يخترق صدى قنبلته الإعلامية حواجز ومصدات الصوت للنظام وبالتالي إسماع الرأي العام صوت المعارضة، وقد يكون إلصاق صفة الداعشية بهذا الرجل من أجل تبرير اعتقاله وخنق صوته وبالتالي إنكار وجود معارضة للنظام باتت أكثر جرأة وتحديا للنظام أكثر من أي وقت مضى كما يقول بعض رموز المعارضة في مملكة آل سعود.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق