حدث وتحليل
هكذا باعت السعودية وأخواتها ماتبقى من فلسطين في قمة شرم الشيخ
[حسن العمري]
من الجد الى الحفيد، ومن القدس الى غزة.. بين سفالة العمالة ومراقص الرياض
* حسن العمري
لم يجف الحبر الذي كتب به اتفاق "قمة شرم الشيخ" بعد، حتى بانت العورة وأن المجتمعين وفي مقدمتهم السعودية وقطر والامارات، قد باعوا ما تبقى من فلسطين ليس بثمن بخس فحسب بل دفعوا المليارات للكيان الاسرائيلي ليقبل هديتهم هذه، التي تضمن بمنح عبدالعزيز آل سعود "أرض فلسطين (لليهود المساكين)" في رسالة له لمندوب بريطانيا آنذاك "برسي كوكس"، ليحضى بعدها على منح مالية من المحتل البريطاني بقيمة (5000) جنيه استرليني شهرياً وفق "معاهدة دارين" في 26 ديسمبر 1915 أو المعروف بأسم "حلف دارين" سمح بذلك أن يملك عبدالعزيز بلاد الحجاز ونجد والقطيف "بحد السيف" وأنهار الدماء الى الركب.
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتبدل فيه المواقف، جاءت "قمة شرم الشيخ" لتكرّس مرة اخرى واقعاً عربياً جديداً، يبدو فيه أن قضية الأمة الأولى فلسطين لم تعد تتصدر جدول الأولويات لدى الحكام العرب، وأن ما تبقى من قضيتها يُدار بلغة الدبلوماسية الباردة لا بحرارة الانتماء.. لقد باعت الأنظمة العربية خاصة الخليجية منها، ما تبقى من فلسطين التي باعها آل سعود قبل أكثر من قرن.. لا على طاولة مفاوضات حقيقية، بل في صمت البيانات المكررة وعبارات “التهدئة” التي تخفي تنازلاتٍ موجعة رخيصة مذلة ستلازم شعوبنا الى أبد الدهر، كما لازمته منذ حتى قبل "وعد بلفور" المشؤوم.. لتخرج القمة بالية خالية من المضمون ولم تحمل من جديد للشعب الفلسطيني المحاصر، ولم تقدّم رؤية لإنهاء الاحتلال الصهيوني المقيت أو وقف الاستيطان.. حتى انها لن تجرؤ على تسمية الجاني أو الدفاع عن الضحية؛ ولم يكن الهدف منها هو نصرة لفلسطين بل دعماً للاحتلال الاسرائيلي وتبييض مجازره الدموية التي ذهب ضحيتها حوالي 70 الف قتيل غالبيتهم من الأطفال والنساء.
حينما أمتدح الرئيس الأمريكي خلال قمة العمالة والخنوع في شرم الشيخ، أمير قطر واعترافه بدوره في تصفية قضية غزة أو بالاحرى القضية الفلسطينية الى دون رجعة، وقال " يتعين أن يُنسب الفضل لقطر، فقد قدمت لنا مساعدة كبيرة للغاية في التوصل الى اتفاق غزة.. الطريقة التي ساعدتنا بها قطر كانت رائعة.. أمير قطر قائد شجاع للغاية ورجل رائع ساعدنا حقا في اتفاق غزة".. الأمر هذا أغضب محمد بن سلمان كثيراً، ما دعاه الى إلتزام الصمت هنيئاً ثم ليعلنها بصوت مرتفع وصريح "إن السعودية والبحرين والامارات لن تشارك في جهود إعادة إعمار قطاع غزة، ما لم يكن هناك ضمانات سياسية وأمنية واضحة، تضع حداً لسيطرة حماس وفصائل المقاومة العسكرية على قطاع غزة، ونزع سلاح المقاومة"- وفق صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية؛ فيما كشفت صحيفة “معاريف” العبرية ، إن غياب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد عن قمة “شرم الشيخ”، سببه عدم رضاهما بما ستحضى به قطر من تقدير أمريكي.
فلسطين وشعبها ومظلوميتا وهجرانها وجوعها وضحاياها وانهار الدماء التي تسيل على أرضها حتى لحظة كتابة هذه السطور وفي المستقبل، كانت الغائب الأكبر والوحيد عن قرارات قمة العهر والسفالة العربية الاسلامية في شرم الشيخ.. لكنها بقيت حاضرة في وجدان الشعوب الحرة التي تتابع المشهد بحسرة، والعواصم الأوروبية مثل لندن برلين وباريس وأمستردام وفيينا وروما، وكذا مدينة ميلانو الإيطالية وميناء روتردام الهولندي، تشهد تواصل التظاهرات الاحتجاجية دعماً لغزة والقضية الفلسطينية.. وشعبنا الخليجي يحتفل رقصاً ماجناً مختلطاً ساكراً مثلياً فسقاً وفجوراً مفضوحاً مهرجان الرياض السنوي بإيعاز من محمد بن سلمان لإشغالهم عن فلسطين ومأساتها، وغزة وحصارها ومجاعتها ودمارها وضحاياها و...
"وثائق أمريكية تظهر أنه على مدى الأعوام الثلاثة الماضية وبوساطة أمريكية اجتمع كبار القادة العسكريين الاسرائيلين و6 دول عربية في سلسلة اجتماعات تخطيط عُقدت في البحرين ومصر والأردن وقاعدة العديد بقطر، بمشاركة سعودية فاعلة ونشطة؛ ناقشت ضرورة انهاء المقاومة الفلسطينية والأنفاق تحت الأرض في غزة.. دول عربية عززت سرا تعاونها الأمني مع "الجيش الإسرائيلي" حتى مع إدانتها للحرب في قطاع غزة.. واشنطن وصفت المشروع بأنه "هيكل أمني إقليمي" يضم "إسرائيل" والسعودية وقطر والبحرين ومصر والأردن والإمارات وربما الكويت.. تدريبات مشتركة في قاعدة فورت كامبل بولاية كنتاكي عام 2025 على كشف وتدمير الأنفاق تحت الأرض بمشاركة الدول العربية الستة المذكورة اعلاه" - صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
العقل العربي والاسلامي الحرّ ذهل ذهولاً كبيراً مما جرى في قمة العمالة والانبطاح في شرم الشيخ، كيف يمكن للمجتمعين فيها يتحدثون عن “السلام” فيما لا تزال غزة تقصف بوحشية وتُقتحم المدن في الضفة الغربية المحتلة ويُقتل الأطفال بلا حساب؟، أليس الصمت عن كل هذه الجرائم هو شكل من أشكال المشاركة فيها؟
لقد شعر الفلسطينيون أن هذه القمة لم تُعقد من أجلهم، بل من أجل تطبيع جديد يمرّ من فوق آلامهم.. خاصة وأن الخطاب العربي وفي مقدمته ما طرحته قطر والسعودية هناك بات تبنياً لموقف المحتل والجزار الاسرائيلي بدلاً من دعم الأبرياء والعزل وقضية الأمة الأولى.. "قمة شرم الشيخ باعت ما تبقى من فلسطين” ليست مجرد عبارة غاضبة، بل حقيقة مؤلمة تعبّر عن خيبة أمل الشعوب العربية والاسلامية من مؤسساتها وقياداتها. فحين تُستبدل المبادئ بالمصالح، ويُقدَّم الاستقرار على العدالة، تضيع البوصلة وتُختزل القضايا الكبرى في شعاراتٍ بلا روح.
"إسرائيل ودول عربية وقعت على خطة دفاع جوي إقليمي خلال مؤتمر أمني عام 2022 نصت على تنسيق المناورات وشراء التجهيزات العسكرية اللازمة من "إسرائيل".. رغم غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية للسعودية مع "إسرائيل"، تُظهر الوثائق أنها وقطر لعبتا دورا بارزا في الشراكة الأمنية الناشئة.. السعودية لعبت دورا نشطا بتبادل معلومات استخباراتية مع إسرائيل وشركائها حول ملفات سوريا واليمن.. السعودية أقترحت إنشاء "المركز السيبراني المشترك للشرق الأوسط" قبل نهاية 2026، و"مركز لدمج المعلومات الأمنية والمعلوماتية".. الدول الخليجية تتعامل ببراغماتية وتحترم القدرات العسكرية الإسرائيلية وتعتقد أن "الإسرائيليين" يستطيعون التحرك بحرية دون اكتشاف" - صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
وثائق وزارة الخارجية البريطانية (ملف FO 371/31533، مؤرخ في 1944) تكشف أن عبد العزيز أكد للمندوب البريطاني وخلال لقائه مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن البارجة كوينسي، لم يعارض انشاء دولة يهيودية على أرض فلسطين بل حتى دعمها ووثق لها (راجع: Foreign Relations of the United States, 1945, Vol. VIII, pp. 45–47).. فمه عهد الجد عبد العزيز حتى زمن الحفيد محمد بن سلمان سارت الأمور كما تشتهي سفن الراعي البريطاني والأمريكي، وما هي رغبة الاحتلال الاسرائيلي بما للكلمة من معان.. فمن دعم لفظي في بيانات خاوية خالية من القومية والانسانية والعروبة والاسلام، الى شرعنة التطبيع فحسب بل حتى التصريح بالتآخي مع العدو الصهيوني باعلان "بن سلمان" في مقابلات مع مجلة The Atlantic (أبريل 2022) أن “إسرائيل حليف محتمل” وأن “الفلسطينيين أضاعوا فرصا كثيرة”.
المسار التاريخي لآل سعود ومواقفهم تجاه القضية الفلسطينية يظهر جلياً أن البراغماتية كانت الثابت الوحيد في سياسة الرياض تجاه فلسطين.. تقارير (2023–2024 Axios Wall Street Journal)، كشفت تسريبات عن مباحثات أمريكية- سعودية حول التطبيع الكامل، في مقابل ضمانات أمنية من واشنطن بإعتلاء محمد بن سلمان العرش دون منازع ودون إراقة دماء، ولو على حساب الثوابت التاريخية للقضية الفلسطينية.. ما تغيّر في عهد " بن سلمان" هو الشكل لا الجوهر، فقد كان التطبيع بين الأسرة السعودية الحاكمة وتل أبيب في الماضي سريا تكتيكيا، وأصبح اليوم علنيا استراتيجيا.. والمضحك المبكي في كل هذا أن السلطة السعودية تصر على أن التطبيع أو الانفتاح تجاه "إسرائيل" يهدف الى خدمة القضية الفلسطينية من الداخل عبر الضغط الدبلوماسي!!.
ارسال التعليق