هل الإمارات تفكر فعلا بالانسحاب من التحالف السعودي؟
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي ثمة تقارير عديدة ترددت في الآونة الأخيرة، حول نية السلطات الإماراتية، أو تفكيرها بالانسحاب من تحالف العدوان السعودي على الشعب اليمني المظلوم، والمتواصل منذ أكثر من أربع سنوات!! ففي هذا السياق نقلت وكالة رويترز للأنباء يوم 28/6/2019 عن أربعة مصادر دبلوماسية غربية، قولها أن دولة الإمارات العضو الرئيسي في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن قلصت وجودها العسكري هناك، بسبب التهديدات الأمنية الناتجة عن تزايد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران...ونقلت الوكالة عن اثنين من الدبلوماسيين، أن الإمارات سحبت بعض القوات من الساحل الغربي ومن عدن، وهذه مناطق عُرفت بتواجد أساسي وتمركز للقوات الإماراتية فيها!
ومنذ صدور هذا التقرير توالت التحليلات والتعليقات حول هذا الأمور، مجمعة على أمر واحد وهو إن السلطات الإماراتية تفكر في الخروج من هذا المستنقع، ذلك ما أضطر، هذه السلطات أو حلفائها إلى تسريب أخبار وتصريحات حول أن الأمارات لا تنوي الانسحاب من تحالف العدوان، إنما قامت بإعادة انتشار لقواتها في عدن وفي الساحل الغربي، اقتضته استراتيجية المواجهة مع الحوثيين، ففي هذا السياق نقلت صحيفة العرب اللندنية القريبة من السعودية في عددها ليوم 30/6/2019، عن مسؤول اماراتي، بحسب زعمها، وصفته بالكبير ولم تسمه، قوله "صحيح أن هناك بعض التحركات للقوات العسكرية...لكنها ليست إلا إعادة انتشار في اليمن"مضيفاً "إن الإمارات ملتزمة تماماً بالتحالف العربي، ولن تترك فراغاً في اليمن" وبحسب الصحيفة، نفت مصادر وصفتها بالمطلعة في التحالف العربي، ولم تكشف هويتها أيضاً صحة التقارير الصحافية التي تحدثت من تقلص الأمارات لوجودها العسكري في اليمن على خلفية التوتر في الخليج بين الولايات المتحدة وإيران. وأشارت المصادر المذكورة، كما تزعم الصحيفة إلى أن "الأمارات تشكل إلى جانب السعودية القوة الأساسية في التحالف العربي لدعم "الشرعية" الذي لا يمكن أن ينهي دوره قبل تحقيق أهدافه في عودة الاستقرار إلى اليمن، وإنهاء الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران وكافة تداعياته وآثاره" على حد قول هذه المصادر، التي قالت الصحيفة أن ما يروج عن انسحاب الإمارات ما هو إلا حرجاً نفسية ضد التحالف. من جهته الدكتور محمد جميح، من شلة الرئيس المخلوع هادي عبدربه منصور، والكاتب في صحيفة الشرق الأوسط السعودية التي تصدر في لندن، هو الآخر، اعتبر حركة القوات الإماراتية ومغادرتها مع معداتها الثقيلة بما فيها منظومة صواريخ باتريوت، مواقعها في محافظة مأرب، طبقاً لما نقلته صحيفة أخبار اليوم، اعتبر هذه المغادرة مسألة طبيعية، هي عبارة عن إعادة انتشار للقوات الإماراتية.
ولأن النفي لم يأتِ مباشرة من مسؤول إماراتي، فإن النفي الآنف لا يمكن الأخذ به على محمل الجد، وما يعزز هذا الأمر، أن المصدر واحد، هو السعودية وعملائها في ما يسمونهم الشرعية، فالأول صحيفة العرب المحسوبة على السعودية وهي تصدر في لندن، ونقلت عن مصادر لم تسمها، والثاني عن محمد جميح وهو من مرتزقة السعودية أيضاً، ولا أستبعد أن يكون هذا النفي بهدف تطويق تداعيات هذا الحدث إن صح، وهي تداعيات خطيرة، من شأنها أن تؤدي إلى انهيارات في جبهة التحالف، التي تتعرض أساسا للهزائم في المعارك الأخيرة أمام الحوثيين. ولذلك ما دام لم يصرح المسؤولون الإماراتيون، بأن ما نقلته وكالة رويترز عن نوايا إماراتية لسحب قواتها من اليمن، فأن التكهن يبقى قائماً حول احتمالات جدية القرار الإماراتي للخروج من المستنقع اليمني، سيما وان هناك عوامل كثيرة قديمة ومستجدة، على صعيد مجريات العدوان وعلى صعيد الإقليم، باتت تساهم مساهمة فعالة في تعزيز وتكريس وتشديد المأزق الإماراتي في العدوان على الشعب اليمني نذكر منها ما يلي:
1ـ تطورات العدوان على الشعب اليمني، فهذا العدوان ليس لم يحقق أهدافه في السيطرة السعودية الإماراتية على كل اليمن، وحسب، بل أصبح مكلفاً للأمارات والسعودية للغاية على صعد كثيرة، منها:
أولاً: خسائر مالية وبشرية ضخمة فالتقارير تتحدث عن أن الأمارات تنفق شهرياً قرابة الـ3/1مليار دولار، ما شكل لها ذلك استنزافاً مالياً، منذ اشتراكها في تلك الحرب، في عام2015، أي أن خسائرها المالية وصلت إلى الـ90مليار دولار وهو رقم ضخم جداً، استخدمته الإمارات وفقاً للتقارير الدولية في بناء تشكيلات عسكرية عدة في الجنوب، مناهضة لحكومة عبدربه منصور هادي، ولتطلعات الأخير في العودة إلى صنعاء، ما تسبب ذلك في اصطدام أو تصادم الأجندات الإماراتية مع الأجندات السعودية. أما خسائر الإمارات البشرية، فرغم أنها تمارس عملية تعتيم على قتلاها وخسائرها في الحرب، لكن وفقاً لورقة بحثية أصدرها مركز "إيماسك" للدراسات، تقدر خسائرها قرابة 111 عسكري، وبالطبع الإمارات لديها ثلاثة أنواع من الجيوش في اليمن، إماراتية ومرتزقة يمنيين، ومرتزقة من الشركات الأمنية الدولية، من كولمبيا ومن بقية دول أخرى حتى من أمريكا نفسها. على أن هذه الخسائر متواضعة جداً، لأن الإمارات في ضربة واحدة لجماعة الحوثي بصاروخ توشكا قبل سنتين أو أكثر قتل قرابة الـ300عسكري أماراتي، بحسب تقارير من داخل اليمن في الجنوب ومن المعسكر الذي تم استهدافه في ذلك الوقت.
وثانياً: خسائر أخلاقية مدوية بسبب جرائم العدوان على الشعب اليمني، فنتيجة لرفض الشعب اليمني للاحتلال الإماراتي لمحافظات الجنوب، استخدمت الأمارات أبشع أساليب القمع مع هذا الشعب، ومارست كل أنواع التعذيب والقتل، حتى أن المنظمات الدولية أصدرت عشرات التقارير حول ممارسات الإماراتيين بحق اليمنيين، ونشرت فيديوهات كثيرة حول إذلال العسكري الإماراتي للمواطن اليمني في الجنوب وحول عمليات الاغتصاب والاغتيالات التي تقف وراءها الأمارات، وذكرت هذه التقارير أن هذه الاغتيالات تطال المعارضين للاحتلال الإماراتي من أبناء وبنات اليمن، وكشفت أن الإمارات شيدت لها هناك أكثر من 300سجن من المناطق الجنوبية يقبع فيها الآلاف من أبناء الشعب اليمني! واللافت أن حلفاء الأمارات ساهموا إلى حد كبير من كشف العسف والظلم الإماراتي الذي مارسته قوات الاحتلال الإماراتية في الجنوب اليمني ما شكل ذلك ضغطاً أخلاقياً على النظام الإماراتي، وولد ضغوطاً دولية وإقليمية، منها غربية خصوصاً، على النظام الإماراتي، لدرجة أن بعض هذه الأنظمة مثل ألمانيا وهولندا أوقفت مبيعاتها العسكرية للإمارات وللسعودية بسبب جرائمها المروعة بحق الشعب اليمني.وما زالت هذه الضغوط تتواصل على النظام الإماراتي، ففي أواخر العام الماضي رفعت منظمة التحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات ((عدل)) دعوى مدعومة بـ1000وثيقة وشهادة أمام محكمة الجنايات في باريس ضد محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي نائب القائد العام الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، تتهم الدولة بالضلوع في جرائم حرب في اليمن. وفي شهر مارس الماضي تقدم مكتب محاماة فرنسي بدعاوي قضائية ضد مرتزقة فرنسيين يعملون لمصلحة شركة أمريكية خاصة، لاتهامهم بارتكاب جرائم حرب ضمن النزاع اليمني بتمويل من الأمارات". وفي الولايات المتحدة نفسها أقر الكونغرس وقف تسليح الإمارات والسعودية بسبب جرائم حرب اليمن.
وثالثاً: رفض الشعب اليمني في المناطق التي يسيطر عليها الإماراتيون، سيما في الآونة الأخيرة، بعد ما أتضح لليمنيين نوايا وأهداف الاحتلال السعودي الإماراتي للأراضي اليمنية... وإذ بدأت مظاهر الرفض الشعبي اليمني للاحتلال الإماراتي في عدن وفي حضرموت والمناطق الأخرى بالتعبير اللفظي، أو الاحتجاج المحدود إلى المظاهرات الواسعة والعارمة كما حصل في ارخبيل سقطري مؤخراً، حيث خرج عشرات الآلاف من أبناء جزيرة سقطري يطالبون بخروج المحتل الإماراتي، ويرى الخبراء أن هذا الرفض الشعبي سيتحول إلى مواجهات عسكرية وقد حصلت مثل هذه المواجهات بين مرتزقة النظام الإماراتي، ومرتزقة السعودية في حضرموت وفي عدن وفي مناطق أخرى، ولعل العداء المتزايد بين الأمارات ومرتزقتها، وبين حكومة هادي ومن يدور في فلكها المدعومين من السعودية، زاد من فضح أهداف الاحتلال الإماراتي، للمحافظات الجنوبية، وعمق حالة الرفض الشعبية ضد هذا الاحتلال، فالإمارات حاولت بكل السبل العسكرية والأمنية والإعلامية تضعيف بل وإلغاء دور الحكومة اليمنية العميلة للسعودية بقيادة هادي في تلك المناطق التي يسيطر عليها التحالف السعودي، ما أدى ذلك إلى اتساع قوة الاختلاف والتباين بين الأجندات السعودية، والأجندات الإماراتية في اليمن، وللإشارة أن حالة الرفض الشعبي للاحتلال الإماراتي شملت أيضاً الاحتلال السعودي، لدرجة المواجهات العسكرية في محافظة المهرة في جنوب اليمن، بل وصلت الأمور اليوم إلى حد بروز أصوات من حكومة العميل هادي تنتقد السعودية والإمارات، بعد ما كانت هذه الأصوات تنتقد الإمارات فحسب، فنذكر على سبيل المثال، دعوة وزير الدولة في حكومة هادي محمد عبد الله كدة، في حوار أجراه مع موقع "الموقع بوست" في نهاية الشهر الماضي، إلى السعودية إلى مراجعة مواقفها إزاء التواجد غير المبرر في محافظة المهرة..
ورابعاً: التطور الهائل في قدرات جماعة الحوثي العسكرية، فسلاح الصواريخ البالستيا والطيران المسير، قلب المعادلة العسكرية لصالح الحوثيين، فبعد استباحة الطيران اليمني المسير وكذلك سلاح الصواريخ للأجواء والمواقع السعودية وعجز أنظمة الدفاع الجوي السعودية، الأمريكية الصنع عن صد هذه الأسلحة، ثم قصف مطار أبو ظبي الذي أنكره الإماراتيون قبل عدة أشهر، وأثبته الحوثيين بفيديو مصور...كل ذلك على ما يبدو اقنع المسؤولين الإماراتيين بان تحالفهم ليس بات غير قادر على حسم الحرب بعد خمس سنوات من الكوارث وحسب، وإنما بات هذا التحالف يهدد الداخل الإماراتي، مثلما هو الحال بالنسبة إلى السعودية، فبعض الخبراء في المنطقة يؤكدون أن التهديد اليمني للإمارات بات جدياً في ظل التطورات المشار إليها، وبات هذا التهديد ينعكس على الجدل والاختلاف الموجود أصلاً بين القيادات الأمارات، حيث وسع هذا التهديد من هوة الخلافات بين تلك القيادات، سيما بين قيادتي إماراتي دبي والشارقة مع أبو ظبي ومع محمد بن زايد تحديداً حيث تعترض قيادة إمارة دبي، من آل مكتوم على استمرار تلك الحرب على اليمن، وتطالب بل وتضغط باستمرار على بن زايد للانسحاب من هذه الحرب، وتلك خلافات بدأت تطفو على السطح وأصبحت حديث الصحف ووسائل الإعلام الغربية والعربية أيضاً. ففي هذا السياق كشف الخبير العسكري العراقي اللواء المتقاعد عبد الكريم خلف، بأن هذا الخلاف بات من العمق بحيث أصبح يهدد بتدمير الاتحاد الإماراتي، وأكد هذا اللواء المتقاعد في تغريدة له على تويتر، أن هذا الخلاف قد يصل للانفصال عن الاتحاد بسبب حرب اليمن.. فأي خطوة تصعيدية من الحوثيين ستنهى اتحاد الإمارات وجودياً.. واختتم هذا الخبير العراقي قوله " بأن هذا الأمر يدركه بن زايد وطموحاته ستدمر بطائرة مسيرة صغيرة هي بحجم بن زايد ".بحسب قوله.
من جهته كان الأكاديمي الإماراتي واستاد العلاقات الدولية والإعلام الدكتور سالم المنهالي، قد أكد في تغريدة على توتير بتاريخ12سبتمبر2018، بأن الخلافات بين بن زايد، وبن راشد تصاعدت بشكل كبير خلال الفترة"، مشيراً...إلى "أن هذه الخلافات ستصل لمرحلة الانفجار قريباً".
2ـ يقول الخبراء، أن القيادات الإماراتية بدأت تتحسب العواقب نتيجة انسياقها مع التصعيد الأمريكي السعودي الصهيوني مع إيران، وزاد من تحسباتها تلك تردد وتراجع الولايات المتحدة، وهي الدولة العظمى، عن المواجهة العسكرية مع إيران، خوفاً من النتائج الكارثية لهذه المواجهة، حيث كشفت إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة المتطورة والفريدة من نوعها في العالم، قبل الدفاعات الجوية الإيرانية، أن إيران تمتلك أسلحة كاسرة، وبالتالي سوف تكون الحرب معها مدمرة. وفي هذا السياق قالت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية في عددها ليوم 30/6/2019 " أن الإمارات سحبت جزءاً كبيراً من قواتها المقاتلة في اليمن، خشية من ردة فعل انتقامية قد تطالها في حال اندلعت الحرب الأمريكية على إيران".
وتقول الصحيفة " إن الإمارات بدأت تشعر بالصدمة بسبب المعارضة المتزايدة في واشنطن للحملة العسكرية في اليمن، كما أنها تخشى أن تكون واحدة من أولى أهداف طهران الانتقامية إذا أمر الرئيس دونالد ترامب بشن ضربات عسكرية على إيران، حسبما قال المسؤولون وآخرون مطلعون على خطط الإمارات". وتنقل وول ستريت جورنال عن بيتر ساليسبري، وهو متخصص بالشأن اليمني في مجموعة الأزمات الدولية قوله "إن التحركات العسكرية (الإماراتية) هي إشارة واضحة من الإماراتيين إلى أنهم يريدون التركيز على الدبلوماسية واستخراج أنفسهم من حرب لا تحظى بالدعم الدولي.
3ـ يبدو أن بن زايد وصل إلى قناعة في الحرب على اليمن، ليضطلع بدور فاعل ومواز للنظام السعودي في إطار المشروع الأمريكي والصهيوني، وبدعم أمريكي، وسوف يسمح الأميركان لنظام بن زايد في توسيع العمق الاستراتيجي للإمارات بالسيطرة على محافظات، وجزر يمنية، لكن تبين بعد مرور أربعة سنوات، أن ما يهم أمريكا تحقيق مصالحها في اليمن وتشغيل مصانعها العسكرية، فيما تتعرض الأمارات إلى الاستنزاف والخسران من هيبتها ومن مكانتها، وحتى من أمنها...
على أي حال، وبينما أنا أواصل كتابة هذه السطور، نقلت وسائل الإعلام تصريحات المستشار السياسي السابق لبن زايد، عبد الخالق عبد الله، حول الأنباء عن سحب الإمارات جزء من قواتها اليمن، طارحاً ثلاثة أسباب لسحب هذه القوات هي: استمرار هدنة الحديدة، وارتفاع كفاءة وجاهزية القوات المسائدة " للشرعية" بشكل ملحوظ، وأخيراً تراجع في العمليات العسكرية خلال العام 2019..بحسب زعمه، غير أن هذه الأسباب غير مقنعة وهي محاولة لتضليل الإعلام وخداع الرأي العام عن السبب الحقيقي لنقل هذه القوات أو التقليل منها، أو سحبها، ألا وهو المأزق الذي تعيشه الأمارات، والذي يزداد تفاقماً باستمرار، كما أشرنا في هذه السطور، على أن البعض من المحللين اعتبر كل القصة خدعة إماراتية لتحقيق أهداف محددة وطموحة في اليمن، لكن ما تشهده عدن من حرب بين الأحياء السكنية، وما تشهده بقية المناطق المحتلة من تحرك وصراعات مسلحة بين مرتزقة السعودية وقواتها، وبين مرتزقة الإمارات وقواتها دليل كبير على ضعف الرواية الآنفة ومؤشر على اقتراب تفكك ما يسمى بالتحالف العربي العدواني على اليمن، سيما في ظل رجحان كفة الحرب لصالح الحوثيين.
ارسال التعليق