وزيرالدفاع الأمريكي يصدم السعوديين يخيّب آمالهم!
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي
مما هو معروف أن التنافس بين إيران والسعودية كان موجوداً قبل انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، فكل من هاتين الدولتين الكبيرتين في المنطقة يريد أن يكون صاحب الخطوة في زعامة المنطقة والقيام بدور بارز فيها...وفيما كان السيدان الأمريكي والبريطاني ينسقان الأدوار بينهما ويمنعانهما من الاحتكاك الّا على نطاق ضيق جداً، فإن الوضع اختلف اختلافاً كبيراً بعد انتصار الثورة، وخروجت إيران من دائرة الاستعمار الأمريكي، فقد ازداد التنافس واتخذ طابعاً أكثر حدة، حيث عمدت دوائر الاستعمار الأمريكي والبريطاني إثارة الخلافات بين الطرفين، ودفعت بالسعودية الى التحرك في اتجاه تعميق هذه الخلافات واللافت أن الاميركان والبريطانيين اقنعوا السعوديين بأن الثورة إيران تشكل خطراً عليهم لأنها تشكل نموذجاً جديداً في المنطقة يمكن أن تحتذي به الجماهير في السعودية وفي مناطق أخرى.....وبالرغم من كل أنواع التحريض الأمريكي والغربي للنظام السعودي للتحرك باتجاه معاداة النظام القائم في طهران، إلا أن القيادة السعودية ظلت تحافظ على خيط توازن مع إيران، فهي لا تذهب بعيداً في العدوانية...صحيح أن العلاقات ظلت بين مد وجزر وحصلت بين الأحداث التي باعدت بين الطرفين، كأحداث مكة التي راح ضحيتها أكثر من400حاج إيراني، بعد إجراء مظاهرات البراءة من المشركين، وقيام الجيش السعودي بمنع تلك المظاهرات، إلا أن معادلة التوازن وعدم الاندفاع نحو التصعيد الخطير، ظلت تحكم تلك العلاقات...
على أن هذه المعادلة اتخذت طابعاً جديداً بعد تحرك الشعوب العربية في بعض الدول العربية كتونس ومصر وليبيا، فبعد أن كان التحرك السعودي ضد القوة المنافسة لها خفياً وخجولاً احياناً، أصبح علنيا ويتسم بالجرأة، صحيح أن الإعلام الأمريكي والغربي ثم تبعه الإعلام السعودي والعربي السائر في فلكه يمهد لهذه الانطلاقة السعودية بإثارة مقولات كثيرة، وخصوصاً بعد حرب اللبنانية مع اسرائيل عام 2006م، ومن أهم هذه المقولات، مقولة : " أن العدو الصهيوني يشكل خطراً على العرب أم إيران"؟ ويجيب هذه الإعلام بأن إيران تشكل خطراً على العرب!!
ولكن رغم أن الغرب حاول الانتقال بالوعي العربي إلى مواجهة، أو التمهيد لمواجهة ما يسمونه التهديد الإيراني أو التمدد الإيراني في المنطقة ظلت العلاقات السعودية مع جارتها الخليجية غير العربية تتسم بالحذر وعدم التهور، حتى مجيء ما يسمى بالربيع العربي،كما قلنا قبل قليل، حيث اتخذت طابعاً عدائياً، وصريحاً، وتماهت مع الاستراتيجية الأمريكية الغربية الرامية إلى الاستغلال أحداث "الربيع العربي" في تمزيق الشعوب العربية وتجزئة البلدان العربية وتحويلها إلى كانتونات متصارعة على أسس طائفية وعرقية ومذهبية وحتى مناطقية وقبلية...كما تماهت مع الاستراتيجية الخاصة باستغلال هذه الأوضاع في قص أجنحة إيران في المنطقة وصولاً إلى تحجيمها ومحاصرتها في عقر دارها... ولذلك نزلت السعودية وقطر والإمارات، بكل ثقلها في أحداث العراق وسوريا ولبنان، وهو ما أكده وزير الخارجية رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني أكثر من مرة وأكدته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، وأيضاً أكده نائب الرئيس الأمريكي السابق بوش الأبن...جون بايدن...والقصة باتت معروفة حول التورط السعودي القطري في أحداث العراق وسوريا تحديداً وفي لبنان أيضاً...ولكن مع ذلك ظل التحرك السعودي يجري وراء الكواليس أحياناً كثيرة، واحياناً قليلة بشكل علني، ولعل التحرك العلني تقتصر على التصريح بالمواقف السياسية، أما التحرك الأمني والعسكري فينكرها النظام السعودي، ولا يبوح بها...وظل التحرك السعودي محكوماً بهذه المعادلة حتى مجيء الملك سلمان وابنه محمد، حينئذ تغيرت الأمور وأتخذ التحرك السعودي في إطار الاستراتيجيات الأمريكية الصهيونية طابعاً جديداً وخطيراً حتى على السعودية نفسها! ذلك، أن أي مراقب أو متابع بإمكانه رصد التحرك السلماني الذي اتسم بالعدوانية ليس ضد إيران وحسب، وإنما ضد أغلب جيرانها، يمكن أن نشير إلى الخطوات التالية، التي أقدمت عليها القيادة السلمانية في الإطار المشار إليه :
1- تحريض سعودي وراء الكواليس، لدفع وتشجيع الولايات المتحدة لشن حملة عسكرية لإسقاط النظام الإيراني، وفي الحقيقة أن هذا التحريض سبق بن سلمان ووالده، حيث ذكرت بعض الأوساط الأمريكية أن الملك عبد الله أشار على القيادة الأمريكي بالقضاء على رأس الأفعى بحسب تعبيرهم، أي القضاء على النظام الإسلامي، بيد أن هذا التحريض تضاعف في عهد الملك سلمان لدرجة جعلت الرئيسالأمريكيالسابق باراك اوباما ما يتبرم ويرفض الطلب السعودي هذا، في مقابلته مع مجلة اتلانتيك، في السنة الأخيرة لولايته الثانية، إذ قال " يطالبوننا بمهاجمة إيران عسكرياً، نحن لا نقوم بذلك، والخطر لا يأتيهم من إيران، إنما الخطر يأتيهم من الداخل بسبب كبتهم للحريات وعدم السماح لشعوبهم بالمشاركة السياسية، لذا أنصحهم بحل مشاكلهم مع إيران بالحوار ". لكن سلمان وابنه وجدوا في ترامب ضالتهم في هذا المجال، فما أن حط رحله في البيت الأبيض حتى بدأ التحريض السعودي للرئيس الجديد للخروج من الاتفاق النووي الإيراني والإعداد للقيام بعمل عسكري ضد إيران للتخلص من النظام في طهران...وجدير بالإشارة هنا إلى أن هذا التوجه السعودي التقى بنفس التوجه عند النظام الصهيوني، الذي كان له الدور الكبير في فوز وترشح ترامب في الانتخابات الأمريكية، حيث تضافرت جهود سلمان وابنه مع الجهود الصهيونية في التحريض والخروج من الاتفاق النووي الإيراني وشن حملة عسكرية ضد طهران.
2- ومن أجل تحقيق هذه الغاية أبدى بن سلمان استعداده إغراق الولايات المتحدة بالأموال الطائلة وتوظيف كل إمكانات المملكة، بالإضافة إلى الأموال في تمكين الولايات المتحدة من شن عمل عسكري يطال محور حلفاء طهران وينهى هذه الظاهرة وتعود الهيمنة الأمريكية، وتتم عملية تصفية القضية الفلسطينية وينهى التهديد لوجود واستمرار النظام السعودي والأنظمة الأخرى الدائرة في الفلك الأمريكي البريطاني، والى الأبد...وقضية الـ480مليار التي سلمها بن سلمان لترامب على شكل هبات وعقود أسلحة واستثمارات وهمية كدفعة أولى في مجموع ترليونين دولار سيسلمها على مدى خمس سنوات..قضية باتت معروفة ويتحدث بها ترامب نفسه في كل مناسبة .
3- التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني، وإعلان ذلك بشكل علني من أجل تعزيز التعاون العسكري والأمني والتحريض كما أشرنا في إطار المواجهة مع محور المقاومة في إطار حماية أحد هما للآخر، وأيضاً في إطار تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، ليفتح ذلك الطريق لدمج الكيان الصهيوني بالجسد العربي، وبالتالي يصبح التعاون والتنسيق الآنف بين الطرفين وبكل أشكاله، وحتى الاقتصادي منها..يصبح أكثر رسوخاً وتعززاً وأوسع آفاقاً !!
4- وأيضاً تنفيذ الرغبات الإدارة الأمريكية والإدارة الصهيونية شن بن سلمان الهجوم والعدوان على الشعب اليمني، لتحقيق أهداف استراتيجية في السيطرة على الموانئ والممرات المائية المهمة للتجارة الدولية مثل باب المندب ولتشغيل المصانع العسكرية وحل جزء كبير من البطالة الأمريكية، وفيما تحقق الهدف الثاني فأن الهدف الأول لازال بعيد المنال.
5- اشتداد حملة التحريض السعودية والصهيونية معاً منذ خروج ترامب من الاتفاق النووي، في إطار حملة إعلامية صاخبة، لدرجة أن هذه الحملة باتت توحي للمتابع بأن الحرب الأمريكية باتت على الأبواب، بل إن هذه الحملة بلغت مستويات من التصعيد غير مسبوقة الى الدرجة التي أشارت فيها إلى أن العدوان الأمريكي على إيران سيبدأ في مطلع شهر آب! وذلك خلفية التهديدات المتبادلة بين المسؤولين الأمريكان والمسؤولين الإيرانيين. واللافت أن النظام السعودي كان يغني طرباً لاعتقاده أن ساعة الصفر التي ستقوم القوات الأمريكية بها لمهاجمة إيران قد قربت!!
ومن أجل التعجيل بإشعال شرارة الحرب ومحاولة تحشيد الدول الأوربية خلف الولايات المتحدة، زعمت السعودية أن الحوثيين استهدفوا ناقلتي نفط في باب المندب، في البحر الأحمر قرب ميناء الحديدة، في حين أن الحوثيين استهدفوا بارجة حربية سعودية تسمى (الدمام) وألحقوا بها اضراراً فادحة، وعلى أثر تلك المزاعم أعلنت السلطات السعودية إيقاف ضخ النفط عبر مضيق باب المندب لوجود خطر (أيراني) عبر اضرع الإيران، (الحوثيين)، ذلك من أجل خلق الأجواء الملائمة والمناسبة لشن الولايات الحرب في المنطقة.
وزير الدفاع الأمريكي يصدم السعوديين!
وفي ظل هذه الأجواء، وبينما تعيش السلطات السعودية زهواً وفرحاً قرب الهجوم الأمريكي، فاجأ جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي هذه السلطات بتصريحاته الصادمة يوم الجمعة الموافق 27/9/2018، والتي قال فيها رداً على سؤال حول وجود تقارير تفيد بعزم الولايات المتحدة على قصف منشآت نووية في ايران خلال الأسابيع المقبلة.." لا أعرف من أين أتوا بمثل هكذا معلومات، هذا الخيار غير مطروح حالياً، انه أمر خيالي، أو من نسيج الخيال"وأضاف ماتيس " أمريكا لا تريد اسقاط النظام، ولا دفعه نحو الانهيار، إنما تريد تغيير سلوك النظام"، فيما يخص عدد من التهديدات التي يمكن أن يشكلها جيشهم ومخابراتهم ومن ينوبون عنهم ووكلاؤهم" على حد قوله. وكلام وزير الدفاع الأمريكي ناقض تماماً ما كان قد صرح به وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي أطلق وعوداً قبل أيام أمام حفل للجالية الإيرانية في كاليفورنيا بقرب " التخلص من نظام طهران"..ما يعني ذلك، جملة معطيات في غاية الأهمية منها ما يلي:
1- إن كل هذه التهديدات الموجهة لإيران من جانب المسؤولين الأمريكيين، ليس جادة إنما تستهدف الحرب النفسية ضد النظام في طهران، من جانب، ومن جانب آخر خداع وتضليل السعوديين وأمثالهم، من أجل استمرار عملية حلب أموالهم.
2- فسر المراقبون تصريحات ماتيس التي تراجع فيها عن لغة الحرب على أنها دعوة غير مباشرة لطهران للحوار لحل الأزمات بين البلدين وفي المنطقة، وما عزز هذا التفسير هو أن ترامب كان قد دعا أكثر من مرة، القيادة الإيرانية إلى إجراء حوار للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة، وحول ملفات المنطقة الأخرى، بل وسربت وسائل الإعلام الغربية معلومات مفادها أن ترامب طلب ثمان مرات لقاء الرئيس روحاني خلال تواجده في نيويورك، لكن الرئيس روحاني رفض ذلك.
3- المؤشر المهم الآخر هو أن الولايات المتحدة، وعلى عكس ما يفكر به آل سعود، لا تريد أن تكون المتصدرة في شن الحرب في المنطقة ضد إيران، بعد تجربة حربيها في العراق وأفغانستان، والخسائر التي منيت بها بسببهما على الصعيد البشري أو على الصعيد المادي، ولذلك هي غيرت استراتيجيتها من التدخل العسكري المباشر إلى التدخل العسكري غير المباشر، كما فعلت في توظيف القطعان الوهابية في سوريا وحتى في العراق لاحقاً..وفي توظيف العملاء (الوكلاء) مثل النظام السعودي والنظام الإماراتي اللذين ورطتهما في العدوان على اليمن.. أما هي فتقف في الخلف داعمة لوجستياً واستخباراتياً وتزويداً بالأسلحة المدفوع ثمنها أضعافاً مضاعفة بالأموال السعودية والإماراتية، ومتى ما رأت أن مصلحتها تقتضي الابتعاد عن الحرب فأنها في لحظة ما تقرر ذلك،كما حصل مع أدواتها الوهابية في جنوب سوريا حيث أعلنت لهم أنها لا تدافع عنهم إذا هاجمهم الجيش السوري وحلفائه، ولا أستبعد ذلك، مع النظام السعودي، حيث تدفع به نحو هاوية جديدة في المنطقة، وتتركه يحترق، عندما تجد أن مصالحها تقتضي الانسحاب من الدعم والتخلي عن عملائها حفاظاً على سلامة قواتها..كما تخلت سابقاً عن عملائها في فيتنام وفي نيكاراكوا وغير ذلك من الأمثلة على خذلان أمريكا لعملائها وتركهم طعمة لخصومهم.
4- تدل هذه التصريحات أن الأمريكان لا يقدمون على حرب استجابة أو لرغبة سعودية مطلقاً، لأنهم يدركون أن أي حرب مع إيران يشعلونها، ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط إلى 300دلار للبرميل الواحد، وهذا من شأنه أن يصيب الاقتصادات الأوربية وحتى الأمريكية بالانهيارات الكارثية، كما يمكن أن تؤدي الحرب إلى تدمير الكيان الصهيوني، إذا انهالت عليه الصواريخ من كل الجهات، ولذلك أن آل سعود يعيشون وهماً وسذاجة بالغة فهم يحرقون للأسف بلدهم وشعبهم ودولاراتهم النفطية بهذه الأوهام، ولذلك فهم مدعوون إلى التفكير جليا بمصير ونهايات عملاء أمريكا، من أمثال صدام العراق، ومبارك مصر وزين العابدين تونس وقذافي ليبيا وقبلهم شاه إيران ونيورييغا بنما كيف تخلت عنهم أمريكا في اللحظات الحرجة، فهل يؤوبوا إلى رشدهم؟ نأمل ذلك؟
ارسال التعليق