«أبو ديس» بدلًا من «القدس».. مؤامرة سعودية لتصفية القضية الفلسطينية
في الوقت الذي تشتعل فيه الساحة السياسية الفلسطينية والعربية والأوروبية بشأن مصير القدس المحتلة، وتبذل فيه بعض الدول جهودا حثيثة لإثناء الولايات المتحدة الأمريكية عن اتخاذ القرار الذي طالما لوحت به بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، خرجت السعودية التي كان يتوقع منها الفلسطينيون الوقوف بحزم أمام المخططات الصهيوأمريكية، لتُكمل دورها التآمري على القضية الفلسطينية، وتؤكد ما قاله وزير الحرب الصهيوني السابق، موشيه يعالون، قبل نحو أسبوعين، بأن السعودية تقول باللغة العربية ما تقوله إسرائيل بالعبرية.
مؤامرة جديدة
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز”، في عددها الصادر اليوم الثلاثاء، أن المملكة العربية السعودية عرضت على الفلسطينيين مبادرة سلام جديدة تتضمن اختيار بلدة “أبو ديس” المجاورة لمدينة القدس، لتكون عاصمة لفلسطين بدلًا من مدينة القدس الشرقية، وأكدت الصحيفة أن العرض قدمه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، للرئيس الفلسطيني محمود عباس، أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الفلسطيني إلى المملكة مطلع نوفمبر الماضي.
وتضمن المقترح السعودي، وفقًا لتقرير الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه يستند إلى مصادر فلسطينية وعربية مقربة من الرئيس عباس، ومن بن سلمان، أن تقوم دولة فلسطينية بسيادة محدودة بلا حق عودة للاجئين الفلسطينيين، على مناطق غير مترابطة إقليميًا، في الضفة الغربية، مع بقاء المستوطنات الإسرائيلية فيها، على ألا تشمل التسوية مدينة القدس، وأشارت إلى أن عباس “أُعطي مهلة شهرين للقبول بالصفقة وإلا سيكون مجبرًا على الاستقالة”، وأكدت مصادر الصحيفة على أن بن سلمان، عرض الاقتراح وشرح لعباس كيف سيستفيد الفلسطينيون منه، واقترح زيادة الدعم للسلطة الفلسطينية، وكذلك عرض على عباس دفع مبالغ طائلة له شخصيًا.
بين النفي والتأكيد
حاولت الرئاسة الفلسطينية حفظ ماء وجهها ونفي تسريبات الصحيفة الأمريكية، وذلك من خلال التأكيد تارة على أن بن سلمان قدم العرض فيما رفضه أبو مازن رفضًا قاطعًا، وتارة أخرى على أن العرض لا أساس له من الصحة، ونفى المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، ما ورد في تقرير الصحيفة الأمريكية قائلًا إن هذه “أخبار زائفة ولا أساس لها”، مؤكدًا أن السلطة الفلسطينية لا تزال تنتظر الاقتراح والعرض الرسمي الذي ستقدمه الولايات المتحدة.
فيما أكد العديد من المسؤولين الفلسطينيين على ما قالته الصحيفة فيما يخص النقاط الرئيسية للاقتراح السعودي الذي عرض على الرئيس الفلسطيني والتهديد بإقالته، حيث أكد عضو في اللجنة المركزية لحركة “فتح”، أن السعودية عرضت هذه المبادرة في السابق على الرئيس عباس، وقال: خلال الزيارة الأخيرة للرئيس إلى الرياض تمت مناقشة العديد من الملفات السياسية الهامة، وكان على رأسها ما يُعرف بصفقة القرن، وكان من ضمن المقترحات المتعلقة بالصفقة اعتبار “أبو ديس” عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، بدلًا من القدس.
وأوضح القيادي الفتحاوي أن المقترح الذي قُدم من رأس الهرم السياسي في الرياض، في الأول من شهر نوفمبر الماضي، رافقه العديد من المزايا والمشاريع الاقتصادية والوعود بتحسين أوضاع السلطة المالية، ورفع الحصار عن غزة، وتوفير الأموال للموظفين، وسداد ديون السلطة الخارجية جميعها، ولفت القيادي إلى أن الرئيس عباس رفض ضمنيًا الاقتراح، لكنه لم يبلغ الرياض بقراره النهائي.
تصفية القضية
يبدو أن السعودية تأخذ على عاتقها تصفية القضية الفلسطينية، فالتطبيع السعودي الإسرائيلي غير مسبوق في جميع المجالات، ناهيك عن تصريحات بعض المسؤولين السعوديين وعلى رأسهم عراب التطبيع الجنرال أنور عشقي، الذي لا يكل ولا يمل من تبادل الزيارات مع مسؤولي الاحتلال الصهيوني، والحديث عن ما يسميه “الحليف الإسرائيلي وشريك السلام”، فضلا عن محاولات ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يسارع خطواته في طريق فرض تسوية على الفلسطينيين بشروط إسرائيلية من أجل تعزيز تعاونه مع الاحتلال في مواجهة عدوه الإيراني اللدود.
زيارات مبعوثي الإدارة الأمريكية لعملية السلام جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، وجيسون غرينبلات، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط، إلى السعودية أكثر من 4 مرات خلال عام واحد، واستقبال بن سلمان الحافل لهما بشكل سري، تؤكد وجود طبخة سعودية أمريكية إسرائيلية يتم تحضيرها لتصفيه القضية الفلسطينية، تقوم فيها المملكة بلعب دور الوسيط الذي يحاول إقناع السلطات الفلسطينية للقبول بالخطة الصهيوأمريكية، فيما تضغط أمريكا من جانبها على السلطة للتضييق عليها ودفعها نحو القبول، وهو ما أكدته تقارير إسرائيلية سابقة عن أن بن سلمان طلب من عباس القبول بأي اقتراحات تقدم له من قبل ترامب أو يستقيل.
في ذات الإطار، ربط بعض الخبراء السياسيين بين الخطوة الأمريكية الأخيرة برفض منح الترخيص لاستمرار عمل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والذي أثار ضجه مؤخرًا، ورفض عباس لمقترح السعودية باعتبار “أبو ديس” عاصمة للدولة الفلسطينية، وقالت مصادر إن المملكة علمت برفض “أبو مازن” عبر جهات خاصة، وهو ما دفعها إلى إبلاغ واشنطن بذلك لزيادة ضغطها، وهو ما دفع الأخيرة إلى اتخاذ خطوات عقابية ضد السلطة شملت عدم منح الترخيص لمكتب منظمة التحرير، والتلويح مجددًا بنقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بها عاصمة للاحتلال.
بالتزامن مع الحديث عن المقترح السعودي المرفوض ضمنيًا حتى الآن على الأقل من جانب السلطات الفلسطينية، كشف موقع “ميدل إيست مونيتور” مؤخرًاً عن لقاء سري جمع بن سلمان، بالقيادي الفتحاوي محمد دحلان، الذي يعتبر الذراع اليمني للإمارات، للتباحث في التطورات الحاصلة على الساحة الفلسطينية بعد رفض الرئيس الفلسطيني للمقترحات السعودية- الأمريكية، وحسب الموقع فإن بن سلمان يعتزم تحضير دحلان لقيادة المرحلة القادمة إذا أصر عباس على رفض المخطط الصهيوأمريكي.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق