ما لم تحصل عليه الإدارات الأمريكية بالحرب.. تؤمّنه بقوانين.. الابتزاز!!!
“بدون المساعدة المقدّمة من المدّعى عليهم لم يكن تنظيم القاعدة ليقدر على النجاح في تخطيط وتنسيق وتنفيذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول التي كانت نتيجة مُتوقّعة ومقصودة لدعمهم المادي ورعايتهم لهذا التنظيم”! مقتطف من نص عريضة الدعوى القضائية.
أياما فقط بعد زيارة ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، واشنطن واجتماعه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هذه أكثر من 12 شركة تأمين أمريكية مرتبطة بشركة ترافيلرز كوز، Travelers Cos، تقيم دعوى قضائية تطالب فيها شركات ومؤسسات سعودية بدفع تعويضات تصل إلى 4.2 مليار دولار تتهمها “بالوقوف خلف هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بشكل مباشر أو غير مباشر”.
الشركات السعودية تضمّنت مصرف الراجحي، والبنك الأهلي التجاري، وشركتا دولة افكو، وشركة محمد بن لادن، ورابطة العالم الإسلامي وجمعيات خيرية أخرى، اتهمت بـــ”بالمساعدة والتحريض” على الهجمات من خلال أنشطة تدعم ”تنظيم القاعدة“ في السنوات التي سبقت تنفيذ هذه الهجمات، أي بأثر رجعي. يأتي ذلك في استكمال وتفعيل لتشريع جائر أقرّه الكونغرس – بمجلسيْه- يرفع عنها حصانة “تاريخية” ويسمح “بمقاضاتها أمام المحاكم الأمريكية من قبل ضحايا العمليات الإرهابية، “العدالة ضد رعاة الإرهاب، Justice Against Sponsors of Terrorism Act، أو بما يعرف باسم قانون (جاستا، JASTA).
كلاّ، لم تشفع لا علاقات دبلوماسية تمتد لذلك اللقاء على متن الطراد يو أس أس كوينسي، Quincy المشؤوم بين الملك عبد العزيز آل سعود مؤسّس المملكة السعودية والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، Franklin Roosevelt، العائد يومها من مؤتمر يالطا! ولا شفعت القواعد العسكرية المنتشرة كالفطر السام بالخليج العربي، ولا تلك الصفقات ذات الأرقام الفلكية التي دفعتها المملكة ولا تزال تخوض بها حروب دون كيشوت أو حروب الجيل الرابع أينما ومتى شاءت الإمبراطورية المترنّحة، ولا حتى هبتها لسدّ العجز المادي الذي أصاب الولايات المتحدة ساعة أزمتها المادية الخانقة أو أموال ممالك الخليج الطائلة التي يسيل لها لعاب من يتولّون مقاضاتها اليوم باسم “رعاية الإرهاب”!
“قانون العدالة ضد رُعاة الإرهاب”، الذي أضحى يثير قلقا بالغا ليس لدى السعودية فحسب، بل لدى العديد من الدول في منطقة الخليج العربي وخارجها، سيكون سابقة وحافزا لدول أخرى لمقاضاة المملكة والخليجيين قصد مزيد من الابتزاز والمساومات الرخيصة ولن تنفع خدمات شركات العلاقات العامة التي يحاولون بها تلميع صورة يخفت بريقها متى أرادوا!
متى سيستوعب الدروس هؤلاء الذين يستودعون أموالهم وخزائنهم وصناديقهم السيادية بنوكا أمريكية تبتزّهم وتتأثر بـ”أنفلونزا” الدولار الأمريكي وشطحات الاقتصاد الأمريكي؟ قانون “جاستا” الذي شطّ مذاق وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، يسوّق لوهم أن “الولايات المتحدة هي من ستتكبّد خسائر أكبر من السعودية في حال تطبيقها قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب”، ليعود بعدها إلى إسطوانته المشروخة “نحن نأمل ونتوقّع أن العالم سيكون جدّيا حيال تحميل إيران مسؤوليات دعم الإرهاب وخرق اتفاق الصواريخ البالستية وتدخّلها في شؤون دول المنطقة”! هذا الكونغرس الأمريكي هو من يرفع عن بلاده -وليست إيران- حصانة “تاريخية” ويسمح “بمقاضاتها أمام المحاكم الأمريكية من قبل ضحايا العمليات الإرهابية، وهذه شركات تأمين أمريكية –وليست إيرانية- هي من تقيم دعوى قضائية تطالب شركات ومؤسسات سعودية بدفع تعويضات تصل إلى 4.2 مليار دولار!
فماذا فعلت المملكة؟ وماذا فعل هذا الجبير؟ أ لم يهدّد “ببيع سندات خزانة وأصول أخرى بالولايات المتحدة قيمتها 750 مليار دولار”، في حال إقرار الكونغرس لمشروع قانون يحمل المملكة مسؤولية معينة في اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001؟ ماذا عساه ينتظر قبل أن تنسج بقية الدول على المنوال الأمريكي؟ هل شفع مثلا للعقيد معمر القذافي دفعه تعويضات عمليات ارهابية ليبيا منها براء؟
ما لم تحققه الإدارات الأمريكية المتعاقبة بحروب الإمبراطورية المترنحة وتحويل دول عربية إلى “دول فاشلة” تحت عناوين “الربيع″ و”ديمقراطية التوماهوك” وتغيير أنظمة تحاول أن تجنيه من خلال العمل على إغراقها في التبعية العسكرية والاقتصادية وجرّها إلى إفلاس مُمنهج وهي التي تعتبر نفسها “حليفة وشريكة استراتيجية!!! شعارها من لم يمت بـ”الربيع″ مات بــ”التشريعات” القضائية!!
إذا كانت “التهديدات السعودية محور نقاش محتدم بين مشرّعين ومسؤولين بالخارجية والبنتاغون، زمن إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التي ضغطت لمنع إقرار هذا القانون، فهذا الدونالد ترامب، الذي كان يأكل “كعكة لذيذة من الشوكولاتة” مع الرئيس الصيني شي جين بينج ساعة قصفه مطار الشعيرات، هو ذاته من قال في وقاحة وفي تجاوز لكل الأعراف والدبلوماسية والأخلاق “الأموال الخليجية مقابل البقاء.. أنتم لا تملكون غير المال ولا وجود لكم بدوننا”، فما الذي تنتظر المملكة والخليجيون عموما حتى يردون على هذه الإجراءات؟ كيف يصمت من “يملك” 750 مليار دولار وسندات ووو أن يرتهن بالكامل لسياسات الابتزاز والجشع والتحايل؟ أ ليس هناك بدائل أخرى تقطع مع علاقات حولتها إلى مجرّد محميات ومجرد قواعد عسكرية متقدمة؟ أ لا يسمح هذا النظام العالمي الجديد المتشكّل بقليل من المناورة، حتى لا نطالبهم بالبحث عن بديل جذري؟
إنّ الإرهاب وتمويله وكذا حقوق الإنسان والمثل والقيم العليا والشعارات الكبرى عند الولايات المتحدة وشركات سلاحها، وعند كل هذه الأمم التي تعطينا الدروس في القانون الدولي والعدالة ووو، لا تختلف كثيرا في رؤيتها عن الأكورديون يتسع ويضيق حسب النغم والصوت والقضية، ولا مشكلة في أن يتوقف تماما عن العزف، كلما تعلّق بالكسب و ولو بالابتزاز!!
بقلم : نبيل نايلي .. باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس
ارسال التعليق