محنة الرياض.. إما إرضاء ترامب وضرب اقتصادها، وإما إغضابه وفقد دعمه لولي عهدها
قالت وكالة Bloomberg الأميركية إن السعودية تواجه خياراً صعباً في اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) المزمع عقده في الأسبوع المقبل، وهي أمام خيارين: إما خفض إنتاج النفط وإغضاب ترامب، وإما مواصلة ضخ النفط والمخاطرة بحدوث انخفاض كبير في أسعاره، مما قد يُوجِّه ضربةً قويةً لاقتصاد المملكة. وتفاقمت المعضلة بالنسبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بسبب اغتيال الصحافي جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول قبل نحو شهرين. ويحتاج الأمير السعودي إلى حماية ترامب السياسية، في ظلِّ الضغوط التي يتعرض لها من أعضاء مجلس الشيوخ الغاضبين وأصحاب النفوذ الآخرين في واشنطن. وأضافت الوكالة الأميركية أن الأمور سوف تبلغ ذروتها خلال قمة مجموعة العشرين في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، وهو اجتماع قد يشكل مشهد سوق النفط في عام 2019 ويؤثر على كل شيء، بدءاً من الحرب باليمن إلى سعر أسهم شركة Exxon Mobil Inc. وسوف يؤدي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أيضاً، دوراً رئيسياً؛ إذ إن روسيا والسعودية قضتا العامين الماضيين في العمل معاً على إدارة سوق النفط.
قمة العشرين ستحدد كل شيءوقال إد مورس، وهو أحد كبار مراقبي أنشطة منظمة أوبك في مصرف Citigroup Inc: «إنه احتمالٌ ضئيل، لكن الأطراف ستكون حاضرة، وإذا كان من الممكن العمل على شيء، فيمكن العمل عليه هناك. السؤال هو ما إذا كانت ثمة مساحة لاتفاقية بين الولايات المتحدة والسعودية وروسيا حول ماهية السعر المناسب». ما يحدث في قمة مجموعة العشرين سوف يُحدِّد فعلياً نتيجة اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها. وفي هذه الآونة التي يفصلها أسبوع واحد فقط عن اجتماع الوزراء في فيينا، من الطبيعي أن يكون ممثلو المجموعة مشغولين في مبادلة المقترحات والمقترحات المضادة، ومناقشة مستويات الإنتاج المحتملة، وصياغة البيانات. غير أن الأجواء المحيطة بنشاط المجموعة هذه المرة كانت صامتة؛ نظراً إلى أن المسؤولين يقولون إنهم في انتظار إيضاحات من قمة بوينس آيرس. وإذا أراد السعوديون منع انخفاض أسعار الخام، فسيجدون أن العائق الأول أمامهم هو حليفهم التقليدي: الرئيس الأميركي.
محمد بن سلمان لا يستطيع تحدي ترامبتتردَّد في السوق أصداء الحديث الدائر حول أن محمد بن سلمان قد لا يشعر بأنه قادرٌ على تحدي رغبة ترامب في خفض أسعار النفط، لأن البيت الأبيض دعمه في أعقاب مقتل خاشقجي. بعد أن صوَّت مجلس الشيوخ الأميركي، يوم الأربعاء 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لمصلحة مشروع قانون يأتي عكس مصالح السعوديين في اليمن- سوف يصل ترامب إلى بوينس آيرس مُتسلِّحاً بمزيدٍ من الذخيرة التي تؤكد أنه الصديق الأخير للمملكة في واشنطن. قال تيبو ريموندوس، مؤسس شركة Commodities Trading Corporation Ltd ومقرها لندن: «وضع الرئيس ترامب فعلياً حداً أقصى لأسعار النفط؛ ويُقال إن هذا الحد يبلغ نحو 70 دولاراً لبرميل خام برنت، أو بأقصى حد 75 دولاراً للبرميل. سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كان السعوديون والروس قادرين على قول كلمتهم خلال الاجتماع».
ترامب وبَّخ ولي العهد السعودي سابقاً على رفع سعر النفطتقول الوكالة الأميركية إن الرئيس الأميركي أخبر السعوديين علناً وفي الدوائر الخاصة، بأنه يريد خفض أسعار الخام، حتى إنه كشف عن توبيخ محمد بن سلمان، في مكالمةٍ هاتفية، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، عندما ارتفع سعر خام برنت لأكثر من 80 دولاراً للبرميل. قبل انهيار أسعار النفط، كانت المملكة مستجيبة لمطالب ترامب. فقد وصل إنتاجها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، متجاوزاً 11 مليون برميل يومياً، وهو ما أثار بهجة ترامب على تويتر. في ظلِّ قضية اغتيال خاشقجي، ثمة مسألة «مثيرة للسخرية» تتعلَّق بأن محمد بن سلمان سوف يُجبَر على قبول صفقة كبرى: وهي «أسعار نفط منخفضة مدةً أطول» مقابل البقاء في السلطة فترةً أطول. لدى الرياض أسباب قوية كي تمنع تحقق هذه المزحة على أرض الواقع، إذ إن المملكة في حاجة إلى أن يكون متوسط أسعار الخام أعلى من 73 دولاراً في العام المقبل (2019)، لتحقيق التوازن في موازنتها، وذلك حسبما يشير صندوق النقد الدولي. تفتقر السعودية إلى الاحتياطيات المالية التي كانت موجودة في عام 2014، وهي المرة الأخيرة التي اختارت اتخاذ قرار ضد خفض الإنتاج لدعم الأسعار، وبدلاً من ذلك اختارت خوض حرب أسعار ضد منتجي النفط الصخري الأميركي.
هوامش الأمان المالي للمملكة تتراجعقال بسام فتوح، مدير معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة، إن «هوامش الأمان المالي الحالية لدى المملكة أقل، وآفاق اقتصادها وقطاعها الخاص أضعف». وفي مثال صارخ على تأثر السعودية، انخفضت احتياطات النقد الأجنبي لديها إلى نحو 500 مليار دولار، بعد أن تراجعت من ذروة قيمتها التي اقتربت من 750 مليار دولار قبل 4 أعوام. ولعل هناك حدوداً للضغط الذي يمكن أن يضعه ترامب على محمد بن سلمان، الذي يبقى أهم حلفائه بالخليج. يريد البيت الأبيض الاستمرار في الضغط، لخفض صادرات النفط الإيراني، لإجبار طهران على التفاوض لتوقيع اتفاق نووي جديد، وهو ما قد يتطلب مساعدةً من الرياض من أجل مواصلة السيطرة على السوق. قد يمنح ذلك المملكة مسلكاً ضيقاً بين استثارة غضب الرئيس ومنع مزيد من هبوط أسعار النفط. يناقش بعض ممثلي الدول الأعضاء بمنظمة أوبك، في الدوائر السرية، فكرةً لتصميم خفض إنتاج من دون وصفها بذلك صراحة، فربما يمكنهم فعل ذلك، بقولهم إن الإنتاج سوف يقل لأن العملاء يطلبون كمية أقل من براميل النفط. وقال خالد الفالح، وزير الطاقة السعودي، هذا الأمر فعلياً في وقتٍ سابق من هذا الشهر (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، موضحاً أن المملكة سوف تضخ كمية من النفط في شهر ديسمبر/كانون الأول أقل من نظيرتها في نوفمبر/تشرين الثاني، وتوقع انخفاضاً آخر في يناير/كانون الثاني 2019، لأن المشترين يريدون مستويات أقل. بإمكان الآخرين اتباع النهج نفسه، من خلال تأكيد موقف المنظمة القائم منذ عهد طويل، بأن تحافظ على استمرار السوق من خلال مطابقة العرض بالطلب.
إقناع بوتين.. صفقة صعبةيمكن أن يضع ذلك الرياض في مواجهة مشكلتها الثانية: روسيا، وهي خصمٌ قديم تحوَّل إلى حليفٍ في العامين الماضيين. بفضل مرونة عملة بلاده وانخفاض السعر الذي يحقق التكافؤ المالي لها عن السعر الذي يحتاجه السعوديون لتحقيق هذا التكافؤ، قال بوتين هذا الأسبوع، إن انخفاض أسعار النفط إلى 60 دولاراً للبرميل كان «رائعاً للغاية» لبلاده. لا يعني ذلك أن الكرملين على وشك التخلي عن تحالفه مع السعودية، وهو تحالفٌ يمتد إلى أبعد من نطاق النفط، لكنه يعني أنه من الممكن أن يؤدي إلى صفقةٍ صعبة. ومن المُقرَّر أن يجتمع المسؤولون الروس والسعوديون في موسكو خلال نهاية الأسبوع، مما يشير إلى احتمالية التوصُّل إلى اتفاقية حول خفض الإنتاج إذا سار اجتماع بوتين مع بن سلمان في بوينس آيرس على ما يرام، حسبما قال أشخاصٌ مُطَّلِعون على المحادثات. أوضح هؤلاء الأشخاص، الذين طالبوا عدم ذكر أسمائهم لأن المحادثات سرية، أن موسكو -على الرغم من هذا- لا تزال لم تلتزم بعد بأيِّ خفضٍ في الإنتاج، وتبدو معارِضةً لتحمُّل قدر العبء الذي تحمَّلته في 2016. أضاف هؤلاء الأشخاص أنه في ظلِّ وصول إنتاج السعودية من النفط إلى أعلى إنتاجٍ له على الإطلاق بأكثر من 11 مليون برميل يومياً، تطالب الدول الأخرى الأعضاء في منظمة أوبك والدول غير الأعضاء فيها بأن تضطلع الرياض بأول وأعمق التضحيات قبل أن تطالب الدول الأخرى بالإسهام فيها. يشير إجماع الآراء إلى أن السعوديين ليس لديهم سوى قليلٍ من الخيارات الجيدة. وحتى لو تمكَّنوا من تجاوز ترمب بخفض الإنتاج بطريقةٍ غير مباشرة، ثم أقنعوا موسكو بأن تخفض إنتاجها خفضاً كبيراً، لا يعتقد كثيرٌ من المُمَثِّلين ومراقبي منظمة أوبك أنها قد تتوصَّل إلى اتفاقيةٍ قوية مُعلَنة لتستعيد مستويات أسعار النفط المشهودة في وقت سابق من هذا العام (2018)، التي تراوحت بين 75 و 85 دولاراً للبرميل. وقالت أمريتا سين، كبيرة مُحلِّلي بيانات النفط في شركة الاستشارات Energy Aspects Ltd الكائنة بلندن: «سيكون الإعلان عن خفض أوبك (الإنتاج) أصعب من الاتفاق عليه؛ إذ إن الخروج من فيينا، في الأسبوع القادم، من دون خفضٍ صريح، ولكن ببيان مختلط، يشير إلى بعض النوايا واسعة النطاق لمنع وجود فائض عرض في السوق، سوف يؤدي -بلا شك- إلى مزيد من البيع السريع».
ارسال التعليق