مغامرة النفط السعودية تهدد ارتباط الريال بالدولار
بعد فترة وجيزة من انهيار المحادثات بين "أوبك" وروسيا الأسبوع الماضي، مع فشل الأطراف في الاتفاق على خفض إنتاج النفط لدعم ضعف الأسعار، قال عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، إن المملكة ستُبقي الأسواق تتساءل حول خطوتها القادمة.
ولم يتركوا السوق تخمن لفترة طويلة، وخلال 24 ساعة، اتخذت الرياض قرارا دراماتيكيا بإثارة حرب أسعار عدوانية دفعت أسعار النفط الخام إلى أدنى مستوياتها في 4 أعوام، وهزت أسواق الأسهم العالمية.
وينظر باقي الأعضاء في "أوبك" إلى هذه الخطوة على أنها جزء من لعبة تدفع النفط نحو الهاوية من قبل أكبر مصدر للنفط في العالم، الذي أمضى 3 أعوام في قيادة التنسيق بين "أوبك" وروسيا لخفض الإنتاج للحفاظ على أسعار الخام عند مستويات معقولة.
وما إن رفضت موسكو طلب الرياض بإجراء تخفيضات أكبر يوم الجمعة، حتى اتخذت المملكة الخيار الأكثر عدائية وهددت بإغراق السوق بنفط إضافي بأسعار مخفضة بشكل كبير.
ومع تعزيز فيروس "كورونا" للمخاوف بشأن الركود العالمي، والتوقعات السلبية بالفعل بشأن أسعار النفط، يبدو أن الرياض تحاول إيصال رسالة تهديد لموسكو؛ مفادها أن المملكة مستعدة للاستحواذ على حصة روسيا في السوق.
لكنها مقامرة عالية المخاطر ستضر بالاقتصاد السعودي الذي يعتمد على النفط، في الوقت الذي كان المسؤولون يأملون فيه أن يثبت النمو غير النفطي في العام الماضي أن حملةمحمد بن سلمان لتحديث المملكة قد بدأت بالعمل.
وتعتبر أموال النفط هي المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي في المملكة، ومع تداول أسعار النفط الآن عند نحو 36 دولارا للبرميل، يتوقع الاقتصاديون أن تضطر الحكومة إلى خفض الإنفاق وتأخير المشروعات وزيادة الاقتراض، والاستعداد لعجز مزدوج في الميزانية.
ويقول البعض في المملكة: "كان علينا إظهار العضلات لروسيا، فنحن الرجال الكبار في الغرفة"، وقال محلل يعيش في السعودية: "أعتقد أن هذا نوع عال من المخاطرة، وسيكون هناك ثمن باهظ للمملكة وغيرها من منتجي النفط، فلم يكن بإمكانهم اختيار وقت أسوأ".
وأبدى المستثمرون السعوديون بالفعل قلقهم؛ حيث فقد مؤشر "تداول" في المملكة أكثر من 15% من قيمته خلال اليومين الماضيين، وتم تعليق التداول في أسهم "أرامكو" الإثنين؛ لأن أسهمها تراجعت بنسبة 10%، وهبطت أسهم شركة النفط الحكومية إلى ما دون سعر الطرح العام الأولي لأول مرة يوم الأحد، بعد 3 أشهر من الإشادة بالمسؤولين السعوديين لإدراجها باعتبارها نجاحا تاريخيا لولي العهد.
وتفاقمت حالة عدم اليقين في السعودية بسبب حملة القمع التي تزامنت مع اجتماع النفط واستهدفت كبار أفراد العائلة المالكة، فيما يعتبره الكثيرون جزءا من محاولة ولي العهد، البالغ من العمر 34 عاما، لتحييد المنافسين المحتملين.
وقال مسؤول تنفيذي في المملكة: "يشعر بن سلمان بالضغط على جميع الجبهات".
وقال شخصان على دراية بالأمر، إن الدوائر الحكومية قد طُلب منها بالفعل خفض الإنفاق، ويوم الإثنين، كان المستشارون الحكوميون يستكشفون آراء المصرفيين أثناء بحثهم الخيارات السياسية.
وبالنسبة للكثير من السعوديين، سوف يعيد ذلك إحياء ذكريات مؤلمة لآخر هبوط للنفط عام 2014، وقد اتبع وزير النفط آنذاك، "علي النعيمي"، استراتيجية مماثلة لزيادة الإنتاج، على أمل أن يحد الحجم من انخفاض الأسعار، ولقد فشلت هذه السياسة مع توجه الاقتصاد نحو الركود في نهاية المطاف.
وأصبح فائض الموازنة عجزا بلغ 98 مليار دولار في عام 2015، وتوقفت مئات المشاريع، ولم يتم دفع عشرات المليارات من الدولارات المستحقة للمقاولين الحكوميين، وهو إرث لا يزال يثقل كاهل الأعمال في المملكة اليوم، ثم أبرمت الرياض اتفاقها مع روسيا عام 2016 لدعم أسعار النفط عن طريق خفض الإنتاج فيما أصبح يعرف باسم تحالف "أوبك+".
واتبع الأمير "عبدالعزيز"، (الذي حل محل "خالد الفالح" وزيرا للنفط العام الماضي)، نهجا أكثر عدوانية في علاقة المملكة بروسيا من سلفه، ويعتقد "عبدالعزيز"، الأخ غير الشقيق لولي العهد، أن موسكو لم تفِ بالتزاماتها المتمثلة في إجراء تخفيضات جوهرية كافية في الإنتاج.
ومع ذلك، قال شخص مطلع على سياسة الطاقة السعودية، إن المملكة قد سعت إلى توافق في الآراء بين المنتجين، على الرغم من أن بعض مندوبي "أوبك" قالوا إن الأمير "عبدالعزيز" عزل روسيا.
وقال "عبدالعزيز": "الحقيقة هي أن السعودية وحدها لا تستطيع أن تفعل ذلك. أوبك وحدها لا تستطيع أن تفعل ذلك. نحن بحاجة إلى المنتجين الآخرين".
وعندما تم سؤاله عن تحرك البلاد لتخفيض أسعار التصدير بشكل كبير، أجاب: "ما هو الحل؟".
ولدى المملكة قدرات مالية يمكن استغلالها على المدى القصير، مع احتياطيات أجنبية قدرها 502 مليار دولار، لكن المحللين يقولون إنه إذا بقيت أسعار النفط عند مستوياتها الحالية، فسوف تنخفض تلك المدخرات بشدة.
وقالت "مونيكا مالك"، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، إن المملكة قد تواجه 60 مليار دولار إضافية من متطلبات التمويل هذا العام، مع خطر أن يقفز العجز إلى الضعف وصولا إلى 100 مليار دولار، إذا ظل النفط عند المستويات الحالية واستمرت الحكومة في إنفاقها الحالي.
وقالت: "إذا استمرت حرب الأسعار، فسوف يتعين على المملكة خفض الإنفاق للحد من العجز المالي، الأمر الذي سيكون مؤلما للاقتصاد غير النفطي. هذا في وقت يحتاج فيه الاقتصاد إلى النمو وخلق فرص العمل".
ولدى المملكة مستويات منخفضة نسبيا من الدين، ما يعادل نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن من المتوقع أن تزداد تكاليف الاقتراض بسبب انخفاض أسعار النفط.
وقال مصرفي بارز في إشارة إلى خطط ولي العهد لتطوير مشروعات ضخمة وصناعات جديدة لتخليص الاقتصاد من اعتماده على النفط: "سيكون ذلك مؤلما، وستكون هناك تكلفة من الفرص الضائعة ستتحملها استراتيجية التنويع".
وإذا استمر سعر النفط المنخفض، واضطرت الرياض إلى إحراق احتياطياتها إلى درجة جعلتها تنخفض عن 300 مليار دولار، فقد تتزايد الضغوط على ربط الريال بالدولار.
وقال "ستيفن هيرتوج"، الخبير في شؤون الخليج في كلية لندن للاقتصاد: "إذا كانت الصدمة السعرية سريعة، وحدث انتعاش، وانتهت صدمة فيروس كورونا بحلول نهاية العام، فسوف تنجو المملكة من الأمر دون حدوث أزمة كبيرة. لا أعتقد أنهم سيخسرون أكثر من 100 مليار دولار من الاحتياطيات في عام واحد. لكن إذا كان الأمر أطول من ذلك، إذا كان لمدة عامين أو 3 أعوام، فسيكونون في مشكلة كبيرة للغاية، وفي مرحلة ما سيتجهون إلى أزمة عملة".
ويقول محللون إن الرياض ربما ما زالت تأمل أن تعيد موسكو النظر في الأمر، لكن روسيا لديها احتياطيات أكبر، وعملة حرة عائمة، واقتصاد أكثر تنوعا.
ويقول المحللون إن المسؤولين السعوديين كانوا مدركين لممانعة موسكو في مواصلة التخفيضات بينما تظل الإمدادات الأمريكية القوية، ما يعني أن الرياض قد أخذت وقتها في التفكير في خيار زيادة الإنتاج.
وقالت "أمريتا سين"، من "إنرجي أسبكتس": "تدخل المملكة مقامرة كبيرة وخطيرة للغاية. وقد تهدف استراتيجيتها إلى إجبار روسيا على العودة إلى طاولة المفاوضات. لكن إذا لم ينجح ذلك، ونحن لا نعتقد أنه سينجح، فعندئذ قد يكون هذا تحولا له عواقب وخيمة مع تداعيات على منتجي النفط على مستوى العالم".
ارسال التعليق