3 دروس مستفادة من أزمة قطر (مترجم)
نشرت صحيفة واشنطن بوست تحليلا للكاتب مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، يشير فيه إلى أنه بعد مرور أكثر من شهر على الأزمة بين قطر وجيرانها الخليجيين، هناك ثلاثة دروس هامة يجب أن تكون بمثابة ملاحظات تحذيرية لأولئك الذين يأملون في تعديل مسار منطقة الشرق الأوسط المضطربة.
وإليكم نص المقال:
بينما وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، موجود حاليا في الخليج في محاولة للتوسط لإنهاء الأزمة بين قطر ودول الحصار العربية الأربعة، لكن هذا الصراع لا يُظهر أي علامات على الحل. وقد اندلعت الأزمة في 5 يونيو الماضي، بعد وقت قصير من زيارة الرئيس دونالد ترامب للمنطقة. وأعلنت السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين حصار قطر دون سبب فوري واضح. وقد أصدرت الدول الأربع قائمة متطرفة تضم 13 مطلبا تم رفضها من قبل قطر.
وعلى الرغم من دبلوماسية تيلرسون النشطة، يبدو أن الأزمة لا تسير في الطريق الأقرب إلى الحل. إن ما بدأ بتوقع استسلام سريع لقطر، مع إثارة التهديد بتغيير النظام أو احتمالية شن حرب، تحول بدلا من ذلك إلى خلاف وغضب طويل. هل كان هذا مفاجأة؟ فيما يلي بعض الأمور الكبيرة التي تعلمناها عن العلاقات الدولية في الشرق الأوسط من تلك الأزمة الخليجية:
هناك حدود للقيادة السعودية والإماراتية
بعد حضور العشرات من القادة العرب والمسلمين لقمة الرئيس ترامب، توقعت السعودية والإمارات انتصارا سريعا على قطر ودعم إقليمي واسع النطاق. لكن الأمر لم يسر على هذا النحو.
الجهود المبذولة لإثبات الهيمنة السعودية الإماراتية على مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط ككل تسببت بدلا من ذلك في انقسامات مستمرة للنظام الإقليمي. كما هو الحال مع حربهم الكارثية في اليمن، بالغت السعودية والإمارات بشكل جذري في تقدير احتمالات النجاح وفشلت في وضع خطة بديلة معقولة في حال لم تسير الأمور وفقا للخطة الأولى.
وبالمثل، بالغت دول الحصار الأربع في تقدير المخاوف القطرية من العزلة عن دول مجلس التعاون الخليجي ومدى قدرتهم على إلحاق الأذى بجارتهم.
الواقع أنه لا يمكن للمقاطعة الاقتصادية إلا أن تضر بشكل هامشي بقطر، التي هي أحد أغنى البلدان في العالم، في حين أن وجود القاعدة العسكرية الأمريكية يوفر رادعا عسكريا فعالا. كذلك، لم يكن للتهديدات العسكرية تأثير يذكر بعد أن أوضح الجيش الأمريكي أنه ليس لديه مصلحة في اقتراحات الإمارات بتحريك القاعدة الجوية الأمريكية من قطر. كما أن مطلب إغلاق قناة الجزيرة أحدثَّ إدانة عالمية واسعة النطاق باعتباره هجوم على حرية الإعلام.
وفي حين الإخفاق في إخضاع قطر كان يمكن التنبؤ به، إلا أنه من اللافت للنظر أن السعودية والإمارات فشلا حتى في توسيع الائتلاف المناهض لقطر إلى ما بعد الأعضاء الأساسيين الأربعة، السعودية والإمارات ومصر والبحرين.
لم يكن هناك شيئا كبيرا يجذب دول أخرى للانضمام لهذا التحالف. الأكثر من ذلك، لم يؤيد أي بلد آخر تلك الحملة تأييدا قاطعا، بل وانقسمت دول مجلس التعاون الخليجي نفسها، حيث سعت الكويت وسلطنة عُمان إلى القيام بدور الوساطة في حين تحفظت دول شمال أفريقيا، حتى الأردن، ويكافحون من أجل البقاء على الحياد في انتظار ما سيتكشف عن تلك الأزمة.
في الوقت نفسه، خلق الجهد لعزل قطر فتحات لجهات إقليمية فاعلة أخرى. أرسلت تركيا قوات عسكرية إلى قطر لردع أي غزو. ورغم أن هذه كانت مجرد بادرة رمزية، نظرا لعدم احتمالية وقوع أي هجوم علني، إلا أنها زادت من تجزؤ معايير الأمن الخليجي. وقد تعززت جسور التواصل مع إيران، ليس فقط مع قطر ولكن أيضا مع عُمان والكويت.
غموض سياسة الولايات المتحدة تجاه الأزمة
أرسلت إدارة ترامب رسائل مختلطة بشكل مثير للإحباط بشأن الأزمة. أصدر ترامب نفسه عدة بيانات وتغريدات مؤيدة بقوة للسعودية، والتي شجعت وجرأت دول الحصار الأربع. لكن البنتاجون أوضح أنه ليس لديه نية لنقل قاعدته العسكرية من قطر.
من ناحية أخرى، ركزت وزارة الخارجية من خلال تيلرسون على جهود الوساطة والحاجة إلى تهدئة الأزمة، وبتفاخر وقعت اتفاق مع قطر بشأن تمويل الإرهاب. لا أحد يعرف من يتحدث حقا عن موقف الولايات المتحدة وجميعهم يعملون بنشاط على حشد حلفائهم داخل إدارة ترامب.
وكما هو الحال في إدارة أوباما، فإن إدارة ترامب تشهد الآن ديناميكية تحالف سياسية متشابهة جدا، حيث تواصل الأنظمة الخليجية إتباع أجندة سياساتها المحلية والإقليمية الخاصة بشكل لا يتعارض كثيرا مع أولويات واشنطن في المنطقة.
الحرب على الإرهاب حروب بالوكالة وتأمين النظام الداخلي
أزمة قطر هي ثمرة الحروب بالوكالة التي استهلكت المنطقة منذ الانتفاضات العربية عام 2011. في تلك الحروب بالوكالة، دعمت دول الخليج وكلاء محليين يرون أنهم يتفقون مع إيديولوجياتهم في سعيهم لتثبيت حلفاء فعالين محليا على الأرض.
منذ بداية الحرب الليبية، وجهت قطر والإمارات الأموال والبنادق إلى الجماعات المسلحة المفضلة لديهم. وقد كان لذلك آثار مدمرة عميقة على مسار ليبيا في مرحلة ما بعد القذافي، وهو سبب رئيسي للفشل في إعادة بناء دولة ليبية فعالة.
وشاركت السعودية بشكل كبير في تسليح جماعات متطرفة في سوريا، في حين كانت الكويت منذ سنوات مركزا لجمع التبرعات الخليجية لهذه الجماعات. كما أن الدلائل قوية على تورط قطر في تمويل ودعم جماعات متطرفة في سوريا.
في أوائل عام 2015، انضمت السعودية إلى قطر وتركيا في دعم جيش الفتح في سوريا، وهو تحالف متطرف يضم العديد من الشخصيات والمجموعات – مثل جبهة النصرة – التي يتم إدانتها حاليا. إن الخطابات المتطرفة والطائفية التي جلبتها القوى الخارجية إلى سوريا كانت مشكلة تمتد إلى ما هو أبعد من قطر.
من ناحية أخرى، إن الحجج المتنازع عليها حول عما إذا كان ينبغي إدراج جماعة الإخوان المسلمين في تعريف الإرهاب متجذرة في المخاوف الأمنية الداخلية لدى الأنظمة العربية بشكل مماثل كما في الحروب بالوكالة.
دفعت مصر والسعودية والإمارات منذ سنوات من أجل تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، في حين قطر والإخوان المسلمين يقفون على الجانب الآخر في الكفاح من أجل النفوذ الإقليمي. الصراعات على السلطة والمنافسة السياسية بين الأنظمة العربية، فضلا عن مخاوفهم الوجودية المستمرة من الانتفاضات الشعبية والمنافسين الإسلاميين، لا تزال تشكل تهديدا عاجلا.
أدى هذا الاستقطاب بين الإسلاميين وخصومهم في الأنظمة العربية في نهاية المطاف إلى الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهو مصير تم تجنبه بعد أن تنحى حزب النهضة الإسلامي طوعا عن السلطة في تونس.
ما الذي تعلمناه؟
أثبتت أزمة قطر أن الصراعات بين الدول السُنية لا تزال مكثفة تماما مثل نضالهم الإقليمي ضد إيران، وأن المخاوف الأمنية الداخلية لتلك الأنظمة تستمر في دفع وتوجيه سياساتهم. فهذه القوى الإقليمية تخطئ في تقدير النتائج المحتملة لسياساتها بشكل مذهل، وهي ملاحظة تحذيرية لأولئك الذين يأملون في أن تخرج منطقة الشرق الأوسط من الاضطراب الحالي. وهذا يجعل الرسائل المختلطة من إدارة ترامب خطيرة لاسيما في هذا الوقت الحرج في الشرق الأوسط.
بقلم : شيماء محمد
ارسال التعليق