آل سعود: صفقة اسلحة كرواتية للعصابات الارهابية
زادت كرواتيا «بشكل كبير» صادراتها من الأسلحة والذخائر اليوغوسلافية (قبل تفكّكها) إلى السعودية، إذ باعت في الأشهر التسعة الأولى من عام 2016 الرياض ذخائر وقاذفات صواريخ وقنابل تقدّر قيمتها بـ88 مليون دولار، وفق ما كشفه تحقيق استقصائي أجرته «الشبكة البلقانية للتحقيقات الاستقصائية» (BIRN) و«مشروع التحقيق في الجريمة المنظّمة والفساد» (OCCRP).
على الرغم من تحذيرات منظمات حقوق الانسان المتكررة بشأن وصول هذه الأسلحة بطريقة «غير شرعية» إلى مناطق النزاع، وبالأخص إلى سوريا، إلّا أن كرواتيا، وفق التقرير، استمرت في تجارتها مع السعودية و«تربَّحت من الحرب السورية المروّعة» و«استغلّتها» للتخلّص من مخزون الأسلحة المُتراكم منذ الحرب الانفصالية عن يوغوسلافيا.
ففي حين كانت صادرات الأسلحة الكرواتية منخفضة جداً قبل عام 2012 (أقل من مليون يورو سنوياً)، فإن الأزمة السورية وفّرت «سوقاً مربحاً» لكرواتيا التي، وفق تقرير استقصائي نُشر في عام 2013، كانت من الدول الأولى التي سارعت إلى إمداد «الثوّار» بالأسلحة في شتاء عام 2012. وكشف التقرير حينها أن الصادرات الكرواتية إلى السعودية والأردن تعدّ المرحلة الأولى من خط إمداد يبدأ من دول وسط وشرق أوروبا، مروراً بدول الخليج، وينتهي في مناطق النزاع في الشرق الأوسط بـ«مباركة الولايات المتحدة».
وأضاف أن المجموعات المعارضة في سوريا اعتمدت على الأسلحة والذخائر التي كانت تصلها عن طريق هذا الخط بـ«انتظام» للاستمرار في القتال.
ووفق التقرير الجديد، فإن السلطات الكرواتية تحاول «جاهدة» منذ أواخر عام 2012 إبقاء تفاصيل صفقاتها مع السعودية بعيدة عن الإعلام والرأي العام، وذلك من خلال «حذف معلومات رئيسية من التقارير الحكومية الرسمية».
إلّا أنّ عدداً من الصحافيين قاموا بمراجعة قاعدة الأمم المتحدة للبيانات الإحصائية لتجارة السلع الأساسية، التي تنشر الإحصاءات الدولية المفصلة عن تجارة 99 سلعة، واكتشفوا أن كرواتيا صدّرت ما تقدّر قيمته بـ134 مليون دولار من الأسلحة والذخائر إلى السعودية، و47 مليوناً إلى الأردن، منذ كانون الأول عام 2012. كذلك فإنّ مجموع الصادرات الكرواتية إلى المملكة وحدها تخطّى ستة آلاف طن من الأسلحة الخفيفة والذخائر. ووفق قاعدة البيانات، صدّر البلد الواقع في الشرق الجنوبي لقارة أوروبا أكثر من 2,600 طن من الذخائر القديمة، التي لا تحتاج إليها القوات المسلحة في زغرب، إلى الجيش السعودي، بين شهري شباط وأيلول من العام الماضي.
من يستخدم هذه الأسلحة؟
إذا قمنا بمقارنة أطنان الأسلحة القديمة التي تصدّرها كرواتيا للمملكة بالتقدّم التقني في العتاد العسكري للجيش السعودي، يمكننا أن نستنتج أن الوجهة النهائية لهذه الشحنات هي الجماعات المسلحة الموالية للمملكة في سوريا وليبيا واليمن.
في السنين الأربع الماضية، كشفت تقارير صحافية وصول أسلحة كرواتية بطريقة غير شرعية إلى سوريا، من ضمنها تحقيق نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في 26 شباط عام 2013، يقول إن «السعودية قامت بتمويل صفقة كبيرة لشراء أسلحة من كرواتيا، ونقلتها بعد ذلك إلى المقاتلين في سوريا». وأشار التقرير إلى أن مسؤولين أميركيين وأوروبيين أكّدوا أن الأسلحة بدأت بالوصول إلى سوريا عبر الأراضي الأردنية في كانون الأول عام 2012.
من جهتها، نفت الحكومة الكرواتية حينها ضلوعها في شحن أي سلاحٍ إلى سوريا، إلا أن السفير الأميركي في سوريا بين عامي 2011 و2014، روبرت فورد، أكّد أن زغرب وقّعت على اتفاق لنقل الأسلحة بتمويل سعودي. وهذا ما كشفته صحيفة كرواتية في تقرير نشرته في الشهر نفسه».
ومنذ ذلك الحين، بدأت تظهر هذه الأسلحة على مواقع التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، أظهرت ثلاث صور نُشرت على «تويتر» قاذفات قنابل في سوريا تحمل الرمز RBG-6، وهو طراز لا تصنّعه سوى كرواتيا. كذلك أظهرت مقاطع مصوّرة «الجماعات المعتدلة» المدعومة من قبل الولايات المتحدة، ومن ضمنها «كتائب نور الدين الزنكي».
وزغرب ليست الوحيدة التي رأت في الشرق الأوسط السوق المناسب للتخلص من بقايا حروب البلقان. ففي تموز الماضي، كشف تقرير لـBIRN وOCCRP أن ثماني دول من البلقان وشرق أوروبا (البوسنة، بلغاريا، كرواتيا، الجمهورية التشيكية، والجبل الأسود وسلوفاكيا وصربيا ورومانيا) قامت، منذ عام 2012، بتصدير أسلحة وذخائر بحوالى 1.2 مليار يورو إلى السعودية والأردن والإمارات وتركيا. وأضاف التقرير أن هذه الدول الأربع التي «تُعتبر من المورّدين الأساسيين للمعارضة السورية»، قامت بإعادة تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاع.
ومن ضمن الإثباتات التي قدمتها المنظمتان، وثيقة سرية من عام 2013 يشرح فيها مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الصربية احتمال أن تصل الأسلحة التي باعتها حكومته للسعودية إلى سوريا. وبعد تحليل معمّق، قالت المنظمتان إن ما يقرب من 70 رحلة في ذلك العام، «من المرجّح» أنها نقلت أسلحة إلى مناطق الصراع، ما دفع هيئة الطيران في صربيا إلى الاعتراف بأن 49 من هـذه الرحلات قامت بذلك بالفعل.
وفي سياق متصل، كشفت المنظمتان، العام الماضي، أن واشنطن اشترت وأرسلت كميات كبيرة من العتاد العسكري من وسط وشرق أوروبا إلى المعارضة السورية، وفق وثائق المشتريات الأميركية وبيانات تتبّع مسارات السفن، وأنه منذ كانون الأول عام 2015 غادرت ثلاث سفن شحن مستأجرة من قبل مركز قيادة العمليات الأميركية الخاصة موانئ البحر الأسود في منطقة البلقان متجهة إلى الشرق الأوسط.
«المجموعات المعتدلة» فقط؟
وفق تقارير «منظمة العفو الدولية»، فإن الأسلحة الكرواتية واليوغوسلافية لم تصل إلى ما يُعرف بـ«الجماعات المعتدلة» فحسب، بل وصلت أيضاً إلى تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة».
يقول الباحث والصحافي الاستقصائي أيليوت هيغينز، الذي كان من أوّل الذين لاحظوا استخدام المسلحين للأسلحة البلقانية في الحرب السورية، «لقد رأينا جماعات مثل داعش وجبهة النصرة تستخدم هذه الأسلحة، إلا أنّ كيفية حيازتها لها غير واضحة. من الممكن أن تكون هذه التنظيمات الارهابية قد سرقت الأسلحة، أو اشترتها منها، أو حصلت عليها بشكل مباشر».
وعلى الرغم من الاتهامات الموجّهة إلى كرواتيا، يجادل مسؤولون كرواتيون بأنّ السعودية قدّمت مستندات تزعم فيها أن قوات الشرطة وقواتها المسلّحة ستستخدم تلك الأسلحة ولن تُعيد بيعها أو تصديرها.
وعلى ما يبدو، فإن شحنات الأسلحة لا تزال تصل إلى سوريا، إذ أظهر مقطع مصوّر في كانون الأول من عام 2016 استيلاء الجيش السوري على شحنات من الأسلحة الكرواتية غير المستخدمة التي كانت في حوزة الجماعات المسلحة.
ارسال التعليق