ابن سلمان يجدّد الهجوم على قطر.. اعترافات مصوّرة وتجنيد القبيلة
تستمرّ حروب وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الكثيرة على غير جبهة. هجومه الأخير على لبنان ومحاولته تفجير الوضع الداخلي اللبناني قوبل بحائط صدّ منيع، الأمر الذي دفعه إلى التراجع والنزول عن الشجرة (إلى حين).
مع ذلك، لا يبدو أن المعارك الإقليمية لمحمد بن سلمان ستهدأ في المستقبل المنظور، على الأقلّ حتى تنصيبه ملكًا بشكل رسمي، فهو يسعّر حربه الإعلامية والسياسية ضدّ إيران ويعود لتحريك ملفّ إخضاع قطر عبر تطوير أدوات التأثير والضغط عليها.
نشرت صحيفة "عكاظ" السعودية في عددها السبت ما قالت إنه مخطّط إرهابي قطري جديد لضرب السعودية والإمارات، كشفته الأجهزة الأمنية في المملكة. في تفاصيل المخطّط الذي كتبت عنه "عكاظ"، قامت الدوحة "برصد مبلغ 75 مليون ريال قطري بالتنسيق المباشر مع المعارض السعودي المقيم في لندن سعد الفقيه لدعم متطلبات تنفيذ أعمال تخريبية وتجنيد مرتزقة للقيام بأعمال إرهابية داخل كل من السعودية والإمارات".
من المعلوم جيّدًا أن صحيفة "عكاظ" تُعتبر اللسان الناطق لوزارة الداخلية السعودية، ونشرها عن هذا المخطط المزعوم إنما هو تمهيد لمرحلة جديدة من التصعيد السعودي ضد قطر.
وفق معلومات خاصة من مصدر خليجي مطّلع، فإن أجهزة الأمن السعودية تمهّد مع هذا الاعلان لنشر أسماء مشايخ وشخصيات كانت قد اعتقلتهم في أيلول الماضي بتهمة الارتباط بجهات معادية وعلى رأسهم الداعية الموقوف سلمان العودة.
المرحلة الحالية ستتضمّن – بحسب المصدر – نشر معلومات وأسماء وخطط مزعومة لتورّط بعض الرموز من هؤلاء الشخصيات في التخطيط لعمليات تفجير واغتيالات.
المرحلة الثانية ستكون على شكل بثّ تسجيلات فيديو على القنوات الفضائية السعودية والاماراتية يظهر فيها هؤلاء المشايخ والشخصيات وهم يعترفون بالتخطيط لتنفيذ أعمال أرهابية لزعزعة الأمن في السعودية والإمارات بطلب من قطر.
هذه الخطوة السعودية ضدّ قطر ليست مفاجئة، نظرًا إلى أن الحرب الإعلامية بين الدوحة والرياض أخذت طابعًا متصاعدًا في الآونة الأخيرة، خاصة من الجانب القطري، حيث تقوم قناة "الجزيرة" بتركيز الهجوم الإعلامي على الرياض على صعد متنوّعة، بعد أن كان الهجوم القطري على السعودية في بداية الأزمة الخليجية مخفّفًا نوعاً ما.
المؤشّرات تدلّ على نيّة لدى ولي العهد السعودي تسعير الحملة الإعلامية على قطر في هذه المرحلة، وتكثيف الاتهامات بعلاقة النظام القطري بالارهاب، تحضيرًا لسيناريو تعمل الرياض على تهيئته ضدّ النظام في الدوحة. هذا السيناريو تتضح معالمه منذ أيلول الماضي، عبر تحريك العامل القبلي للدفع باتجاه التمرّد على تميم وأبيه في الدوحة وزعزعة حالة تماسك النظام.
العامل القبلي يعتبره كثيرون سلاحًا ذا حدّين، لكن على ما يبدو أنه سلاح لا بدّ منه، يحتاج إليه كل من محمد بن سلمان ووليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد في إطار محاولات إسقاط نظام الدوحة من الداخل بعد فشل الرهانات على الحصول على ضوء أخضر أمريكي لغزو قطر عسكريًا.
في السابع عشر من الشهر الجاري حشدت قبائل قحطان في السعودية عشرات الآلاف من أبنائها وجمعتهم في تجمّع قبلي نادر بـ "جوف بني هاجر" بمنطقة تقع في الصحراء بين الدمام والرياض. جرى التحضير للحفل القبلي منذ بدايات الشهر الماضي، وهو أُعلن للتضامن مع شيخ شمل الهواجر في قطر شافي بن ناصر بن حمود آل شافي، الذي سُحبَت جنسيته القطرية على خلفية مواقفه المؤيّدة للدول الأربع المقاطعة لقطر.
لم يكن هذا التحشيد القبلي الأول من نوعه، حيث جرى في السادس عشر من أيلول الماضي تحشيد آخر لقبائل "آل مرة" في الأحساء تضامنًا مع الشيخ طالب بن لاهوم آل مرة الذي سحبت الدوحة جنسيته أيضًا مع 55 آخرين من أفراد قبيلته المرّيين بسبب تأييدهم خطوات السعودية وحلفائها ضد النظام القطري. وكان محمد بن سلمان قد استدعى المشايخ المرّيين في بداية الأزمة الخليجية وحصل على مواقف منهم مؤيّدة لمقاطعة قطر.
وفي حفل الهواجر القحطانيين، تحدّث سلطان بن سحيم آل ثاني، ابن عمّ أمير قطر تميم بن حمد، الذي توعّد النظام في الدوحة قائلًا: "الخبر ما سترون لا ما تسمعون"، ومخاطبًا الحشد القبلي بالقول: "لو أننا سرينا الليل، لأصبحنا على ضفاف الخليج"، في تلميح إلى سيناريو غزو قطر. لكن فكرة الغزو القبلي لقطر دونها عوامل عديدة تحول دون نجاحها. على الرغم من وجودها على طرفي الحدود القطرية – السعودية، إلّا أن القبائل التي يعمل مستشار الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني على تحريكها، شأنها شأن باقي القبائل في عامة دول الخليج التي طوّعتها الأنظمة وسلبتها قوّتها التاريخية لصالح الدولة.
كثيرٌ من المراقبين والمتابعين لملفّ الأزمة الخليجية يرون أن تحريك الورقة القبلية اليوم في المعركة ضدّ قطر دونه مخاطر كثيرة ويُعدّ سيفًا ذو حدّين. تاريخيًا، غزا وتوسّع مؤسّس المملكة السعودية الثالثة عبد العزيز آل سعود في مناطق الجزيرة العربية اعتمادًا على توظيف قوة القبائل المشحونين بالآيديولوجيا الوهابية. استمرّ توظيف القبيلة والدين زهاء 25 سنة، حتى اكتمل مشروع إعلان تأسيس الدولة، وتصادمت مصالح مشايخ القبائل الذين أرادوا استكمال مشروعهم "الجهادي" شمالًا في العراق والأردن وسوريا وشرقًا في الكويت وقطر والبحرين، مع مصالح الإنكليز، فحاربهم عبد العزيز بمؤازرة سلاح الجو الملكي البريطاني وأذلّ رؤوسهم حتى خضعت القبائل النجدية.
لاحقًا مع اكتشاف النفط وتمتّع النظام بمصادر الثروة، أصبحت القبيلة أكثر انصياعًا للأسرة المالكة السعودية، وأصبح شيخ القبيلة موظّفًا لدى الأمير الذي يشتري ولاءات عبر صرف مبالغ مالية لرؤوس القبائل لتوزيعها على الأفخاذ وأفراد القبائل، ويوظّف أبناء القبيلة في وظائف الدولة المدنية منها والعسكرية (الحرس الوطني).
لكن بما أنّ آل سعود فشلوا في تكوين نظام موازٍ قادرٍ على صهر الإنتماءات الفرعية الموجودة في الدولة، القبلية أو المناطقية أو
المذهبية، يمكن القول إنه على الرغم من الإنحلال الهيكلي للقبيلة كتنظيم اجتماعي غير محدَّث، فإن الإنتماء والتضامن القبليين لا يزالان مظهرين بارزين في المجتمع.
وبسبب السياسة التي ينتهجها محمد بن سلمان في الداخل، والتحوّلات والانعطافات السياسية والاقتصادية التي تمرّ بها الرياض اليوم كفاتورة لتولّي ابن سلمان العرش، فإن القبيلة عادت لتطرق الأبواب السياسية والاجتماعية بقوّة. القبيلة التي يُصيبها اليوم ما يصيب المجتمع السعودي عامّة جرّاء الأزمة الإقتصادية وسياسة التقشّف، بدأت تسعى لجذب أبنائها خارج السعودية خاصة من دول الخليج، تأكيدًا للأواصر القبلية، محاولةً إيجاد برامج خاصة بأبناء القبيلة لحلّ مشاكلهم الإقتصادية، وتشكيل صناديق تعاضدية وتبرعات، وتفعيل العلاقات واستثمار علاقاتهم لتوظيف العاطلين منهم عن العمل.
هذا الواقع ليس في مصلحة الدولة المركزية ولا مشاريع محمد بن سلمان المستقبلية، التي تسعى لجذب فئة الشباب كونها الأكبر من حيث نسبة السكان، والقبيلة حكمًا خزّان هذه الفئة. إذًا، مغامرة وليّ العهد السعودي اليوم عبر محاولة تجنيد القبيلة لخوض معركته مع قطر ستكون محفوفة بالمخاطر، ولا شيء يضمن عدم تشكّل حالات تمرّد اذا استمرّ مسلسل الهزائم والضعف الذي يتجلّى بشكل واضح في الرياض، فالقبائل المقموعة سياسيًا منذ عقود والفاقدة للريع والدعم الاقتصادي حاضرًا، لن توفّر فرصة ملأ الفراغ الناتج عن ضعف السلطة في المرحلة القادمة، ومن هنا تنبع إشكالية العامل القبلي غير مضمون العواقب.
بقلم : علي مراد
ارسال التعليق