استهدفت قتلة خاشقجي.. ماذا تعني العقوبات البريطانية على مملكة آل سعود؟
التغيير
في 31 يناير 2020 صدر قرار خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي بما عُرف باتفاق "البريكست"، ولم تعد مرتبطة بأكبر كيان سياسي في تاريخ القارة العجوز، وصار بإمكانها التحرك سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بحرية أكبر، غير مرتبطة بدول الاتحاد الأخرى التي بقيت معها نصف قرن من تاريخ انضمامها.
وكان من أبرز مهام مجلس الاتحاد الأوروبي الرئيسية، الذي كانت لندن جزءاً منه، هو اتخاذ القرارات التطبيقية للسياسة الخارجية والأمنية العامة، وذلك على أساس التعليمات العامّة المتخذة بالمجلس الأوروبي.
قانون عقوبات بريطاني
وفي 6 يوليو 2020، أعلنت وزارة الخارجية البريطانية أنها ستفرض عقوبات جديدة على دول وشخصيات لانتهاكاتها لحقوق الإنسان، تتصدرها مملكة آل سعود وروسيا والصين، بسياسة مختلفة لأول مرة عن الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بفرض عقوبات منفردة من قبل لندن على بلدان معينة.
وابتداء من تاريخ هذه العقوبات ستحظى المملكة المتحدة بصلاحيات جديدة لمنع دخول المتورطين في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان إلى بريطانيا وحرمانهم من نقل الأموال من خلال مصارفها والاستفادة من اقتصادها.
لندن أكّدت أن عقوباتها الجديدة هي "مثال واضح للكيفية التي ستساعد المملكة المتحدة العالم من خلالها على اتّخاذ موقف من أجل حقوق الإنسان"، مبينة بالقول: "لن نسمح لأولئك الذين يسعون لإلحاق الألم وتدمير حياة ضحايا أبرياء من الاستفادة مما توفّره المملكة المتحدة".
وذهبت إلى أن "الأهداف المستقبلية للنظام قد تشمل أولئك الذين يرتكبون عمليات قتل غير قانونية ضد الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي أو الأنشطة التي يعد دافعها دينياً أو عقائدياً".
وسيطبق النظام في المجمل على الأشخاص الذين "يسهّلون ويحرّضون على ويروّجون لهذه الانتهاكات أو يدعمونها، إضافة إلى أولئك الذين يتربحون مالياً من الانتهاكات لحقوق الإنسان".
شخصيات سعودية
ورغم أن علاقات آل سعود وبريطانيا تعتبر تاريخية فإن العقوبات الجديدة لا تستهدف الحكومة بقدر ما تستهدف شخصيات ذات نفوذ سابق، أقيلت من مناصبها، ثم بُرئت من جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول عام 2018، فيما حكمت بإلإعدام على خمسة أشخاص آخرين على خلفية قتله نهاية عام 2019.
وكانت المملكة المتحدة من أوائل الدول التي اعترفت بمملكة آل سعود عام 1926، وافتُتحت أول سفارة للرياض في لندن عام 1930، وازدادت العلاقات قوة مع الزمن، حيث يوجد اليوم أكثر من 200 مشروع مشترك بين شركات تابعة لنظام آل سعود وشركات بريطانية، بقيمة تقدر بـ 17.5 مليار دولار، ويعيش ويعمل قرابة 30 ألف مواطن بريطاني في مملكة آل سعود، كما أن المملكة هي الشريك الأساسي للتجارة البريطانية في الشرق الأوسط.
وتوترت العلاقات البريطانية مع آل سعود أكثر من مرة، لكنها بقيت في إطار التعاون، وانتهت الخلافات بفترات وجيزة، لعل من أهمها ما يعرف بـ قضية "البريمي" عام 1963، وصفقة "اليمامة" عام 2005.
وبعد زمن بعيد، وفي ظل ضغوط المجتمع المدني البريطاني على الحكومات المتعاقبة البريطانية، وخصوصاً بعد جريمة خاشقجي وحرب اليمن، تبنت وزارة الخارجية فرض عقوبات على شخصيات سعودية.
وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، قال أمام البرلمان، في 6 يوليو 2020: إن "أول عقوبات ستشمل هؤلاء الأفراد الذين شاركوا جريمة قتل الكاتب والصحفي جمال خاشقجي الوحشية".
وتشمل لائحة العقوبات البريطانية المستشار السابق في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، وأحمد العسيري نائب رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق، وضباطاً في جهاز المخابرات.
الخارجية البريطانية اتهمت القحطاني بأنه من "خطط وأدار عملية قتل جمال خاشقجي مستعيناً بفريق من 15 شخصاً"، كما أكّدت أن العسيري متورط في الجريمة، وكان مسؤولاً كبيراً ضمن فريق الاغتيال.
الأمور لم تنته عند الحكومة، حيث انتقلت إلى النواب، وطالبت عضوة مجلس العموم البريطاني، ليزا نادي، بملاحقة "المجرمين الذين قتلوا جمال خاشقجي"، داعية لندن إلى اتخاذ "سياسة أكثر شدة تجاه آل سعود، والتوقف عن بيع الأسلحة لها".
وشددت نادي على أنه يجب اتخاذ إجراءات ضد مملكة آل سعود بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والخروقات في اليمن.
وتعد بريطانيا ثاني أكبر مصدر للسلاح إلى المملكة بعد الولايات المتحدة، وشكلت مشتريات الرياض 43% من إجمالي مبيعات السلاح البريطاني بين 2008 و2018.
الحكومة البريطانية تعهدت، في يونيو 2019، بأنها لن تمنح المزيد من تراخيص تصدير الأسلحة للسعودية، بعد قرار قضائي يلزم بوقف التصدير.
وفي مارس 2020، قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن مملكة آل سعود اشترت أسلحة بريطانية بقيمة تبلغ نحو 5.3 مليارات إسترليني (6 مليارات دولار)، منذ دخولها لمساندة حكومة هادي في الحرب اليمنية عام 2015.
أهمية الخطوة
يعتقد الصحفي المختص بالشأن الأوروبي، محمد فتوح، أن الخطوة التي قامت بها بريطانيا تأتي رمزيتها الأساسية من كونها "أول خطوة من جانب بريطانيا لفرض عقوبات بشأن حقوق الإنسان بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، لتجاري العقوبات التي اتخذها الاتحاد".
ويؤكد أن القانون الذي يشمل متهمين باغتيال خاشقجي، "هم نفسهم الذين أعلنت مملكة آل سعود محاكمتهم"، مشيراً إلى أنها "خطوة تجاري الاعتراف السعودي بهذه القضية، لكنها تعتبر اختراقاً في علاقات آل سعود مع بريطانيا".
ويرى، في سياق حديثه أن هذه العقوبات "اقتصادية بالدرجة الأولى كما قال راب، أي إنه لن يسمح لهؤلاء المتهمين بالسحب من البنوك البريطانية والتسوق فيها، ومن ثم فربما هي إشارة جدية لبريطانيا لقضايا حقوق الإنسان وتعتبرها قضية أساسية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي".
وأضاف: "البعض يراها تغيراً في الموقف البريطاني إزاء حلفاء تقليديين في المنطقة، فيما يرى البعض أنها تأتي في سياق الموازنة لقرار بريطانيا بالاستمرار بصفقات الأسلحة الكبيرة، وبنفس الوقت تقول إنها توازن في جانبها الأخلاقي وحقوق الإنسان".
ويشير إلى أن بريطانيا، خلال الفترة الماضية، "كانت تقول إنها تراعي قضايا حقوق الإنسان والانتهاكات المرتكبة مثل قضية خاشقجي"، لكنه يرى أن "هذه العقوبات لها أهمية كبيرة، لكونها تأتي وبريطانيا تعد مركزاً مالياً مهماً بعد الولايات المتحدة".
وأضاف لوسائل إعلامية: "بالتأكيد العقوبات المالية إذا توسعت فستشمل أطرافاً ومؤسسات رسمية أو من لهم علاقات اقتصادية في بريطانيا، وقد يؤثر على بعض الأنشطة في بريطانيا أيضاً".
حدود التأثير
ورحب وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بالعقوبات البريطانية الجديدة، والتي قال إنها تعزز المحاسبة ضد الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان، مضيفاً في تغريدة على "تويتر" أن المملكة المتحدة هي شريك وثيق للولايات المتحدة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
كما قالت الخارجية الأمريكية في بيان إن نظام العقوبات البريطاني يكمل جهود الولايات المتحدة وكندا في هذا المجال، ويمنح المملكة المتحدة أداة اقتصادية جديدة قوية لتعزيز المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق عالمي.
ويرى المحلل السياسي اللبناني محمود علوش، في حديثه لوسائل إعلامية، أن تأثير هذه العقوبات على العلاقات البريطانية مع مملكة آل سعود "سيكون محدوداً للغاية".
ويشير، في حديثه، إلى ما قامت به إدارة ترامب، بقوله: "فرضت عقوبات في هذه القضية لكنّها فعلت كل ما بوسعها لطي القضية وإبعاد الشبهات عن الأمير محمد بن سلمان. هذا النوع من العقوبات بات تقليداً في السياسات الغربية التي تريد القول.. أنا ما زالت متمسكاً بحقوق الإنسان وأفرض العقوبات لأجلها حتى على حلفائي. لكن الواقع مختلف".
وأضاف: "أي عقوبات تُفرض في قضية خاشقجي من أي جهة كانت، لن تكون لها أي قيمة فعلية ما دام أنها تعترف بشكل ضمني بالمحاكمة التي تُجريها مملكة آل سعود، وما دام أن فرضية تورط ابن سلمان خارج النقاش".
وتابع: "الأمير محمد هو مشروع الملك المستقبلي، والبريطانيون معنيون بتعزيز علاقتهم به ولن يقدموا على أي مغامرة بهذا الخصوص. هم بحاجة لأصدقاء جدد بعد مغادرتهم الاتحاد الأوروبي لا خسارة أصدقاء حاليين بسبب قضية لا تمس مصالحهم".
ارسال التعليق